الباطن
هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...
العربية
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - |
أيها المؤمنون: عداوة الشيطان -أعاذنا الله في أنفسنا وذرياتنا وأهلينا منه- عداوة شديدة، وإن من أهم ما ينبغي أن يعتني به المسلم في نفسه وفي تربيته لأهله وولده ما يُتحرز به من الشيطان، ويُتقى به شره ووساوسه وكيده، وهذا باب عظيم لا ينبغي للمسلم أن يغفل عنه، بل...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فما ترك خيرًا إلا دل الأمة عليه، ولا شرًا إلا حذرها منها، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد: أيها المؤمنون: اتقوا الله، فإنَّ في تقوى الله عِوضٌ عن كل شيء، وليس عن تقواه عِوض.
وتقوى الله: عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله.
أيها المؤمنون: عداوة الشيطان -أعاذنا الله في أنفسنا وذرياتنا وأهلينا منه- عداوة شديدة، قال الله -تعالى-: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)[فاطر: 6]، وإن من أهم ما ينبغي أن يعتني به المسلم في نفسه وفي تربيته لأهله وولده ما يُتحرز به من الشيطان، ويُتقى به شره ووساوسه وكيده، وهذا باب عظيم لا ينبغي للمسلم أن يغفل عنه، بل ينبغي أن تكون عنايته بهذا الأمر عنايةً عظيمة شديدة ليُكفى شر الشيطان، ويوقى من كيده ووساوسه وأذاه العظيم لبني آدم.
أيها المؤمنون: في هذه الوقفة ذكرٌ لعشرة حروز عظيمة مهمة للغاية ينبغي أن نعتني بها عناية عظيمة، فإنها أعظم ما يتحر ز به من الشيطان: الحرز الأول: التعوذ بالله منه، والتعوذ: اعتصام بالله والتجاء إليه سبحانه وتعالى. وأعظم شرٍ يُتعوذ بالله منه شر الشيطان، قال الله -تعالى-: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[فصلت: 36].
الحرز الثاني: قراءة المعوذتين: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)، وقد صح في الحديث عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَا تَعَوَّذَ مُتَعَوِّذٌ بِمِثْلِهِمَا"، وكان عليه الصلاة والسلام يتعوذ بهما كل ليلة إذا أوى إلى فراشه صلى الله عليه وسلم، وصح عنه أن من قرأهما مع سورة الإخلاص ثلاث مرات في الصباح وثلاث مرات في المساء كُفي من كل شر.
الحرز الثالث: قراءة آية الكرسي عندما يأوي المرء إلى فراشه لينام، فإنها عظيمة الشأن في الوقاية من الشيطان وطرده وإبعاده من المكان، فقد ثبت في الصحيح عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- ما يدل على أن من قرأهما إذا أوى إلى فراشه لم يزل عليه من الله حافظا ولا يقربه شيطان حتى يصبح.
الحرز الرابع: قراءة سورة البقرة بتمامها، فإن لها شأنا عجيبا عظيما للغاية في طرد الشياطين من البيوت، ففي صحيح مسلم عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِى تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ".
الحرز الخامس -معاشر المؤمنين-: قراءة الآيتين العظيمتين من خاتمة سورة البقرة، ففي الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ قَرَأَ بِالْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ" أي: من كل شر وسوء، ومن شر الشيطان وشركه.
الحرز السادس -معاشر العباد-: قول "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير"، فإن هذه الكلمة العظيمة كلمة التوحيد من أعظم ما يُتحرز به من الشيطان، ويُتقى به شره، ففي الصحيحين عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَنْ قَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ".
السابع -معاشر العباد-: أن يقول المرء حين تسلط الشياطين عليه في منامه فيحصل له بذلك الفزع من تسلطهم أن يقول: "أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون"، ففي الترمذي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا فَزِعَ أَحَدُكُمْ فِي النَّوْمِ فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ، وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ؛ فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ".
الثامن -عباد الله-: البسملة، أن يقول المرء: "بسم الله" في دخوله لمنزله وفي تناوله لطعامه، وغير ذلك من أحواله، فإن له في ذلك حفظٌ عظيم من الشيطان، وقد جاء في الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر أن الرجل إذا دخل بيته فقال: بسم الله، ثم إذا تناول الطعام قال: بسم الله، قال: الشيطان لا طعام لكم ولا مبيت"، والمعنى: أنه إذا لم يُقَل ذلك عند الدخول حصَّل الشيطان بذلك دخولا للبيت ومبيتا فيه، وتناولا من الطعام الذي يوضع فيه.
وثبت في الحديث عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "سَتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيُنِ الجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إِذَا دَخَلَ أَحَدُهُمُ الخَلاَءَ أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ"، فالبسملة لها شأن عظيم في التوقي من الشيطان، والتحرز من شره العظيم.
التاسع -عباد الله-: أن يحذر المرء من فضول النظر، وفضول الطعام، وفضول الكلام، وفضول المخالطة، فإن هذه الأربعة مداخل عظيمة للشيطان على الإنسان، فيُتحرز من الشيطان باتقاء الفضول في هذه الأشياء حفظًا للنفس ورعاية لها واتقاء للشيطان.
العاشر من الحروز التي يُتقى بها من الشيطان: كثرة ذكر الله -سبحانه وتعالى- في مختلف الأوقات، ويعتنى بذكره بالكثرة فإن الذاكرين لله المكثرين من ذكره جل في علاه ليس للشيطان عليهم طريق، (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ)[الإسراء: 65]، قال الله -تعالى-: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ) أي يغفل (نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ)[الزخرف:36]، وقد جاء في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر أن يحي بن زكريا -عليه السلام- أوصى قومه بذكر الله، قال: "وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ؛ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ العَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ، كَذَلِكَ العَبْدُ لاَ يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلاَّ بِذِكْرِ اللهِ".
فهذه -عباد الله- عشرة حروزٍ عظيمة ينبغي أن نعنى بها وأن ننشء أولادنا على العناية بها لنُحفظ ونوقى في أنفسنا وأهلينا وذرياتنا من الشيطان الرجيم.
نسأل الله الكريم رب العرش العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يعيذنا وذرياتنا والمسلمين من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه، إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء، وهو أهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الخطبة الثانية:
الحمد لله كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: أيها المؤمنون: اتقوا الله ربكم، وراقبوه في جميع أعمالكم.
أيها المؤمنون: ومما ينبَّه عليه في هذه الأيام، أن ما يُصنع في بعض المجتمعات من تخصيص ليلة النصف من شعبان باحتفالاتٍ معيَّنة أو عباداتٍ مخصوصة؛ كل ذلك لا أصل له في هدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، وسنته الصحيحة، وطريقة صحبه، وهديهم القويم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ" أي مردود على صاحبه غير مقبول منه، وكان إذا خطب الناس قال: "أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدى هدى محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة".
هذا وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: ٥٦]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد. وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين، أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنَّة نبيك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-.
اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم وفِّق ولي أمرنا لهداك، وأعِنه على طاعتك، وسدِّده في أقواله وأعماله، اللهم وفِّقه وولي عهده لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال.
اللهم آت نفوسنا تقواها، زكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر.
اللهم اغفر لنا ذنبنا كله، دقه وجله، أوله وآخره، علانيته وسره.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولوالديهم وذرياتهم، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصافات: 180-182].