الحميد
(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...
العربية
المؤلف | عادل العضيب |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - أركان الإيمان |
إذا توالت عليه الأزمات، وحلت به النكبات، وأحاطت به الهموم والغموم، فلم يعرف إلا الله ولم يتعلق إلا بالله، ولم ينزل همَّه إلا بالله، إذا كاده الكائدُ وحسده الحاسدُ أو اعتدى عليه المعتدِي، إذا تسلطت عليه الهموم، إذا ركبته الديون، إذا سكن المرض جسده، إذا تعب من انحراف ولده؛ انطلق إلى مصلاه وبثَّ شكواه إلى الذي يعلم سرَّه ونجواه بقلب خلا من كل شيء إلا من الله، وخاب ظنه في كل أحد إلا في الله، وأيس من كل فرج إلا من فرج يأتي به الله...
الخطبة الأولى:
الحمد لله علام الغيوب وغفار الذنوب، وستار العيوب وكشاف الكروب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً أدخرها ليوم تبلغ فيه القلوب الحناجر، وتمتلئ بالدمع المحاجر، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي دعا إلى الله وتحمل أعظم المخاطر.
صلى الله على الحبيب المصطفى | ما شع نور الشمس في الأكوان |
يا رب أكرمنا برؤية وجهه | في جنة الفردوس خير مكان |
اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا عباد الله أيها المسلمون: نعيش في حياة ملؤها الألم، آلام وأحزان وهموم وغموم، لا يسلم منها إنسان، هكذا قضى الله وقدر؛ أن نكابد مشاق هذه الحياة. قال ربنا –جل وعلا-: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ) [البلد: 4].
أقدار تجري علينا ربما أحرقت القلب ومزَّقت نياطه، لكن سلوةً تسلو بها القلوب وتهدأ به النفوس لا تفارق القلوب المؤمنة لتخرج من مصائبها وأزماتها وابتلاءاتها راضيةً مطمئنةً.
إن سلوة الأحزان وزاد أهل الإيمان أمام مشاقّ هذه الحياة التعلق بالله، إن القلوب المؤمنة جعلت التعلق بالله زادًا لها في هذه الحياة.
قلوب براها الحب حتى تعلقت | مذاهبها من كل غرب وشارق |
تهيم بحب الله والله ربها | معلقة بالله دون الخلائق |
قلوب لا تعرف إلا الله، إن خافت اتجهت إلى الله فأمَّن خوفَها، وإن ضلَّت سألتِ الله فهداها صراطه المستقيم، وإن تألمت اشتكت إلى الله فسمع شكواها وكشف بلواها، قلوب تعلم أن الله هو النافع الضار فلم تتجه لأحد سواه.
(وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [يونس: 107].
قلوب تعلم أن الناس لا يعطون ولا يمنعون، بل الله يعطي من يشاء ويمنع من يشاء.
قال –عليه الصلاة والسلام- لابن عباس –رضي الله عنهما-: "واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام وجفت الصحف" (رواه الترمذي وهو حديث صحيح).
والنبي –صلى الله عليه وسلم- كان يقول دبر كل صلاة: "اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد" (رواه البخاري ومسلم عن المغيرة بن شعبة).
قلوب لا تحمل همَّ الرزق؛ لأنها تعلم أن الله هو الرزاق؛ لأنها أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين.
قال ربنا –جل وعلا-: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا) [هود: 6].
عباد الله: إن التعلق بالله ليس كلامًا يقال ولا مكتوبًا يُكتب، إنه واقعٌ يعيشه المؤمن، يبين ويظهر إذا توالت عليه الأزمات، وحلت به النكبات، وأحاطت به الهموم والغموم، فلم يعرف إلا الله ولم يتعلق إلا بالله، ولم ينزل همَّه إلا بالله، إذا كاده الكائدُ وحسده الحاسدُ أو اعتدى عليه المعتدِي، إذا تسلطت عليه الهموم، إذا ركبته الديون، إذا سكن المرض جسده، إذا تعب من انحراف ولده؛ انطلق إلى مصلاه وبثَّ شكواه إلى الذي يعلم سرَّه ونجواه بقلب خلا من كل شيء إلا من الله، وخاب ظنه في كل أحد إلا في الله، وأيس من كل فرج إلا من فرج يأتي به الله، لسان حاله:
لبستُ ثوب الرجا والناس قد رقدوا | وقمت أشكو إلى مولاي ما أجد |
يا عُدّتي في كل نائبة | ومَن عليه لكشف الضر أعتمد |
أشكو إليك أمورًا أنت تعلمها | ما لي على حملها صبر ولا جلد |
وقد مددت يدي بالضر مبتهلًا | إليك يا خيرُ من مدت إليه يد |
فلا تردها يا رب خائبةً | فبحر جودك يروي كل من يرد |
فإذا بالفرج يطرق بابه ويسكن رعبه يطفئ نار قلبه، فما وثق عبد بالله إلا كان الله له.
وأنت عبد الله، إذا أردت أن تعرف هل أنت متعلق بالله، فتأمل في حالك، إذا نزلت بك المصائب هل تفزع إلى الله أم إلى عباد الله، هل تشتكي للخالق أم للمخلوق، عندها ستدرك حقيقة تعلقك بالله.
هذا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لما هاجر إلى المدينة وتبعه كفار قريش يبحثون عنه، فاختبأ ومعه الصديق –رضي الله عنه وأرضاه- في الغار، ولما وصل المشركون إلى الغار وأحاطوا به؛ قال الصديق –رضي الله عنه-: "يا رسول الله! لو نظر أحدهم إلى أخمص قدمه لرآنا". فقال – عليه الصلاة والسلام- مقولة من تعلق بالله وحده: " يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما، لا تحزن إن الله معنا".
قال ربنا –جل وعلا-: (ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 40].
وهذا خالد بن الوليد في إحدى المعارك وقد التحمت الصفوف ومُزقت الأجساد وطارت الرؤوس، واشتدت وطأة الكفار على المسلمين؛ فيقول من بجانب خالد: يا خالد، يا خالد، إلى أن الملتجى، أإلى سلمى أو إلى أجا؟! فيرد خالد رد المتعلق بالله: "لا إلى سلمى ولا إلى أجا، بل إلى الله الملتجى".
وهذا أصبغ بن زيد يقول: مكثتُ ومن عندي ثلاثًا لم نطعم شيئًا، فخرجت إلي ابنتي الصغيرة وقالت: يا أبتِ، الجوع، قال: فأتيت الميضأة فتوضأت وصليت ركعتين، وألهمت دعاءً دعوت به؛ قلت فيه: اللهم افتح عليَّ منك رزقًا، لا تجعل لأحد عليَّ فيه منةً ولا لك عليَّ في الآخرة فيه تبعةً؛ برحمتك يا أرحم الراحمين". ثم انصرفت إلى البيت فإذا بابنتي الكبيرة قد قامت إليَّ وقالت: يا أبه، جاء رجل يقول إنه عمي بهذه الصرة من الدراهم وبحمال عليه دقيق وحمال عليه من كل شيء في السوق، وقال: أقرئوا أخي السلام وقولوا له: إذا احتجت إلى شيء فادع الله بهذا الدعاء. قال أصبغ: "والله ما كان لي أخ قط، ولا أعلم من كان هذا القائل، ولكنَّ الله على كل شيء قدير".
وهذا شقيق البلخي يقول: "كنت في بيتي قاعدًا فقال لي أهلي: قد ترى ما بهؤلاء الأطفال من الجوع، قال: فتوضأت، وكان لي صديق لا يزال يقسم عليَّ بالله إن يكن بي حاجة أعلمه بها، فخطر ذكره ببالي، فلما خرجت من المنزل مررت بالمسجد فذكرت ما روي عن أبي جعفر أنه قال: من عرضت له حاجة إلى مخلوق فليبدأ فيها بالله –عز وجل- قال: فدخلت المسجد وصليت ركعتين، فلما كنت بالتشهد أفرغ عليَّ النوم، فرأيت في منامي أنه قيل: يا شقيق، أتدل العباد على الله ثم تنساه؟! فاستيقظت، وعلمت أن ذلك تنبيهٌ نبهني به ربي، فلم أخرج من المسجد حتى صليت العشاء وتركت الذهاب لصاحبي وتوكلت على الله، فلما انصرفت إلى المنزل وجدت الرجل الذي أردت قصده قد حركه الله، وأجرى لأهلي على يديه ما أغناهم.
عباد الله، علقوا قلوبكم بالله ولا تتعلقوا بأحدٍ سواه؛ فالتعلق بالله هو الأمن الذي لا يصحبه خوف والطمأنينة التي لا يشوبها قلق، والراحة التي لا نهاية لها.
اللهم علق قلوبنا بك ولا تعلقها بأحد سواك، اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على من بعثه ربه هاديًا ومبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فيا معاشر المسلمين، هل سمعتم بعبدٍ تعلق بالله فخاب مسعاه، حاشا لكرمه وجوده، ما تعلق عبد بالله وصدق في تعلقه إلا تحقق مناه وأعطاه الله فوق ما تمناه، ذلك أن الله يقول: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق: 3].
وما تعلق عبد بغير الله إلا تخلى الله عنه ووكله إلى من تعلق به، فلا تتعلقوا بالعباد ولكن تعلقوا برب العباد.
قال بعض السلف: قرأت في بعض الكتب المنزلة أن الله يقول: "يؤمَّل غيري للشدائد والشدائد بيدي، وأنا الحي القيوم، ويُرجَى غيري ويُطرق بابه، وبيدي مفاتيح الخزائن، وبابي مفتوح لمن دعاني، من ذا الذي أمَّلني لنائبةٍ فقطعت به، أو من ذا الذي رجاني لعظيم فقطعت رجاءه، ومن ذا الذي طرق بابي فلم أفتحه له، أنا غاية الآمال، فكيف تنقطع الآمال دوني؟! أبخيل أنا فيُبَخِّلِنُي عبدي؟! أليست الدنيا والآخرة والكرم والفضل لي؟! فما يمنع المؤملين أن يؤملوني، ولو جمعت أهل السموات والأرض ثم أعطيت كل واحد منهم ما أعطيت الجميع وبلغت كل واحد أمله لم ينقص ذلك من ملكي، وكيف ينقص ملك أنا قيمه؟! فيا بؤسًا للقانطين من رحمتي، ويا بؤسًا لمن عصاني ووثب على محارمي".
فيا أهل الشدائد ويا أهل الحاجات، قفوا ببابه وإن عظم المصاب، قفوا ببابه وإن عظم المصاب؛ فلا عظيم أمام قدرته، ولا كثير أمام كرمه، إذا أراد شيئًا قال له: كن، فيكون.
اللهم إنا نسألك إيمانًا يباشر قلوبنا ويقينًا صادقًا حتى نعلم أنه لا يصيبنا إلا ما كتبت لنا، نسألك الرضا بعد القضاء ونسألك برد العيش بعد الموت، ونسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك، ونسألك لسانًا صادقًا وقلبًا سليمًا.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وانصر عبادك المجاهدين، واجعل هذا البلد آمنًا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم آمنا في دورنا وأصلح ولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم وأزل عنهم شرارهم، اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم وأزل عنهم شرارهم، اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم وأزل عنهم شرارهم.
اللهم انصر جنودنا في الحد الجنوبي، اللهم انصرهم وأيدهم وأعنهم، وأعدهم غانمين سالمين منصورين.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم إنا نسألك علمًا نافعًا ورزقًا واسعًا وقلبًا سليمًا وشفاءً من كل داء.
اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وارحمهم كما ربونا صغارًا، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.