البر
البِرُّ في اللغة معناه الإحسان، و(البَرُّ) صفةٌ منه، وهو اسمٌ من...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | النكاح - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
إِنَّ زَوَاجَ الْمِسْيَارِ هُوَ: زَوَاجٌ وَمُصْطَلَحٌ اجْتِمَاعِيٌّ نَشَأَ فِي الْعُقُودِ الْأَخِيرَةِ، وَيُسَمِّيهِ بَعْضُهُمْ بِالزَّوَاجِ الْمُيَسَّرِ، حَيْثُ تَتَنَازَلُ فِيهِ الزَّوْجَةُ عَنْ بَعْضِ حُقُوقِهَا، بِرِضًا مِنْهَا؛ كَالْمَبِيتِ أَوِ النَّفَقَةِ أَوِ السَّكَنِ وَغَيْرِهِ مِنْ حُقُوقِهَا، وَتَرْضَى بِأَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ إِلَى...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ أَحْوَالَ الْإِنْسَانِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَا تَكُونُ عَلَى مَا يُرِيدُ دَائِمًا، بَلْ كَثِيرٌ مِنْهَا يَكُونُ عَلَى خِلَافِ مَا يَهْوَاهُ، وَلِلَّهِ فِي ذَلِكَ الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ، وَفِي ظِلِّ هَذِهِ الْمُخَالَفَةِ لِلْإِرَادَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ قَدْ يَصْنَعُ الْمَرْءُ أَعْمَالًا يُضْطَرُّ إِلَيْهَا؛ لِتَحْقِيقِ رَغْبَةٍ، أَوِ الْأَمَانِ مِنْ رَهْبَةٍ؛ فَالْأَصْلُ فِي مَسْأَلَةِ النِّكَاحِ: أَنْ يَتَزَوَّجَ الْإِنْسَانُ وَتَكُونَ لَهُ الْقِوَامَةُ، وَيَتَحَمَّلَ أَعْبَاءَ الْحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ لِأُسْرَتِهِ مِنْ نَفَقَةٍ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالدَّوَاءِ وَالْكِسَاءِ... وَغَيْرِ ذَلِكَ. ولبعض المسوغات الشرعية والاجتماعية والمالية عدل البعض إلى نِكَاحِ بما الْمِسْيَارِ صيانة لأنفسهم من الوقوع في الحرام أو بقائهم دون زواج بسبب أعباء وتكاليف الزواج الشرعي المعروف والسائد؛ إذا فَمَا نِكَاحُ الْمِسْيَارِ، وَمَا حُكْمُهُ، يَا عِبَادَ اللَّهِ؟
الزَوَاجَ الْمِسْيَارِ: زَوَاجٌ وَمُصْطَلَحٌ اجْتِمَاعِيٌّ نَشَأَ فِي الْعُقُودِ الْأَخِيرَةِ، وَيُسَمِّيهِ بَعْضُهُمْ بِالزَّوَاجِ الْمُيَسَّرِ، حَيْثُ تَتَنَازَلُ فِيهِ الزَّوْجَةُ عَنْ بَعْضِ حُقُوقِهَا، بِرِضًا مِنْهَا؛ كَالْمَبِيتِ أَوِ النَّفَقَةِ أَوِ السَّكَنِ وَغَيْرِهِ مِنْ حُقُوقِهَا، وَتَرْضَى بِأَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ إِلَى مَسْكَنِهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ؛ ولكل من الطرفين مسوغهما في قبول بمثل هذا النوع من الزواج؛ فمن المسوغات:
أن بعض النساء قد لا تستطيع القبول بالانتقال إلى بيت زوجها لوجود مانع لديها؛ لا تجد كتمريض والد أو والدة، وهذا من إحسانها والديها، ولو تحملت عناء هذا النوع من الزواج، قال تعالى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)[البقرة:83].
وقد يكون من الموانع لديها: كثرة العيال عندها، فتخاف عليهم بزواجها الهوان والضيعة، وكم من امرأة امتنعت عن الزواج حرصًا على أولادها، كما اعتذرت أم سلمة لرسول الله عندما خطبها بأن لها بنتًا، قالت أم سلمة -رضي الله عنها-: " أرسل إلي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حاطب بن أبي بلتعة يخطبني له فقلت: إن لي بنتًا وأنا غيور، فقال: أما ابنتها فندعو الله أن يغنيها عنها، وأدعو الله أن يذهب بالغيرة" ( رواه مسلم).
ومن مسوغات نكاح المسيار: أن بعض الرجال قد لا تكفيه الزوجة الواحدة، ولا يقدر على تكاليف نقل الزوجة الثانية إلى بيت وتحمل نفقاتها، ويخاف على نفسه الوقوع في الحرام.
ومن مسوغات هذا النكاح أيضًا: أن بعض الرجال قد يكون مرتبطًا بعمل أو وظيفة بعيداً عن زوجته وَيَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ الْوُقُوعَ فِي الْحَرَامِ، فيختار هذا الزواج ويتحمل بعض عنائه.
ومن مسوغات هذا النكاح أيضًا: أنه قَدْ تُوجَدُ نِسَاءٌ أَرَامِلُ أَوْ عَوَانِسُ عِنْدَهُنَّ مَالٌ يُمَكِّنُهُنَّ مِنَ النَّفَقَةِ عَلَى أَنْفُسِهِنَّ، وَلَكِنْ لَيْسَ لَدَيْهِنَّ أَزْوَاجٌ؛ فيرغبن في العفاف من هذا الطريق بدل تحمل أوجاع العنوسة.
إذا لم تكن إلا الأسنة مركبًا
ومن مسوغات هذا النكاح أيضًا: أنكم قد تجدون في الواقع نساء فيهن بعض الإعاقات، والرجال في الصورة الطبيعية للنكاح يبحثون عن المرأة السليمة، فحينما تبقى تلك المرأة المريضة بدون زوج قد تتعرض للاعتداء الجنسي أو تنحرف هي إليه، أو تبقى في كبت وحزن شديدين، فبالمبادرة إلى هذا النوع الجديد من النكاح يقي من تلك المخاطر، وإذا كانت" الضرورات تبيح المحظورات" فكيف بما كان مباحًا.
أيها المسلمون: ولَوْ نَظَرْنَا -مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ- إِلَى هَذَا النِّكَاحِ لَوَجَدْنَا أَنَّهُ نِكَاحٌ شَرْعِيٌّ قَدْ تَوَفَّرَتْ فِيهِ أَرْكَانُ النِّكَاحِ وَشُرُوطُهُ؛ فَفِيهِ وَلِيٌّ وَشَاهِدَانِ وَمَهْرٌ، فَيَكُونُ بِهَذَا نِكَاحًا صَحِيحًا؛ لَكِنَّ الْفَارِقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النِّكَاحِ الشَّرْعِيِّ الْمَعْرُوفِ: أَنَّ الْمَرْأَةَ تَتَنَازَلُ عَنْ بَعْضِ حُقُوقِهَا؛ مِنْ نَفَقَةٍ وَمَسْكَنٍ وَقَسْمٍ، وَهَذَا حَقُّهَا وَلَا يُخِلُّ بِعَقْدِ الزَّوَاجِ وَصِحَّتِهِ؛ فَقَدْ جَاءَ فِي صَحِيحَيِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَنَّ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ سَوْدَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- وَهَبَتْ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا لِعَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-".
وَلَوْ كَانَ هَذَا التَّنَازُلُ غَيْرَ صَحِيحٍ لَرَدَّهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَقِيَ عَلَى قَسْمِهِ لِجَمِيعِ نِسَائِهِ وَمِنْهُنَّ سَوْدَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-.
وَمَا دَامَ أَنَّ هَذَا النِّكَاحَ لَيْسَ فِيهِ غِشٌّ وَلَا خِدَاعٌ، بَلْ فِيهِ شَرْطٌ مُبَاحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَدْ حَصَلَ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ فَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهَذَا الشَّرْطِ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ).
وقد أفتى بعض العلماء بصحة هذا، ومن ذلك ما جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثامنة عشرة المنعقد بمكة وفيه: "يؤكد المجمع أن عقود الزواج المستحدثة وإن اختلفت أسماؤها وأوصافها وصورها لا بد أن تخضع لقواعد الشريعة المقررة وضوابطها من توافر الأركان والشروط وانتفاء الموانع، وقد أحدث الناس في عصرنا الحاضر بعض تلك العقود المبينة أحكامها فيما يأتي: إبرام عقد زواج تتنازل فيه المرأة عن السكن والنفقة والقسم أو بعض منها وترضى بأن يأتي الرجل إلى دارها في أي وقت شاء من ليل أو نهار، ويتناول ذلك أيضًا إبرام عقد زواج على أن تظل الفتاة في بيت أهلها ثم يلتقيان متى رغبا في بيت أهلها أو في أي مكان آخر حيث لا يتوفر سكن لهما ولا نفقة؛ وهذان العقدان وأمثالهما صحيحان إذا توافرت فيهما أركان الزواج وشروطه وخلوه من الموانع، ولكن ذلك خلاف الأولى"اهـ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ النِّكَاحِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا مِنَ النَّاحِيَةِ الشَّرْعِيَّةِ، لَكِنْ لَهُ آثَارٌ سَلْبِيَّةٌ، وَهِيَ مُتَفَاوِتَةٌ مِنْ صُورَةٍ لِأُخْرَى، فَمِنَ الْآثَارِ السَّلْبِيَّةِ لِنِكَاحِ الْمِسْيَارِ:
أَنَّهُ لَا يُحَقِّقُ الْقِوَامَةَ لِلرَّجُلِ أَمْرًا وَنَهْيًا، الَّتِي هَيَّأَهُ اللَّهُ لِهَذِهِ الْمُهِمَّةِ، قَالَ -تَعَالَى-: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)[النِّسَاءِ: 34].
وَمِنَ الْآثَارِ السَّلْبِيَّةِ -أَيْضًا-: أَنَّ الْمَرْأَةَ فِيهِ تَبْقَى بِدُونِ رَجُلٍ يَتَوَلَّى قِيَادَتَهَا وَالْإِشْرَافَ عَلَى تَصَرُّفَاتِهَا، مِمَّا يُؤَدِّي بِبَعْضِ النِّسَاءِ إِلَى أَنْ تَرْكَبَ هَوَاهَا إِلَى مَا لَا يُحْمَدُ عُقْبَاهُ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ الَّتِي تَكُونُ لَدَى زَوْجٍ هُوَ الْمَسْؤُولُ الْأَوَّلُ عَنْهَا، فَلَا تَصْنَعُ شَيْئًا إِلَّا بِرِضَاهُ وَإِذْنِهِ، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، فَإِذَا كَانَ هَذَا الْإِذْنُ فِي الْعِبَادَةِ، فَكَيْفَ بِأُمُورِ الْحَيَاةِ، وَهَذَا قَدْ يُفْقَدُ فِي زَوَاجِ الْمِسْيَارِ، فَرُبَّمَا ذَهَبَتِ الْمَرْأَةُ حَيْثُ شَاءَتْ بِدُونِ عِلْمِ زَوْجِهَا وَإِذْنِهِ.
وَمِنَ الْآثَارِ السَّلْبِيَّةِ لِنِكَاحِ الْمِسْيَارِ: أَنَّ الْأَوْلَادَ قَدْ يَضِيعُونَ نَتِيجَةَ هَذَا الزَّوَاجِ، فَلَا يَجِدُونَ الْأَبَ الَّذِي يَبْقَى مَعَهُمْ لِتَرْبِيَتِهِمْ وَالْعِنَايَةِ بِهِمْ وَحِرَاسَتِهِمْ، وَقَدْ يُلْقَى الْعِبْءُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْأُمِّ وَأُسْرَتِهَا تَرْبِيَةً وَنَفَقَةً؛ حَيْثُ إِنَّ بَعْضَ الرِّجَالِ قَدْ يُطَلِّقُ تِلْكَ الزَّوْجَةَ فَيُصْبِحُ الْأَطْفَالُ حِمْلًا ثَقِيلًا عَلَى كَاهِلِ الزَّوْجَةِ، مَعَ أَنَّ الزَّوْجَ مَسْؤُولٌ عَنْ نَفَقَةِ أَوْلَادِهِ؛ كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ)[الْبَقَرَةِ: 233].
فَإِذَا ضَيَّعَ الْأَبُ أَوْلَادَهُ فِي قُوتِهِمْ فَمَا أَعْظَمَ إِثْمَهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ).
وَمِنَ الْآثَارِ السَّلْبِيَّةِ لِنِكَاحِ الْمِسْيَارِ: أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ فِيهِ الِاسْتِقْرَارُ النَّفْسِيُّ التَّامُّ، وَلَا الْمَوَدَّةُ وَالرَّحْمَةُ الَّتِي تَحْصُلُ فِي الزَّوَاجِ الْمَعْرُوفِ؛ حَيْثُ قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الرُّومِ: 21].
وَمِنَ الْآثَارِ السَّلْبِيَّةِ لِنِكَاحِ الْمِسْيَارِ: فقد الرجل لكرامته لدى المرأة؛ فإن البيت الزوجي لا يستقر إلا بكون الرجل كريمًا فيه، ومن أسباب ذلك: إنفاقه على أهله، ولهذا جعل الله القوامة له فيه قال تعالى: ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)[النساء:34].
وَمِنَ الْآثَارِ السَّلْبِيَّةِ لِنِكَاحِ الْمِسْيَارِ: تضرر الأبناء بإهمال أبيهم لهم من ناحية التربية والإنفاق والمتابعة، وهذه كارثة مجتمعية كبيرة.
ليسَ اليتيمُ مَنِ انْتَهَى أبوَاهُ مِنْ
إنَّ اليتيمَ هُوَ الذِي تَلْقَى لَهُ
وَمِنَ الْآثَارِ السَّلْبِيَّةِ لِنِكَاحِ الْمِسْيَارِ إنكار بعض الأزواج لأبنائهم من ذلك الزواج، خاصة إذا كانت هناك شكوك بين الزوجين، وهذه مشكلة كبيرة.
نَسْأَلُ اللَّهَ -تَعَالَى- أَنْ يُعِفَّ رِجَالَ الْمُسْلِمِينَ وَنِسَاءَهُمْ بِالْحَلَالِ الطَّيِّبِ الْمُبَارَكِ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ، أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: رَغْمَ مَا فِي نِكَاحِ الْمِسْيَارِ مِنْ آثَارٍ سَلْبِيَّةٍ، إِلَّا أَنَّ لَهُ آثَارًا إِيجَابِيَّةً كَثِيرَةً، وَمَصَالِحَ دِينِيَّةً وَدُنْيَوِيَّةً عَدِيدَةً؛ فَمِنَ الْآثَارِ الْإِيجَابِيَّةِ لِنِكَاحِ الْمِسْيَارِ:
أَنَّهُ خَفَّفَ كَثِيرًا مِنْ عَدَدِ الْعَوَانِسِ وَالْمُطَلَّقَاتِ وَالْأَرَامِلِ وَذَوَاتِ الِاحْتِيَاجَاتِ الْخَاصَّةِ، اللَّاتِي لَمْ يَجِدْنَ أَزْوَاجًا عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمَعْرُوفَةِ، فَصَارَ لَهُنَّ بِهَذَا النِّكَاحِ أَزْوَاجٌ وَذُرِّيَّةٌ، وَغَدَا هَذَا الزَّوَاجُ لَهُنَّ حِصْنًا مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ، أَوِ الْكَبْتِ النَّفْسِيِّ وَالْكَآبَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ.
وَمِنَ الْآثَارِ الْإِيجَابِيَّةِ لِنِكَاحِ الْمِسْيَارِ: أَنَّهُ حَمَى بَعْضَ الرِّجَالِ مِنَ الِانْجِرَافِ نَحْوَ الْفَاحِشَةِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ الرِّجَالِ فَقِيرٌ لَيْسَ لَدَيْهِ الْقُدْرَةُ عَلَى نَفَقَةِ الْحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ، وَبَعْضُهُمْ يَعْمَلُ فِي بَلَدٍ بَعِيدٍ عَنْ زَوْجَتِهِ، وَآخَرُ لَدَيْهِ الرَّغْبَةُ فِي التَّعَدُّدِ وَلَكِنَّهُ يَخْشَى مِنَ الْمُشْكِلَاتِ الْمُحْتَمَلَةِ لَوْ عَلِمَتْ زَوْجَتُهُ وَأُسْرَتُهُ بِزَوَاجِهِ مِنْ أُخْرَى، فَيَلْجَأُ لِهَذَا النَّوْعِ مِنَ الزَّوَاجِ صِيَانَةً لِنَفْسِهِ مِنَ الْفَاحِشَةِ، خَاصَّةً إِذَا كَانَ لَدَى زَوْجَتِهِ الْأُولَى مَا يَمْنَعُ تَمَامَ الْعِفَّةِ.
وَمِنَ الْآثَارِ الْإِيجَابِيَّةِ لِنِكَاحِ الْمِسْيَارِ: أَنَّهُ حَقَّقَ بَعْضَ غَايَاتِ الزَّوَاجِ الَّتِي شَرَعَهُ اللَّهُ لِأَجْلِهَا؛ مِنْ ذُرِّيَّةٍ، وَعِفَّةٍ، وَتَكْثِيرِ عَدَدِ الْأُمَّةِ، وَتَعَاوُنٍ عَلَى شُؤُونِ الْحَيَاةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: "تَزَوَّجْ؛ فَإِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَكْثَرُهَا نِسَاءً"(رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ).
فَيَا عِبَادَ اللَّهِ: عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَنْ يَسْعَيَا إِلَى النِّكَاحِ الْمَعْرُوفِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الطَّرِيقُ الْأَمْثَلُ لِتَحْقِيقِ الْمَقَاصِدِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي شَرَعَ اللَّهُ الزَّوَاجَ لِأَجْلِهَا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعِ الْإِنْسَانُ الْوُصُولَ إِلَى هَذَا الزَّوَاجِ الْمَشْهُورِ، فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ شَرْعًا مِنْ سُلُوكِ طَرِيقِ زَوَاجِ الْمِسْيَارِ:
إِذَا لَمْ تَكُنْ إِلَّا الْأَسِنَّةُ مَرْكَبًا
غير أننا نوصي كلاً من الزوجين من دعتهم الحاجة إلى زواج المسيار ورأوا مصلحتهم فيه بعدة وصايا منها؛ بحفظ حقوق الزواج؛ فنوصي الزوجة بمراعاة حق الزوج كالاستئذان وحفظ الفراش والعشرة بالمعروف.
وكذلك نوصي الزوج: ألا يضيع من يعول، بل عليه أن يحرص على أن يربي أولاده ويؤدي إليهم حقوقهم، وإذا طالبت المرأة بحقوقها وفى لها، وإلا طلقها؛ كما يَنْبَغِي التَّنَبُّهُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُصْبِحَ نِكَاحُ الْمِسْيَارِ وَسِيلَةَ لَهْوٍ وَعَبَثٍ، يَتَنَقَّلُ مِنَ امْرَأَةٍ إِلَى أُخْرَى؛ طَلَبًا لِلْمُتْعَةِ، وَاسْتِهْتَارًا بِنِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَتَضْيِيعًا لِلْحُقُوقِ، وعلى الزوج أن يهتم بدينها أكثر من زوجته الأولى لكثرة غيابه عنها أما أن يتساهل بحجة أنه مسيار فربما وقع على امرأة تخونه في عرضه وهو لا يعلم.
كَمَا أَنَّهُ يَنْبَغِي الْوَفَاءُ بِالشُّرُوطِ الْمُبَاحَةِ الَّتِي جَرَى عَلَيْهَا التَّعَاقُدُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ؛ فَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
نَسْأَلُ اللَّهَ -تَعَالَى- أَنْ يُوَفِّقَ الْجَمِيعَ لِمَا فِيهِ رِضَاهُ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْمَبْعُوثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ؛ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].