الولي
كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...
العربية
المؤلف | إسماعيل القاسم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحديث الشريف وعلومه - المنجيات |
ولأهمية هذا الحديثِ وقوةِ مدلولاته، قال ابن رجب -رحمه الله-: "هذا الحديث أحد الأحاديث التي يدور الدين عليها". وقال الشافعي -رحمه الله-: "هذا الحديث ثلث العلم". وقال الإمام أحمد -رحمه الله-: "أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث: حديث عمر: "إنما الأعمال بالنيات"، وحديث عائشة: "من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد"، وحديث النعمان بن بشير: "الحلال بين والحرام بيّن".
الخطبة الأولى:
من الأحاديث النبوية التي عليها مدارُ عملِ المسلم في جميع عباداته، قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه"(متفق عليه).
وقد اهتم العلماء بهذا الحديث العظيم، وجعلوه فاتحة مصنفاتهم، كالإمام البخاري وابن رجب وغيرهما، قال عبد الله بن مهدي -رحمه الله-: "من أراد أن يصنف كتابًا فليبدأ بحديث: "الأعمال بالنيات".
ولأهمية هذا الحديثِ وقوةِ مدلولاته، قال ابن رجب -رحمه الله-: "هذا الحديث أحد الأحاديث التي يدور الدين عليها". وقال الشافعي -رحمه الله-: "هذا الحديث ثلث العلم". وقال الإمام أحمد -رحمه الله-: "أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث: حديث عمر: "إنما الأعمال بالنيات"، وحديث عائشة: "من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد"، وحديث النعمان بن بشير: "الحلال بين والحرام بيّن".
وصدق النية ومصاحبتها للعمل أهم الأعمال، قال عمر -رضي الله عنه-: "أفضل الأعمال أداء ما افترض الله -عز وجل-، والورع عما حرّم الله -عز وجل-، وصدق النية فيما عند الله -عز وجل-".
هذا الحديث "إنما الأعمال بالنيات" عجيب في ألفاظه، فقائله أُعطي جوامع الكلم -صلى الله عليه وسلم-، وغريبٌ في تفردُّ راويه، فالصحابة -رضي الله عنهم- مع أن عددهم كثير، لم يروه عن رسول الله إلا عمر -رضي الله عنه- فقط، وتفرد بروايته عن عمر يحيى بنُ سعيد الأنصاري، ثم رواه عنه الخلق الكثير، والجم الغفير، فقيل: رواه أكثر من مائتي راوٍ، وقيل: سبعمائة راوٍ، واتفق العلماء على صحته وتلقيه بالقبول.
في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "الأعمال بالنيات"، كل عمل لازمَتْه نية صادقة فصاحبها مأجور على أدائها، قال الله -سبحانه- في وصف حال الفقراء الذين رغبوا مشاركة النبي -صلى الله عليه وسلم- في تبوك وتَعذَّر وجود الرَّحْل: (وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ)[التّوبَة: 92].
قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيهم: "إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيرًا، ولا قطعتم واديًا، إلا كانوا معكم، حبسهم المرض"، وفي رواية: "حبسهم العذر"(رواه مسلم)، وعلى مثلهم قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من سأل الله الشهادة بصدق، بلغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه"(رواه مسلم).
وأما إذا كان العمل صالحًا وافتقد النية كان العمل هباء منثورًا، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "رُبَّ قتيل بين الصفين، الله أعلم بنيته"(رواه أحمد)، وفي الصحيحين: "أن أعرابيًّا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال يا رسول الله: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليُرى مكانُه، فمن في سبيل الله؟ فقال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله".
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن أول الناس يُقْضَى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأُتى به فعرَّفه نِعَمَه فعَرَفها، فقال: ما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأَنْ يقال جريء، فقد قيل، ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تَعَلّم العلم وعلّمه وقرأ القرآن، فأُتى به فَعرّفه نِعَمَه فَعرَفها، فقال: ما عملتَ فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت القرآن فيك، قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال قارئ فقد قيل، ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال، فأُتى به فعرّفه نِعَمَه فعرَفَها، فقال: فما عملت فيها؟ فقال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيه إلا أنفقتُ فيها لك، قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد، فقد قيل، ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى أُلقي في النار"(رواه مسلم).
ولما بلغ معاويةَ -رضي الله عنه- هذا الحديثُ بكى حتى غشي عليه، فلما أفاق، قال: صدق الله ورسوله، قال الله -عز وجل- (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[هُود: 15-16].
ومسجد الضرار لمَّا عَلِم الله فساد نية متخذيه، حيث لم يُؤسَّسْ على تقوى من الله ورضوان، بل اتخذوه ضرارًا، وكفرًا، وتفريقًا لصف المسلمين، ومقرًا للرَّصْد والإعداد لحرب المسلمين، أمر رسولُ الله بهدمه، قال -سبحانه-: (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)[التّوبَة: 109].
وفقنا الله لطاعته، وأصلح لنا النية والذرية.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
من وقفات هذا الحديث العظيم قوله -عليه الصلاة والسلام-: "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر"؛ فالهجرة مع أن فيها انتقالاً من دار الكفر إلى دار الإسلام، إلا أنها تختلف باختلاف النيات، فإذا كانت هجرته إلى دار الإسلام، حبًا لله ورسوله، ورغبة في تعلم دين الإسلام، وإظهار دينه، فهذا المهاجر حقًا، -وكفاه شرفًا- أنه حصل ما نواه من هجرته إلى الله ورسوله.
وأما إذا كانت هجرته من دار الشرك إلى دار الإسلام لطلب دنيا يصيبها فهذا تاجر، أو امرأة ينكحها فهذا خاطب، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فهجرته إلى ما هاجر إليه" فلم يذكر إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، وهذا من باب التحقير لما طلبه.
فعلى المسلم أن يصلح نيته في أي عمل، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم.
اللهم اجعل أعمالنا صالحة، ولوجهك الكريم خالصة.
وصلوا وسلموا على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.