الصمد
كلمة (الصمد) في اللغة صفة من الفعل (صَمَدَ يصمُدُ) والمصدر منها:...
العربية
المؤلف | صالح بن فوزان الفوزان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
الإحسان على ثلاثة أنواع: إحسان العمل، وهو إتقانه وإتمامه. وإحسان إلى الغير وهو بمعنى الإنعام عليه. والإحسان فيما بين العبد وبين ربه، وهو أعلى مراتب الدين.
الحمد لله رب العالمين، أمر بالإحسان، وأخبر أنه يحب المحسنين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى واعلموا أن الله أمر بالإحسان في آيات كثيرة وأخبر أنه يحب المحسنين، وأنه مع المحسنين وأنه يجزي المحسن بالإحسان، وأنه يجزي المحسنين بالحسنى وزيادة، وأنه لا يضيع أجر المحسنين، ولا يضيع أجر من أحسن عملاً. وورد ذكر الإحسان في مواضع كثيرة من القرآن الكريم تارة مقروناً بالإيمان، وتارة مقروناً بالتقوى أو بالعمل الصالح، كل ذلك مما يدل على فضل الإحسان وعظيم ثوابه عند الله تعالى.
والإحسان على ثلاثة أنواع: إحسان العمل، وهو إتقانه وإتمامه. وإحسان إلى الغير وهو بمعنى الإنعام عليه.
والإحسان فيما بين العبد وبين ربه، وهو أعلى مراتب الدين. وقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم بأن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك –ومعنى ذلك أن العبد يعبد الله تعالى على استحضار قربه منه، وأنه بين يديه كأنه يراه وذلك يوجب الخشية والخوف والتعظيم، ويوجب النصح في العبادة وتحسينها وإتمامها.
وقد أمر الله بالإحسان إلى الخلق تارة أمر وجب كالإحسان إلى الوالدين والأقارب بمقدار ما يحصل البر والصلة، والإحسان إلى الجار والإحسان إلى الضيف والإحسان إلى ملك اليمين، قال تعالى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) [النساء: 36]. وتارة يأمر الله بالإحسان إلى الخلق أمر استحباب وندب كالإحسان بصدقة التطوع.
وقد أمر الله بالإحسان إلى الناس حتى بالكلام فقال تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) [البقرة: 83]. أي: قولوا لهم قولاً حسناً، وأمر سبحانه من عليه حق لأحد أن يؤديه بإحسان من غير مماطلة ولا تنكيد- قال تعالى:(َاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) [البقرة: 178] بل من الإحسان في ذلك الزيادة على الحق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "خيركم أحسنكم قضاء" وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى القتيل حال قتله وإلى الذبيحة حال ذبحها، فقال: "إن الله كتب الإحسان إلى القتيل حال قتله وإلى الذبيحة حال ذبحها، فقال: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليُحِدّ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته" رواه مسلم.
والإحسان في قتل من يجوز قتله من الناس وفي ذبح ما يجوز ذبحه من البهائم: إزهاق نفسه على أسرع الوجوه وأسهلها من غير زيادة في التعذيب، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن المثلة.
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن صبر البهائم، وهو أن تحبس البهيمة ثم تضرب بالنبل ونحوه حتى تموت، ففي الصحيحين عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تصبر البهائم.
وفيها أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أنه مر بقوم نصبوا دجاجة يرمونها، فقال ابن عمر: ممن فعل هذا؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من فعل هذا" كما أن امرأة دخلت النار في هرة حبستها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على الإحسان إلى البهائم حتى ولو لم تكن في ملك الإنسان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "دنا رجل إلى بئر فنزل منها وعلى البئر كلب يلهث فرحمه فنزع أحد خفيه فسقاه فشكر الله له فأدخله الجنة" رواه ابن حبان في صحيحه.
ووجوه الإحسان كثيرة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبع تجري للعبد بعد موته وهو في قبره: من علم علماً، أو كرى نهراً –يعني:حفره- أو حفر بئراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورث مصحفاً أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته".
أيها المسلمون: إن ديننا دين الرحمة والإحسان- عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحمو من في الأرض يرحمكم من في السماء" رواه أبو داود- والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وقال الله تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) [يونس: 26] وقد ثبت في صحيح مسلم تفسير الزيادة بالنظر إلى وجه الله تعالى في الجنة.
وهذا مناسب لجعله جزاء أهل الإحسان، لأن الإحسان هو أن يعبد المؤمن ربه في الدنيا كأنه يراه وينظر إليه في حال عبادته، فكان جزاء ذلك النظر إلى وجه الله عياناً في الآخرة-وهذا بعكس حال الكفار كما قال تعالى:(كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) [المطففين: 15] جزاء لحالهم في الدنيا، فكان جزاؤهم على ذلك أن حجبوا عن رؤيته في الآخرة- فاتقوا الله عباد الله وأحسنوا في عبادتكم وأعمالكم وفي معاملاتكم إلى إخوانكم وإلى البهائم يحسن الله إليكم فإن الله تعالى يقول: (هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ) [الرحمن: 60] ويقول: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [يونس: 26].