البحث

عبارات مقترحة:

الجميل

كلمة (الجميل) في اللغة صفة على وزن (فعيل) من الجمال وهو الحُسن،...

القوي

كلمة (قوي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من القرب، وهو خلاف...

الواسع

كلمة (الواسع) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَسِعَ يَسَع) والمصدر...

شرح حديث "دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة"

العربية

المؤلف إسماعيل القاسم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الحديث الشريف وعلومه - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. حرص الصحابة على الخير .
  2. أعمال صالحة سبب في دخول الجنة .
  3. وصايا نبوية جامعة .
  4. الشهادة لمسلم بالجنة على نوعين .
  5. تعدد فضائل الأعمال وكثرة مفاتيح الجنة. .

اقتباس

فالوصايا المذكورة هي أركان الإسلام ومبانيه العظام، فبدأ بتوحيد الله لأنه الأهم، ثم الصلاةِ لأنها عمود الدين ولتكرارِها كلَّ يوم خمس مرات، ثم الزكاة لكونها قرينة للصلاة في أكثر المواضع في كتاب الله وسنة رسول الله، ثم الصوم لتكراره كل سنة، والحج مرة في العمر. فهذه أسبابٌ مقتضيةٌ لدخول الجنة...

الخطبة الأولى:

الصحابة -رضي الله عنهم- خير القرون، وهم ألزمُ الأمةِ بالسنة، وأحرصهم على العمل، فحالهم -رضي الله عنهم- المنافسةُ فيما بينهم على السؤالِ عنها، وأداءِ الأعمال الصالحة؛ لما يترتب عليه من الثواب العظيم وهو الفوز بالجنة، والنجاةِ من النار، وقد وصف هذا الحالَ حذيفةُ -رضي الله عنه- بقوله: "كان الناس يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني"(متفق عليه).

وفي الحديث المتفق عليه: "أن أعرابيًا جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة" فأرشده النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أركان الإسلام ودعائمه العظام، فقال: "تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان"، قال: والذي نفسي بيده! لا أزيد على هذا شيئًا ولا أنقص، فلما ولَّى قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَن سرَّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا".

وهذا الحديث يشتمل على وصايا:

الوصية الأولى: "تعبد الله ولا تشرك به شيئًا"، ابتدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- بالأهم وهو تحقيقُ العبودية لله، وتعلُّقُ القلب بالله وحده، وتخليصُه من جميع ما يشوبها، وهو أصل دعوة الرسل -عليهم السلام- (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ)[الأنبيَاء: 25]، فيوحد المسلم ربه في جميع شؤونه، ويخلص عبادته لله وحده فلا شريك معه، ولا ند، كما قال -سبحانه-: (أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ)[الزُّمَر: 3]، وقد أمر الله نبيه محمدًا -صلى الله عليه وسلم- أن يقول للمشركين: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ)[الأنعَام: 162-163].

ولعظم من حققها قال أبو ذر -رضي الله عنه-، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما من عبد قال: لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة"، قلت: وإن زنى وإن سرق؟! قال: "وإن زنى وإن سرق"، قالها ثلاثًا، ثم قال في الرابعة: "على رغم أنف أبي ذر"، فخرج أبو ذر، وهو يقول: وإن رغم أنف أبي ذر"(متفق عليه).

وقيل لوهب بن منبه: "أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟ قال: بلى، ولكن ليس مفتاح إلا له أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك"(رواه البخاري).

وأسنانُ مفتاح الجنة فعلُ ما أمر الله -تعالى- به، وترك ما نهى الله عنه، فمن حقق عبوديته لله فهو السعيد في الدارين، ويرجى له دخول الجنة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة"(رواه أبو داود).

الوصية الثانية: "وتقيم الصلاة المكتوبة" إقامتها تكون بتحقيق شروطها وأركانها وواجباتها وسننها، وقد أمر الله بالمحافظة عليها بقوله: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ)[البَقَرَة: 238]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر"(رواه ابن ماجه).

ولأهميتها شرعت في السماء ليلةَ الإسراء والمعراج، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في فضل أدائها: "خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئًا استخفافًا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة"(رواه أبو داود).

وفي الحديث القدسي: "وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضت عليه"(رواه البخاري)، فالصلوات المفروضة محببة إلى الله أكثر من النوافل، وكذا صيام رمضان على صيام الاثنين والخميس، والزكاة على الصدقة، وحج الفريضة على التطوع، وهكذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا حزبه أمرٌ صلَّى" (رواه أبو داود)، وفي حال الرخاء قال: "وجعلت قرة عيني في الصلاة"(رواه النسائي).

ولما دخل المِسور بنُ مخرمةَ على عمرَ بنِ الخطاب في الليلة التي طعن فيها، أيقظ عمرَ لصلاة الصبح، فقال عمر: "نعم، ولا حَظَّ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فصلى وجُرحُه يثعب دمًا"(رواه البيهقي).

وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، فإن صلَحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله، والصلاة تزكي النفوس، وتسمو بالأخلاق، قال -سبحانه-: (إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)[العَنكبوت: 45].

الوصية الثالثة: "وتؤدي الزكاة المفروضة"؛ الزكاة هي: اسم لإخراج شيء مخصوص، من مال مخصوص، على أوصاف مخصوصة، وفعل الزكاة من صفات عباده المؤمنين، قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ)[المؤمنون: 4].

وزكاة المال تطهره من الحرام، وهي سبب لزيادته وبركتِه وكثرةِ نفعه، وعونٌ على استعماله في الطاعات، قال -سبحانه-: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)[التّوبَة: 103]، وبزكاة النفس وطهارتها يصير الإنسان زاكيًا يستحق في الدنيا الأوصافَ المحمودة، وفي الآخرة الأجرَ والمثوبة، وأداؤها سبب لدخول الجنة.

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع: "اتقوا الله ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، وأطيعوا ذا أمركم، تدخلوا جنة ربكم"(رواه الترمذي).

 وفي الزكاة تكاتف وترابط، وعطف ورحمة بين الغني والفقير، ولذا في وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ بن جبل -رضي الله عنه- "فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم"(رواه مسلم).

وعبَّر عن الزكاة بالأداء لا بالإقامة كما في الصلاة، لأنها لا تحتاج إلى خشوع وخضوع القلب، وإنما تحتاج إلى بذل مالٍ مع الإخلاص، والمفروضة هي المقدرة من الأموال والثمار والمواشي، وذِكْر "المفروضة" احترازٌ من صدقة التطوع.

والوصية الرابعة: "صوم رمضان"، وهو الإمساك عن أشياءَ مخصوصة، في وقت مخصوص، وقد ورد في فضله أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال يوم حجة الوداع: "اعبدوا ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدّوا زكاة أموالكم، وأطيعوا ذا أمركم، تدخلوا جنة ربكم"(رواه الترمذي).

وفي الجنة باب لا يدخله إلا الصائمون، فضلاً من الكريم -سبحانه-، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن في الجنة بابًا يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق، فلن يدخل منه أحد"(رواه مسلم).

قال ابن القيم -رحمه الله-: في الصيام: "إنه لجام المتقين، وجُنَّةُ المحاربين، ورياضة الأبرار والمقربين".

وفي هذه الرواية لم يذكر الحج، لاحتمال سببين، ذكرهما ابن حجر -رحمه الله- أولها: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- والإعرابي كانا في الحج، فلم يذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- الحج، وثانيها: أن الحج فُرِض متأخرًا في السنة التاسعة من الهجرة، ولقاء النبي -صلى الله عليه وسلم- مع الإعرابي قبل فرض الحج.

ولما انتهى النبي -صلى الله عليه وسلم- من وصيته قال الأعرابي: "والذي نفسي بيده! لا أزيد على هذا"، فليس مراد الإعرابي أنه لا يعمل شيئًا من شرائع الإسلام وواجباته، بل إن سؤاله كان عن الأعمال التي تُدخل الجنة، وقيل: إن هذا الإعرابيَّ حديثُ إسلام، فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- بفعل ما أوجب الله عليه لئلا يثقل عليه ذلك فَيمَلّ.

وفقنا الله لطاعته، وجنبنا معاصيه.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية:

لما ولّى الأعرابي - أي انصرف - قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا". قال الامام النووي -رحمه الله-: "الظاهر منه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عَلِم أنه يُوفِي بما التزم، وأنه يدوم على ذلك ويدخل الجنة"، كما كان لأهل بدر وغيرِهم فلذلك شهد له بالجنة، أما نحن فلا نشهد لأحد بجنة أو بنار لأننا لا نعلم بم يُختم على العبد.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "نقول: من فعل كذا دخل الجنة، ومن فعل كذا دخل النار، لا يجزم لمعين لكن يرجى للمحسن ويخاف على المسيء".

والشهادة بالجنة شهادتان:

شهادة وصف وشهادة شخص، فنشهد لكل مؤمن ومؤمنة وتقي وتقية دون تعيين أنه من أهل الجنة، كما ذكر الله -تعالى- في كتابه فقال: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[البَقَرَة: 82]، وقولِه -سبحانه-: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)[آل عِمرَان: 133].

والشهادة الثانية: شهادة شخص، فإنا نشهد لمن شهد لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالجنة كالعشرة، وبلالِ بنِ رباح، وعبدِ الله بنِ سلام، وسعدِ بنِ معاذ، وعكاشةَ بنِ محْصن، وأنسِ بنِ مالك، والمرأةِ السوداءِ التي تصرع، والأعرابيِّ الذي في هذا الحديث.

فالوصايا المذكورة هي أركان الإسلام ومبانيه العظام، فبدأ بتوحيد الله لأنه الأهم، ثم الصلاةِ لأنها عمود الدين ولتكرارِها كلَّ يوم خمس مرات، ثم الزكاة لكونها قرينة للصلاة في أكثر المواضع في كتاب الله وسنة رسول الله، ثم الصوم لتكراره كل سنة، والحج مرة في العمر.

فهذه أسبابٌ مقتضيةٌ لدخول الجنة، كما في حديث معاذ -رضي الله عنه-: "قلت يا رسول الله: أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني عن النار؟"، قال: "لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه: تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت"(رواه الترمذي).

والأحاديث متعددة في ذلك: بعضها يرتب ثواب الجنة على كلمة التوحيد، وبعضها يرتب ثواب الجنة على الصلاة، وكذا الصيامُ والزكاةُ والحجُ إذا فعلت مع اجتماع الشروط وانتفاءِ الموانع، أو إذا فُعلت هذه الأفعالُ مع الإتيان بالتوحيد؛ لأنه به تصح الصلاة، وتقبل الزكاة، ويصح الصيام. إلى آخره.

وليحذر المسلم من ارتكاب المحرمات، واقتراف الكبائر والموبقات، فقد جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، شهدت أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وصليت الخمس، وأديت زكاة مالي، وصمت شهر رمضان، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من مات على هذا، كان مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة هكذا -ونصب أصبعيه- ما لم يعق والديه"(رواه أحمد).

جعلنا الله ممن قام بشريعته حق القيام.

وصلوا وسلموا على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.