الرحمن
هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...
العربية
المؤلف | أحمد بن ناصر الطيار |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - أركان الإيمان |
إنه لا حياة لأحدٍ بدون عقيدة صافية, خاليةٍ من الخرافات والبدع, ولا سعادة بدون التوحيدِ الخالص, والإيمانِ الصحيح. وإنّ أعظم نعمةٍ مَنَّ الله -تعالى- بها علينا, وأفضلُ كرامةٍ نتحلّى بها, أننا عبيدٌ لله -تعالى- وحده, لسنا عبيدًا لشهواتنا كما هو حال الغرب المنحلّ, ولسنا عبيدًا لِدَجَاجِلَةِ العلم والدين, كما هو حال الرافضة واليهودِ والنصارى. بل نحن عبيدٌ لله –تعالى-, ليس بننا وبينه حُجّابٌ ولا شُفعاء. والعبوديّةُ أشرف صفةٍ للإنسان...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الْمُتَفَرِّدِ بالتَّوحيد, والْمُنْفَرِدِ بالتَّمْجيد, الذي لا تَبْلُغُه صفات العبيد, المبدئُ الْمُعيدُ الفَعَّالُ لما يريد, خلق الأشياء بقدرته, ودَبَّرها بمشيئته, وقَهَرها بجبروته, وذَلَّلَها بعزَّته, فَذَلَّ لِعَظَمته المتكبرون, واسْتكان لِعِزِّ ربوبيته الْمُتعاظمون.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, إقرارًا بِوِحدانيته, وإخلاصًا لربوبيته, وأنه العالمُ بما تُكِنُّه الضمائر, وتنطوي عليه السرائر, لا تَتَوارى عنه كلمة, ولا تَغِيبُ عنه غائبة, وما تسقط من ورقة إلا يعلمها, ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين.
وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه, ونَبِيُّهُ وأَمِيْنُه وصَفِيُّه, أرسله إلى خلقه بالنور الساطع, والسراج اللامع, فبلَّغ رسالةَ ربه, ونصَحَ لأمتِه وجاهدَ في الله حق جهاده, فصلوات الله عليه من قائدٍ إلى الحقّ المبين, وعلى أهلِ بَيْتِه الطيبين, وعلى أصحابِه الْمُنْتَخَبِيْن, وعلى أزواجِه أُمَّهاتِ المؤمنين, وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله بتقوى الله, واحْذروا الدُّنْيا فإنها حُلْوةٌ خضرة, تَغُرُّ أهلَها, وتخدع سُكَّانها, فلْتكن الدارُ الآخرةُ هي الهمَّ الأكبر, والنصيبَ الأوفر.
معاشر المسلمين: إنه لا حياة لأحدٍ بدون عقيدة صافية, خاليةٍ من الخرافات والبدع, ولا سعادة بدون التوحيدِ الخالص, والإيمانِ الصحيح.
وإنّ أعظم نعمةٍ مَنَّ الله -تعالى- بها علينا, وأفضلُ كرامةٍ نتحلّى بها, أننا عبيدٌ لله -تعالى- وحده, لسنا عبيدًا لشهواتنا كما هو حال الغرب المنحلّ, ولسنا عبيدًا لِدَجَاجِلَةِ العلم والدين, كما هو حال الرافضة واليهودِ والنصارى. بل نحن عبيدٌ لله –تعالى-, ليس بننا وبينه حُجّابٌ ولا شُفعاء.
والعبوديّةُ أشرف صفةٍ للإنسان, وَذَلِكَ أَنَّ الْعِبَادَةَ لِلَّهِ هِيَ الْغَايَةُ الْمَحْبُوبَةُ لَهُ, وَالْمَرْضِيَّةُ لَهُ, الَّتِي خَلَقَ الْخَلْقَ لَهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56]، وَبِهَا أَرْسَلَ جَمِيعَ الرُّسُلِ كَمَا قَالَ نُوحٌ لِقَوْمِهِ: (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرُهُ) [الأعراف: 59], وَكَذَلِكَ قَالَ هُودٌ وَصَالِحٌ وَشُعَيْبٌ وَغَيْرُهُمْ لِقَوْمِهِمْ.
وَقَالَ تَعَالَى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل: 36].
وَوصف صَفْوَةَ خَلْقِهِ بِالْعُبُودِيَّةِ لَهُ فَقَالَ تَعَالَى: (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا) [الإنسان: 6].
وَقَالَ: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا) [الفرقان: 63].
وَلَمَّا قَالَ الشَّيْطَانُ: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [الحجر: 38- 40]، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (إنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) [الحجر: 42].
وَقَدْ خَيَّرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا رَسُولًا, وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا مَلِكًا, فَاخْتَارَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا رَسُولًا, فَالنَّبِيُّ الْمَلِكُ: مِثْلُ دَاوُد وَسُلَيْمَانَ وَنَحْوِهِمَا عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ, قَالَ اللَّهُ -تعالى- فِي قِصَّةِ سُلَيْمَانَ: (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [ص: 35- 39], أَيْ: أَعْطِ مَنْ شِئْت وَاحْرِمْ مَنْ شِئْت, لَا حِسَابَ عَلَيْك, فَالنَّبِيُّ الْمَلِكُ: يَتَصَرَّفُ فِي الْوِلَايَةِ وَالْمَالِ بِمَا يُحِبُّهُ وَيَخْتَارُه ويَشْتَهِيْهِ, مِنْ غَيْرِ إثْمٍ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الْعَبْدُ الرَّسُولُ, فَلَا يُعْطِي أَحَدًا إلَّا بِأَمْرِ رَبِّهِ, وَلَا يُعْطِي مَنْ يَشَاءُ وَيَحْرِمُ مَنْ يَشَاءُ.
فالْعَبْد الرَّسُولُ أَفْضَلُ مِنْ النَّبِيِّ الْمَلِكِ, كَمَا أَنَّ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى وَمُحَمَّدًا عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ, أَفْضَلُ مِنْ يُوسُفَ ودَاوُد وَسُلَيْمَانَ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ.
ولهذا كانتْ أشرفَ أحوالِ العبدِ ومقاماتِه في العبودية, فلا منصِبَ له أشرفُ منها, وقد ذكر الله سبحانه أكرمَ الخلق عليه وأحبَّهم إليه, وهو رسولُه محمدٌ, بالعبوديةِ في أشرفِ مقاماته, وهي مقامُ الدعوةِ إليه, ومقامُ الوحي, ومقامُ التحدي بالنبوة, ومقامُ الإسراء, فَقَالَ فِي الْإِسْرَاءِ: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا) [الإسراء: 1].
وَقَالَ فِي الْإِيحَاءِ: (فَأَوْحَى إلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى) [النجم: 10].
وَقَالَ فِي الدَّعْوَةِ: (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا) [الجن: 19].
وَقَالَ فِي التَّحَدِّي: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ).
وإذا تدافع أولو العزم الشفاعةَ الكبرى يوم القيامة, يقول المسيح -عليه السلامُ- لهم: "اذهبوا إلى محمدٍ عبدٍ غَفَر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر", فنال ذلك المقامَ بكمالِ العبوديةِ لله, وكمالِ مغفرةِ الله له, فأشرفُ صفاتِ العبدِ صفةُ العبودية, وأحبُّ أسمائه إلى الله اسم العبودية ,كما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أحب الأسماء إلى الله عبدُ الله وعبدُ الرحمن".
فنحن عبيدٌ لله -تعالى- وحده, وهذا أعظم شرفٍ ينالُه مخلوق, وأفضل صفةٍ يتّصف بها الإنسان.
ومما زادني فخراً وتِيْها | وكدّتُ بأَخْمُصي أطَأُ الثُّريَّا |
دخولي تحت قولك يا عبادي | وأَنْ أرسلتَ أحمدَ لي نبيا |