الجبار
الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...
العربية
المؤلف | عبدالله بن حسن القعود |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
مبدأ العدل الذي هو مصدر الأمن والاستقرار في الأرض ومصدر ضمان الحقوق واطمئنان النفوس، وبه يعمر الكون وبه قامت السماوات والأرض وبه أرسى لكل فرد ولكل جماعة ولكل قوم ولكل أمة قاعدة ثابتة للتعامل، لا تميل مع الأهواء، ولا تتأثر بمودة أو بغضاء، ولا تتغير مجاراة لقرابة أو مصاهرة أو قوة أو ضعف أو غنى أو فقر، وإنما تكيل وتزن للجميع بمكيال واحد ومعيار واحد هو العدل ..
أيها المسلمون: لقد جاء دين الإسلام الحنيف بكل ما فيه، خير للبشرية وإسعادها، جاء بتعليمات كريمة ومبادئ مثلى، من أخذ بها عزّ في دنياه وسعد في أخراه.
ومن أهم تلكم المبادئ: مبدأ العدل الذي هو مصدر الأمن والاستقرار في الأرض ومصدر ضمان الحقوق واطمئنان النفوس، وبه يعمر الكون وبه قامت السماوات والأرض وبه أرسى لكل فرد ولكل جماعة ولكل قوم ولكل أمة قاعدة ثابتة للتعامل، لا تميل مع الأهواء، ولا تتأثر بمودة أو بغضاء، ولا تتغير مجاراة لقرابة أو مصاهرة أو قوة أو ضعف أو غنى أو فقر، وإنما تكيل وتزن للجميع بمكيال واحد ومعيار واحد هو العدل، يقول سبحانه: (وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الحجرات:9]
ويقول: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ) [النحل:90] والقسط بمعنى العدل، والعدل ضد الجور، وما قام بالنفوس أنه مستقيم.
وعدل الإنسان يكون مع النفس ومع الغير، وعدله مع نفسه لا يكون إلا بالسلوك بها الصراط السوي المعتدل الذي لا غلو فيه ولا تقصير، وبحجزها وحفظها بأداء الأوامر واجتناب النواهي من الوقوع في الموبقات والمهلكات.
ومع الغير يكون بإعطاء كل ذي حق حقّه بوحي من شريعة الله، وسير على هدى الله، واحتساب لرضاء الله.
فيا أيها الأخوة المؤمنون: إن مقام العدل لعظيم، وإن فضله لكبير، وإن حاجة الناس إليه لماسّة ولا سيما ما يعم نفعه من ذلك ويشمل خيره؛ كعدل الولاة والأمراء، والرؤساء والقضاة، الذي به تعم الطمأنينة النفوس، ويسود أمن البلاد ويزدهر استقرارها، وبفقدانه -بفقدان عدل الولاة- تفقد البلاد كيانها الذي تقوم عليه وينصدع أمنها، ويضطرب أمرها وتقلق نفوس أهلها -عياذاً بالله لكم ولأمة الإسلام ولأمن البلاد من ذلك.
وعدل الولاة: يكون بتحكيم كتاب الله، وإقامة شريعة الله إقامة كاملة في جميع مرافق الحياة وشؤون البلاد، وإنفاذ الحدود بصرامة وعدل وإنصاف، وإعطاء كل ذي حق حقه في حدود ما يجب له شرعاً إخلاصاً لله، وتمشياً مع ما شرعه رسول الله، ورغباً في ثواب الله، ورهباً من عقابه.
روى الطبراني بإسناد حسن عن ابن عباس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يوم من إمام عادل أفضل من عبادة ستين سنة، وحد يقام في الأرض بحقه أزكى فيها من مطر أربعين صباحاً" ويروى عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "السلطان ظلّ الله في أرضه يأوي إليه كل مظلوم من عباده".
والعدل -أيها الأخوة- الذي أمر الله به، وبه قوام الأرض عام، ومكلف به جميع المسلمين كل بحسبه وبقدر ما ولي الإمام العام في ولايته والوزير في وزارته، والرئيس والمدير في مصلحته ورب الأسرة في أسرته.
روى الإمام أحمد -رحمه الله- بسند حسن عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولاً لا يفكه إلا عدله".
وروى البخاري ومسلم -رحمهما الله- عن النعمان بن بشير -رضي الله عنه-: أن أباه أتى به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إني نحلت ابني هذا غلاماً كان لي -أعطاه عبداً- فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أكلُّ ولدك نحلته مثل هذا؟" فقال: لا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فأرجعه".
وفي لفظ: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اتّقوا واعدلوا في أولادكم" وفي رواية مسلم فقال له: "إني لا أشهد على جور" وفي رواية: "أيسرُّك أن يكونوا لك في البر سواء" قال: نعم. قال: "فلا آذن".
وقال تعالى في الجمع بين الزوجات: (فإن خفتم ألاَّ تعدلوا فواحدة) فاتّقوا الله -أيها المسلمون- واعدلوا فيما وليتم فيه، وما أنتم مسئولون عنه أمام الله من إمامة أو وزارة، أو رئاسة أو قضاء، أو ولد أو زوجة، أو غير ذلك.
فبعدلكم تتبوؤون أعلى المنازل، دنيا وأخرى، ففي الدنيا يحظى العادلون بمودة الناس، وسكنى قلوبهم (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً) [مريم:96] وفي الآخرة يتمتعون في ظل الله بروحه وريحانه، ورضاه ورضوانه في مقعد صدق عند مليك مقتدر، يقول -عليه الصلاة والسلام- فيما رواه مسلم عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: "المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا" ويقول فيما رواه البخاري ومسلم: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله" وذكر منهم: "الإمام العادل".
هذا -أيها المسلمون- جزاء العادلين وما أعد لهم عند الله، وأما الجائرون عن الحق، المنتهكون حرمة العدل، فقد أعلمنا الله بمصيرهم وجزائهم في قوله تعالى: (وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ -يعني الجائرين- فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) [الجـن:15]
أستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه غفور رحيم.