الوهاب
كلمة (الوهاب) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) مشتق من الفعل...
العربية
المؤلف | حمزة بن فايع آل فتحي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
سارعوا واهتبلوا الفرص، وبادروا لا تتكاسلوا، وسابقوا ولا تكونوا ممن سوّف أو تردَّد أو أخَّر. تسبيحةٌ ترفعك، وصدقةٌ تظلّلك، وإماطةُ أذى تُسعدك..، فَلِمَ الانتظارُ والتأخر؟!.. فيا لله! كم نحن في غفلة، ولم نستشعر خطرَ هذه الحياة، وخطر فتنتها، التي تستلبُ العقول...
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله رب العالمين، وليِّ الصالحين، وخالقِ الخلق أجمعين، حضَّ ربُّنا -تعالى- على المسارعة، وندَبنا إلى المسابقة (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)[المطففين:26]، وصلّى الله وسلم على نبينا محمد القائل: "بادروا بالأعمال".
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد: فاتقوا الله يا أولي الألباب، مَن فقهوا الحياة، وعاينوا شرّها وخيرها؛ (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)[الطلاق:5].
معاشرَ المسلمين: أُمِرَ الصحابة ذاتَ مرَّة أن يتصدقوا، يقول الفاروق عمر -رضي الله عنه-: "ووافق ذلك مني مالاً، فقلت: اليومَ أسبقُ أبا بكر. قال: فجئتُ بنصف مالي"، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَا أبقيتَ لأهلك؟"، فقلت: مِثْلَه. وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال -صلى الله عليه وسلم- له: "ما أبقيتَ لأهلك؟"، قال: أبقيتُ لهم الله ورسوله، قال عمر: "لا أسبقه إلى شيء أبدًا".
وهكذا هم المُجدّون في الحياة، والمسارعون إلى الله، والمبادرون إلى راحتهم ونجاتهم.
همُ المجدّونَ شقّوا المجد والسبلا | وقدموا للمصير الحقِّ ما جملا |
همُ المجدونَ لا عجزٌ ولا خورٌ | تراهمُ الغيثَ منثورًا وقد حللا |
يا مسلمون: نحنُ في زمن المهلة، وأوقات الراحة والسعة، وفي دار الابتلاء، والمسلمُ مندوبٌ إلى العمل والمسارعة في الخيرات، يقول -تعالى-: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)[الحديد:21].
وتصور كيف أن سباقنا في الدنيا مستديم، وتقاتلَنا عليها متزايد، لكأنها خلودُنا الباقي، ومصدرُ عزنا وفلاحنا!! وينسى كثيرٌ منا الموت والقيامة، والمصير والمعاد، وحسابه المرصود، وعودته إلى ربه، قريبًا أو بعيدًا؛ (وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ)[الأنعام:94]؛ إنَّ كل مجموعٍ متنازعٍ عليه، ستغادره وتأتي إلى الله فردًا.
وإذا كانت الدنيا مغريةً، ووعينا المسارعةَ والمسابقة، وكنا أصحابَ جلَدٍ فيها، فلنحذر ولنتعظ، ولتكن المسارعةُ على الأعمال الصالحات، والقربات النافعات، كما قال عز وجل: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)[المطففين:26]، وهي الجديرة بالتنافس والتسابق.
وأخرجَ مسلمٌ -رحمه الله- في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-، أن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم؛ يُصبح الرجلُ مؤمنًا، ويمسي كافرًا، ويصبح كافرًا ويمسي مؤمنًا، يبيعُ دينه بعَرضٍ من الدنيا".
فيا لله! كم نحن في غفلة، ولم نستشعر خطرَ هذه الحياة، وخطر فتنتها، التي تستلبُ العقول وتنطمسُ معها البصائر، ولا مخرجَ منها إلا بالأعمال الصالحات، والحسنات الطيبات.
والحديثُ يقول: "بادروا بالأعمال"، أي: سارعوا واهتبلوا الفرص، وبادروا لا تتكاسلوا، وسابقوا ولا تكونوا ممن سوّف أو تردَّد أو أخَّر.
تسبيحةٌ ترفعك، وصدقةٌ تظلّلك، وإماطةُ أذى تُسعدك..، فَلِمَ الانتظارُ والتأخر؟!
قال الله في مدح المسارعين: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)[الأنبياء:90].
ومما يقوّي المبادرة ويحضّ عليها: خوفُ الفتن، وخوفُ وقوعها، فإنها إذا وقعت، حرَمت ومنعت، وشَغلت المرءَ بهولِها وشرها؛ قال -تعالى-: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[الأنفال:25]؛ أي تعُم فتُفْنِي، وتقع فتُعمي وتُصم؛ عافانا الله وإياكم من ذلك.
ويقويها تأملُ الناس، وهلاكُهم ومصارعُهم، وتذكرُ ما عند الله، من ثوابٍ زاخر، وجنانٍ باهرة، (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[السجدة:17].
هنالكَ جناتٌ أُعدت وأُزلفت | لأربابِ صدقٍ كانوا بالأمس قُوّما |
ولذلك عقّبها الحديث بالتحذير من الفتن، ووصف -عليه الصلاة والسلام- تلكم الفتن المُدلهمات، وهذه المحن القاتلات بقوله: "فتنًا كقِطعِ الليل المظلم".
هل جربتم سوادَ الليلَ وأحسستم بفقدانِ النور والكهرباء؟! كيف تختلطُ الأمور، ويغتمُّ الناس؟! فكذلك الفتن، كالظلام الدامس، وكالليل البَهيم، حيرةً وغمًّا وضياعًا وضلالاً.
اللهم جَنِّبْنَا الفتن، ما ظهر منها وما بطن. أقولُ قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله رب العالمين، والعاقبةُ للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوةُ الكرام: ومن شؤمِ الفتن، وسوئها، وسوء عاقبتها أن تُؤثِّرَ على دين الناس، وتعكر إيمانهم، "يصبح الرجل مؤمنًا، ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا؛ يبيعُ دينَه بعرَضٍ من الدنيا".
حيث يتقلبُ الناسُ مع مصالحهم، وتضعفُ عقائدُهم، ويسقطون في مراتع الدنيا، التي تحملُهم على بيع دينهم بعرض من الدنيا قليل. فيا غبنَ البائع!، ويا حسرةَ المستفيد!، أيُّ فائدة تعود على الإنسان، إذا خسر دينَه، وتشبثَ بدنياه. اللهم لا تجعلِ الدنيا أكبر َ همنا، ولا مبلغ علمنا.
والواجبُ يا مسلمون: تقوى الله، وبدارُ النفس ومجاهدتها، وحملُها على المسارعة قبل حصول الفتن، ونزول الأرزاء، التي تَعصفُ وتخطفُ وتجرفُ.
ومما يعينُ على المبادرة في روح المسلمَ: الاطلاعُ النافع، وصحبةُ المسارعين الصلحاء، والتباعدُ عن مواطن الفتن، وسؤالُ الله الإعانةَ والثبات، وكثرة الذكر والاستغفار.
ومن محاسن الأدعية النبوية: "اللهم اهْدِني وسَدِّدْنِي"، و"اللهم أعِنِّي على ذِكْرك وشكرك"، و"اللهم يا مُقلِّبَ القلوب ثَبِّت قلبي على دينك"؛ فتعلَّمها، وعَلِّمها أهلك وأبناءك.
وصَلُّوا وسَلِّمُوا يا أبرار على السيد المختار.