البحث

عبارات مقترحة:

القابض

كلمة (القابض) في اللغة اسم فاعل من القَبْض، وهو أخذ الشيء، وهو ضد...

الحليم

كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...

السيد

كلمة (السيد) في اللغة صيغة مبالغة من السيادة أو السُّؤْدَد،...

حقوق الزوجين

العربية

المؤلف عبدالله بن عبدالرحمن الرحيلي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. رباط الزوجية ميثاق غليظ عظيم .
  2. وجوب المعاشرة بالمعروف بين الزوجين .
  3. عِظَم حقوق الزوج على زوجته .
  4. حقوق الزوجة على زوجها. .

اقتباس

إن قيام المرأة بحق زوجها من أوجب الواجبات وأعظم القربات؛ فليس على المرأة -بعد حقِّ اللهِ ورسوله- أوجَبَ من حقِّ الزوج. قال -صلى الله عليه وسلم-: "لو كنتُ آمرًا أحدًا أن يسجدَ لغيرِ اللهِ، لأمرتُ المرأةَ أن تسجدَ لزوجِها...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

عباد الله: إن ربكم ربّ عظيم؛ عظيم في خَلقه وحكمته وتدبيره، وإن من دلائل العظمة، ومن آثار الخلق والحكمة: أن خَلَق الأزواج وألّف بينهم بالمودة والرحمة؛ (وَمِن آياتِهِ أَن خَلَقَ لَكُم مِن أَنفُسِكُم أَزواجًا لِتَسكُنوا إِلَيها وَجَعَلَ بَينَكُم مَوَدَّةً وَرَحمَةً إِنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِقَومٍ يَتَفَكَّرونَ)[الروم: 21].

عَقْد الزوجية -عباد الله- رباط قويم، وميثاقٌ غليظ عظيم، إنه طُهر وشِرعة، وصِلةٌ وثيقة وفِطرة. عقدٌ اشتملَ على مصالِح للزوجَين باطنةٍ وظاهرة، ينالان به سعادةَ الدنيا ونعيمَ الآخرة. أوجز لنا الحكيم العليم -سبحانه- حقوق الزوجية فقال: (وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذي عَلَيهِنَّ بِالمَعروفِ)[البقرة: 228].

إن على الزوجين المعاشرةَ بالمعروف معاشرةً حسنة، فلا ظلم ولا أذية، بل إحسانٌ للصحبة، وتوثيقٌ للألفة. أعظِمْ بها من صلة!، كلمة طيبة، إحسان وخدمة، مودة ورحمة، هدية ونزهة، نصح برفق وحكمة، تدوم بها المحبة، وتطيب لهما العشرة. قال ربنا العليم ووصَّى (وَعاشِروهُنَّ بِالمَعروفِ)[النساء: 19]، وقال نبينا -صلى الله عليه وسلم- وأوفى: "إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا".

عباد الله: إن قيام المرأة بحق زوجها من أوجب الواجبات وأعظم القربات؛ فليس على المرأة -بعد حقِّ اللهِ ورسوله- أوجَبَ من حقِّ الزوج. قال -صلى الله عليه وسلم-: "لو كنتُ آمرًا أحدًا أن يسجدَ لغيرِ اللهِ، لأمرتُ المرأةَ أن تسجدَ لزوجِها، والذي نفسُ محمدٍ بيدِه، لا تؤدِّي المرأةُ حقَّ ربِّها، حتى تؤدِّيَ حقَّ زوجِها كلَّه".

تطيع زوجها في المعروف، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا صلت المرأة خمسها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت"؛ الله أكبر.. زوجة صالحة مباركة تجيء معها البركة؛ حيث جاءت، بطاعة زوجها تدخل الجنة من أيّ أبوابها شاءت.

لا تخرج من بيتها إلا بإذنه ورضاه، من الصالحات القانتات الحافظات للغيب بما حفظ الله،

لا تمتنع عن زوجها إذا دعاها، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا دعا الرجلُ امرأتَه لفراشه فلم تجبه فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح".

تحفظ زوجها في غيابه: تحفظ نفسها وماله وولده. تخدم زوجها وتحسن تربية أولاده، تغار على زوجها وتهذِّب غيرَتَها؛ فلا تتجسسُ فتهدمَ بيتها. "لاَ تُنْفِقُ الْمَرْأَةُ شَيْئًا مِنْ بَيْتِهَا إِلاَّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا"؛ لا تثقل على زوجها في النفقة. لا تُدخِلَ أحداً في بيته إلاَّ بإذنه، ولا تصوم نفلاً -وهو شاهد- إلاَّ بإذنه.

تَذْكُر قول نبيها -صلى الله عليه وسلم- "أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة"؛ لا تغضبه، وتسترضيه إذا غضب، يقول -صلى الله عليه وسلم- "إذا أغضبتِ المرأةُ زوجَها في الدنيا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلكِ الله، فإنما هو عندك دخيل، يوشك أن يفارقك إلينا".

تشكر بَذْله وكَدّه وخيرَه، ولا تمدّ عينيها مستشرفةً غيرَه. تُعينه على الخير وتدله عليه، تذكِّر زوجها بالله والمصيرَ إليه.  تصبر عليه إن كان ذا فقر، وتعينه على نوائب الدهر، لا تفشي له سراً، ولا تعصي له أمراً، حافظة له في الغيب والشهادة، إن حضر أكرمته، وإن غاب صانته، وإن نظر إليها سرَّته.

لا تسعى بالشر بين زوجها وأهله، ولا تفرق بينه وبين ولده. لا تتتبّع هفواته، وتستر زلاته، تطلب رضا ربها برضا زوجها، تستحضر في هذا وصية نبيها -صلى الله عليه وسلم- إذ قال: "انظري أين أنتِ منه -أي من زوجك-؛ فإنه جنتُكِ ونارُك".

عباد الله: من محاسن ديننا أنه دين العدل والحكمة، فكما أرشد المرأةَ إلى حق زوجها، فقد أرشد الزوجَ إلى ما يجب عليه تجاه زوجته. سئل النبيُ -صلى الله عليه وسلم- "ما حقُّ زَوجةِ أحدِنا علَيهِ؟، قالَ: "أن تُطْعِمَها إذا طَعِمتَ، وتَكْسوها إذا اكتسَيتَ، ولا تضربِ الوَجهَ، ولا تُقَبِّح، ولا تَهْجُرْ إلَّا في البَيتِ".

إن للزوجة على زوجها أن ينفق عليها (أَسكِنوهُنَّ مِن حَيثُ سَكَنتُم مِن وُجدِكُم)[الطلاق: 6]، قال -صلى الله عليه وسلم-: "وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ"، مسكن وكِسوة ومتاع ونفقة، بحسَب القدرة والسَعة.

واحتسِبْ -عبدَ الله- عظيم الأجر بهذه النفقة، وأخلِص لله العمل والنية: يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- "دِينارٌ أنْفَقْتَهُ في سَبيلِ اللهِ, ودِينارٌ أنْفَقْتَهُ في رَقَبَةٍ، ودِينارٌ تَصَدَّقْتَ به علَى مِسْكِينٍ، ودِينارٌ أنْفَقْتَهُ علَى أهْلِكَ، أعْظَمُها أجْرًا الذي أنْفَقْتَهُ علَى أهْلِكَ"، تواصَ معها على تعلم أمور الدين، فالزوج راعٍ ومسؤول عن رعيته، مُرْها بالصلاة وأداء حقوق الله (وَأمُر أَهلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصطَبِر عَلَيها)[طه: 132].

أيها الأزواج: أقبلوا على أهليكم بوجه طلق وكلمة طيبة، ولا تنسوا حقهن من المؤانسة والمسامرة. ارعوا تقلب أحوالهن، لا سيما إذا مرضن وحملن ووضعن؛ فإن لكم عند الله الثوابَ الحسن.

تَغَيَّبَ عُثْمَانُ -رضي الله عنه- عَنْ غزوة بَدْرٍ، أن كَانَتْ تَحْتَهُ رقيةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَكَانَتْ مَرِيضَةً. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ"؛ اصبروا عليهن، فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعلَ الله فيه خيرًا كثيرًا، فربما رُزِقتَ منها ولدًا صالحًا أو صرتَ لها مُحبًّا، وكان الله على ذلك قديرًا.

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يَفْرَكُ مؤمنٌ مؤمنة، إن كَرِهَ منها خلقاً رضي منها آخر"، فلا يبغض مؤمنٌ مؤمنة؛ فإن الكمالَ عزيز، إن وجدتَ فيها عيبا فلا تضجر، وتذكر محاسنَها الأخرى فهي أكثر.

الزوج الصالح -أيها المؤمنون- يعفو عن الخطأ ويتجاوز عن الزلل، يذكر وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- فيهن: "استوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن خُلِقْن من ضِلَع، وإن أعوج شيء في الضِلَع أعلاه، فإن ذهبتَ تقيمه كسرتَه، وإن تركتَه لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا".

يصون زوجته ويُحْسِن الظنَّ بها، ويحفَظ هيبتها وكرامتها، يَغار عليها ويحفظ عِرْضَها. يتزيَّن لها كما تتزين له، يكرم أهلها وتكرم أهله. يحذر من ارتكاب ما نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "إن شرَّ الناسِ عند الله منزلةً يوم القيامة: الرجلُ يُفضِي إلى امرأته وتُفضِي إليه، ثم ينشُرُ سِرَّها"، يعلم أن الظلمَ مرتعٌ وخيم، يجني منه في الآخرةِ العذابَ الأليم. 

وبعدُ: فاتقوا الله عباد الله، واحكموا في تعاملكم مع أزواجكم بما أنزل الله؛ فإنه السبيلُ الأسلمُ والمنهجُ الأحكم (إِنَّ هذَا القُرآنَ يَهدي لِلَّتي هِيَ أَقوَمُ)[الإسراء: 9]، اللهم ألِّف بين قلوب الأزواج، وأصلح ذات بينهم، وأعذنا وإياهم من الشيطان الرجيم، اللهم يسر الزواج والعفاف لشباب وفتيات المسلمين، واجعل بيوتهم مطمئنة مباركة. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحكم في الآخرة والأولى، وأشهد أن محمداً عبده المصطفى ورسوله المجتبى، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أولي الفضل والنهى.

أما بعد فإن خير ما تُبْنَى عليه البيوت وتحصل به سعادةُ الأزواج والزوجات، طاعةُ الله ورسولِه وعملُ الصالحات، قال الله -تعالى-: (مَن عَمِلَ صالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ ما كانوا يَعمَلونَ)[النحل: 97].

ثم صلوا وسلموا عباد الله على خير البشر، من كان مع أزواجه حسن المعشَر، الذي قال  "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي".

اللهم أحسِن عاقبَتنا في الأمور كلِّها، وأجِرنا من خِزيِ الدنيا وعذابِ الآخرة.

نسألُك الجنةَ وما قرَّب إليها من قولٍ وعمل، ونعوذُ بك من النار وما قرَّب إليها من قولٍ أو عمل، برحمتِك يا أرحم الراحمين.

اللهم إنا نعوذُ بك من زوالِ نعمتِك، وفُجاءَة نقمتِك، وتحوُّلِ عافيتِك.

اللهم انصر دينَك، وكتابَك، وسُنَّةَ نبيِّك وعبادك الصالحين.

اللهم آمنَّا في أوطانِنا، وأصلِح اللهم وُلاةَ أمورنا، اللهم وفِّق خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضَى، اللهم وفِّقه وولي عهده لهُداك، واجعل عملَهما في رِضاك. اللهم من أرادنا وأراد بلادنا بسوءٍ أو فُرقة فرُدَّ كيدَه في نحرِهِ، واجعل تدبيرَه تدميرًا عليه.

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.