البحث

عبارات مقترحة:

الفتاح

كلمة (الفتّاح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من الفعل...

السبوح

كلمة (سُبُّوح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فُعُّول) من التسبيح،...

الحكم

كلمة (الحَكَم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعَل) كـ (بَطَل) وهي من...

سبعون سؤالاً في أحكام الجنائز

العربية

المؤلف محمد بن صالح العثيمين
القسم كتب وأبحاث
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات صلاة الجنازة
هذا الكتاب جٌمع فيه الأسئلة والأجوبة التي أجاب عليها فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله ـ عن صلاة الجنازة والدفن والكفن، وما ينبغي أن يفعل مع الميت، وما يتعلق بأسر الميت من الأحكام.

التفاصيل

سبعون سؤالا في أحكام الجنائز أحكام الجنائز س(1): ماذا يفعل الجالس عند المحتضر؟ وهل قراءة سورة {يس } [سورة يس:1] عند المحتضر ثابتةٌ في السنّة، أو لا؟ س(2): الإخبار بوفاة شخصٍ ما لأقربائه وأصدقائه؛ ليجتمعوا للصلاة عليه، هل يدخل ذلك في النعي الممنوع، أو ذلك مباحٌ؟ س(3): ما صفة تغسيل الميّت؟ وما نصيحتك لطلبة العلم حيال ذلك، والإقدام على تغسيل الأموات؟ س(4): ما صفة الصلاة على الميّت؟ س(5): ما حكم تأخير تجهيز الميّت، وغسله، وتكفينه، والصلاة عليه، أو دفنه حتى يحضر أقارب الميّت؟ وما الضابط لذلك؟ س(6): هل تشرع الصلاة على الغائب مطلقًا؟ س(7): من أولى الناس بالصلاة على الميّت: الإمام، أو الوليّ؟ س(8): عند وجود عددٍ من الأموات هل نقدّم للإمام أعلمهم، أو هم سواءٌ؟ س(9): ما موقف الإمام عند الصلاة على الرّجال، والنّساء، والأطفال؟ س(11): في يوم الجمعة خاصةً: يوجد عددٌ من الأموات لا يتسع لهم المكان، هل يصلى عليهم بشكلٍ طوليٍّ، أو يصلى عليهم مراتٍ عديدةً؟ س(12): هل ورد شيءٌ بإكثار المصلّين على الجنازة؟ وما الحكمة من ذلك؟ س(13): ما حكم قراءة آيةٍ بعد الفاتحة في صلاة الجنازة؟ س(14): ما صفة الدّعاء للفرط الصغير؟ س(15): ما حكم قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة؟ س(16): من فاتته التكبيرات أو إحداهن هل يقضيها؟ وكيف يدخل مع الإمام في الصلاة؟ س(18): ما حكم القيام للجنازة قبل أن توضع للصلاة، وقبل أن توضع على الأرض عند الدفن؟ وما حكم القيام عند الدفن، علمًا بأن الناس إذا قاموا للصلاة على الجنازة عند دخولها المسجد يتركون الذكر بعد الصلاة؟ س(20): هل السّقط يصلى عليه مطلقًا؟ س(21): هل وضع رأس الميّت عن يمين الإمام مشروعٌ في الصلاة عليه؟ س(22): إذا تأخّر الرجل عن صلاة الجنازة؛ لزحامٍ، أو لأداء الراتبة، أو لإتمام فريضةٍ، أو غير ذلك، فلم يسر معها، ولكنه أدرك الجنازة قبل أن تدفن، فهل يكون مشيّعًا لها يثبت له أجر المشيّع؟ س(23): من فاتته الصلاة على الميّت في المسجد، سواء كان فردًا أو جماعةً، هل يجوز لهم الصلاة على الميّت في المقبرة قبل الدفن، أو على القبر بعد الدفن؟ س(24): إذا دخل الرجل إلى المسجد، وقد فاتته الصلاة المكتوبة مع الإمام، وقد قدّم الميّت للصلاة عليه، فهل يصلّي مع الإمام على الجنازة، أو يصلّي المكتوبة؟ س(25): ما حكم الصلاة على الميّت إذا كان تاركًا للصلاة أو يشكّ في تركه لها أو نجهل حاله؟ وهل يجوز لوليّ أمره تقديمه للصلاة عليه؟ س(26): هل يجوز الاشتراط عند الدّعاء للميّت في الصلاة عليه، كأن نقول: اللهم إن كان يشهد أن لا إله إلا الله... إلخ؟ وهل لذلك أصلٌ في الشرع؟ س(27): أيّهما أفضل: حمل الجنازة على الأكتاف، أو على السيّارة؟ وأيّهما أفضل: السير أمامها، أو خلفها، سواءٌ كان ماشيًا أو راكبًا؟ س(28): ما معنى التربيع في حمل الجنازة؟ وهل لهذا أصلٌ؟ س(29): متى يجلس من يتبع الجنازة إلى المقبرة؟ س(31): من أيّ الجهات ينزل الميّت إلى قبره؟ س(32): ما حكم تغطية قبر المرأة عند إنزالها القبر؟ وما مدة التّغطية؟ س(33): كثيرٌ من الناس يرفعون أصواتهم عند دفن الميّت، هل في هذا حرجٌ؟ س(34): ما رأيكم فيمن يلقون المواعظ عند التّلحيد للميّت؟ وهل هناك حرجٌ في المداومة على ذلك؟ س(36): ما الدّعاء المشروع عند مواراة الميّت بالتّراب؟ وهل ورد حديثٌ في قراءة: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه:55]؟ س(37): ما صفة التعزية؟ س(38): هل المصافحة سنّةٌ في التعزية؟ س(39): ما وقت التعزية؟ س(40): هل تجوز التعزية قبل الدفن؟ س(41): ما حكم القصد إلى التعزية والذهاب إلى أهل الميّت في بيتهم؟ س(42): هل جعل رأس الميّت أمام النعش عند المشي به سنةٌ، أو لا؟ س(43): بالنّسبة للحثيات الثلاث، هل لها أصلٌ أن تكون من جهة رأس الميّت؟ س(44): ما حكم تلقين الميّت بعد دفنه؟ س(48): هل يجوز لوليّ الميّت أن يطلب من المشيّعين أن يحلّلوا الميّت؟ س(49): ما أقسام زيارة المقابر؟ س(50): هل يشرع استقبال القبلة عند السلام على الميت؟ س(51): هل السّنة أن يسلّم الرجل على الأموات عند الدّخول في المقبرة فقط، أو يشرع ذلك إذا مرّ بها في الشارع؟ س(52): ما الأشياء المحظورة على المرأة زمن الحداد، مع ذكر الدليل؟ س(53): هل يلزم المرأة الّتي توفّي عنها زوجها الحداد في البيت الّذي بلغها فيه خبر وفاة زوجها أو في بيت زوجها؟ وهل يجوز لها الانتقال منه إلى بيت أهلها أو غيره؟ س(54): أرجو من سماحتكم التفصيل في مسألة زيارة المرأة للمقابر. س(55): انتشرت في الآونة الأخيرة التعازي عن طريق الجرائد والمجلات، والردّ عليها بالشّكر على التعزية من قبل أهل الميّت، ما حكم هذا العمل؟ وهل يدخل في النعي الممنوع؟ علمًا بأن التعزية والرد عليها في الجريدة قد يكلّف صفحةً كاملةً تأخذ الجريدة عليها عشرة آلاف ريالٍ، فهل يدخل ذلك في الإسراف والتبذير؟ س(56): ذكرت في وقت التعزية أنها قد تكون في غير الميّت، فهل تسنّ التعزية في غيره؟ وما صفة التعزية؟ س(57): ما حكم تخصيص العيدين والجمعة لزيارة المقابر؟ س(59): ما حكم الكتابة على القبور أو تعليمها بالألوان؟ س(60): إذا توفّي أحد المشهود لهم بالصلاح والعلم يكثر زوار قبره زيارةً شرعيةً، ولكن بعض طلبة العلم ينهون عن ذلك سدًّا للذريعة، وخوفًا من الشّرك، ما قول فضيلتكم في هذا؟ س(61): يموت أحيانًا من فيه شرٌّ، فيأخذ الناس في بيان ما فيه من الشرّ، بالرغم من ورود الحديث الصحيح في البخاريّ: «لا تسبّوا الأموات، وقد أفضوا إلى ما عملوا»([39])، هل هم وقعوا في محذورٍ؟ س(62): ما حكم وضع القطيفة في القبر للميّت؛ بدليل: ما رواه مسلمٌ من حديث ابن عباسٍ، أنه جعل في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قطيفةٌ حمراء([40])؟ س(63): هل هناك دليلٌ يثبت أن الصحابة أنكروا وضع القطيفة على شقران؟ وما صحة سند أن الصحابة أخرجوا هذه القطيفة؟ س(66): ما حكم المرور بين القبور بالنّعال؟ وما صحة الدليل الّذي ينهى عن ذلك، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «يا صاحب السّبتيتين، اخلع نعليك»([43])؟ س(68): هل هناك صارفٌ عن الوجوب في قوله عليه الصلاة والسلام فيما يرويه مسلمٌ من حديث أبي سعيدٍ الخدريّ: «لقّنوا موتاكم: لا إله إلا الله»([46])؟ س(69): في قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه مسلمٌ من حديث أبي هريرة وحديث أمّ سلمة دليلٌ على أن الرّوح والنفس بمعنًى واحدٍ، والحديث قوله عليه الصلاة والسلام: «ألم تروا أن الإنسان إذا مات شخص بصره؟» قالوا: بلى. قال: «فذلك حين يتبع بصره نفسه»([47])، والحديث الثّاني حديث أمّ سلمة: «إن الرّوح إذا قبض تبعه البصر»([48])، فهل الرّوح هي النفس؟ أفيدونا في هذا. س(70): ما المقصود بـ:«درع من جربٍ» في قوله عليه الصلاة والسلام: «النائحة إذا لم تتب تقام يوم القيامة وعليها سربالٌ من قطرانٍ، ودرعٌ من جربٍ»، والحديث رواه مسلمٌ من حديث أبي مالكٍ الأشعريّ([49])؟ مسائل أخرى في أحكام الجنائز([50])  *  سبعون سؤالا في أحكام الجنائز * بسم الله الرحمن الرحيم أحكام الجنائز س(1): ماذا يفعل الجالس عند المحتضر؟ وهل قراءة سورة {يس } [سورة يس:1] عند المحتضر ثابتةٌ في السنّة، أو لا؟جـ(1): بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على نبيّنا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين.عيادة المريض من حقوق المسلمين بعضهم على بعضٍ، وينبغي لمن عاد المريض أن يذكّره بالتوبة، وبما يجب عليه من الوصيّة، وبملء وقته بذكر الله عز وجل؛ لأن المريض في حاجةٍ إلى مثل هذا الشيء.وإذا احتضر، وتيقّن الإنسان أنه حضره الموت، فإنه ينبغي له أن يلقّنه: «لا إله إلا الله»، كما أمر بذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم([1])، فيذكر الله عنده بصوتٍ يسمعه حتى يتذكر، ويذكر الله.قال أهل العلم: ولا ينبغي أن يأمره بذلك؛ لأنه ربما لضيق صدره، وشدة الأمر عليه، يأبى أن يقول: «لا إله إلا الله»، وحينئذٍ تكون الخاتمة سيّئةً، وإنما يذكّره بالفعل، أي: بالذّكر عنده، حتى قالوا: وإذا ذكره، فذكر، فقال: «لا إله إلا الله»، فليسكت، ولا يحدّثه بعد ذلك؛ ليكون آخر قوله: «لا إله إلا الله».فإن تكلم -أي: المحتضر- فليعد التلقين عليه مرةً ثانيةً؛ ليكون آخر كلامه: «لا إله إلا الله».وأما قراءة {يس } [سورة يس:1] عند المحتضر فإنها سنّةٌ عند كثيرٍ من العلماء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «اقرؤوا على موتاكم {يس } [سورة يس:1] »([2])، لكن هذا الحديث تكلم فيه بعضهم وضعّفه، فعند من صحّحه تكون قراءتها مسنونةً، وعند من ضعّفه لا يكون ذلك -أي: قراءة {يس } [سورة يس:1] - مسنونًا. س(2): الإخبار بوفاة شخصٍ ما لأقربائه وأصدقائه؛ ليجتمعوا للصلاة عليه، هل يدخل ذلك في النعي الممنوع، أو ذلك مباحٌ؟جـ(2): هذا من النعي المباح، ولهذا نعى النبيّ صلى الله عليه وسلم النجاشيّ في اليوم الذي مات فيه([3])، وقال في المرأة التي كانت تقمّ المسجد، فدفنها الصحابة رضي الله عنهم، ولم يخبروا النبيّ صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: «هلا كنتم آذنتموني»([4])، فالإخبار بموت الشخص من أجل أن يكثر المصلّون عليه لا بأس به؛ لأن ذلك مما وردت في مثله السنّة، وأما نعيه بعد دفنه فليس من المشروع، بل هو من النعي المنهيّ عنه. س(3): ما صفة تغسيل الميّت؟ وما نصيحتك لطلبة العلم حيال ذلك، والإقدام على تغسيل الأموات؟جـ(3): صفة تغسيل الميّت: أن يجعل في مكانٍ ساترٍ لا تشاهده العيون، ولا يحضره أحدٌ إلا من يباشر تغسيله، أو من يساعده، ثم يجرّد من ثيابه بعد أن يوضع على عورته خرقةٌ؛ حتى لا يراها أحدٌ، لا الغاسل ولا غيره، ثم ينجّيه وينظّفه، ثم يوضأ كما يتوضأ للصلاة، إلا أن أهل العلم قالوا: لا يدخل الماء إلى فمه ولا أنفه، وإنما يبلّ خرقةً بالماء، ويدلّك بها أسنانه وداخل أنفه، ثم بعد هذا يغسل رأسه، ثم يغسل سائر جسده، ويبدأ بالأيمن.وينبغي أن يجعل في الماء سدرًا؛ لأنه ينظّف، ويغسل برغوة السّدر رأسه ولحيته.وينبغي كذلك أن يجعل في الغسلة الأخيرة كافورًا أو شيئًا من كافورٍ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك اللائي يغسّلن ابنته، قال: «اجعلن في الغسلة الأخيرة كافورًا أو شيئًا من كافورٍ»([5])، ثم ينشّفه، ثم يضعه على أكفانه.وتغسيل الميّت فرض كفايةٍ -كما هو معروفٌ- إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، والذي أظنّ أن الذين يتولون غسل الأموات يفهمون كيفية الغسل الشرعيّ، وليس من اللازم أن يباشر ذلك طلبة العلم؛ لأن طلبة العلم قد يكونون مشغولين بما هو أهمّ؛ حيث إن تغسيل الميّت يقوم به من يكفي من الجهات المسؤولة، لكن الذي ينبغي أن يعلّم هؤلاء كيفية تغسيل الميّت وتكفينه؛ حتى يكونوا على بصيرةٍ من أمرهم، والله أعلم. س(4): ما صفة الصلاة على الميّت؟جـ(4): صفة صلاة الجنازة: أن يوضع الميّت بين يدي المصلّي، ويقف الإمام عند رأس الرجل، وعند وسط المرأة، ثم يكبّر التكبيرة الأولى، يقرأ فيها سورة الفاتحة، ثم الثانية يصلّي فيها على النبيّ صلى الله عليه وسلم، ثم الثالثة يدعو فيها للميّت.والدّعاء معروفٌ في كتب أهل العلم: يدعو أولًا بالدّعاء العامّ: «اللهم اغفر لحيّنا وميّتنا، وصغيرنا وكبيرنا...»، إلخ، ثم الدّعاء الخاصّ الوارد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وإن لم يتيسّر له معرفة ذلك دعا بما يستحضره، المهمّ أن يخص بالدّعاء الميّت؛ لأنه في حاجةٍ إلى ذلك. ثم يكبر الرابعة، ويقف قليلًا، ثم يسلّم.وذكر بعض أهل العلم أنه بعد الرابعة يقول: «ربنا آتنا في الدّنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النار». وإن كبّر الخامسة فلا بأس، بل هو من السنّة([6])، فينبغي أن تفعل أحيانًا؛ حتى لا تخفى السّنّة، وفي هذه التكبيرة لا أعرف شيئًا ورد، ولكن إذا كان في نيّته أن يكبّر خمسًا فليقسّم الدّعاء بين الرابعة والخامسة، والله أعلم. س(5): ما حكم تأخير تجهيز الميّت، وغسله، وتكفينه، والصلاة عليه، أو دفنه حتى يحضر أقارب الميّت؟ وما الضابط لذلك؟جـ(5): تأخير تجهيز الميّت خلاف السّنّة، خلاف ما أمر به النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقد قال عليه الصلاة والسلام: «أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحةً فخيرٌ تقدّمونها إليه، وإن تك سوى ذلك فشرٌّ تضعونه عن رقابكم»([7]).ولا ينبغي الانتظار، اللهم إلا مدةً يسيرةً، كما لو انتظر به ساعةً أو ساعتين وما أشبه ذلك، وأما تأخيره إلى مدةٍ طويلةٍ فهذا جنايةٌ على الميّت؛ لأن النفس الصالحة إذا خرج أهل الميّت به تقول: قدّموني، قدّموني. فتطلب التعجيل والتقديم؛ لأنها وعدت بالخير والثواب الجزيل، والله أعلم. س(6): هل تشرع الصلاة على الغائب مطلقًا؟جـ(6): القول الراجح من أقوال أهل العلم: أن الصلاة على الغائب غير مشروعةٍ إلا لمن لم يصلّ عليه، كما لو مات شخصٌ في بلد كفارٍ، ولم يصلّ عليه أحدٌ، فإنه تجب الصلاة عليه، وأما من صلّي عليه فالصحيح أن الصلاة عليه غير مشروعةٍ، أي: على الغائب؛ لأن ذلك لم يرد في السّنّة إلا في قصة النجاشيّ([8])، والنجاشيّ لم يصلّ عليه في بلده، فلذلك صلى عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم في المدينة، وقد مات الكبراء والزّعماء، ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم صلّى عليهم.وقال بعض أهل العلم: من كان فيه منفعةٌ في الدّين بماله أو علمه فإنه يصلّى عليه صلاة الغائب، ومن لم يكن كذلك فلا يصلّى عليه.وقال بعض أهل العلم: يصلّى على الغائب مطلقًا، وهذا أضعف الأقوال. س(7): من أولى الناس بالصلاة على الميّت: الإمام، أو الوليّ؟جـ(7): إن صلّي عليه في المسجد فإمام المسجد أولى؛ لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه»([9])، وإن صلّي عليه في مكانٍ غير المسجد فأولى الناس به: وصيه، فإن لم يكن له وصيٌّ فأقرب الناس إليه. س(8): عند وجود عددٍ من الأموات هل نقدّم للإمام أعلمهم، أو هم سواءٌ؟جـ(8): يقدم الرّجال، ثم النّساء، ويقدم الصبيّ من الذّكور على المرأة، فإذا كان عندنا رجلٌ بالغٌ، وصبيٌّ لم يبلغ، وامرأةٌ بالغةٌ، وفتاةٌ لم تبلغ، فعلى الإمام ترتيبهم هكذا: الرجل البالغ، ثم الصبيّ الذي لم يبلغ، ثم المرأة البالغة، ثم الفتاة التي لم تبلغ.وإذا اجتمعوا من جنسٍ واحدٍ -يعني: تعدّد الرّجال مثلًا- نقدّم إلى الإمام أعلمهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في شهداء أحدٍ الّذين يدفنون في قبرٍ واحدٍ كان يسأل: «أيّهم أكثر قرآنًا؟» فيقدّمه في اللحد([10])، وهذا يدلّ على أن العالم هو الذي يقدم مما يلي الإمام. س(9): ما موقف الإمام عند الصلاة على الرّجال، والنّساء، والأطفال؟جـ(9): موقف الإمام: عند رأس الرجل، وعند وسط المرأة، سواءٌ كانوا كبارًا أو صغارًا، فالطفل الصغير الذكر يقف الإمام عند رأسه، والطّفلة الصغيرة الأنثى يقف الإمام عند وسطها.س(10): ما حكم إعلان جنس الميّت ذكرًا أو أنثى عند الصلاة عليه، إذا كان الجمع كبيرًا؟جـ(10): لا بأس به؛ من أجل أن يدعو الناس له دعاء التذكير إن كان ذكرًا، ودعاء التأنيث إن كان أنثى، وإن لم يفعل فلا بأس أيضًا، وينوي الّذين لا يعلمون عن الميّت الصلاة على الحاضر الذي بين أيديهم، وتجزئهم الصلاة، والله أعلم. س(11): في يوم الجمعة خاصةً: يوجد عددٌ من الأموات لا يتسع لهم المكان، هل يصلى عليهم بشكلٍ طوليٍّ، أو يصلى عليهم مراتٍ عديدةً؟جـ(11): يصلّى عليهم جميعًا بين يدي الإمام واحدًا خلف الآخر، ويتأخّر الإمام، ويتأخر من خلفه ولو تراصّ الناس في صفوفٍ؛ لأنهم لا يحتاجون إلى ركوعٍ، ولا إلى سجودٍ. س(12): هل ورد شيءٌ بإكثار المصلّين على الجنازة؟ وما الحكمة من ذلك؟جـ(12): نعم، ثبت عن النبيّ عليه الصلاة والسلام أنه قال: «ما من مسلمٍ يموت، فيقوم على جنازته أربعون رجلًا، لا يشركون بالله شيئًا، إلا شفعهم الله فيه»([11]). س(13): ما حكم قراءة آيةٍ بعد الفاتحة في صلاة الجنازة؟جـ(13): لا بأس أن يقرأ الإنسان في صلاة الجنازة شيئًا من القرآن بعد الفاتحة، لكن لا يطيل، وإن اقتصر على الفاتحة أجزأه؛ لأن صلاة الجنازة مبنيّةٌ على التخفيف، ولهذا لا يشرع فيها استفتاحٌ، وإنما يتعوّذ، ويقرأ الفاتحة. س(14): ما صفة الدّعاء للفرط الصغير؟جـ(14): ذكر العلماء أن صفة الدّعاء للفرط الصغير بعد الدّعاء العامّ، يقول: «اللهم اجعله فرطًا لوالديه، وذخرًا، وشفيعًا مجابًا، اللهم ثقّل به موازينهما، وأعظم به أجورهما، وألحقه بصالح سلف المؤمنين، واجعله في كفالة إبراهيم، وقه برحمتك عذاب الجحيم»، فإن دعا بذلك، وإلا فبأيّ دعاءٍ يستحضره، الأمر في هذا واسعٌ، وليس فيه سنّةٌ صحيحةٌ يعتمد عليها في ذلك، والله أعلم. س(15): ما حكم قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة؟جـ(15): قراءة الفاتحة في الصلاة ركنٌ؛ لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»([12])، ولا فرق بين صلاة الجنازة وغيرها؛ لأن صلاة الجنازة صلاةٌ، فتدخل في عموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب». س(16): من فاتته التكبيرات أو إحداهن هل يقضيها؟ وكيف يدخل مع الإمام في الصلاة؟جـ(16): يدخل مع الإمام في الصلاة حيث أدركها؛ لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ما أدركتم فصلّوا، وما فاتكم فأتمّوا»([13])، وإذا سلّم الإمام أتمّ ما فاته إن بقيت الجنازة لم ترفع، وأما إذا خشي رفعها فإن فقهاءنا  رحمهه الله  يقولون: إنه يخيّر بين أن يتم ويتابع التكبير، وأن يسلّم مع الإمام. والله أعلم.س(17): ما الساعات الّتي نهينا أن نصلّي فيها على موتانا؟ ولماذا لا يصلّي الناس على الجنازة قبل صلاة الفجر أو قبل صلاة العصر إذا كانوا مجتمعين، خصوصًا في الحرمين؛ للخروج من النهي؟جـ(17): الساعات الّتي نهينا عن الصلاة فيها وعن دفن الميّت ثلاث ساعاتٍ: حين تطلع الشمس حتى ترتفع قيد رمحٍ. وحين يقوم قائم الظهيرة، أي: قبيل الزوال بنحو عشر دقائق. وإذا بقي عليها أن تغرب مقدار رمحٍ.هذه ثلاث ساعاتٍ؛ لحديث عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه: (ثلاث ساعاتٍ نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلّي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا)، وذكر هذه الساعات الثلاث([14]).وأما ما بعد صلاة الفجر، وبعد صلاة العصر، فإنه ليس فيه نهيٌ عن الصلاة على الميّت، ولهذا فلا حاجة أن نقدّم الصلاة على الميّت قبل صلاتي العصر والفجر، والله أعلم. س(18): ما حكم القيام للجنازة قبل أن توضع للصلاة، وقبل أن توضع على الأرض عند الدفن؟ وما حكم القيام عند الدفن، علمًا بأن الناس إذا قاموا للصلاة على الجنازة عند دخولها المسجد يتركون الذكر بعد الصلاة؟جـ(18): يسنّ للإنسان القيام للجنازة إذا مرّت به؛ لأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بذلك([15])، وأما الصلاة عليها من حين أن يسلّم الإمام فإننا نقول: إن كان فيه أناسٌ كثيرون يقضون فانتظروهم؛ حتّى لا يفوت عليهم فضل صلاة الجنازة، وليكثر عدد المصلّين على الجنازة، وإن لم يكن فيه أحدٌ يقضي، أو كان العدد يسيرًا، فالأفضل أن تقدم؛ لئلا ينصرف الناس.س(19): إذا تقدم أهل الميّت أو من يحملونه عند الصلاة عليه، وصاروا عن يمين الإمام، فهل لذلك أصلٌ في الشرع؟ وما السّنّة الثابتة في ذلك؟جـ(19): إذا تقدم أهل الميّت بالجنازة أو من يحملونها إلى الإمام فإنهم لا يصلّون إلى جانب الإمام، لا عن يمينه، ولا عن يساره، ولكنهم يصلّون في الصّفوف مع الناس، فإن لم يتيسر لهم مكانٌ فإنهم يصلون خلف الإمام، بينه وبين الصّفّ الأول؛ لأن الوقوف مع الإمام إذا كانوا اثنين فأكثر غير مشروعٍ، بل المشروع إذا كان الجماعة اثنين فأكثر أن يتقدم الإمام، فإن قدّر أنه لم يكن لهم مكانٌ بين الإمام والصفّ الأول فإنهم يقفون عن يمين الإمام، وعن يساره، ولا يقفون عن يمينه فقط، إلا أن يكون -أي: الّذي قدم الجنازة- واحدًا، كما لو كانت الجنازة طفلًا صغيرًا، قدمها واحدٌ، ولم يجد مكانًا في الصفّ، فإنه يقف عن يمين الإمام، والله أعلم. س(20): هل السّقط يصلى عليه مطلقًا؟جـ(20): السّقط لا يصلى عليه إلا إذا نفخت فيه الرّوح، وتنفخ فيه الرّوح إذا بلغ أربعة أشهرٍ، كما يدلّ عليه حديث ابن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو الصادق المصدوق- فقال: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمّه أربعين يومًا نطفةً، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك، فينفخ فيه الرّوح، ويؤمر بأربع كلماتٍ: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقيٌّ أم سعيدٌ؟»([16])، فإذا كان السّقط قد تمّ له أربعة أشهرٍ فإنه يغسّل، ويكفّن، ويصلّى عليه، ويدفن مع المسلمين في المقابر، وإن كان لم يبلغ أربعة أشهرٍ فلا يغسّل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ويدفن في أيّ مكانٍ من الأرض.  س(21): هل وضع رأس الميّت عن يمين الإمام مشروعٌ في الصلاة عليه؟جـ(21): لا أعلم بهذا سنةً، ولذلك ينبغي للإمام الّذي يصلّي على الجنازة أن يجعل رأس الجنازة عن يساره أحيانًا؛ حتّى يتبين للناس أنه ليس من الواجب أن يكون الرأس عن اليمين؛ لأن الناس يظنّون أنه لا بد أن يكون رأس الجنازة عن يمين الإمام، وهذا لا أصل له. س(22): إذا تأخّر الرجل عن صلاة الجنازة؛ لزحامٍ، أو لأداء الراتبة، أو لإتمام فريضةٍ، أو غير ذلك، فلم يسر معها، ولكنه أدرك الجنازة قبل أن تدفن، فهل يكون مشيّعًا لها يثبت له أجر المشيّع؟جـ(22): إذا تأخّر عن صلاة الجنازة لأداء الراتبة فإنه لا يكتب له أجر المصلّي؛ لأن ترك الراتبة ممكنٌ، فيمكن أن يؤخّر الراتبة حتى يرجع من الجنازة.وأما من تأخر عنها لعذرٍ، وقد أتى وحرص على أن يشيّع، ولكن حصل له مانعٌ، أو تقدّم الناس حتى صلّوا عليها، وخرجوا بها إلى المقبرة، فالظاهر أنه يكتب له الأجر؛ لأنه نوى وعمل ما استطاع، ومن نوى وعمل ما استطاع فإنه يكتب له الأجر كاملًا، قال الله تعالى: {وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ} [النساء:100]، ولكن إذا أمكن أن يصلّي عليها في المقبرة فليصلّ. س(23): من فاتته الصلاة على الميّت في المسجد، سواء كان فردًا أو جماعةً، هل يجوز لهم الصلاة على الميّت في المقبرة قبل الدفن، أو على القبر بعد الدفن؟جـ(23): نعم، يجوز لهم ذلك، لكن إن أمكنهم أن يصلّوا عليه قبل الدفن فعلوا، وإن جاؤوا وقد دفن فإنهم يصلّون على القبر؛ لأنه ثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه صلى على القبر([17]). س(24): إذا دخل الرجل إلى المسجد، وقد فاتته الصلاة المكتوبة مع الإمام، وقد قدّم الميّت للصلاة عليه، فهل يصلّي مع الإمام على الجنازة، أو يصلّي المكتوبة؟جـ(24): يصلّي مع الإمام على الجنازة؛ لأن المكتوبة يمكن إدراكها بعد، أما الجنازة فإنه سوف يصلّى عليها، ثم ينصرفون بها. س(25): ما حكم الصلاة على الميّت إذا كان تاركًا للصلاة أو يشكّ في تركه لها أو نجهل حاله؟ وهل يجوز لوليّ أمره تقديمه للصلاة عليه؟جـ(25): أما من علم أنه مات وهو لا يصلّي فإنه لا يجوز أن يصلّى عليه؛ لأنه كافرٌ مرتدٌّ عن الإسلام، والواجب أن يحفر له حفرةٌ في غير المقبرة، ويرمى فيها، ولا يصلى عليه؛ لأنه لا كرامة له، فإنه يحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبيّ بن خلفٍ.أما مجهول الحال أو المشكوك فيه فيصلى عليه؛ لأن الأصل أنه مسلمٌ حتى يتبين لنا أنه ليس بمسلمٍ، ولكن لا بأس إذا كان الإنسان شاكًّا في هذا الرجل أن يستثني عند الدّعاء، فيقول: «اللهم إن كان مؤمنًا فاغفر له وارحمه»؛ لأن الاستثناء في الدّعاء قد ورد في الّذين يرمون أزواجهم، ثم لم يأتوا بأربعة شهداء، أن الرجل إذا لاعن زوجته قال في الخامسة: {أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور:7]، وتقول هي في الخامسة: {أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِين} [النور:9]. س(26): هل يجوز الاشتراط عند الدّعاء للميّت في الصلاة عليه، كأن نقول: اللهم إن كان يشهد أن لا إله إلا الله... إلخ؟ وهل لذلك أصلٌ في الشرع؟جـ(26): إذا كان الإنسان عنده شكٌّ قويٌّ في هذا الميّت، فلا حرج أن يقول: «اللهم إن كان مؤمنًا فاغفر له وارحمه»، وأما إذا لم يكن عنده شكٌّ قويٌّ فلا يشترط؛ لأن الأصل في المسلمين أنهم على إسلامهم.والاشتراط في الدّعاء له أصلٌ، ومنه: قوله تعالى في آية اللّعان: {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور:7]، والمرأة تقول: {أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِين} [النور:9].وكذلك الاشتراط الذي وقع من سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، فقال: (اللهم إن كان هذا قام رياءً وسمعةً فأطل عمره، وأطل فقره، وعرّضه للفتن)([18]).وهو- أيضًا- داخلٌ في عموم قوله صلى الله عليه وسلم لضباعة بنت الزّبير: «إن لك على ربّك ما استثنيت»([19]). س(27): أيّهما أفضل: حمل الجنازة على الأكتاف، أو على السيّارة؟ وأيّهما أفضل: السير أمامها، أو خلفها، سواءٌ كان ماشيًا أو راكبًا؟جـ(27): الأفضل حملها على الأكتاف؛ لـما في ذلك من المباشرة بحمل الجنازة، ولأن ذلك أقوى بالموعظة، ولأنه إذا مرّت الجنازة بالناس في الأسواق عرفوا أنها جنازةٌ، ودعوا لها، ولأنها أبعد عن الفخر والأبهة، إلا أن يكون هناك حاجةٌ أو ضرورةٌ، فلا بأس، مثل: أن تكون أوقات أمطارٍ، أو حرٍّ شديدٍ، أو بردٍ شديدٍ، أو قلة المشيّعين، فلا بأس بهذا.وأما السير فذكر أهل العلم أن يمينها ويسارها وخلفها وأمامها يختلف، فيكون المشاة أمامها، والرّكبان خلفها، وبعض أهل العلم يقول: ينظر الإنسان ما هو أيسر، سواء كان أمامها، أو عن يمينها، أو يسارها، أو خلفها. س(28): ما معنى التربيع في حمل الجنازة؟ وهل لهذا أصلٌ؟جـ(28): التربيع في حمل الجنازة: أن يحملها من أعواد السرير الأربعة، فيبدأ من عود السرير الأيمن -بالنّسبة للميّت- المقدم، ثم يرجع إلى المؤخّر، ثمّ يذهب إلى العود الأيسر -بالنّسبة للميّت- المقدم، ثمّ يرجع إلى المؤخر، وقد وردت فيه آثارٌ عن السلف، واستحبه أهل العلم، ولكن الأولى للإنسان إذا كان هناك زحامٌ أن يفعل ما هو أيسر، بحيث لا يتعب، ولا يتعب غيره. س(29): متى يجلس من يتبع الجنازة إلى المقبرة؟جـ(29): يجلس إذا وضعت في القبر أو إذا وضعت على الأرض؛ لانتظار إتمام حفر القبر.س(30): هل يجوز تأخير دفن الميّت في قبره؛ بحجة إتيان جماعةٍ يصلّون عليه، ولو لمدةٍ أقل من عشر دقائق، إذا كان قد صلّي عليه بالمسجد؟جـ(30): الإسراع في الجنازة هو السّنّة والأفضل، ولا ينتظر أحدٌ، والذين يأتون متأخّرين يصلّون عليه ولو بعد الدفن؛ لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على القبر([20]). س(31): من أيّ الجهات ينزل الميّت إلى قبره؟جـ(31): من الجهة المتيسّرة، لكن بعض العلماء قالوا: يسنّ من عند رجليه. وبعض العلماء يقول: يسنّ من الأمام. والأمر في هذا واسعٌ. س(32): ما حكم تغطية قبر المرأة عند إنزالها القبر؟ وما مدة التّغطية؟جـ(32): ذكر بعض أهل العلم أنه يسجى -أي: يغطى- قبر المرأة إذا وضعت في القبر؛ لئلا تبرز معالم جسمها، ولكن هذا ليس بواجبٍ، وتكون هذه التغطية أو التسجية إلى أن يصف اللبن عليها. س(33): كثيرٌ من الناس يرفعون أصواتهم عند دفن الميّت، هل في هذا حرجٌ؟جـ(33): ليس فيه شيءٌ، إذا دعت الحاجة إلى ذلك فلا بأس، يعني: إذا صاح أحدهم: أعطني اللبن، أعطني الماء. فلا بأس ما دامت الحاجة دعت إلى ذلك. س(34): ما رأيكم فيمن يلقون المواعظ عند التّلحيد للميّت؟ وهل هناك حرجٌ في المداومة على ذلك؟جـ(34): الذي أرى أن هذا ليس بسنةٍ؛ لأنه لم يرد عن النبيّ عليه الصلاة والسلام، ولا عن الصحابة رضي الله عنهم، وغاية ما هنالك: أنه صلى الله عليه وسلم خرج مرةً في جنازة رجلٍ من الأنصار، فجلس، وجلس الناس حوله ينتظرون حتى يلحد، وحدّثهم عليه الصلاة والسلام عن حال الإنسان عند الموت وبعد الدفن([21])، وكذلك كان ذات مرةٍ عند قبرٍ وهو يدفن، فقال: «ما منكم من أحدٍ إلا وقد كتب مقعده من الجنة، ومقعده من النار»([22]).ولكن لم يقم بهم خطيبًا واقفًا كما يفعل بعضٌ من الناس، وإنما حدثهم بها حديث مجلسٍ، ولم يتخذها دائمًا، فمثلًا: لو أن إنسانًا جلس، وحوله ناسٌ في المقبرة ينتظرون، وتحدث بمثل هذا الحديث، فلا بأس به، وهو من السّنة، أما أن يقوم قائمًا يخطب فليس هذا من السّنة.س(35): ما حكم تقديم الرّجل اليمنى في الدّخول، واليسرى في الخروج من المقبرة؟جـ(35): ليس في هذا سنةٌ عن النبيّ عليه الصلاة والسلام، وبناءً على ذلك فإن الإنسان يدخل حيث صادف، إن صادف دخوله برجله اليمنى فالرّجل اليمنى، أو اليسرى فاليسرى؛ حتى يتبين دليلٌ من السّنة. س(36): ما الدّعاء المشروع عند مواراة الميّت بالتّراب؟ وهل ورد حديثٌ في قراءة: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه:55]؟جـ(36): ذكر بعض أهل العلم أنه يسنّ أن يحثى ثلاث حثياتٍ، وأما قول: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [سورة طه:55] فليس فيه حديثٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.وأما ما يسنّ فعله بعد الدفن فهو ما أمر به النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقد كان إذا فرغ من دفن الميّت وقف عليه، وقال: «استغفروا لأخيكم، واسألوا له التثبيت؛ فإنه الآن يسأل»([23])، فنقول: اللهم اغفر له، اللهم اغفر له، اللهم اغفر له، اللهم ثبّته، اللهم ثبّته، اللهم ثبّته. س(37): ما صفة التعزية؟جـ(37): أحسن ما يعزّى به من الصّيغ: ما عزّى به النبيّ صلى الله عليه وسلم إحدى بناته، حيث أرسلت إليه رسولًا يدعوه؛ ليحضر، وكان صبيٌّ لها أو صبيةٌ في الموت، فقال عليه الصلاة والسلام لهذا الرسول: «مرها، فلتصبر، ولتحتسب؛ فإن لله ما أخذ، وله ما أبقى، وكلّ شيءٍ عنده بأجلٍ مسمًّى»([24]).وأما ما اشتهر عند الناس من قولهم: «عظم الله أجرك، وأحسن الله عزاءك، وغفر الله لميّتك» فهي كلمةٌ اختارها بعض العلماء، لكن ما جاءت به السّنّة أولى وأحسن. س(38): هل المصافحة سنّةٌ في التعزية؟جـ(38): المصافحة ليست سنةً في التعزية، ولا التقبيل أيضًا، وإنما المصافحة عند الملاقاة، فإذا لاقيت المصاب، وسلّمت عليه، وصافحته، فهذه سنةٌ من أجل الملاقاة، لا من أجل التعزية.ولكن الناس اتخذوها عادةً، فإن كانوا يعتقدون أنها سنةٌ فينبغي أن يعرفوا أنها ليست سنةً، وأما إذا كانت عادةً بدون أن يعتقدوا أنها سنةٌ فلا بأس بها، وعندي فيها قلقٌ، وتركها بلا شكٍّ أولى.وثم مسألةٌ ينبغي التفطّن لها، وهي: أن التعزية يقصد بها تقوية المصاب على الصبر، واحتساب الأجر من الله عز وجل، وليست كالتهنئة، يهنّأ بها كلّ من حصلت له مناسبةٌ، فمناسبة الموت إذا أصيب بها الإنسان يعزّى، أي: بما يقوّي صبره واحتسابه الأجر من الله سبحانه وتعالى. س(39): ما وقت التعزية؟جـ(39): وقت التعزية: من حين ما يموت الميّت، أو تحلّ المصيبة إذا كانت التعزية بغير الميّت، إلى أن تنسى المصيبة، وتزول عن نفس المصاب؛ لأن المقصود بالتعزية ليس -كما سبق- تهنئةً أو تحيةً، إنما المقصود بها تقوية المصاب على تحمّل هذه المصيبة واحتساب الأجر. س(40): هل تجوز التعزية قبل الدفن؟جـ(40): نعم، تجوز قبل الدفن وبعده، كما سبق أن وقتها من حين ما يموت الميّت إلى أن تنسى المصيبة. س(41): ما حكم القصد إلى التعزية والذهاب إلى أهل الميّت في بيتهم؟جـ(41): هذا ليس له أصلٌ من السّنة، ولكن إذا كان الإنسان قريبًا لك، وتخشى أن يكون من القطيعة ألا تذهب إليهم، فلا حرج أن تذهب، ولكن بالنّسبة لأهل الميّت لا يشرع لهم الاجتماع في البيت، وتلقّي المعزّين؛ لأن هذا عدّه بعض السلف من النّياحة، وإنما يغلقون البيت، ومن صادفهم في السّوق أو في المسجد عزاهم.فهاهنا أمران:الأول: الذهاب إلى أهل الميّت، وهذا ليس بمشروعٍ، اللهم إلا إذا كان من الأقارب، ويخشى أن يكون ترك ذلك قطيعةً.الثّاني: الجلوس لاستقبال المعزّين، وهذا لا أصل له، بل عدّه بعض السلف مع صنع الطعام من النّياحة. س(42): هل جعل رأس الميّت أمام النعش عند المشي به سنةٌ، أو لا؟جـ(42): الظاهر أن الميّت يحمل من جهة رأسه، يعني: أن رأسه يكون هو المقدم، أما أن تكون رجلاه هما المقدم فالظاهر أنه خلاف الأولى، ولا أعلم في هذا سنةً عن الرسول صلى الله عليه وسلم. س(43): بالنّسبة للحثيات الثلاث، هل لها أصلٌ أن تكون من جهة رأس الميّت؟جـ(43): لا، ليس لها أصلٌ، بل الأمر واسعٌ في ذلك. س(44): ما حكم تلقين الميّت بعد دفنه؟جـ(44): القول الراجح: أنه لا يلقن بعد الدفن، وإنما يستغفر له، ويسأل له التثبيت؛ لأن الحديث الوارد في التلقين هو حديث أبي أمامة([25])، وهو ضعيفٌ.س(45): ما يجري عند بعض المسلمين من طلب الشهادة على الميّت قبل دفنه، فيقول قريبه أو وليّه: ماذا تشهدون عليه؟ فيشهدون له بالصلاح والاستقامة، هل لهذا أصلٌ في الشرع؟جـ(45): ليس له أصلٌ في الشرع، ولا ينبغي للإنسان أن يقول هكذا؛ لأنه من البدعة، ولأنه قد يثنى عليه شرًّا، فيكون في ذلك فضيحةٌ له، ولكن الذي جاءت به السّنة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان مع أصحابه، فمرّت جنازةٌ، فأثنوا عليه خيرًا، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «وجبت»، ثم مرّت جنازةٌ أخرى، فأثنوا عليه شرًّا، فقال عليه الصلاة والسلام: «وجبت»، فسألوه: ما معنى قوله: «وجبت»؟ فقال: «إن الذي أثنيتم عليه خيرًا وجبت له الجنة، والثاني الذي أثنيتم عليه شرًّا وجبت له النار»، هذا الحديث أو معناه([26]).س(46): هل وضع شيءٍ على القبور من أشجارٍ رطبةٍ وغيرها من السنة؛ بدليل صاحبي القبر اللذين يعذبان([27])، أو ذلك خاصٌّ بالرسول عليه الصلاة والسلام؟ وما دليل الخصوصية؟جـ(46): وضع الشيء الرطب من أغصانٍ أو غيرها على القبر ليس بسنةٍ، بل هو بدعةٌ، وسوء ظنٍّ بالميّت؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن يضع على كلّ قبرٍ، وإنما وضع على هذين القبرين حيث علم عليه الصلاة والسلام أنهما يعذبان.فوضع الجريدة على القبر جنايةٌ عظيمةٌ على الميّت وسوء ظنٍّ به، ولا يجوز لأحدٍ أن يسيء الظن بأخيه المسلم؛ لأن هذا الذي يضع الجريدة على القبر يعتقد أن صاحب هذا القبر يعذب؛ إذ إن النبي عليه الصلاة والسلام لم يضعها على القبرين إلا حين علم أنهما يعذبان.وخلاصة الجواب: أن وضع الجريدة ونحوها على القبر بدعةٌ، وأنه سوء ظنٍّ بالميّت؛ حيث يظنّ الواضع أنه يعذب، فيريد التخفيف عليه، ثم ليس عندنا علمٌ بأن الله تعالى يقبل شفاعتنا فيه إذا فعلنا ذلك كما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم.س(47): عندما يسلّم الإمام من الفريضة يسرع أهل الميّت بإحضاره للصلاة عليه؛ بحجة الإسراع بدفنه، نرجو بيان ما يجب عليهم، وما نصيحتك للإمام حيال ذلك؟جـ(47): الذي أرى أنه إذا سلّم الإمام من الفريضة، فإن كان فيه أناسٌ يقضون -وهم كثيرون- فالأولى أن ينتظر في تقديم الجنازة؛ من أجل كثرة المصلّين عليها؛ حتّى لا يفوتهم الثواب، أما إذا لم يكن هناك سببٌ فالمبادرة لذلك أفضل وأولى. س(48): هل يجوز لوليّ الميّت أن يطلب من المشيّعين أن يحلّلوا الميّت؟جـ(48): هذا من البدع، وليس من السّنة، أن تقول للناس: حلّلوه. لأن الإنسان إذا لم يكن بينه وبين الناس معاملةٌ فليس في قلب أحدٍ عليه شيءٌ، ومن كان بينه وبين الناس معاملةٌ، فإن كان قد أدّى ما يجب فليس في قلب صاحب المعاملة شيءٌ، وإن كان لم يؤدّ فربما لا يحلّله وربما يحلّله، وقد ثبت عن النبيّ عليه الصلاة والسلام أنه قال: «من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله»([28]). س(49): ما أقسام زيارة المقابر؟جـ(49): المقابر يزورها الإنسان للعبرة والعظة، ورجاء الثواب؛ امتثالًا لأمر النبيّ عليه الصلاة والسلام، حيث قال: «زوروا القبور؛ فإنها تذكّر الآخرة»([29])، وأما من زار المقبرة من أجل التبرّك بالزّيارة أو يدعو أصحاب القبور، فإن هذا شيءٌ لا يوجد عندنا، والحمد لله، وإن كان يوجد في بعض البلاد الإسلامية، وهذه من الزّيارات التي قد تكون بدعيةً فقط، وقد تكون شركيةً.وزيارة القبور نوعان:  نوعٌ يقصد الإنسان فيه شخصًا معينًا، فهنا يقف عنده، ويدعو له بما شاء الله عز وجل، كما فعل عليه الصلاة والسلام حين استأذن الله عز وجل أن يستغفر لأمّه، فلم يأذن الله له، واستأذنه أن يزورها فأذن له، فزارها -صلوات الله وسلامه عليه- ومعه طائفةٌ من أصحابه([30]). القسم الثاني: أن تكون زيارته لعموم المقبرة، فهنا يقف أمام القبور، ويسلّم كما كان عليه الصلاة والسلام يفعل ذلك إذا زار البقيع، يقول: «السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم»([31]). س(50): هل يشرع استقبال القبلة عند السلام على الميت؟جـ(50): يسلّم على الميت تجاه وجهه، ويدعو له وهو قائمٌ، بدون أن ينصرف إلى القبلة. س(51): هل السّنة أن يسلّم الرجل على الأموات عند الدّخول في المقبرة فقط، أو يشرع ذلك إذا مرّ بها في الشارع؟جـ(51): الفقهاء  رحمهه الله  قالوا: يسنّ أن يدعو بالدّعاء الذي ذكرته، سواءٌ زارها أو مرّ بها. س(52): ما الأشياء المحظورة على المرأة زمن الحداد، مع ذكر الدليل؟جـ(52): المحظور على المرأة زمن الحداد:أولًا: ألا تخرج من بيتها إلا لحاجةٍ، مثل: أن تكون مريضةً تحتاج لمراجعة المستشفى، وتراجعه بالنهار، أو ضرورةٍ، مثل: أن يكون بيتها آيلًا للسّقوط، فتخشى أن يسقط عليها، أو تشتعل فيه نارٌ، أو ما أشبه ذلك، قال أهل العلم: وتخرج في النهار للحاجة، وأما في الليل فلا تخرج إلا للضرورة.ثانيًا: الطيب؛ لأن النبيّ عليه الصلاة والسلام نهى المحادة أن تتطيب إلا إذا طهرت، فإنها تأخذ نبذةً من أظفارٍ -نوعٌ من الطّيب- تتطيب به بعد الحيض؛ ليزول عنها أثر الحيض([32]).ثالثًا: ألا تلبس ثيابًا جميلةً تعتبر تزيّنًا؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن ذلك([33])، وإنما تلبس ثيابًا عاديةً، كالثّياب التي تلبسها في بيتها بدون أن تتجمل.رابعًا: ألا تكتحل؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن ذلك([34])، فإن اضطرت إلى هذا فإنها تكتحل بما لا يظهر لونه ليلًا، وتمسحه بالنهار.خامسًا: ألا تتحلى، أي: لا تلبس حليًا؛ لأنه إذا نهي عن الثّياب الجميلة فالحلي أولى بالنهي.ويجوز لها أن تكلّم الرّجال، وأن تتكلم بالهاتف، وأن تأذن لمن يدخل بالبيت ممن يمكن دخوله، وأن تخرج إلى السطح -سطح البيت- في الليل وفي النهار، ولا يلزمها أن تغتسل كل جمعةٍ كما يظنّه بعض العامة، ولا أن تنقض شعرها كل أسبوعٍ.وكذلك -أيضًا- لا يلزمها، بل لا يشرع لها إذا انتهت العدة أن تخرج معها بشيءٍ تتصدّق به على أول من يلاقيها؛ فإن هذا من البدع. س(53): هل يلزم المرأة الّتي توفّي عنها زوجها الحداد في البيت الّذي بلغها فيه خبر وفاة زوجها أو في بيت زوجها؟ وهل يجوز لها الانتقال منه إلى بيت أهلها أو غيره؟جـ(53): يلزمها أن تبقى في البيت الذي كانت تسكنه، فلو فرض أنه أتاها خبر الوفاة، وهي في زيارةٍ لأقاربها، فإنها يلزمها أن ترجع إلى بيتها الذي كانت تسكنه،وسبق أن ذكرنا في الأمور الخمسة التي تمتنع عنها: وألا تخرج من البيت. س(54): أرجو من سماحتكم التفصيل في مسألة زيارة المرأة للمقابر.جـ(54): زيارة المرأة للمقابر محرّمةٌ، بل من كبائر الذّنوب؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لعن زائرات القبور([35])، ولكن إذا مرّت المرأة في المقبرة من غير أن تخرج من أجل الزّيارة، فلا حرج عليها أن تقف، وتدعو لهم؛ كما يفيد ظاهر حديث عائشة رضي الله عنها في «صحيح مسلمٍ»([36]). س(55): انتشرت في الآونة الأخيرة التعازي عن طريق الجرائد والمجلات، والردّ عليها بالشّكر على التعزية من قبل أهل الميّت، ما حكم هذا العمل؟ وهل يدخل في النعي الممنوع؟ علمًا بأن التعزية والرد عليها في الجريدة قد يكلّف صفحةً كاملةً تأخذ الجريدة عليها عشرة آلاف ريالٍ، فهل يدخل ذلك في الإسراف والتبذير؟جـ(55): نعم، الذي أرى أن مثل هذا قد يكون من النعي المنهيّ عنه، وإذا لم يكن منه فإن فيه -كما في السّؤال- تبذيرًا وإضاعةً للمال.والتعزية في الحقيقة ليست كالتهنئة حتى يحرص الإنسان عليها، سواءٌ كان الذي فقد ميّته حزينًا أم غير حزينٍ، التعزية يقصد بها أنك إذا رأيت مصابًا قد أثرت فيه المصيبة فإنك تقوّيه على تحمّل المصيبة، هذا هو المقصود من التعزية، وليست من باب المجاملات، وليست من باب التهاني، فلو علم الناس المقصود من التعزية ما بلغوا بها هذا المبلغ الذي أشرت إليه من نشرها في الصّحف، أو الاجتماع لها، وقبول الناس وضع الطعام، وغير ذلك. س(56): ذكرت في وقت التعزية أنها قد تكون في غير الميّت، فهل تسنّ التعزية في غيره؟ وما صفة التعزية؟جـ(56): التعزية هي تقوية المصاب على تحمّل الصبر، وهذه قد تكون بغير الميّت، مثل: أن يصاب بفقد مالٍ كبيرٍ له أو ما أشبه ذلك، فتأتي إليه، وتعزّيه، وتحمله على الصبر؛ حتى لا يتأثر تأثّرًا بالغًا. س(57): ما حكم تخصيص العيدين والجمعة لزيارة المقابر؟جـ(57): ليس له أصلٌ، فتخصيص زيارة المقابر في يوم العيد، واعتقاد أن ذلك مشروعٌ، يعتبر من البدع؛ لأن ذلك لم يرد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولا أعلم أحدًا من أهل العلم قال به.أما يوم الجمعة فقد ذكر بعض العلماء أنه ينبغي أن تكون الزّيارة في يوم الجمعة، ومع ذلك فلم يذكروا في هذا أثرًا عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.س(58): ما الفرق بين زيارة النّساء لقبر النبيّ صلى الله عليه وسلم وقبر غيره؟ وهل النهي عامٌّ، أو يستثنى منه قبر النبيّ عليه الصلاة والسلام؟جـ(58): ليس هناك ما يدلّ على تخصيص قبر النبيّ عليه الصلاة والسلام بإخراجه من النهي عن زيارة القبور بالنّسبة للنّساء، ولهذا نرى أن زيارة المرأة لقبر الرسول عليه الصلاة والسلام كزيارتها لأيّ قبرٍ آخر، والمرأة يكفيها -والحمد لله- أنها تسلّم على النبيّ عليه الصلاة والسلام في صلاتها أو غيرها، وإذا سلمت فإن تسليمها يبلغ النبي عليه الصلاة والسلام أينما كانت. س(59): ما حكم الكتابة على القبور أو تعليمها بالألوان؟جـ(59): أما التلوين فإنه من جنس التجصيص، وقد نهى النبيّ عليه الصلاة والسلام عن تجصيص القبور([37])، وهو أيضًا ذريعةٌ إلى أن يتباهى الناس بهذا التلوين، فتصبح القبور محل مباهاةٍ، ولهذا ينبغي تجنّب هذا.وأما الكتابة عليه فقد نهى النبيّ عليه الصلاة والسلام عن الكتابة([38])، لكن بعض أهل العلم خفف فيما إذا كانت الكتابة لمجرد الإعلام فقط، وليس فيها مدحٌ ولا ثناءٌ، وحمل النهي على الكتابة التي يكون فيها تعظيمٌ لصاحب القبر، وقال: بدليل أنه -أي: النهي عن الكتابة- قرن بالنهي عن تجصيص القبور والبناء عليها. س(60): إذا توفّي أحد المشهود لهم بالصلاح والعلم يكثر زوار قبره زيارةً شرعيةً، ولكن بعض طلبة العلم ينهون عن ذلك سدًّا للذريعة، وخوفًا من الشّرك، ما قول فضيلتكم في هذا؟جـ(60): الّذي أرى ما ذهب إليه بعض طلبة العلم، وهو أن الإكثار من زيارة أهل العلم والعبادة ربما يؤدّي في النّهاية إلى الغلوّ الواقع في الشّرك، ولهذا ينبغي أن يدعى لهم بدون أن تزار قبورهم، والله عز وجل إذا قبل الدعوة فهي نافعةٌ للميّت، سواءٌ حضر الإنسان عند قبره، ودعا له عند قبره، أو دعا له في بيته، أو في المسجد، كلّ ذلك يصل إن شاء الله عز وجل.ولا حاجة إلى أن يتردد إلى قبره؛ لأن المحذور الذي حذره بعض طلبة العلم واردٌ، ولا سيما إذا تطاول الزمن. س(61): يموت أحيانًا من فيه شرٌّ، فيأخذ الناس في بيان ما فيه من الشرّ، بالرغم من ورود الحديث الصحيح في البخاريّ: «لا تسبّوا الأموات، وقد أفضوا إلى ما عملوا»([39])، هل هم وقعوا في محذورٍ؟جـ(61): نعم، إذا كان الغرض من ذلك السبّ والشماتة بالميّت فهذا لا يجوز، وإذا كان الغرض من ذلك التحذير من صنيعه وطريقته الّتي يمشي عليها فإن هذا لا بأس به؛ لأنه يقصد به المصلحة. س(62): ما حكم وضع القطيفة في القبر للميّت؛ بدليل: ما رواه مسلمٌ من حديث ابن عباسٍ، أنه جعل في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قطيفةٌ حمراء([40])؟جـ(62): ذكر أهل العلم أنه لا بأس أن يجعل فيه قطيفةٌ، ولكنّي أرى في هذا نظرًا؛ لأنه لم ينقل عن أحدٍ من الصحابة أنهم فعلوا ذلك، ولعل هذا كان من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم، ولأنه لو فتح هذا الباب لتنافس الناس في ذلك، وصار كلّ إنسانٍ يحبّ أن يجعل تحت ميّته قطيفةٌ أحسن من الأخرى، وهكذا حتى تكون القبور موضع المباهاة بين الناس، والذرائع ينبغي أن تسد إذا كانت تفضي إلى أمرٍ محذورٍ. س(63): هل هناك دليلٌ يثبت أن الصحابة أنكروا وضع القطيفة على شقران؟ وما صحة سند أن الصحابة أخرجوا هذه القطيفة؟جـ(63): لا أعلم عن هذا شيئًا.س(64): قال عليه الصلاة والسلام فيما يرويه مسلمٌ من حديث أبي هريرة: «إذا خرجت روح المسلم تلقاها ملكان يصعدانها» قال حمادٌ: فذكر من طيب ريحها، وذكر المسك، قال: «ويقول أهل السماء: روحٌ طيّبةٌ جاءت من قبل الأرض، صلى الله عليك وعلى جسدٍ كنت تعمرينه. فينطلق به إلى ربّه، ثم يقول الله: انطلقوا به إلى آخر الأجل»، وكذلك الكافر، يقال: «انطلقوا به إلى آخر الأجل»([41])، ما المقصود بآخر الأجل؟جـ(64): المقصود بذلك: قيام الساعة.س(65): قال عليه الصلاة والسلام فيما يرويه مسلمٌ من حديث أبي هريرة: «استأذنت ربّي في أن أستغفر لها -يعني: لأمّه- فلم يأذن لي» الحديث([42])، هل يدلّ هذا الحديث على أن أمه من أهل النار؟جـ(65): نعم، هذا الحديث يدلّ على أن أمه كانت من المشركين؛ لقول الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيم} [التوبة:113]، وقد قال تعالى: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَار} [المائدة:72]. س(66): ما حكم المرور بين القبور بالنّعال؟ وما صحة الدليل الّذي ينهى عن ذلك، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «يا صاحب السّبتيتين، اخلع نعليك»([43])؟جـ(66): ذكر أهل العلم أن المشي بين القبور بالنعال مكروهٌ، واستدلّوا بهذا الحديث، إلا أنهم قالوا: إذا كان هناك حاجةٌ -كشدة حرارة الأرض، ووجود الشوك فيها، أو نحو ذلك- فإنه لا بأس أن يمشي في نعليه.س(67): روى مسلمٌ من حديث محمد بن قيسٍ، قال: قالت عائشة: يا رسول الله، كيف أقول لهم؟ قال عليه الصلاة والسلام: «السلام على أهل الدّيار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون»([44])، ألا يدلّ هذا مع الحديث المتفق عليه من حديث أمّ عطية: (كنا ننهى عن اتّباع الجنائز، ولم يعزم علينا)([45]) وغيره من الأحاديث دلالةً واضحةً على جواز زيارة النّساء للمقابر إذا كن لا يفعلن ما حرم الله، وإذا لم يكن كذلك فكيف توجّهون حديث محمد بن قيسٍ؟جـ(67): ذكرنا فيما سبق جوابًا يدلّ على حكم هذه المسألة، وأشرنا إلى حديث عائشة هذا، وقلت: إن السّنة تدلّ على أن المرأة إذا خرجت تريد زيارة القبور فإن هذا من كبائر الذّنوب، وأما إذا مرّت بها بدون قصدٍ، ووقفت وسلمت، فإن هذا لا بأس به، وعلى هذا ينزل حديث عائشة؛ حتّى تلتئم السّنة، ولا يحصل فيها تناقضٌ.وأما حديث أمّ عطية: (نهينا عن اتّباع الجنائز، ولم يعزم علينا) فإن كثيرًا من أهل العلم قال: إن الاعتبار بما روت: (نهينا عن اتّباع الجنائز)، وكونها تقول: (ولم يعزم علينا) هذا تفقّهٌ منها، وقد يكون هذا مراد رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ فإن الاتّباع غير الزّيارة؛ لأن اتّباع الجنائز يبعد أن يكون فيه محذورٌ؛ لوجود الرّجال مع الجنازة، ومنعهم من المحذور فيما لو أراد النّساء أن يفعلن ذلك، بخلاف الزّيارة. س(68): هل هناك صارفٌ عن الوجوب في قوله عليه الصلاة والسلام فيما يرويه مسلمٌ من حديث أبي سعيدٍ الخدريّ: «لقّنوا موتاكم: لا إله إلا الله»([46])؟جـ(68): الظاهر أن من الصارف عن الوجوب: الحال الواقعة من الصحابة، فإن الظاهر من أحوالهم أنهم لا يلقّنون كل ميّتٍ، والله أعلم. س(69): في قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه مسلمٌ من حديث أبي هريرة وحديث أمّ سلمة دليلٌ على أن الرّوح والنفس بمعنًى واحدٍ، والحديث قوله عليه الصلاة والسلام: «ألم تروا أن الإنسان إذا مات شخص بصره؟» قالوا: بلى. قال: «فذلك حين يتبع بصره نفسه»([47])، والحديث الثّاني حديث أمّ سلمة: «إن الرّوح إذا قبض تبعه البصر»([48])، فهل الرّوح هي النفس؟ أفيدونا في هذا.جـ(69): نعم، الروح هي النفس التي تقبض؛ كما قال الله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [سورة الزمر:42] الآية [الزمر:42]. س(70): ما المقصود بـ:«درع من جربٍ» في قوله عليه الصلاة والسلام: «النائحة إذا لم تتب تقام يوم القيامة وعليها سربالٌ من قطرانٍ، ودرعٌ من جربٍ»، والحديث رواه مسلمٌ من حديث أبي مالكٍ الأشعريّ([49])؟جـ(70): المراد بالدّرع من الجرب: أن جلدها -والعياذ بالله- يكون فيه جربٌ يكسوه، وذلك من أجل أن تتألم كثيرًا بما يحصل لها من عذاب النار. *  مسائل أخرى في أحكام الجنائز([50])1- نقل الميّت من بلدٍ إلى آخر، وتكرار الصلاة عليه، إن كان المقصود به تكرار الصلاة عليه فهذا بدعةٌ منكرةٌ مخالفةٌ لهدي السلف الصالح، ومخالفةٌ لأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بالإسراع بالميّت، وفيها فتح بابٍ لتباهي الناس بأمواتهم؛ حتى يكون تشييع الميّت كأنه حفل عرسٍ.ويغني عنه: أن يصلّى عليه في البلد الآخر صلاة الغائب إن قلنا بمشروعيتها، والصحيح: أنه لا يصلى على الميّت صلاة الغائب إلا من مات في محلٍّ لم يصلّ عليه فيه، أو بأمر الإمام، أما الأول فلأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشيّ صلاة الغائب([51])، وأما الثاني فلئلا يشقّ عصا الطاعة في أمرٍ اجتهاديٍّ. وإن قصد بنقل الميّت اختيار أن يدفن في بلدٍ آخر؛ إما لكون الدفن فيه أفضل، أو لكون أهله فيه ونحو ذلك، فهذا لا بأس به، لكن إن منع منه الإمام خوفًا من تزاحم الناس على المكان الفاضل، وضيق المكان، والعجز عن القيام بواجب الدفن، فلا ينقل، وكذلك لو كان يتحمل نفقاتٍ باهظةً تضرّ بحقّ الورثة في التركة ونحو ذلك.وربما يكون النقل واجبًا، كما لو مات بدار كفارٍ ليس فيها مقابر للمسلمين، ولا يمكن دفنه في هذه الدار في مكانٍ آخر، فإنه لا بد من نقله إلى بلاد المسلمين.وأما نقل الميّت من مسجدٍ إلى آخر في البلد؛ ليصلى عليه في عدة مساجد، فهو أيضًا من البدع المنكرة، وفيه من المحذور ما سبق، والميّت يؤتى إليه، ولا يطاف به بين الناس؛ ليصلى عليه.2- اصطفاف أقارب الميّت مع الإمام حين الصلاة عليه، إن كان المكان ضيّقًا لا يمكنهم أن يصطفّوا خلف الإمام -ولو بينه وبين الصفّ الأول- فلا بأس؛ لأن هذا حاجةٌ، ويقفون عن يمين الإمام وعن شماله.وإن كان المكان واسعًا فلا يصفّون مع الإمام؛ لأن هذا خلاف السّنّة في صلاة الجماعة، لكن رأينا بعض أقارب الميّت يتقدمون عمدًا؛ ليصفّوا مع الإمام؛ ظنًّا منهم أن هذا سنّةٌ، وهذا غلطٌ ينبغي للأئمة أن ينبّهوا عليه، ويبيّنوا للناس أن هذا ليس من السّنّة.3- دخول السيارات للمقبرة من غير حاجةٍ لا ينبغي؛ لأنها أحيانًا تضيّق على الناس، وتجعل مشهد الجنائز كمشهد الأعراس مما ينسي الناس تذكّر الآخرة.4- لا أعلم أصلًا عن السلف فيما يصنعه الناس أخيرًا من المصافحة والمعانقة عند التعزية، وكذلك الاصطفاف للمعزّين، لكن بعض الناس قالوا: إنهم يصطفّون من أجل راحة المعزّين؛ حتى لا يتعبوا في طلب أهل الميّت، لا سيما إذا كان المشيّعون كثيرين، وأهل الميّت ذوي عددٍ، وهذا ربما يكون غرضًا صحيحًا، وإن كان لا يعجبني فعلهم.5- التحدّث في أمر الدّنيا لمتبعي الجنازة مخالفٌ لما ينبغي أن يكون المتبع عليه من التفكّر في حاله ومآله، وأنه الآن يشيّع الموتى، وغدًا يشيّعه الأحياء، ولا يدري متى يكون؟ثم إن فيه كسرًا لقلوب المصابين بالميّت من أقاربه وأصدقائه، وقد كره بعض العلماء لمتبع الجنازة أن يتحدث في أمر الدّنيا، وأن يجلس إلى صاحبه يمازحه ويضاحكه؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس إلى أصحابه في المقبرة قبل أن يتم اللحد، فيحدّثهم بما يناسب، ففي «صحيح البخاريّ» عن عليّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه، قال: كنا في جنازةٍ في بقيع الغرقد، فأتانا النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقعد، وقعدنا حوله، ومعه مخصرةٌ، فنكّس -أي: رأسه- فجعل ينكت بمخصرته، وذكر الحديث([52]).وفي «المسند» و«سنن أبي داود» وغيرهما من حديث البراء بن عازبٍ رضي الله عنه، قال: خرجنا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في جنازة رجلٍ من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجلسنا حوله كأن على رؤوسنا الطير، وفي يده عودٌ ينكت في الأرض، فقال: «استعيذوا بالله من عذاب القبر» مرتين أو ثلاثًا، ثم حدّثهم صلى الله عليه وسلم عن حال المؤمن وحال الكافر عند الموت وبعده([53])، وهو حديثٌ طويلٌ عظيمٌ.وبه وبحديث عليٍّ نعرف أن المشروع لمتبع الجنائز أن يكون حديثه فيما يتعلق بالموت وما بعده.هذا وقد أخذ بعض الناس من الحديثين أنه ينبغي أن يعظ الناس في هذه الحال، فيقوم خطيبًا بين الناس، يتكلم بما يتكلم به، لكن لا وجه لأخذه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقم خطيبًا في أصحابه، بل كان جالسًا بينهم يتحدث إليهم حديث الجالس إلى من كان بجنبه؛ لأنه إما أن يسكت، أو يتكلم بأمرٍ لا يناسب المقام، أو يتكلم بما يناسب المقام، وهذا هو الحاصل من النبيّ صلى الله عليه وسلم.6- بقاء أهل الميّت في المنزل لاستقبال المعزّين ليس معروفًا في عهد السلف الصالح، ولهذا صرّح بعض العلماء بأنه بدعةٌ، وقال في «الإقناع وشرحه»: ويكره الجلوس لها -أي: التعزية- بأن يجلس المصاب في مكانٍ ليعزّوه([54]).ولما ذكر حكم صنع الطعام لأهل الميّت قال: وينوي فعل ذلك لأهل الميّت، لا لمن يجتمع عندهم، فيكره؛ لأنه معونةٌ على مكروهٍ، وهو اجتماع الناس عند أهل الميّت، نقل المروزيّ عن أحمد: هو من أفعال الجاهلية. وأنكره شديدًا.ثم ذكر حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: (كنا نعدّ الاجتماع إلى أهل الميّت، وصنعة الطعام بعد دفنه من النّياحة)([55]).وقال النّوويّ في «شرح المهذب»: وأما الجلوس للتعزية فنصّ الشافعيّ والمصنّف وسائر الأصحاب على كراهته، ونقله أبو حامدٍ في التعليق وآخرون عن نصّ الشافعيّ، قالوا: يعني بالجلوس لها أن يجتمع أهل الميّت في بيتٍ، فيقصدهم من أراد التعزية، قالوا: بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم، فمن صادفهم عزّاهم. اﻫ([56])ثم إن فتح أهل الميّت الباب ليأتيهم من يعزّيهم كأنما يقولون للناس بلسان الحال: يا أيّها الناس، إنّا قد أصبنا فعزّونا. وكونهم يعلنون في الصّحف عن مكان العزاء هو دعوةٌ بلسان المقال أيضًا، وهل من السّنّة إعلان المصيبة ليعزى لها؟! أليس الواجب على المرء أن يصبر لحكم الله وقضائه، وأن يجعل ذلك بينه وبين ربّه، وأن يتعزى بالله تعالى عن كلّ هالكٍ؟!ثم إن الأمر قد تطور في بعض المناطق إلى أن تهيأ السّرادق، وتصفّ الكراسيّ، وتضاء الأنوار، ويكثر الداخل والخارج؛ حتّى لا تكاد تفرّق بين هذا وبين وليمة العرس، وربما استأجروا قارئًا يقرأ -كما يزعمون- لروح الميّت، مع أن الإجارة على هذا فاسدةٌ، والقارئ الذي قرأ من أجل المال لا ثواب له، فيكون في هذا إضاعةٌ للمال، وإغراءٌ لهؤلاء القراء على الإثم.فإن قال قائلٌ: أليس قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا جاء خبر قتل جعفرٍ وصاحبيه جلس في المسجد يعرف فيه الحزن([57])؟فالجواب: بلى، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجلس ليعزّيه الناس، ولذلك لم يبلغنا أن أحدًا جلس عنده ليعزّيه، فليس فيه دليلٌ لفتح أبواب البيوت والجلوس لتلقّي العزاء.وأما الإعلان عن موت الميّت في الصّحف، فإن كان لمصلحةٍ، مثل: أن يكون الميّت واسع المعاملة مع الناس بين أخذٍ وإعطاءٍ، وأعلن موته لعل أحدًا يكون له حقٌّ عليه، فيقضى، أو نحو ذلك، فلا بأس.كتبه محمد الصالح العثيمينفي 24/1/1418ﻫ * ([1]) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب تلقين الموتى «لا إله إلا الله»، رقم (916) (917) من حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما.([2]) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز، باب القراءة عند الميت، رقم (3121)، وابن ماجه في كتاب الجنائز، باب ما جاء فيما يقال عند المريض إذا حضر، رقم (1448)، وأحمد (5/26) من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه.([3]) أخرجه البخاري في كتاب المناقب، باب موت النجاشي، رقم (3880)، ومسلم في كتاب الجنائز، باب في التكبير على الجنازة، رقم (951) عن أبي هريرة رضي الله عنه.([4]) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب كنس المسجد، رقم (458)، ومسلم في كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر، رقم (956) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.([5]) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب يجعل الكافور في الأخيرة، رقم (1258)، ومسلم في كتاب الجنائز، باب في غسل الميت، رقم (939) من حديث أم عطية رضي الله عنها.([6]) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر، رقم (957) من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه.([7]) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب السرعة بالجنازة، رقم (1315)، ومسلم في كتاب الجنائز، باب الإسراع بالجنازة، رقم (944) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.([8]) أخرجه البخاري في كتاب المناقب، باب موت النجاشي، رقم (3880)، ومسلم في كتاب الجنائز، باب في التكبير على الجنازة، رقم (951) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، كما أخرجه مسلم في الموضع السابق، برقم (952) و(953) من حديث جابر وعمران بن حصين رضي الله عنهما.([9]) أخرجه مسلم في كتاب المساجد، باب من أحق بالإمامة، رقم (673) من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه.([10]) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز، باب في الشهيد يغسّل، رقم (3136)، والترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء في قتلى أحد، رقم (1016)، وأحمد (3/128) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.([11]) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب من صلى عليه أربعون شفعوا فيه، رقم (948) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.([12]) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم، رقم (756)، ومسلم في كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة، رقم (394) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.([13]) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب لا يسعى إلى الصلاة، رقم (636)، وفي باب قول الرجل: فاتتنا الصلاة، رقم (635)، ومسلم في كتاب المساجد، باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة، رقم (602) (603) من حديث أبي هريرة وأبي قتادة رضي الله عنهما.([14]) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين، باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها، رقم (831).([15]) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب القيام للجنازة، رقم (1307)، ومسلم في كتاب الجنائز، باب القيام للجنازة، رقم (958) من حديث عامر بن ربيعة رضي الله عنه.([16]) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب خلق آدم صلى الله عليه وسلم، رقم (3332)، ومسلم في كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي، رقم (2643) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.([17]) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب كنس المسجد، رقم (458)، وفي كتاب الجنائز، باب الإذن بالجنازة، رقم (1247)، ومسلم في كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر، رقم (956) (954) من حديث أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم، كما أخرجه مسلم في الموضع السابق، برقم (955) من حديث أنس رضي الله عنه.([18]) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم، رقم (755). ([19]) أخرجه النسائي في كتاب مناسك الحج، باب كيف يقول إذا اشترط؟ رقم (2767) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.([20]) تقدم تخريجه ص(13).([21]) أخرجه أبو داود في كتاب السنة، باب المسألة في القبر، رقم (4753)، وأحمد (4/287) من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.([22]) أخرجه البخاري في كتاب التفسير، باب ﴿فسنيسره للعسرى﴾، رقم (4949)، ومسلم في كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي، رقم (2647) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.([23]) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز، باب الاستغفار عند القبر للميت، رقم (3221) من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه.([24]) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يعذّب الميّت ببعض بكاء أهله عليه»، رقم (1284)، ومسلم في كتاب الجنائز، باب البكاء على الميت، رقم (923) من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما.([25]) أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (8/298) برقم (7979).([26]) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ثناء الناس على الميت، رقم (1367)، ومسلم في كتاب الجنائز، باب فيمن يثنى عليه خير أو شر من الموتى، رقم (949) من حديث أنس رضي الله عنه.([27]) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب من الكبائر ألا يستتر من بوله، رقم (216)، ومسلم في كتاب الطهارة، باب الدليل على نجاسة البول، رقم (292) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.([28]) أخرجه البخاري في كتاب الاستقراض، باب من أخذ أموال الناس يريد أداءها، رقم (2387) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.([29]) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء في الرخصة في زيارة القبور، رقم (1054)، والنسائي في كتاب الضحايا، باب الإذن في ذلك، رقم (4434)، وأحمد (5/355) من حديث بريدة رضي الله عنه.([30]) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه في زيارة قبر أمه، رقم (976) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.([31]) أخرجه بنحوه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور، رقم (974) و(975) من حديث عائشة وبريدة رضي الله عنهما دون قوله: «اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم» فقد أخرجه ابن ماجه في كتاب الجنائز، باب ما جاء فيما يقال إذا دخل المقابر، رقم (1546)، وأحمد (6/71) من حديث عائشة رضي الله عنها.([32]) أخرجه البخاري في كتاب الحيض، باب الطيب للمرأة عند غسلها من المحيض، رقم (313)، ومسلم في كتاب الطلاق، باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة، رقم (938) من حديث أم عطية رضي الله عنها.([33]) تقدم تخريجه في الموضع السابق من حديث أم عطية رضي الله عنها.([34]) تقدم تخريجه قريبًا من حديث أم عطية رضي الله عنها.([35]) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز، باب في زيارة النساء القبور، رقم (3236)، والترمذي في كتاب الصلاة، باب ما جاء في كراهية أن يتّخذ على القبر مسجدًا، رقم (320)، والنسائي في كتاب الجنائز، باب التغليظ في اتخاذ السرج على القبور، رقم (2045)، وابن ماجه في كتاب الجنائز، باب ما جاء في النهي عن زيارة النساء القبور، رقم (1575)، وأحمد (1/229) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.كما أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء في كراهية زيارة القبور للنساء، رقم (1056)، وابن ماجه في الموضع السابق برقم (1576)، وأحمد (2/337) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.([36]) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور، رقم (974).([37]) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب النهي عن تجصيص القبور، رقم (970) من حديث جابر رضي الله عنه.([38]) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء في كراهية تجصيص القبور، رقم (1052)، والنسائي في كتاب الجنائز، باب الزيادة على القبر، رقم (2029)، وابن ماجه في كتاب الجنائز، باب ما جاء في النهي عن البناء على القبور، رقم (1563) من حديث جابر رضي الله عنه.([39]) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما ينهى من سب الأموات، رقم (1393) من حديث عائشة رضي الله عنها.([40]) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب جعل القطيفة في القبر، رقم (967) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.([41]) أخرجه مسلم في كتاب الفتن، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، رقم (2872). ([42]) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه في زيارة قبر أمه، رقم (976).([43]) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز، باب المشي بين القبور في النعل، رقم (3230)، والنسائي في كتاب الجنائز، باب كراهية المشي بين القبور، رقم (2050)، وابن ماجه في كتاب الجنائز، باب ما جاء في خلع النعلين في المقابر، رقم (1568)، وأحمد (5/83) من حديث بشير بن الخصاصية صلى الله عليه وسلم.([44]) تقدم تخريجه ص(25). ([45]) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب اتباع النساء الجنائز، رقم (1278)، ومسلم في كتاب الجنائز، باب نهي النساء عن اتباع الجنائز، رقم (938).([46]) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب تلقين الموتى «لا إله إلا الله»، رقم (916)..([47]) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب في شخوص بصر الميت، رقم (921).([48]) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب في إغماض الميت، رقم (920).([49]) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب التشديد في النياحة، رقم (934).([50]) تمّ إلحاقها من قبل اللّجنة العلميّة في مؤسّسة الشّيخ محمّد بن صالحٍ العثيمين الخيريّة.([51]) تقدم تخريجه ص(5).([52]) تقدم تخريجه ص(17).([53]) تقدم تخريجه ص(17).([54]) كشاف القناع (4/282).([55]) أخرجه ابن ماجه في كتاب الجنائز، باب ما جاء في النهي عن الاجتماع إلى أهل الميت، رقم (1612)، وأحمد (2/204)، وانظر: كشاف القناع (4/239).([56]) المجموع شرح المهذب (5/278).([57]) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب من جلس عند المصيبة يعرف فيه الحزن، رقم (1299)، ومسلم في كتاب الجنائز، باب التشديد في النياحة، رقم (935) من حديث عائشة رضي الله عنها.