الكريم
كلمة (الكريم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل)، وتعني: كثير...
العربية
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أركان الإيمان |
عباد الله: هذه ثمرةٌ عظيمة من ثمار الإيمان، وأثرٌ مباركٌ من آثاره العظام، يجنيه المؤمن بإيمانه بالله، وقيامه بالأعمال الصّالحات، بإقباله بقلبه على الله مخلصاً، صادقاً مُحبّاً مُنيباً، وبقالبه بالقيام بالأعمال الصالحات، والبعد عن المعاصي والآثام؛ فإنَّ من أقبل بقلبه على الله حُبّاً وصدقاً وإخلاصاً وإنابةً وتوكّلاً وطاعةً وتبتّلاً أقبل الله -جلّ وعلا- بقلوب النّاس إليه حُبّاً وودّاً، روى...
الخطبة الأولى:
إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، وصفيُّه وخليله، وأمينه على وحيه، ومبلِّغُ الناس شرعَه، ما ترك خيراً إلا دلَّ الأمّة عليه، ولا شرّاً إلا حذّرها منه، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: معاشر المؤمنين -عباد الله-: اتقوا الله -تعالى- وراقبوه في السر والعلانية، والغيب والشهادة مراقبة من يعلم أنّ ربَّه يسمعه ويراه.
عباد الله: يقول الله -تبارك وتعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً)[مريم: 96]. عباد الله: هذه ثمرةٌ عظيمة من ثمار الإيمان، وأثرٌ مباركٌ من آثاره العظام، يجنيه المؤمن بإيمانه بالله، وقيامه بالأعمال الصّالحات، بإقباله بقلبه على الله مخلصاً، صادقاً مُحبّاً مُنيباً، وبقالبه بالقيام بالأعمال الصالحات، والبعد عن المعاصي والآثام؛ فإنَّ من أقبل بقلبه على الله حُبّاً وصدقاً وإخلاصاً وإنابةً وتوكّلاً وطاعةً وتبتّلاً أقبل الله -جلّ وعلا- بقلوب النّاس إليه حُبّاً وودّاً، روى الإمام مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبَّهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِى فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ. فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الأَرْضِ. وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ: إِنِّي أُبْغِضُ فُلاَنًا فَأَبْغِضْهُ فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِى فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلاَنًا فَأَبْغِضُوهُ فَيُبْغِضُونَهُ ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الأَرْضِ".
هذا الحديث -عباد الله- رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث سُهَيْلِ بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- وأورد له قصة قال سُهَيْلِ: "كُنَّا بِعَرَفَةَ فَمَرَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ عَلَى الْمَوْسِمِ فَقَامَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ لأَبِى: يَا أَبَتِ إِنِّي أَرَى اللَّهَ يُحِبُّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قُلْتُ: لِمَا لَهُ مِنَ الْحُبِّ فِي قُلُوبِ النَّاسِ، فَقَالَ: بِأَبِيكَ أَنْتَ سَمِعْتَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال؟" ثُمَّ ذَكَرَ الحديث المتقدم.
وروى البيهقي أنّ أبا الدّرداء -رضي الله عنه- كتب إلى مسلمة بن مخلِّدٍ -رضي الله عنه- وكان وَلِيَ مصراً مرة: "سلام عليك أمّا بعد، فإنَّ العبد إذا عمل بطاعة الله أحبّه الله، وإذا أحبّه الله حبّبه إلى عباده، وإنّ العبد إذا عمل بمعصية الله أبغضه الله، وإذا أبغضه الله بغّضه لعباده".
عباد الله: إنَّ الإيمان بالله والقيام بطاعته جلّ وعلا، والبعد عن معاصيه؛ سببٌ لكل خيرٍ وفلاحٍ ورفعةٍ في الدّنيا والآخرة، وهو سبب لمحبّةٍ وقبولٍ ورضاً يطرحه الله -جلّ وعلا- لعبده المؤمن القائم بطاعة الله، المبتعد عن معصية الله قبولٍ ورضاً يطرحه الله له في قلوب العباد.
عباد الله: وليس المراد بالقيام بالأعمال الصالحات أن يقوم بها الإنسان تصنّعا وتزلفاً ومراءاةٍ للناس وتظاهرٍ لهم بالأعمال الصالحات؛ وإنّما المراد بذلك -عباد الله- أن يقوم بذلك مخلصاً لله طالباً رضاه جلَّ وعلا، أمَّا من يقوم بالأعمال الصالحات على وجه المراءاة للناس والتصنع فإنه لا يزداد بذلك عند الله إلا بُعداً وفي قلوب الناس لا يزداد إلا مَقتاً، روى ابن أبي حاتم في تفسيره عن الحسن البصري -رحمه الله تعالى- قال: قال رجل: "واللهِ لأعبدنَّ الله عبادةً أُذكر بها"، فكان لا يُرى في حين صلاة إلا قائماً يصلي وكان أوّلَ داخلٍ إلى المسجد وآخر خارج فكان لا يُعظَّم، فمكث بذلك سبعة أشهر وكان لا يمر على قوم إلا قالوا انظروا إلى هذا المرائي، فأقبل على نفسه فقال: لا أُراني أذكر إلا بِشر لأجعلنّ عملي كلَّه لله -عز وجل-، فلم يزد على أن قلب نيته ولم يزد على العمل الذي كان يعمل، فكان يمر بعدُ بالقوم فيقولون: رحم الله فلانا الآن، وتلا الحسن -رحمه الله تعالى- قول الله -جلّ وعلا-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا)[مريم: 96].
عباد الله: إنّ الإيمان بالله والأعمال الصالحات، والبعد عن المعاصي والآثام، عنوان للسعادة والفلاح في الدنيا والآخرة، وكفى بهذا الأمر شرفاً ونُبلاً أن يحظى العبدُ بحبِّ الله له، وفي الدُّعاء المأثور: "أَسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى حُبِّكَ".
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرّحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: عباد الله: اتقوا الله -تعالى-.
ثم اعلموا -رحمكم الله- أن من فروع ما تقدم ما جاء في سنن ابن ماجه وغيره بأسانيد جيدة من حديث سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه-: "أن رجلاً قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس؟ قال: "ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس".
عباد الله: واعلموا -رعاكم الله- أنّ أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدى هدى محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بالجماعة فإنّ يد الله على الجماعة.
وصلوا وسلموا -رعاكم الله- على إمام المتقين، وقدوة عباد الله أجمعين؛ محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: ٥٦]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهمّ صلِّ على محمّد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وارضَ اللهمّ عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبي بكر الصديق، وعمر الفاروق، وعثمان ذي النورين، وأبي الحسنين علي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين.
اللهمّ واعمُر قلوبنا بحبِّهم يا ذا الجلال والإكرام.
اللّهم أصلح لنا شأننا كلّه، واغفر لنا ذنوبنا كلّها ما تقدم منها وما تأخّر.
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحم حوزة الدين يا رب العالمين.
اللهمّ وفّق ولي أمرنا لرضاك، واجعل عمله في طاعتك، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة التي تدله على الخير وتعينه عليه.
اللهمّ وفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك واتباع سنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، واجعلهم رحمة ورأفة على رعاياهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهمّ آت نفوسنا تقواها، زكِّها أنت خير من زكّاها أنت وليها ومولاها.
اللهمّ أصلح ذات بيننا، وألّف بين قلوبنا واهدنا سبل السلام وأخرجنا من الظلمات إلى النور وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وأزواجنا وذرياتنا وأموالنا وأوقاتنا واجعلنا مباركين أينما كنا.
اللّهم اغفر ذنوب المذنبين، وتُبْ على التائبين واكتب الصّحة والعافية لعموم المسلمين.
اللّهم اشْفِ مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم موتانا وموتى المسلمين.
اللّهم فرِّج همَّ المهمومين، ونفِّس كرب المكروبين، واقضِ الدَّيْن عن المدينين، اللّهم وأصلح لنا شأننا أجمعين.
اللهم اغفر لنا ذنبنا كله دقه وجله أوله وآخره سره وعلنه.
اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت.
اللّهم إنا نستغفرك إنّك كنت غفّاراً فأرسل السماء علينا مدراراً، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].
عباد الله: اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].