القيوم
كلمةُ (القَيُّوم) في اللغة صيغةُ مبالغة من القِيام، على وزنِ...
العربية
المؤلف | خالد بن عبدالله الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المهلكات |
والحسد يدخل بين الأقران والأمثال في أكثر الأحيان؛ فالعامل يحسد العامل, والتاجر يحسد التاجر, والفلاح يحسد الفلاح؛ ولذلك لا تستغربوا من حصول المشكلات والمكايدات، والبغضاء والتقاطع، والهجران وفساد العلاقات, وتعثر المشروعات...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
معاشر المؤمنين: خلق الله الخلق وأودع فيهم الخصال الطيبة والخصال الرديئة, وفطر الناس عليها, والناس على ما ينشؤون عليه من مخالطة الأهل والأصحاب, والبعض يجاهد نفسه فيغلبها على خصال الخير, والبعض تغلبه نفسه على خصال الردى.
أيها المؤمنون: من الخصال التي فطر الناس عليها خصلة الحسد, فكل قلب فيه حسد, غير أن المؤمن يخفيه ويجاهده, ومريض القلب يبديه وينميه, ولقد حث الشرع على طهارة البدن وطهارة القلب، وطهارة القلب أولى من طهارة الأبدان، قال -تعالى-: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)[الشعراء: 88، 89]، والقلب هو محل نظر الله -تعالى-، كما أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم؛ ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".
عباد الله: إن الحسد من الأمراض الفتاكة التي تفتك بالفرد والمجتمع؛ فالحسد كالنار في الهشيم, دعا الناس إلى قتل بعضهم بعضا, ونهب أموال بعضهم, وهذا خلاف ما يدعو إليه الدين القويم, فلا يؤمن العبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه, وهذا ما يهدم الحسد في قلوب الناس لو التزموه.
فالحسد صفة ذميمة لا تتخلق بها إلا النفوس المريضة التي لا تحب إلا العيش منفردة, والاستئثار على غيرها بما تهواه, والحسد بوابة الآثام، وبضاعة اللئام، يبدأ بالقريب قبل البعيد، والصديق قبل العدو، فهو أكثر ما يكون بين الأقارب، وبين الجيران، وبين الزملاء!.
والحسد يدخل بين الأقران والأمثال في أكثر الأحيان؛ فالعامل يحسد العامل, والتاجر يحسد التاجر, والفلاح يحسد الفلاح؛ ولذلك لا تستغربوا من حصول المشكلات والمكايدات، والبغضاء والتقاطع، والهجران وفساد العلاقات, وتعثر المشروعات؛ فالحسد خلق ذميم، وصفة وضيعة، حقيرة لا تكون إلا في النفس العاجزة، المهانة التي تعجز عن فعل الخير، وتتمني زواله من غيره, حتي يكون العاجز والعامل سواء, كما قال -تعالى-: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً)[النساء: 89].
فالحسود عدو النعمة, متمن زوالها عن المحسود, فمن كان يحب الله واليوم الآخر فلينتهِ عن هذه الصفة إن كانت فيه, وليحذر عقاب الله في الدنيا والآخرة, ومن لم يكن من أهلها فليحمد ربه حمداً كثيرا على ذلك, فإن الآفة الوضيعة تقتل صاحبها وتهينه, وتجعله من السافلين, فضلا عن كونه معترضا على قدر الله وتدبيره.
أيها الناس: إن أول ذنب عصي الله به هو الحسد؛ وذلك لما رفض إبليس السجود لآدم حسدا له على مكانته, وأول دم أريق بسبب الحسد؛ وذلك لما قتل قابيل أخاه هابيل, حيث حسده على أخته, وكاد إخوة يوسف ليوسف, وألقوه في غيابة الجب لما حسدوه, وما كذبت الرسل, وصد عن الدين بمثل الحسد!.
اللهم إنا نعوذ بك من الحسد, وخصال السوء يا رب العالمين, أقول قولي هذا, وأستغفر الله الرحيم.
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فيا أيها الناس: إن على العبد أن يطهر قلبه لإخوانه المسلمين, ويرضى بما قسم الله له, وإلا فهو أول المتضررين من هذا الحسد؛ فالحاسد قد يشعر وقد لا يشعر أنه أول المتضررين بلفح نار حسده، فالحسد نار متأججة تحرق أول ما تحرق مذكيها ومشعلها, وقد قالوا: "لله در الحسد ما أعدله؛ بدأ بصاحبه فقتله!", وقال معاوية -رضي الله عنه-: "ليس من خصال الشر أعدل من الحسد، يقتل الحاسد قبل أن يصل إلى المحسود".
فيصل الى الحاسد خمس عقوبات قبل أن يصل إلى المحسود شيء:
أولها: غمٌ لا ينقطع.
ثانيها: مصيبة لا يؤجر عليه.ا
ثالثها: مذمـة لا يحمد بها.
رابعها: سخط الرب.
خامسها: عدم التوفيق, يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
معاشر المؤمنين: لقد نهى الله عن الحسد لما فيه من المفاسد العظيمة, والحسد أنواع ودرجات, والمؤمن التقي هو من جاهد نفسه لكبح جماحها في الحسد, وأن يحمد الله على النعم التي يعيش فيها هو, وأن يتمنى للغير الخير, وعلى كل صاحب نعمة أن يحفظها بالشكر, وأن لا يبديها لكل أحد, فكل صاحب نعمة محسود.
واليوم أصبح الكثير يتباهون بما فتح عليهم من ملذات الدنيا؛ فالتصوير لكل حركة وسكون, وأصبح البعض مكشوفا من كل جانب, فلا يخفى على الناس منهم شيء, قد فضح نفسه, وكشف ستره, فهو بين حاسد وشامت.
فاتقوا الله -عباد الله-, واستعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان.