البحث

عبارات مقترحة:

الحي

كلمة (الحَيِّ) في اللغة صفةٌ مشبَّهة للموصوف بالحياة، وهي ضد...

الخلاق

كلمةُ (خَلَّاقٍ) في اللغة هي صيغةُ مبالغة من (الخَلْقِ)، وهو...

السلام

كلمة (السلام) في اللغة مصدر من الفعل (سَلِمَ يَسْلَمُ) وهي...

دروس وعبر من قصة نبي الله إبراهيم -عليه السلام-

العربية

المؤلف إسماعيل القاسم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان - أعلام الدعاة
عناصر الخطبة
  1. أهمية دراسة أخبار الأنبياء .
  2. فضائل إبراهيم عليه السلام .
  3. وقفات مع قصة إبراهيم عليه السلام .
  4. محبة النبي صلى الله عليه وسلم لإبراهيم عليه السلام. .

اقتباس

إن أزكى سيرة، وأعطرَ حياة، هو ما يكون من سِيَر وأخبار الأنبياء والصالحين، وإذا كانت السيرةُ سيرةَ نبيٍّ اصطفاه الله على أهل زمانه، فالنفوس تتطلع إليها، وتشرئب لها الأعناق، وتعلو المكانة إذا كان صاحبها من أولي العزم من الرسل -عليهم السلام-، وتسمو المنزلة إذا كان هو أبا الأنبياء وإمامَ الحنفاء -عليه السلام-.

الخطبة الأولى:

إن أزكى سيرة، وأعطرَ حياة، هو ما يكون من سِيَر وأخبار الأنبياء والصالحين، وإذا كانت السيرةُ سيرةَ نبيٍّ اصطفاه الله على أهل زمانه، فالنفوس تتطلع إليها، وتشرئب لها الأعناق، وتعلو المكانة إذا كان صاحبها من أولي العزم من الرسل -عليهم السلام-، وتسمو المنزلة إذا كان هو أبا الأنبياء وإمامَ الحنفاء -عليه السلام-.

أثنى الله -سبحانه- عليه بقوله: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[النّحل: 120]، أي: إمامًا مقتدى به، يُعلِّم الناسَ الخيرَ، قال -سبحانه-: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا)[البَقَرَة: 124]، وقد كان كل أهل الأرض كُفّارًا، سوى الخليلِ وزوجتِه وابنِ أخيه لوط -عليه السلام-.

وصف الله -عز وجل- خليله بقوله: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صَدِّيقًا نَبِيًّا)[مَريَم: 41]، وذكر الله دعوته لأبيه وقومِه في مواضعَ من كتابه الكريم.

وقد آتاه الله رُشْده في حال صغره، وألهمه الحقَّ والحجةَ على قومه، قال -تعالى-: (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ)[الأنبيَاء: 51].

وآتاه الله في الدنيا حسنة، وهي الذرية الطيبة، والثناء الحسن، بسبب إخلاصه لله، واعتزالِه أهل الشرك، قال -سبحانه-: (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاً جَعَلْنَا نَبِيًّا)[مَريَم: 49].

وقال -سبحانه-: (وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ)[العَنكبوت: 27]، وقال -سبحانه- في ذكر الذرية: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ)[العَنكبوت: 27].

وقد بدأ دعوته لأبيه لقربه منه، ولمحبته له، وكان ذلك بألطف عبارة وأحسنِ ِإشارة، كما في قوله: (يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لاَ تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَانِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَانِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا)[مَريَم: 43-45].

ولعلوِّ منزلتِه كان الأنبياء بعده يذكرونه تمهيدًا للدعوة وتشريفًا لهم، كما قال يوسف -عليه السلام-: (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ)[يُوسُف: 38]، وقال يعقوب -عليه السلام- لأبنائه عند وفاته: (أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)[البَقَرَة: 133].

ومن صفاته وخصاله أنه -عليه السلام- متصفٌ بصفة الكرم، حتى لأُناسٍ غرباءً لا يعرفهم، وهم الملائكة حينما أتوه على هيئة رجال، فقدَّم إليهم عِجْلاً سمينًا، وكان حنيذًا -أي: مشويًا-.

وكان صادقَ القول، لم يكذب في حياته سوى ثلاث كَذَبات، وهي في الله، أولاها: أنه قال لقومه: إني سقيم، وقال: بل فعله كبيرهم -عندما كسّر الأصنام-، وقال عن زوجته: إنها أخته.

وأُعطي -عليه السلام- حجةً في الرد على المخالفين، كما حصل له مع مَلِكِ زمانه النَّمرود، الذي مَلَك الأرض، وطغى وبغى، وتجبر وعتى، وآثر الحياة الدنيا: (إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)[البَقَرَة: 258].

 وحين كَسَّر الأصنام وعاد القومُ وسألوا إبراهيم في جموع الناس: (قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ)[الأنبيَاء: 62-63]، قال ابن كثير -رحمه الله-: "أي علمت يا إبراهيم أن هذه لا تنطق، فكيف تأمرنا بسؤالها؟".

كما أُعطي -عليه السلام- توكلاً عجيبًا، فعند إلقائه في النار بسبب تكسيره للأصنام، قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، قال الله: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلاَمًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ)[الأنبيَاء: 69].

وأعطي ثباتًا قويًّا في القلب، فترك زوجتَه وابنَه الرضيعَ في مكان لا أنيس فيه ولا جليسَ، ولا شجرَ ولا ثمر، فقالت زوجته: آللهُ أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: فإنه لا يضيعنا.

وفقنا الله للتأسي بأخلاق صفوة خلقه.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية:

لأبينا إبراهيمَ وابنهِ إسماعيلَ -عليهما السلام- الشرفُ في بناء الكعبة المشرفة قال -سبحانه-: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ)[البَقَرَة: 127]

ومقام إبراهيم شاهدٌ على ذلك العملِ الجليلِ، بل قال الله فيه: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى)[البَقَرَة: 125]، كما أن أداءَ الحجِ أمَرَه الله بالأذان به (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ)[الحَجّ: 27].

والأمنُ والأمانُ في بيت الله الحرام بدعاء أبينا إبراهيم -عليه السلام- حين دعا ربه بقوله: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا)[إبراهيم: 35]، فاستجاب الله دعاءه فقال -سبحانه-: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا)[العَنكبوت: 67].

ودعا كذلك بقوله: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيْهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[البَقَرَة: 129]، فاستجاب الله دعاءه، فبعث فيهم رسولاً هو تمام الأنبياء والرسل -عليهم السلام- وعمَّت بدعوته أهلَ الأرض كلَّهم.

ودعا خليلُ الرحمن بأن تهوي أفئدةٌ من الناس للبيت الحرام، ودعا لأهل مكة وزائريها وساكنيها بأن يرزقهم من الثمرات، فاستجاب الله دعوته مع قلة المياه، ونُدْرَة الأشجار والثمار، فكان حرمًا محرّمًا، وأمنًا محتمًا.

ثم اعلموا أن نبينا محمدًا -عليه السلام- لمحبته لأبيه إبراهيم -عليه السلام- سمى أحد أبنائه باسمه، وحينما قال الرجل لنبينا محمد -عليه السلام- يا خير البرية قال: "ذاك إبراهيم"(رواه مسلم).

 قال القاضي عياض -رحمه الله-: "قالها إما تواضعًا، وإما كُرْهًا لإظهار المطاولة على الآباء، ولذا قال ابن كثير -رحمه الله- عند قول الله -تعالى-: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[الأنعَام: 161].

وفي قوله -تعالى-: (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ)[النّحل: 123]: "ليس يلزم من كونه -عليه السلام- أُمر باتباع ملة إبراهيم أن يكون إبراهيمُ أكملَ منه فيها؛ لأنه -عليه السلام- قام بها قيامًا عظيمًا، وأُكملت له إكمالاً تامًّا لم يسبقْه أحد إلى هذا الكمال، ولذا كان خاتمَ الأنبياء، وسيدَ ولدِ آدم على الإطلاق، وصاحبَ المقام المحمود، الذي يرغب إليه الخلق حتى إبراهيمُ -عليه السلام-".

رزقنا الله وإياكم التأسي بأخلاق رسل الله -عليهم السلام-

وصلوا وسلموا على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.