الحكيم
اسمُ (الحكيم) اسمٌ جليل من أسماء الله الحسنى، وكلمةُ (الحكيم) في...
العربية
المؤلف | إسماعيل القاسم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أعلام الدعاة |
عمرو بن العاص السهمي القرشي صحابي جليل، من دهاة العرب ومن شُجْعانهم، يُعتبر قائدًا محنكًا، وسفيرًا مفوهًا، أرسلته قريش سفيرًا لها إلى النجاشي ليُسلِّم إليهم مَن عنده مِن المسلمين. أسلم عام الفتح وحَسُن إسلامه. استعمله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على عمان، فلم يزل عليها إلى أن تُوفِّي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
الخطبة الأولى:
عمرو بن العاص السهمي القرشي صحابي جليل، من دهاة العرب ومن شُجْعانهم، يُعتبر قائدًا محنكًا، وسفيرًا مفوهًا، أرسلته قريش سفيرًا لها إلى النجاشي ليُسلِّم إليهم مَن عنده مِن المسلمين.
أسلم عام الفتح وحَسُن إسلامه. استعمله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على عمان، فلم يزل عليها إلى أن تُوفِّي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في فضله: "أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص"، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أبناء العاص مؤمنان عمرو وهشام". وقال طلحة: "ألا أحدثكم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشيء؟ إني سمعته يقول: "عمرو بن العاص من صالحي قريش"(رواه الترمذي)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "نعم أهل البيت أبو عبد الله، وأم عبد الله، وعبد الله"(رواه أحمد).
وهو أسَنّ من عمر بن الخطاب، قال: "إني لأذكر الليلة التي وُلِدَ فيها عمر -رضي الله عنه-".
هاجر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسلمًا في أوائل سنة ثمان، مرافقًا لخالد بن الوليد، وحاجب الكعبة عثمان بن طلحة، ففرح النبي -صلى الله عليه وسلم- بقدومهم وإسلامهم.
قال عمرو بن العاص قال: "ما عدل بي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبخالد منذ أسلمنا أحدًا من أصحابه في حربه".
قال عنه الإمام الذهبي -رحمه الله-: "وكان من رجال قريش رأيًا، ودهاء، وحزمًا، وكفاءة، وبصرًا بالحروب، ومن أشراف ملوك العرب، ومن أعيان المهاجرين".
قال ابن كثير -رحمه الله- عنه: "وقد كان معدودًا من دهاة العرب وشجعانهم وذوى آرائهم وله أمثال حسنة وأشعار جيدة".
ومن فقهه -رضي الله عنه- أنه كان على سرية، فأصابهم برد شديد لم يروا مثله، فخرج لصلاة الصبح، فقال: احتلمت "البارحة"، ولكني والله ما رأيت بردًا مثل هذا، فغسل مغابنه، وتوضأ للصلاة، ثم صلى بهم، فلما قدم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصحابه: "كيف وجدتم عمرًا وصحابته"؟، فأثنوا عليه خيرًا، وقالوا: يا رسول الله صلى بنا وهو جُنُب، فأرسل إلى عمرو، فسأله، فأخبره بذلك وبالذي لقي من البرد، وقال: إن الله قال: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)[النساء:29]، ولو اغتسلت متُّ. فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"(رواه أبو داود والدارقطني).
ومن فطنته بالحروب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث عمرًا في غزوة ذات السلاسل، فأصابهم برد، فقال لهم عمرو: "لا يوقدن أحدٌ نارًا". فلما قدم شَكَوه، قال: "يا نبي الله! كان فيهم قلة، فخشيت أن يرى العدو قلتهم، ونهيتهم أن يتبعوا العدو مخافة أن يكون لهم كمين". فأعجب ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
قال عمر لأبي بكر -وكانا في الجيش-: "لم يدع عمرو بن العاص الناس أن يوقدوا نارًا، ألا ترى إلى ما صنع بالناس، يمنعهم منافعهم؟ فقال أبو بكر: دعه، فإنما ولَّاه رسول الله علينا لعلمه بالحرب".
وتولى قيادة الجيش في عهد أبي بكر -رضي الله عنه- وسيَّره أميرًا إلى الشام فشهد فتوحها.
وكان عمر بن الخطاب معجبًا بدهائه؛ ففي مرة نظر إليه عمرو بن العاص، فقال: "ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلا أمير".
فولاه ابن الخطاب قيادة الجند، وشهد عمرو يوم اليرموك، وأبلى يومئذ بلاء حسنًا. وفتح فلسطين والأردن، ثم كتب إليه عمر، فسار إلى مصر، وافتتحها، وبعث عمر الزبير مددًا له، ولم يزل واليًا على مصر إلى أن مات عمر.
وكان إذا ذكر عمر -رضي الله عنه- حصار بيت المقدس وما أبدى فيه عمرو بن العاص -رضي الله عنه- من براعة يقول: "لقد رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب"، وإذا رأى عمر بن الخطاب الرجل يتلجلج في كلامه قال: "خالق هذا وخالق عمرو بن العاص واحد".
قال الشعبي: "دهاة العرب أربعة: معاوية وعمرو والمغيرة وزياد".
وفي عهد عثمان أمَّره على مصر أربع سنين أو نحوها ثم عزله عنها.
لخص حياته في حديث قبيل وفاته بمصر: لما حضرته الوفاة بكى، فقال ابنه عبد الله: لِمَ تبكِ؟ أجزعًا من الموت؟ قال: لا والله، ولكن لما بعد الموت. فقال له: "كنت على خير". وجعل يذكر صحبته لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفتوحه الشام ومصر.
فقال عمرو: "تركت أفضل من ذلك شهادة أن لا إله إلا الله، وفي رواية: "إن أفضل ما نُعِدّ: شهادة: أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، إني كنت على أطباق ثلاث: كنت أول شيء كافرًا فكنت أشد الناس على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، وفي رواية: "ولو تمكنت منه لقتلته"؛ فلو مت حينئذ وجبت لي لنار.
فلما بايعت رسول الله كنت أشد الناس حياء منه، فلو مت لقال الناس: هنيئًا لعمرو أسلم وكان على خير ومات فتُرْجَى له الجنة. وفي رواية: وما كان أحد أحب إليَّ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له، ولو سُئلت أن أصفه ما أطقتُ لأني لم أكن أملأ عيني منه، ولو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة. ثم تلبست بالسلطان وأشياء فلا أدري أعليَّ أم لي".
لما أراد أن يبايع النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أريد أن أشترط. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "تشترط بماذا؟" قال: قلت: أن يُغْفَر لي. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أما علمتَ أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله".
من فوائد هذا الحديث:
قوله -رضي الله عنه-: "إن أفضل ما نُعِدّ شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله"، أي: أفضل ما نتخذه عُدَّة للقاء الله: الإيمان بالله -تعالى-، وتوحيده، وتصديق رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ومَن وفَّقه الله أن تكون آخر كلماته هذه الكلمة لا إله إلا الله دخل الجنة، ويتأكد أمر النطق بالشهادتين عند الموت؛ ليكون ذلك خاتمة أمره، وآخر كلامه.
وقوله: "إن الإسلام يهدم ما كان قبله، وإن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وإن الحج يهدم ما كان قبله"؛ عبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالهدم هنا يعني به: الإذهاب والإزالة؛ لأن الجدار إذا انهدم، فقد زال وضعه، وذهب وجوده. والمقصود أن هذه الأعمال الثلاثة تسقط الذنوب التي تقدّمتها كلها، كبيرها وصغيرها.
"أَمَا عَلمت" يا عمرو الذي جاء إلينا يبايعنا، وقد أراد وقوع المبايعة على اشتراط المغفرة "أن الإسلام يهدم ما قبله"، وإنما ذكر الهجرة والحج مع الإسلام تأكيدًا في بشارته وترغيبًا في متابعته، وفيه عظم موقع كل من الثلاثة، وأن كل واحد بمفرده يكفّر ما قبله.
ولما حضرته الوفاة قال: "اللهم إنك أمرتني فلم أئتمر، وزجرتني فلم أنزجر، اللهم لا قَويّ فأنتصر، ولا بريء فأعتذر، ولا مستكبر، بل مستغفر لا إله إلا أنت" فلم يزل يرددها حتى مات.
قال: "اللهم لا بريء فأعتذر، ولا عزيز فأنتصر، وإلَّا تدركني منك رحمة، أكن من الهالكين"، وكان آخر كلامه لا إله إلا الله.
كان يقول: "أذكر الليلة التي وُلِدَ فيها عمر"، وقد عاش بعد عمر عشرين عامًا، فينتج هذا أن مجموع عمره بضع وثمانين سنة، ما بلغ التسعين -رضي الله عنه-.
الخطبة الثانية:
عمرو بن العاص ممن تأخر إسلامه، وأولاه النبي -صلى الله عليه وسلم- ولاية الجند، وفيهم أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما-، كما في جيش ذات السلاسل. وبعد عودته منها أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: فقلت: أيُّ الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، فقلت: من الرجال فقال: أبوها، قلت: ثم مَن؟ قال: ثم عمر بن الخطاب، فعد رجالاً"(رواه البخاري).
عامله النبي -صلى الله عليه وسلم- تعاملاً حسنًا حتى ظن أنه أحب الناس إلى قلب النبي -صلى الله عليه وسلم-، ونقل ابن حجر -رحمه الله- قول عمرو: "فحدثت نفسي أنه لم يبعثني على قوم فيهم أبو بكر وعمر إلا لمنزلةٍ لي عنده، فأتيته حتى قعدت بين يديه، فقلت: يا رسول الله مَن أحب الناس إليك" الحديث.
وفيه: "فعدَّ رجالاً"؛ أي فعد النبي رجالاً آخرين بعد أسئلة أخرى لي، فسكتُّ أي عن ذلك السؤال مخافةَ أن يجعلني في آخرهم، أي آخر الناس مطلقًا، أو آخر مَن أسأل عنهم لو سألته، وفي رواية علي بن عاصم قال: "قلت في نفسي لا أعود لمثلها أسأل عن هذا".
والواجب علينا تجاه الصحابة عمومًا؛ كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "الواجب الثناء عليهم، والاستغفار لهم، والترحم عليهم، والترضي عنهم، واعتقاد محبتهم وموالاتهم، وعقوبة من أساء فيهم القول".
رضي الله عنه وعن بقية الصحابة الكرام.