الوهاب
كلمة (الوهاب) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) مشتق من الفعل...
العربية
المؤلف | عبد الله بن محمد الطيار |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التوحيد |
اعلموا أنَّ مِنْ أنواعِ التمائمِ أيضًا: ما يُعلَّقُ من الآياتِ القرآنيةِ، والأدعيةِ والأذكارِ النَّبويةِ، فهذا النوعُ اختلفَ فيه العلماءُ؛ فبعضُهم أجازَه وقال إنَّه من جنسِ الرقيةِ الجائزةِ، وبعضُهم مَنَعَ ذلكَ وحرَّمه. والراجحُ المنعُ من تعليقِ هذهِ...
الخطبة الأولى:
إنّ الحمدَ للهِ، نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ منْ شُرورِ أنفسِنَا ومِنْ سَيّئَاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِهِ اللهُ فلَا مُضِلّ لَهُ، ومنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أن لّا إِلَهَ إِلّا اللهُ وحدهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنّ محمدًا عبدهُ ورسولُه، صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وصحبِهِ وسلّم تسليمًا كثيرًا.
أمّا بعدُ: فاتّقُوا اللهَ -أَيُّهَا المؤمنونَ-، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون)[آل عمران: 102].
عباد الله: إنَّ أعظمَ ما أَرْسلَ اللهُ به رسلَه وأنبيائَه هو توحيدُه تعالى، قالَ تعالى: (اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ)[الأعراف: 59]، وأعظمُ ما نَهى عنه من الذنوبِ الشركُ به سبحانَه؛ قال جلَّ وعلا: (أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)[الرعد: 33].
والشركُ نوعان: شركٌ أكبرُ، وشركٌ أصغرُ، فالشركُ الأكبرُ هو الذي يُخرجُ صاحبَه من ملةِ الإسلامِ، ويُحرِّمُ عليه الجنةَ، ويُوجبُ له الخلودَ في النَّارِ، إذا لم يتُبْ منه وماتَ عليه، وأمَّا الشركُ الأصغرُ، فهو الذي لا يُخْرِِجُ صاحبَه من الملةِ، ولكنَّه يَنْقصُ من توحيدِه وإيمانِه، وهو وسيلةٌ إلى الوقوعِ في الشركِ الأكبرِ. ولهُ صورٌ كثيرةٌ، منها العمليةُ ومنها القوليةُ، ومن ذلك: تعليقُ التمائمِ، وقد عمَّت بها البلوى في زمانِنا، بسببِ خوفِ النَّاسِ من العينِ والحسدِ، أو إرادةِ جلبِ النَّفعِ، أو رفعِ الضُّرِ أو دفْعِه.
أيُّها المؤمنونَ الموحدونَ: والتميمةُ هي ما يُعلَّقُ على الأولادِ أو الأشخاصِ، أو الحيواناتِ أو في البيوتِ أو المحلاتِ؛ من أَجْلِ دفعِ العينِ، أو الجِنِّ، أو المرضِ، ونحو ذلك، ولها أسماءٌ كثيرةٌ؛ كالحرْزِ، أو الجامعةِ، أو الحجابِ، أو التعويذةِ؛ أو غيرِ ذلك من الأشكالِ والمسمَّياتِ الكثيرةِ ، وهي نوعانِ: أحدُهما: ما يكونُ من أسماءِ الشياطينِ، أو العظامِ، أو الخَرَزِ، أو المساميرِ، أو الأوتارِ، أو الطلاسمِ: وهي المربَّعاتُ، أو الحروفُ والرموزُ، أو أشباهُ ذلك، وكذلك ما تلبسُه بعضُ النِّساءِ من أشكالٍ معينةٍ من السلاسلِ أو الخواتمِ أو الأساورِ التي يُظَنُّ منها أنَّها تدفعُ العينَ والضرَّ، وتجلبُ النفعَ، وهو محرَّمٌ؛ لأنَّه من التمائمِ، وهذه من التمائمِ الشركيةِ المحرَّمةِ؛ لما وَرَدَ من النصوصِ الشرعيةِ الدَّالةِ على تحريمِها، كقولِه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ"(رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه)، وقولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً، فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ، وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً، فَلَا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ"، وفي روايةٍ: "مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ"(رواه أحمد، وحسنه شعيب الأرناؤوط في "تخريج المسند").
وعن عقبةَ بنِ عامرٍ الجُهَنيْ -رضي اللهُ عنه- أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أَقَبلَ إليهِ رهطٌ، فبايعَ تسعَةً، وأمسكَ عن واحدٍ، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، بايعتَ تسعةً وتَركتَ هذَا؟ قالَ: "إِنَّ عَلَيْهِ تَمِيمَةً"، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَقَطَعَهَا، فَبَايَعَهُ، وَقَالَ: "مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً، فَقَدْ أَشْرَكَ" (رواه أحمد، وقال محققوه: "إسناده قوي").
وجاءَ في عقوبةِ من تعلَّق بشيءٍ من ذلك أنَّ اللهَ -تعالى- يَنْزعَ منه عونَه ومددَه ونُصرتَه، قالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ أَوْ عَلَيْهِ"[من حديث عبداللَّه بن عكيم الجهني، وقال محققوه: "حديث حسن لغيره").
قال سماحةُ الشيخِ بنِ بازٍ -رحمهُ اللهُ-: "التمائمُ إذا كانتْ من أسماءِ الشياطينِ أو العظامِ، أو الخَرَزِ أو المساميرِ أو الطَّلاسمِ ـ وهي الحروفُ المقطعةُ ـ وأشباهُ ذلكَ من الشركِ الأصغرِ، وقد تكونُ شركًا أكبرَ إذا اعْتَقَدَ مُعلِّقُ التميمةِ أنَّها تحفَظُه، أو تَكشفُ عنه المرضَ، أو تدفعَ عنه الضَّرَرَ دونَ إذنِ اللهِ تعالى ومشيئتِه".
وسُئلت اللجنةُ الدائمةُ للإفتاءِ في المملكةِ العربيةِ السعوديةِ عن القرطاسِ الذي يُعلِّقونَه في العُنقِ للحفظِ، هل يجوزُ أم لا؟ فكانَ الجوابُ: "تعليقُ شيءٍ بالعنقِ أو رَبْطُه بأيِّ عضوٍ من أعضاءِ الشخصِ، فإنْ كانَ من غيرِ القُرآنِ، فهوَ محرَّمٌ، بلْ شركٌ؛ لما رواه الإمامُ أحمدُ في مسندِه من حديثِ عمرانَ بنِ حصينٍ -رضي اللهُ عنه- أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- رأى رجلًا في يدهِ حَلْقةً من صُفرٍ، فقال: "مَاَ هَذَاَ؟" قالَ: مِنَ الْوَاهِنَةِ، فقال: "انْزِعْهَا فَإِنَّهَا لَا تَزِيدُكَ إِلَّا وَهْنًا فَإِنَّكَ لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا".
أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ: (وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم)[يونس: 107].
باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذِّكرِ الحكيمِ، فاسْتَغفروا اللهَ إنَّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على الرسولِ الكريمِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ النبيِّ الأمينِ، صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين.
أما بعدُ: فاتَّقوا اللهَ -أيُّها المؤمنون-، واعلموا أنَّ مِنْ أنواعِ التمائمِ أيضًا: ما يُعلَّقُ من الآياتِ القرآنيةِ، والأدعيةِ والأذكارِ النَّبويةِ، فهذا النوعُ اختلفَ فيه العلماءُ؛ فبعضُهم أجازَه وقال إنَّه من جنسِ الرقيةِ الجائزةِ، وبعضُهم مَنَعَ ذلكَ وحرَّمه.
والراجحُ المنعُ من تعليقِ هذهِ التمائمِ، لعدةِ أمورٍ، أهمُّها:
1- أَنْ الأحاديثَ جاءتْ عامةً في النَّهيِ عن التمائمِ، ولم يأتِ استثناءُ شيءٍ منها.
2- أنَّ تعليقَ التمائمِ من القرآنِ والأدعيةِ والأذكارِ المشروعةِ نوعٌ من الاستعاذةِ والدعاءِ، وهي عبادةٌ، والأصلُ في العباداتِ التوقيفُ، فلا يجوزُ إحداثُ عبادةٍ لا دليلَ عليهَا.
3- أنَّ تعليقَها يُعرِّضُها للامتهانِ بحملِها في حالِ قضاءِ الحاجةِ، والاستنجاءِ، والجماعِ، والنومِ، ونحو ذلك.
4- سدَّ الذريعةِ؛ لأنَّ تعليقَ هذهِ التمائمِ يؤدِّيْ إلى تعلّقِ القلوبِ بها من دونِ اللهِ، ويؤدِّيْ إلى تعليقِ التمائمِ الشركيةِ، كما هو الواقعُ عندَ كثيرٍ من المسلمينَ. وهذا ما أفتتْ به اللجنةُ الدائمةُ.
واحذَرُوا -يا عبادَ اللهِ- من بعضِ الحُروزِ والحِلَقِ والسلاسلِ وغيرِها مما يَنْتَشُر في أسواقِنا، والتي أَتَتْ إلينَا من خارجِ بلادِنا وفيهَا من الشرورِ ما اللهُ به عليمٌ.
ومن ذلك ما يُعلِّقهُ بعضُ الشبابِ والفتياتِ من تلكَ التمائمِ بعلمٍ أو بغيرِ علمٍ، يَظنُّونَ أنَّها تجلبُ الحظَّ، أو تنفعُ أو تَضرُّ، فكلُّ ذلكَ مما يُخِلُّ بعقيدةِ المسلمِ.
ووصيتي لأصحابِ تلكَ المحلاتِ الذين يَتساهلونَ في بيعِ تلكَ التمائمِ أَنْ يتَّقوا اللهَ -تعالى- في إخوانِهم المسلمينَ، وأن يُجنِّبُوهم الوقوعَ فيما حرَّم اللهُ تعالى فيمنَعُوا وَضْعَها في محلَّاتِهم ولا يَبيعونَها على النَّاسِ.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفَى والقدوةِ المجتبى فَقَد أمَرَكُم اللهُ بذلكَ، فقالَ جلَّ وعلا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].