البصير
(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...
العربية
المؤلف | محمد بن عدنان السمان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المهلكات |
أيها المسلمون: فضَّل الله الإنسانَ وكرَّمَه، وهيَّأ له أسبابَ الطمأنينة ليعبُدَه وحده -سبحانه - كما أمَر، ومعاشُ الناس لا يستقيمُ إلا بالدين، وبهِ سعادتُهم في الآخرة، ومن دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللهمَّ أصلِح لي ديني الذي هو عصمةُ أمري، وأصلِح لي دُنيايَ التي فيها معاشي، وأصلِح لي آخرتي التي فيها معادي" [رواه مسلم]. وأساسُ الدينِ: العدلُ فيما بين العباد وبين خالقهم بإفراد العبادةِ له، وبينهم وبين المخلوقين بعدم...
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى؛ فتقوى الله طريقُ الهُدى، ومُخالفتُها سبيلُ الشقا.
أيها المسلمون: فضَّل الله الإنسانَ وكرَّمَه، وهيَّأ له أسبابَ الطمأنينة ليعبُدَه وحده -سبحانه - كما أمَر، ومعاشُ الناس لا يستقيمُ إلا بالدين، وبهِ سعادتُهم في الآخرة، ومن دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللهمَّ أصلِح لي ديني الذي هو عصمةُ أمري، وأصلِح لي دُنيايَ التي فيها معاشي، وأصلِح لي آخرتي التي فيها معادي" [رواه مسلم].
وأساسُ الدينِ: العدلُ فيما بين العباد وبين خالقهم بإفراد العبادةِ له، وبينهم وبين المخلوقين بعدم بغيِ بعضِهم على بعضٍ؛ إذ الظلمُ أصلُ كلِّ شرٍّ، وفسادٌ للدين والدنيا، والله نزَّهَ نفسَه عن الظلمِ وجعلَه بين العباد مُحرَّمًا؛ فقال: "يا عبادي! إني حرَّمتُ الظلمَ على نفسي، وجعلتُه بينكم مُحرَّمًا؛ فلا تَظَالَموا"[رواه مسلم].
وكان أبو إدريس الخَولانيُّ -رحمه الله- راوي الحديثِ إذا حدَّثَ بهذا الحديثِ جَثَى على رُكبتَيْه.
واللهُ أخبرَ أنه لا يُحبُّ الظالِمَ، ونفى عنه الفلاح، ووعدَ بقطعِ دابرِه، ولا يدُومُ على نُصرته أحدٌ، قال -سبحانه-: (وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)[البقرة: 270].
بل يُسلِّطُ اللهُ عليه ظالمًا أقوى منه؛ كما قال -سبحانه-: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[الأنعام: 129].
قال ابن كثير -رحمه الله-: "أي: نُسلِّطُ بعضَهم على بعضٍ، ونُهلِكُ بعضَهم ببعضٍ، وننتقمُ من بعضِهم ببعضٍ؛ جزاءً على ظُلمهم وبغيِهم".
والله توعَّدَه بسُوء المُنقلَبِ، فقال: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [الشعراء: 227].
أيها المسلمون: ولاشكَّ أنَّ الظلم له صور كثيرة، وسنقتصر على ذكر بعضها حتى نكون منها على حذر، وهذه الصور منها:
أولًا: ظلم العبد نفسه.
وأعظمه الشرك بالله، قال تعالى: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)[لقمان:13].
ومن أنواع ظلم العبد نفسه: التعدِّي على حدود الله، قال تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة:229].
ومن صور الظلم: ظلم العباد بعضهم لبعض، وظلم العباد بعضهم لبعض أنواع، ويمكن تقسيمه إلى ظلم قولي، وظلم فعلي:
فمن صور الظلم القولي:
التعرض إلى الناس بالغيبة، والنَّمِيمَة، والسباب والشتم، والاحتقار، والتنابز بالألقاب، والسخرية، والاستهزاء، والقذف،... ونحو ذلك.
من صور الظلم الفعلي:
1- القتل بغير حق، وهو من أشد ظلم العباد بعضهم لبعض.
قال تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا) [الإسراء: 33].
قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ). وهي: النفس المسلمة، من ذكر وأنثى، صغير وكبير، بر وفاجر، والكافرة التي قد عصمت بالعهد والميثاق.
ومن صور الظلم الفعلي: أخذ أرض الغير أو شيء منها.
في صحيح مسلم: أنَّ أروى بنتَ أويسٍ ادَّعت على سعيدِ بنِ يزيدٍ رضي الله عنه –وهو من أحد العشرة المبشرين بالجنة - أنَّهُ أخذ شيئًا من أرضها، فخاصمتْه إلى مروانِ بنِ الحكمِ، فقال سعيدٌ: أنا كنتُ آخذُ من أرضها شيئًا بعد الذي سمعتُ من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ؟ قال: وما سمعتَ من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ؟ قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقول: "من أخذ شبرًا من الأرضِ ظلمًا طوَّقَه إلى سبعِ أرضينَ" فقال لهُ مروانٌ: لا أسألك بيِّنَةً بعدَ هذا، فقال: اللهم! إن كانت كاذبةً فاعْمِ بصرها واقتلها في أرضها، قال: فما ماتت حتى ذهب بصرُها، ثم بينَا هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرةٍ فماتت.
ومن صور الظلمِ على بعض الموظفينَ من رؤسائهم:
بحرمانِهم من حقوقِهم الوظيفية بغيرِ حقٍ؛ كالزياداتِ والترقياتِ التي يستحقونَها، أو تفضيلِ بعضِهم على بعضٍ بسببِ الصداقةِ أو القرابةِ أو الواسطةِ .
ألا فليتق الله كل مسؤوول أو مدير أو صاحب منصب في مرؤسيه، وليعط على كل ذي حق حقه .
أيها المسلمون: والظلم وللأسف بدأ يظهر في الأُسَرة الواحدة :
أليس من ظلم بعض الأولاد لوالديهما عقوقهما، والتعدي عليهما، وعدم طاعتهما .
أليس من ظلم بعض الأزواج لزوجاتهم في ايذائهن، أو ضربهن، أو التعدي على حقوقهنَّ .
أليس من ظلم بعض الأزواج لأسرهم، لزوجاتهم، وأبنائهم: إهمالهم، والتقصير في تربيتهم، وتضييع رعايتهم، والانشغال عنهم بالاستراحات، والقنوات والملهيات.
وفي المقابل أليس من ظلم بعض الزوجات لأزواجهنَّ بتقصيرهن في حقهم، والتنكُّر لفضلهم.
أخوة الاسلام: ومن أشنع صور الظلم: ظلم البنات بعضلهنَّ عن الزواج، قال تعالى: (وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ) [النساء: 1].
العضل: هنا التضييق، والمنع، والشدة..، أليس من ظلم بعض الآباء أن يؤجل زواج ابنته أو أخته التي تولى أمرها؛ لكي يستفيد من راتبها وأموالها .
أليس من الظلم ما يفعله بعض الرجال من ابقاء زوجته على ذمته دون القيام بحقوقها، فيعلقها لا هو طلقها ولا هو قام بحقوقها .
أليس من الظلم تَفضيل بعض الأولاد على بعض، وهذا قد يكون واضحا إذا تعددت الأمهات فيظلم أبنائه من أجل أن يؤثر على أمهم .
عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال: "سألتْ أمي أبي بعض الموهبة لي من ماله، ثم بدا له فوهبها لي، فقالت: لا أرضى حتى تشهد النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ بيدي وأنا غلام، فأتى بي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن أمه بنت رواحة سألتني بعض الموهبة لهذا، قال: "ألك ولد سواه؟" قال: نعم، قال: فأراه قال:" لا تشهدني على جور"[رواه البخاري ومسلم].
هذا بعض من صور الظلم، وهناك صور أخرى يجب علينا أن نحذر منها أيضاً، سأتطرق إليها إن شاء الله في الخطبة الثانية.
أسأل الله أن يحفظنا بحفظه، وأن يوفقنا وإياكم لكل خير، أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه حمدا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله عز وجل، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].
معاشر المصلين: تطرقنا لبعض من أنواع من صور الظلم، والتي حذر منها الكتاب والسنة، فمن أنواع الظلم ظلم العمال الخدم :
أليس من الظلم أن يعمل أن يحرم صاحب العمال من العمال من أجورهم ومكافآتهم، ويبخسهم حقوقَهم، أو أن يؤخرها عن وقتها.
في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره".
وفي الصحيحين، قال صلى الله عليه وسلم: "إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم".
ومن صور الظلم البغيضة: أكل أموال الناس بالباطل، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا)[النساء: 29-30].
فهنا ينادي الله تعالى عباده المؤمنين بعنوان الإيمان، فيقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) وينهاهم عن أكل أموالهم بينهم بالباطل بالسرقة أو الغش أو الخيانة أو الرشوة أو القمار أو الربا، وما إلى ذلك من وجوه التحريم العديدة، فيقول: (لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ).
ومن أشد من أنواع الظلم في ذلك أكل أموال اليتامى، وقد جاء تحذير شديد ووعيد أكيد: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)[النساء: 10].
ألا وليعلم كل ظالم أن كل مظلوم سينتصر ولو بعد حين، قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين لصاحبه معاذ بن جبل رضي الله عنه: "واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب" أي: ليس بينها وبين الله مانع، بل هي معروضة عليه تعالى.
ولربما تأخرت إجابة الدعوة، ولكن الله ليس بغافل عما يعمل ذلك الظالم:
قال سبحانه: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء) [إبراهيم:42-43].
قال ميمون بن مهران رحمه الله: في قوله تبارك وتعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) قال: "تعزية للمظلوم، ووعيد للظالم".
وفي الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: "اتَّقوا الظُّلمَ، فإنَّ الظُّلمَ ظلماتٌ يومَ القيامةِ".