العلي
كلمة العليّ في اللغة هي صفة مشبهة من العلوّ، والصفة المشبهة تدل...
العربية
المؤلف | أسامة بن عبدالله خياط |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحديث الشريف وعلومه |
فالحرصُ على ما ينفع العبد أصلُ كلِّ ما يكون به فلَاحُه وسعادتُه في دُنياه وأُخراه، والاستعانةُ بالله -تعالى- بالثقة فيه -سبحانه-، والالتجاء إليه، والاعتماد عليه، أصلُ القَبول، وسبيلُ الثواب، وطريقُ الهداية إلى صراط الله المُستقيم...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الهادي لمن استهداه، الكافي لمن تولَّاه، أحمده -سبحانه-، حمدًا يُبلِّغنا رضاه، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، ولا ربَّ ولا إلهَ سواه، وأشهد أنَّ سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله، وأمينُه على وحيه ومصطفاه، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِكَ ورسولِكَ محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اقتفى أثرَه واتَّبع هداه.
أما بعدُ: فاتقوا عبادَ اللهِ؛ (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[الْبَقَرَةِ: 281].
أيها المسلمون: أصلانِ عظيمانِ جامعانِ لكل أسباب التوفيق ومجامع الخير، تضمَّنَتْهما وصيةٌ نبويةٌ عظيمةٌ، جاءت في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، والإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا لَمْ يُصِبْنِي كَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ؛ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ".
عبادَ اللهِ: إنَّ الحرصَ على ما ينفع، والاستعانةَ بالله بالثقة فيه، والاعتماد عليه، والتوكُّل واللُّجوء إليه، هما بمنزلة طريقين؛ من وُفِّقَ إلى السير فيهما كان هو المُوفَّق إلى بلوغ ما يُؤمِّل، والسلامةِ ممَّا يرهَب؛ وذلك بإدراك كلِّ خيرٍ في العاجِلة والآجِلة.
وأعلى ذلك وأشرفُه وأعظمُه الحَظوةُ برضوان الله، والنظرُ إلى وجهه الكريم في جنات النعيم، وتلك هي الزيادة التي وَعَدَ اللهُ بها الذين أحسَنوا العملَ وأخلَصوا القصدَ: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[يُونُسَ: 26].
فقد جمَع النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بين هذين الأصلَينِ العظيمينِ أبلغ جمعٍ وأدلَّه على المقصود، حين أمَر بالحرصِ على الأسباب، وبالاستعانة بالمُسبِّب -سبحانه-، ونهى عن العجز؛ إمَّا بالتقصير في طلب الأسباب وعدم الحرصِ عليها، وإمَّا بالتقصير في الاستعانة بالله وتَرْك تجريدِها.
والدينُ كلُّه -كما قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "تحتَ هذه الكلمات النبوية".
فالحرصُ على ما ينفع العبد أصلُ كلِّ ما يكون به فلَاحُه وسعادتُه في دُنياه وأُخراه، والاستعانةُ بالله -تعالى- بالثقة فيه -سبحانه-، والالتجاء إليه، والاعتماد عليه، أصلُ القَبول، وسبيلُ الثواب، وطريقُ الهداية إلى صراط الله المُستقيم، فإذا حرِصَ المرءُ على ما ينفعه، ولا أنفعَ له في دُنياه وآخرته من عبادة ربِّه التي هي غايةُ خلقِه، كما قال -تعالى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات: 56].
والعبادةُ هي فعلُ كل ما يُحبُّه اللهُ -تعالى-، وتركُ ما ينهى عنه؛ مُبتغيًا بذلك وجهَه، مُتابِعًا فيه رسولَه -صلى الله عليه وسلم-، فالعبادة كما تكون صلاةً، وصيامًا، وحجًّا، وزكاةً، تكون كذلك شُكرًا، وصبرًا، ورضًا، وشوقًا إلى الله، ودُعاءً، وتذلُّلًا، وتضرُّعًا، وإخباتًا، وإنابةً، وخشوعًا له وحدَه -سبحانه-.
وتكون أيضًا أكلًا للحلال الطيِّب، واجتنابًا للحرام الخبيث، وأمرًا بالمعروف، ونهيًا عن المنكر، وبِرًّا بالوالدينِ، وحُسْنَ خُلق، وتوقيرًا للكبير، ورحمةً بالصغير والمسكين، وصِدْقًا في الحديث، وأداءً للأمانة، ووفاءً بالعهد، واجتنابًا للرِّبا، وسائر ما حرَّم اللهُ، وغضًّا للبصر، وحفظًا للفَرْج، وصيانةً للعمر من ضياعه في الفُضول؛ من المُخالَطة والنظر والكلام والأكل والنوم، ودعوةً إلى الله على بصيرةٍ: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)[الأنعام: 162-163].
وإذا استعان بالله وترَك عبادةَ ما سِواه، وفي الطليعة من ذلك: عبادةُ الشيطان، الذي قال الله في التحذير من عبادته: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)[يس: 60]، وعبادتُه هي طاعتُه فيما يأمرُ به من الكفر بالله والشرك به.
فإذا فعَل ذلك فقد أخَذ بمجامع أسباب التوفيق، وحَظِيَ بيُمن هذه الوصية النبوية، وكان له من حُسْن التأسِّي وكمال الاقتداء بسيد الأنام -عليه أفضل الصلاة وأتم السلام-، ومن صِدْق الاتباع لهديِه ما يكونُ أعظمَ عونٍ له على بلوغ الحياة الطيبة، والظَّفَر بالجزاء الضافِي الكريم، الذي أعدَّه اللهُ بالجنة للمتقين المُوفَّقين إلى الخيرات في الأيام الخالية.
فاتقوا الله -عباد الله-، واستَجِيبوا لهذا التوجيه النبوي الذي تضمَّنته هذه الوصيةُ العظيمةُ، واحرِصوا على ما ينفعُكم في دينِكم ودُنياكم، واستعِينوا بالله في كل أموركم، واجتنِبوا القُعودَ عمَّا لا يصِحُّ القعودُ عنه؛ من خيرٍ تُرضونَ به ربَّكم، وتعلُو به درجاتُكم، وتبلُغون به ما تَرجُون في دُنياكم وأُخراكم.
نفعَني الله وإيَّاكم بهديِ كتابه، وبسُنَّة نبيِّه -صلى الله عليه وسلم-، أقول قولي هذا، وأستغفر اللهَ العظيمَ الجليلَ لي ولكم، ولكافة المسلمين من كل ذنبٍ، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحبه.
أما بعدُ: فيا عبادَ اللهِ: ليس للإنسان أن يدَعَ السعيَ فيما ينفعه الله به مُتَّكِلًا على القَدَر؛ بل يفعل ما أمرَه اللهُ ورسولُه به، فقد أمَر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- المُسلمَ أن يحرِص على ما ينفعه، والذي ينفعه -كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله-: "يحتاج إلى مُنازَعة شياطين الإنس والجن، ودَفْع ما قُدِّرَ من الشر بما قدَّره اللهُ من الخير، وعليه مع ذلك أن يستعين بالله؛ فإنه لا حول ولا قوة إلا به، وأن يكون عملُه خالصًا لله، فإن الله لا يقبلُ من العمل إلا ما أُريدَ به وجهُه -سبحانه-، وهذه حقيقةُ قولِك: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ)[الفاتحة: 5]، والذي قبلَه حقيقةُ: (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)[الْفَاتِحَةِ: 5]، فعليه أن يعبُدَ الله بفعل المأمور وترك المحظور، وأن يكون مُستعينًا بالله على ذلك، وفي عبادة الله وطاعته فيما أمَر إزالةُ ما قُدِّرَ من الشر بما قُدِّرَ من الخير، ودفعُ ما يُريدُه الشيطانُ ويسعَى إليه من الشر قبل أن يصِل بما يدفعُه الله به من الخير، قال الله -تعالى-: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ...)الآيةَ [البقرة: 251].
فاتقوا الله -عباد الله-، واجعَلُوا من الحرصِ على ما ينفعُكم، والاستعانةِ على ذلك ديدنَكم وسبيلَكم.
ألا وإن من أعظم ذلك وأجبه وأدله على كمال الإخلاص لله -تعالى-، وتمام الانقياد له، والرغبة فيما عنده الاعتصام بحبل الله المتين، والاستمساك بهدي سيد المرسلين، ونَبْذ الفُرْقة، والتجافي عند التنازع، والحذر من التحزُّب والاختلاف الذي يتجلَّى في أوضح صُوَرِه، بالانتماء إلى تنظيمات وأحزاب وجماعات مخالِفة في نهجها كتابَ الله -تعالى-، وسنةَ نبيِّه -صلى الله عليه وسلم-، وهديَ سلف الأمة؛ فإن عاقبة ذلك الفشل، وذَهاب الريح في الدنيا، وسوء المصير والعذاب في الآخرة، كما جاء بيان ذلك وإيضاحه مفصَّلًا وافيًا كافيًا فيما صدر عن هيئة كبار العلماء -وفَّقَهم الله تعالى- إلى كل خير، وأجزَل لهم المثوبة، ووفَّق الجميع إلى كمال الانتفاع به؛ ليعظم الخيرُ، ويُتَّبعَ الهدى، وتُدرأ الشبهةُ، وتقوم الحجةُ، وتنقطع المعاذيرُ.
ألا وصلُّوا وسلِّموا على خاتم النبيين، وإمام المتقين، ورحمة الله للعالمين، فقد قال -سبحانه- في الكتاب المبين: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآلِ والصحابةِ والتابعينَ، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعنا معهم بعفوك، وكرمك، وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واحمِ حوزةَ الدين، ودمِّر أعداءَ الدينِ، وسائرَ الطُّغاةِ والمُفسدينَ، وألِّف بين قلوب المسلمين، ووحِّد صفوفَهم، وأصلِح قادتَهم، واجْمَعْ كلمتَهم على الحق يا رب العالمين.
اللهم انصر دينكَ وكتابكَ وسنةَ نبيِّك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- وعبادكَ المؤمنين المُجاهِدين الصادقين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامَنا ووليَّ أمرنا، وهيِّئ له البطانة الصالحة، ووفِّقه لما تحب وترضى، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين، وإلى ما فيه صلاح البلاد والعباد، اللهم آتِ نفوسَنا تقواها، وزكِّها أنتَ خيرُ مَنْ زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلح لنا آخرتَنا التي فيها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر، اللهم إنا نسألكَ فعلَ الخيرات، وتركَ المنكَرات، وحبَّ المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وإذا أردتَ بقوم فتنةً فاقبضنا إليك غير مفتونين.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوُّل عافيتِكَ، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك، اللهم اشف مرضانا، وارحم موتانا، وبلِّغْنا فيما يرضيكَ آمالَنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالَنا، اللهم اكفنا أعداءكَ وأعداءنا بما شئتَ يا ربَّ العالمينَ، اللهم اكفنا أعداءكَ وأعداءنا بما شئتَ يا ربَّ العالمينَ، اللهم اكفنا أعداءكَ وأعداءنا بما شئتَ يا ربَّ العالمينَ، اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بكَ من شرورهم، اللهم إنا نجعلكَ في نحورك أعدائك وأعدائنا، ونعوذ بكَ من شرورهم، اللهم إنا نجعلكَ في نحورك أعدائك وأعدائنا، ونعوذ بك من شرورهم.
اللهم يا حيُّ يا قيومُ أَصْلِحْ لنا شأنَنا كلَّه، ولا تَكِلْنا إلى أنفسنا طرفةَ عينٍ، اللهم زِدْنا ولا تَنقُصْنا، اللهم زِدْنا ولا تَنقُصْنا، اللهم زِدْنا ولا تَنقُصْنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثِرْنا ولا تُؤثر علينا، اللهم آثِرْنا ولا تُؤثِر علينا، اللهم آثِرْنا ولا تُؤثِرْ علينا.
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الْأَعْرَافِ: 23]، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، وصلَّى الله وسلَّم على عبده ورسوله، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعينَ، والحمد لله رب العالمينَ.