الله
أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...
العربية
المؤلف | د عبدالعزيز بن حمود التويجري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان - المنجيات |
قام داهية العرب والإسلام, عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ خَطِيبًا فِي النَّاسِ، فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ هَذَا الْوَجَعَ إِذَا وَقَعَ فَإِنَّمَا يَشْتَعِلُ اشْتِعَالَ النَّارِ، وإني أراه يكثر باجتماع الناس، فتجبلوا منه في الجبال وهذه البرية", ثم خرج عمرو بن العاص بالناس إلى الجبال فتفرقوا؛ فرفع الله عنهم...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ * يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ)[سبأ: 1، 2], وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله, صلى الله وسلم وبارك عليه, وعلى آله وأصحابه وأزواجه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ)[لقمان: 33].
رَأَيْتُ الْبَلَاءَ كَقَطْرِ السَّمَاءِ | وَمَا تَنْبُتُ الْأَرْضُ مِنْ نَامِيَهْ |
فَلَا تَسْأَلَـنَّ إِذَا مَا سَأَلْتَ | إِلَهَكَ شَيْئًا سِوَى الْعَافِيَهْ |
قَامَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ عَلَى المنبر، فقَالَ: "سَلُوا اللهَ العَفْوَ والعَافِيَةَ؛ فإِنّ أَحَداً لَمْ يُعْطَ بعد اليَقِين خَيْراً مِنَ الْعَافِيَةِ"(أخرجه الترمذي وحسنه الألباني).
مَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَى عَبْدِهِ | بِنِعْمَةٍ أَوْفَى مِنَ الْعَافِيَهْ |
وَكُلُّ مَنْ عُوفِيَ فِي جِسْمِهِ | فَإِنَّهُ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَهْ |
تقدم الدول والحضارات، وإنشاء المصانع والتقنيات, وتجهيز الجيوش والمعدات تقهرها جرثومةُ لا ترى بالعين؛ تزلزل عروشهم، وتُهدد وجودهم، ويصيب أكابرهم الخوفَ والهلعَ؛ (وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)[الحج: 73].
الله أكبر ذو العرش المجيد منيـ | ـع العز لا عز إلا وهو لله |
الله أكبر ذو البطش الشديد عزيـ | ـز الانتقام من العاصين لله |
الله أكبر عدلٌ قائمٌ ملكٌ | حقٌ كما يجب التكبير لله |
درس للأمةِ كلِها, ولمن في الأرضِ جميعاً؛ أن الله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء, وأن قوى البشر يزيلها نسمة هواء, أو شرقةُ بماء, وعتو المتجبرين يقهرها حَشَرَةُ دهماء؛ (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا)[الطلاق: 12].
وكل هذا لا يمنع أخذ التدابيرِ والوقايةِ من الوباء, وبما يوجهه أهل الاختصاص والمعنيين به، وهذا أمرُ مشروعُ, مأمورُ به شرعا, أورد الطبري وابن كثير: أن الطاعون لما استشرى في الشام, قام داهية العرب والإسلام, عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ خَطِيبًا فِي النَّاسِ، فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ هَذَا الْوَجَعَ إِذَا وَقَعَ فَإِنَّمَا يَشْتَعِلُ اشْتِعَالَ النَّارِ، وإني أراه يكثر باجتماع الناس، فتجبلوا منه في الجبال وهذه البرية", ثم خرج عمرو بن العاص بالناس إلى الجبال فتفرقوا؛ فرفع الله عنهم البلاء.
والدعاء من أنجع أسباب رفع البلاء, بوب البخاري في صحيحه فقال: "بَابُ مَنْ دَعَا بِرَفْعِ الوَبَاءِ وَالحُمَّى", وأورد حديث عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلاَلٌ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمَا، فَقُلْتُ: يَا أَبَتِ! كَيْفَ تَجِدُكَ؟, وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الحُمَّى يَقُولُ:
كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ | وَالمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ |
وَكَانَ بِلاَلٌ إِذَا أُقْلِعَ عَنْهُ يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ فَيَقُولُ:
أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً | بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ |
وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مِجَنَّةٍ | وَهَلْ تَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ |
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَصَحِّحْهَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ".
وأخرج أبوداود والنسائي عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ: "اللهم إني أعوذُ بكَ مِن البَرَصِ والجُنون، والجُذامِ، ومِن سيئ الأسقَام"؛ والجذامُ: علة تتآكل منها الأعضاء وتتساقط، وهو مرض مُعدٍ.
والابتعاد والاحتراز من الأماكن والأشخاص التي تحمل أمراضا معدية جاءت به السنة, في صحيح الإمام مسلم قَالَ: كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ", وفي البخاري: "وَفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ".
والأوبئة والامراض يجعلُها اللهُ رحمةً للمؤمنين, ورفعة لدرجاتهم, وحطا من خطاياهم, وهي للكافرين عذابا وبلاءً, قَالَتْ عائشةُ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الطَّاعُونِ، فَأَخْبَرَنِي: "أَنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، وَأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ، فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ؛ إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ"(متفق عليه).
اللهم أحينا في عافية, وأمتنا في عافية, واحشرنا في عافية, أستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه كان غفَّارًا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى, وصلاة وسلاما على النبي المجتبى, أما بعد:
إذا كان الفرارُ من البلدانِ والأماكنِ والأشخاصِ التي تحملُ أمراضاً معديةً للأبدان أمر لا يشك فيه عاقل، واحتياطُ واحترازُ لا ينازع به ذو لب, فإنه لا يقلُ عنه ضرورةٌ وعقلٌ الفرارُ والابتعادُ من البلدانِ والأماكنِ والأشخاصِ التي تحمل وباءً معديا للأخلاقِ, ومحطمًا للقيمِ والفضائل, ومن نأى بنفسه وأهل بيته من أمراض الأخلاق المعدية؛ لم يعانِ من علاج قلبه وتفلت أسرته.
لابد أن نعلم علم اليقين أن أمراض الأبدان جاءت النصوص الشرعية بأنها مكفرة للخطايا ورافعة للدرجات, وأن أمراض الأخلاق والسلوك محملة للأوزار, ومهلكة للديار, والسلامة أن يعافيك الله منهما جميعا, وكان من دعاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين يمسي وحين يصبح: "اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة, اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي"(أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه).
اللهم ادفع وارفع عنا الغلاء والوباء.