الأعلى
كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...
العربية
المؤلف | عبدالله بن حسن القعود |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصلاة |
وما أعظمه وأجله من تشريع، وما أروعه وأمثله من اجتماع تتجلى فيه عبودية الله وحده، ويتجدد به تعارف المسلمين ويقوى به إخاؤه وترابطهم وولاؤهم بلقائهم في بيت من بيوت الله، وعلى بساط طاعة الله، لقاء يذكرهم بالله وبآيات الله وأيامه، يذكرهم بوحدتهم في العقيدة، ووحدتهم في القيادة والإمامة، ويظهر شعارها جلياً واضحاً ..
أما بعد: فيا عباد الله: إن الله جلت قدرته وتعالت أسماؤه شرَّع لنا شرائع مثلى، وهدانا لطرق سوى، شرع لنا أمة محمد اجتماعاً لأداء صلاة الجمعة يوم الجمعة في بيت من بيوته، شرعه مشروعية إيجاب وإلزام على كل مكلف؛ ما عدا المرأة والمريض والرقيق والمسافر وسكان البادية.
وما أعظمه وأجله من تشريع، وما أروعه وأمثله من اجتماع تتجلى فيه عبودية الله وحده، ويتجدد به تعارف المسلمين ويقوى به إخاؤه وترابطهم وولاؤهم بلقائهم في بيت من بيوت الله، وعلى بساط طاعة الله، لقاء يذكرهم بالله وبآيات الله وأيامه، يذكرهم بوحدتهم في العقيدة، ووحدتهم في القيادة والإمامة، ويظهر شعارها جلياً واضحاً.
إنه -وأيم الله- لتشريع حكيم، بل وفضل عظيم، أن هدانا الله لهذا الاجتماع، وجعله في أفضل أيام الأسبوع الذي يقول فيه -صلى الله عليه وسلم-: "يوم دعيت إليه الأمم قبلنا فضلت عنه وهدانا الله له".
ويقول فيه: "ما طلعت الشمس على يوم أفضل من يوم الجمعة، ففيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، وفيه تقوم الساعة، وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم قائم يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه"، وقد جاء في السنة ما يدل على أن تلك الساعة ما بين أن يحضر الإمام إلى أن تقضى الصلاة، وقيل: ما بين صلاة العصر وغروب الشمس.
أيها المسلمون: إن أفضل هذا اليوم العظيم، وإن فضل أداء صلاة الجمعة فيه لواسع وكبير، فبها تكفر السيئات، وتمحى الخطايا، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "الصلاة إلى الصلاة، والجمعة إلى الجمعة، كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر".
وإن الله -سبحانه وتعالى- قد سنِّ فيه سنناً، وشرع فيه آداباً تصقل النفوس وتزكيها، وتطهرها من الأدران والأوساخ الحسية، وتهيئها للنظافة المعنوية، والتطهر الشامل الكامل وتذكرها به.
تذكرها عندما تطهر وتنظف الجسم والملابس؛ بضرورة تطهير وتنظيف القلب من الشكوك والأحقاد، والجوارح من يد ورجل ولسان وسمع وبصر من أعمال السوء، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج، فلا يفرق بين اثنين إلا بإذنهما، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام؛ إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام" ويقول: "غسل الجمعة واجب على كل محتلم -أي بالغ- والسواك وأن يمس من طيب".
أيها المسلمون: إن الشريعة كما جاءت مبينة فضل يوم الجمعة، وفضل صلاة الجمعة، فقد نهت أشد النهي عن التكاسل عنها، والتهاون بما شرع فيها من آداب، فقد روى مسلم عن أبي هريرة وابن عمر -رضي الله عنهما- أنهما سمعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول على أعواد منبره: "لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم؛ ثم ليكونن من الغافلين".
ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "من ترك ثلاث جمع طبع الله على قلبه"، ويقول في النهي عن التساهل بآدابها: "من تكلم والإمام يخطب؛ فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً، والذي يقول له أنصت ليست له جمعة" ويقول وهو يخطب يوم الجمعة للذي رآه يتخطى رقاب الناس: "اجلس فقد آذيت وآنيت".
أيها المسلمون: هذه أوامر الله بأداء الجمعة ونواهيه عن تركها. هذا ترغيبه ووعيده للعاملين، وترهيبه ووعيده للمتكاسلين، ومن هنا يعلم أن يوم الجمعة ليس منطلقاً للنفوس في الشهوات والملذات، ولكنه منطلق لها في الطاعات والروحانيات، وليس لنزهة الدنيا ولكنه لنزهة الآخرة.
وشتان شتان بين ما ينصرف به فيها وافد الرحمن من مغفرة ورفع عمل وقبول دعاء، وبين ما يتبوأه من وفد فيها على الشيطان من خزي وعار ونار.
فاتّقوا الله -عباد الله-، واحمدوا الله واشكروه أن وفّقكم لهذا اليوم العظيم، والفضل العميم، اشكروا الله باحترام هذا اليوم، والتقرب إلى الله فيه بطاعته والاستجابة له في قوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الجمعة:9-10]
وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.