البحث

عبارات مقترحة:

المقتدر

كلمة (المقتدر) في اللغة اسم فاعل من الفعل اقْتَدَر ومضارعه...

المقدم

كلمة (المقدِّم) في اللغة اسم فاعل من التقديم، وهو جعل الشيء...

الرزاق

كلمة (الرزاق) في اللغة صيغة مبالغة من الرزق على وزن (فعّال)، تدل...

ما ضرب رسول الله شيئًا قط

العربية

المؤلف حمزة بن فايع آل فتحي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - السيرة النبوية
عناصر الخطبة
  1. شخصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- من خلال حديث عائشة: "ما ضرب رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- شيئا قطُّ بيده..." .
  2. أخلاق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع أهله وخدمه .
  3. صبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- على الأذى وعفوه وصفحه .
  4. انتقام الرسول -صلى الله عليه وسلم- لحرمات الله إذا انتُهكت .
  5. التعلم من شخصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- والانتهال من ينابيعها .

اقتباس

تعلموا من سيرته -يا مسلمون-، وانهلوا من شخصية الرسول الأعظم -عليه الصلاة والسلام-، وانظروا كيف بهر َالناس بأخلاقه، وأسرهم بأفعاله، طيبٌ وجمال، ورفقٌ ورحمة، ولطفٌ وحلم، وتعلم مرة أن تطبقها في حياتك، وأن تعيش روح الأخلاق النبوية، وأن تدرك أن...

الخطبة الأولى:

اللهم لك الحمدُ كله، ولك الملكُ كله، وبيدك الخير كله، عز جاهك، وجلّ ثناؤك وتقدست أسماؤك، لك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالقرآن. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد: فاتقوا الله -يا مسلمون-، وأقبلوا على دينكم وطاعة ربكم: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)[الطلاق: 2-3].

معاشر المسلمين: لمن يسأل عن شخصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكيفية تعامله مع الناس، ومتى يكون ورضاه غضبه؟!

استمع إلى عائشة أم المؤمنين -رضي الله تعالى عنها- وهي تلخص شخصيته، وحسن خلقه صلى الله عليه وسلم كما في المتفق عليه: "ما ضرب رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- شيئا قطُّ بيده، ولا امرأةً ولا خادما إلا أن يجاهدَ في سبيل الله، وما نيلَ منه شيءٌ قط، فينتقمُ من صاحبه إلا أن تنُتهكَ شيءٌ من محارم الله، فينتقمَ لله -عز وجل-"، وهذا نصٌ من طراز فريد، عالي الجودة، وناصع البرهان والمحجة، في كشف الشخصية النبوية، والتعلم من حليتها.

فتعلموا -يا مسلمون- من سيرته‏، وتهذبوا من شخصيته، وخذوا من آدابه وخلقه.

يا من له الأخلاقُ ما تهوى العلا

منها وما يتعشّق الكبراءُ

زانتك في الخُلُق العظيم شمائلٌ

يُغري بهن ويُولع الكـرماءُ

وإذا رحمتَ فـأنت أمٌّ أو أبٌ

هذانِ فـي الدنيا هما الرحماءُ

وإذا غضبتَ فإنما هي غضبةٌ

في الحب لا ضِغنٌ ولا بغضاءُ

وهنا ثلاث قضايا: أولها: رسول الله في بيته، تتقاطر أخلاقه، ويسود حلمه؛ كما قال ربه في مدحه: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[القلم: 4]، فلا يضرب خادما، ولا يعنّف امرأةً، بل يتحاشى الضرب غالبا عليه الصلاة والسلام، ويعالج بالتي هي أحسن، خلافا لبعضنا، ضرب للأطفال، وصياح على الخدم، وظلم للعمالة، وقد رؤي من يجلد أطفاله جلدا، ويهين عماله إهانة، ويضرب نساءه ضربا عنيفا.

وصورت مقاطع يندى لها الجبين، تفصل بين تديننا، وعلاقتنا بأهلينا وبيوتنا، ‏فكيف يستقيم ذلك؟! وهل تبقى له في قلوبهم محبة؟!

لقد خدم أنسٌ -رضي الله تعالى عنه- رسول الله عشر سنين لم يشتكِ منه، ولم يقل له لشيء فعله ألا فعلتَه، ولا لشيء لم يفعله هلّا فعلتَه؟

وليس من الحكمة التربوية استعمالُ الضرب لا بالعصا ولا باليد، وقد أبيح في ظروف محدودة، وإلا فالأصلُ الرحمة والرفق، والكلامُ بالتي هي أحسن، كما قال عز وجل: (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ)[الإسراء: 53] هل تعرفون التي هي أحسن؟ والمحببة إلى النفوس، والجاذبة للأرواح، إن جماعها حسنُ الخلق، والطيبة والاستلطاف.

ثانيا: صبره على الأذى، ومنعُ نفسه الانتقام؛ لأن نفسه عليّة، وشخصيته كبيرة، لا ينتقم ولا يحمل، بل يعفو ويصفح، كما قال عز وجل: (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[آل عمران: 134].

لما عفوتُ ولم أحقد على أحد

أرحتُ نفسيَ من هم العداواتِ

وهذا خلق عالٍ رفيع، يتجاوز به المرأة حظوظَ النفس، ويتغلب على عدوانيتها، ويتطلع الى ما عند الله -تعالى-: (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)[الفرقان: 63]، قال تعالى: (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)[الشورى: 43] يعتدي الظالم، ويتجبّر المتحامل، ويتاح للمرءِ فرصةُ الانتقام، ولكنه يترفع، ويصبر، ويحتسب كما قال جعفر الصادق -رحمه الله-: "لأن أندمَ على العفو عشرين مرةً، أحب إلي من أندمَ على العقوبة مرةً واحدة".

وقد عفا صلى الله عليه وسلم العفو العظيم، في المقام العظيم، حينما دخل مكة فاتحا منصورا، وقد طردوه قبلها، ووقعوا فيه، حتى أمكنه الله منهم سنة ٨ من الهجرة، فقال مقولته المشهورة: "اذهبوا فأنتم الطلقاء".

‏ثالثها: شرعية الانتقام إذا انتُهكت محارم الله، أي عُبث بحدوده، واختُرقت حقوقه، وتلوعب بشرائعه، فحينئذ يتحتم الغضبُ، ويشرع الانتقام ويجب المسارعة لله، ولحماية دينه، لا للنفس ولا أهوائها.

وهكذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غضوبا إذا ارتُكبت الحرمات، ولما شفع أسامة بن زيد -رضي الله عنه- في المرأة المخزومية، التي كانت تستعير المتاع وتجحده، غضب عليه ولامَه، وقال: "أتشفعُ في حد من حدود الله، والله لو أن فاطمة بنت محمدٍ سرقت لقطعت يدها" فأين الذين يتساهلون في الحرمات، ويشرعنون الحرية المزيفة؟! تقليدا للغرب، وأن للفرد فعل ما يشاء، ولا علاقة للناس به، كلا، فهذا منطق باطل، وسلوك مذموم، فالمؤمنون نصَحة، والمنافقون غشَشة، والله يقول: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)[آل عمران: 104]ٍ.

فاللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها، لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم…

الخطبة الثانية:

‏الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: أيها الإخوة الفضلاء: جديرٌ بِنَا تعلّم هذه السيرة، والانتهال من ينابيعها، فتعلموا من سيرته -يا مسلمون-، وانهلوا من شخصية الرسول الأعظم -عليه الصلاة والسلام-، وانظروا كيف بهر َالناس بأخلاقه، وأسرهم بأفعاله، طيبٌ وجمال، ورفقٌ ورحمة، ولطفٌ وحلم، وتعلم مرة أن تطبقها في حياتك، وأن تعيش روح الأخلاق النبوية، وأن تدرك أن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، ولا نُزع من شيء إلا شانه.

والغضب كله مذموم الا ما كان لله ولشريعته.

وجرب أن تذهب إلى عملك أو تجارتك، وأنت هادئ ساكن، تصفح ترفق، وتبتسم تشكر، ولا تكثر من النقد والتعليقات والمعتبة، وإنما تغضب إذا انتهكت محارم الله، ومُست شريعته؛ جرب ذلك، فإنك حينها ستشعر بالراحة والسعادة، وستكتب لك محبة في قلوب الخلق؛ لأنك أسرتهم بأخلاقك، وعشت الشخصية النبوية، التي تمنح وتعطي، وتجود وتتواضع، فلا تقول إلا خيرا، ولا تفعل إلا حسنا.

وهذه الشخصية الساحرة التي تخترق الأجيال، وتمتد في الآفاق، وتصنع ما لا تصنعه الخطب ولا المحاضرات، وجماعها حسن الخلق: "وإنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".

‏وتأمل الناس، وانظر أحوالهم، ونحن في هذه البلاد المباركة وقد خالطت الناس واستمعت إليهم، ورأيت الصور، وشهدتَ المجامع، وطالعت الأخبار رأيت الناس وألسنتهم تكاد تتفق على مدح حملة الأخلاق، وعلى الثناء على الطيبين البررة، الموطئين أكنافا في الخلائق، الذين لا أذى ولا متاعب، فخذ من أولئك وتشبه بهم.

فاللهم حسّن أخلاقنا، وأصلح شمائلنا، إنك جواد كريم.

وصلوا وسلموا -يا مسلمون-.