البحث

عبارات مقترحة:

الرزاق

كلمة (الرزاق) في اللغة صيغة مبالغة من الرزق على وزن (فعّال)، تدل...

الأول

(الأوَّل) كلمةٌ تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...

الرحمن

هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...

مكانة القرآن الكريم وتأثيره على القلوب

العربية

المؤلف محمد بن أحمد السماعيل
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. القرآن معجزة عظمى .
  2. تأثير القرآن في قلوب المشركين .
  3. تأثير القرآن في النبي والصحابة .
  4. العمل بالقرآن .
  5. أنواع هجر القرآن. .
اهداف الخطبة
  1. بيان مكانة القرآن وتأثيره على النفوس
  2. الحث على تدبر القرآن والعمل به وعدم هجره.

اقتباس

إن الأمة تحتاج إلى أن تراجع مواقفها من كتاب ربها؛ إذ في المسلمين من يقرأ آيات الله ويعلم أحكامه ولكنه معرض عنها يسمع قول الله تعالى:(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) فينام عن الصلاة، ويتخلف عن الجماعة، ويبخل بالزكاة، وكأن المعني بالآية غيره.

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد..

فيا أيها المسلمون.. اتقوا الله تعالى وأطيعوه، واعلموا –رحمكم الله تعالى- أن الله تعالى قد من على المسلمين بمنة عظيمة، ألا وهي القرآن الكريم، هذا الكتاب الذي أخرج الله به الأمة من ظلمات الجهل والشرك إلى نور العلم والتوحيد،(كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) [إبراهيم: من الآية1]، هذا الكتاب هو أعظم معجزة أعطيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أخرجه البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً".
ولقد رد الله تعالى على طالبي المعجزات من الكفار والمشركين فقال في محكم تنزيله: (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [العنكبوت:51]، أي أما يكفيهم هذا القرآن معجزة ودليلاً على صدق نبوتك يا محمد، وصحة رسالتك وسلامة هدايتك بما فيه من البلاغة والحكمة والمنطق واللفظ المعجز الذي لا تجاريه بلاغة، ولا تدانيه حكمة.

وهذه البلاغة التي في القرآن كانت تحدث أثراً عظيماً في نفوس العرب الفصحاء.

فها هو جبير من مطعم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة الطور (وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ) إلى أن بلغ (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ)[ الطور:35]، يقول جبير بن مطعم لما سمع هذه الآية: "كاد قلبي أن يطير، وكان ذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي".

وأخرج الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "جاء الوليد بن المغيرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، فكأنه رق قلبه تأثراً بما سمع، بلغ ذلك أبا جهل فأتاه فقال: يا عم، إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً يعطوكه لئلا تأتي محمداً، فقال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالاً، قال: فقل فيه قولاً يبلغ قومك أنك منكر له، وأنك كاره له، فقال: وماذا أقول، فو الله ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني، ولا برجزه ولا بقصيده مني، ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً، والله إن لقوله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مشرق أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى عليه، وإنه ليحطم ما تحته. فقال أبو جهل –عدو الله- لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه. قال: فدعني حتى أفكر. فلما فكر قال: هذا سحر يؤثر. فأنزل الله تعالى فيه الآيات من سورة المدثر: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً وَبَنِينَ شُهُوداً وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآياتنَا عَنِيداً سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ) [المدثر:1-26].

أيها المسلمون.. إن القرآن العظيم كما كان سبباً في إسلام كثير من المشركين، كان سبباً كذلك في رقة قلوب المؤمنين وخشوعها، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قدر غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يأمر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن يقرأ عليه القرآن، فقال: يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل، قال: نعم، يقول عبد الله فقرأت سورة النساء حتى أتيت على هذه الآية:(فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً) [النساء:41] فقال: حسبك، فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان.
وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلون كتاب الله ويتأثرون به فتلين جلودهم، وتدمع عيونهم، وتخشع قلوبهم، فيرفعون أكفهم إلى ربهم ضارعين يسألونه قبول الأعمال، ويرجونه غفران الزلات.

روي أن أبا بكر رضي الله عنه كان ابتنى مسجداً بفناء داره فكان يصلي فيه، ويقرأ القرآن فيجتمع عليه نساء المشركين وأبناؤهم، وهم يعجبون منه وينظرون إليه، وكان رجلاً بكاء لا يملك دموعه إذا قرأ القرآن".
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يصلي بالناس فبكى في قراءته حتى انقطعت قراءته، وسمع نحيبه من وراء ثلاثة صفوف.

يا أهل القرآن.. إن الأمة تحتاج إلى أن تراجع مواقفها من كتاب ربها؛ إذ في المسلمين من يقرأ آيات الله ويعلم أحكامه ولكنه معرض عنها يسمع قول الله تعالى:(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) [البقرة:43]، فينام عن الصلاة، ويتخلف عن الجماعة، ويبخل بالزكاة، وكأن المعني بالآية غيره.
ويقرأ قول الله تعالى للمؤمنين جميعاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) [البقرة:  278-279]، فيخوض في أكل الربا وكأن الله تعالى قد استثناه من الآية.

وفي المسلمين من يقرأ القرآن كقراءة الأميين الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني، فهم يقرأون الكتاب ولكنها قراءة دون تدبر وتفهم، ودون تعقل وتمعن.

وكل هذا داخل في قول الله تعالى:(وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) [الفرقان:30].

قال ابن القيم رحمه تعالى: "هجر القرآن أنواع:
أحدها: هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه.
والثاني: هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه وإن قرأه وآمن به.
والثالث: هجر تحكيمه والتحاكم إليه.
والرابع: هجر تدبره وتفهمه.
والخامس: هجر الاستشفاء والتداوي به.
وإن كان بعض الهجر أهون من بعض: اهـ.

فكونوا عباد الله ممن عرف لكتاب الله قدره، واحرصوا على تلاوته آناء الليل وأطراف النهار بتدبر وتفهم؛ لتنالوا رضي الله جل وعلا ولتسعدوا برحمته وجنته.
يقول الله تعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد:16].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.