البحث

عبارات مقترحة:

الأعلى

كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...

العلي

كلمة العليّ في اللغة هي صفة مشبهة من العلوّ، والصفة المشبهة تدل...

الطيب

كلمة الطيب في اللغة صيغة مبالغة من الطيب الذي هو عكس الخبث، واسم...

الوقت أنفاس لا تعود

العربية

المؤلف عبد الملك القاسم
القسم كتب وأبحاث
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الإدارة
الوقت أنفاس لا تعود: قال المصنف - حفظه الله -: «فإن رأس مال المسلم في هذه الدنيا وقت قصير.. أنفاسٌ محدودة وأيام معدودة.. فمن استثمر تلك اللحظات والساعات في الخير فطوبى له, ومن أضاعها وفرط فيها فقد خسر زمنًا لا يعود إليه أبدًا. وفي هذا العصر الذي تفشى فيه العجز وظهر فيه الميل إلى الدعة والراحة.. جدبٌ في الطاعة وقحطٌ في العبادة وإضاعة للأوقات فيما لا فائدة.. أُقدم هذا الكتاب.. ففيه ملامح عن الوقت وأهميته وكيفية المحافظة عليه وذكر بعض من أهمتهم أعمارهم فأحيوها بالطاعة وعمروها بالعبادة».

التفاصيل

الوقت أنفاس لا تعود المقدمة خصائص الوقت  الوقت أنفاس لا تعودد. عبد الملك القاسم المقدمةالحمد لله القائل: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ﴾ والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد: فإن رأس مال المسلم في هذه الدنيا وقت قصير.. أنفاسٌ محدودة وأيام معدودة.. فمن استثمر تلك اللحظات والساعات في الخير فطوبى له, ومن أضاعها وفرط فيها فقد خسر زمناً لا يعود إليه أبدا.وفي هذا العصر الذي تفشى فيه العجز وظهر فيه الميل إلى الدعة والراحة.. جدبٌ في الطاعة وقحطٌ في العبادة وإضاعة للأوقات فيما لا فائدة..أُقدم هذا الكتاب.. ففيه ملامح عن الوقت وأهميته وكيفية المحافظة عليه وذكر بعض من أهمتهم أعمارهم فأحيوها بالطاعة وعمروها بالعبادة.وفقنا الله إلى استثمار أوقاتنا وجعل ما في الكتاب إحياءً للقلوب وتذكيرًا بعدم التفريط واستدراكًا لما بقي من الأيام وصلى الله على نبينا محمد. عبد الملك بن محمد بن عبدالرحمن القاسمبسم الله الرحمن الرحيمقال تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾أقسم تعالى بالعصر وهو الدهر الذي هو زمن تحصيل الأرباح والأعمال الصالحة للمؤمنين وزمن الشقاء للمعرضين, ولما فيه من العبر والعجائب للناظرين([1]).وقد عرض القرآن الكريم والسنة المطهر للزمن, قيمةً وأهميةً وأوجه انتفاع وأثراً, وأنه من عظيم نعم الله التي أنعم بها سبحانه...يقول الله تعالى في بيان هذه النعمة العظيمة التي هي من أصول النَّعم: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾[النحل: 12].ويقول جل وعلا: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾ [الفرقان: 62].ولبيان أهمية الزمن وأثره, نجد أن المولى سبحانه يُقسم بأجزاء منه في مطالع سورٍ عديدة: فيقسم بالفجر: ﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ [الفجر1-2].ويقسم بالليل والنهار ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾ [الليل 1-2].ويقسم بالضحى ﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى﴾ [الضحى 1-2].وقَسمُه سبحانه بأجزاء الزمن تلك كان لفتاً للأنظار نحوها, لعظيم دلالتها عليه, ولجليل ما اشتملت عليه من منافع وآثار([2]).فلا شيء أنفس من العمر, وفي تخصيص القسم به إشارة إلى أن الإنسان يضيف المكاره والنوائب إليه, ويحيل شقاءه وخسرانه عليه, فإقسام الله تعالى له دليل على شرفه, وأن الشقاء والخسران إنما لزم الإنسان لعيب فيه لا في الدهر, ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: " لا تسبوا الدهر, فإن الله هو الدهر"([3])0وعمر الإنسان القصير والذي لا يتجاوز عشرات معدودة من السنين سيُسأل عن كل لحظة فيه وعن كل وقت مر عليه وعن كل عمل قام به. قال - صلى الله عليه وسلم - "لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع خصال: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل فيه؟". لن تزول قدما العبد في هذا الموقف العظيم حتى يحاسب عن مدة أجله فيما صرفه.. وعما فعل بزمانه ووقت شبابه بخاصة فإنه أكثر العطاء وأمضاه, وهو تخصيص بعد تعميم, لأن تمكن الإنسان من الزمن في وقت الشباب أعظم وآكد وأثمر من طرفي العمر حيث ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة..([4])عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ"قال ابن الخازن: النعمة ما يتنعم به الإنسان ويستلذه, والغبنُ أن يشتري بأضعاف الثمن, أو يبيع بدون ثمن المثل.فمن صح بدنه, وتفرغ من الأشغال العائقة, ولم يسع لصلاح آخرته, فهو كالمغبون في البيع, والمراد بيان أن غالب الناس لا ينتفعون بالصحة والفراغ بل يصرفونهما في غير محالهما, فيصير كل واحد منهما في حقهم وبالاً, ولو أنهم صرفوا كل واحد منهما في محله لكان خيراً لهم, أي خير([5]).وأكد على ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله " اغتنم خمساً قبل خمس, شبابك قبل هرمك, وصحتك قبل سقمك, وغناك قبل فقرك, وفراغك قبل شُغلك, وحياتك قبل موتك([6])"عمر الإنسان هو موسم الزرع في هذه الدنيا وحصاد ما زرع يكون في الآخرة.. فلا يحسن بالمسلم أن يضيع أوقاته وينفق رأس ماله فيما لا فائدة فيه. ومن جَهِل قيمة الوقت الآن فسيأتي عليه حين يعرف فيه قدره ونفاسته وقيمة العمل فيه, ولكن بعد فوات الأوان, وفي هذا يذكر القرآن موقفين للإنسان يندم فيهما على ضياع وقته حيث لا ينفع الندم.الموقف الأول: ساعة الاحتضار, حيث يستدبر الإِنسان الدنيا ويستقبل الآخرة, ويتمنى لو منح مهلة من الزمن, وأُخر إلى أجل قريب ليصلح ما أفسده ويتدارك ما فات.الموقف الثاني: في الآخرة حيث توفى كل نفس ما عملت وتُجزى بما كسبت ويدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، هناك يتمنى أهل النار لو يعودون مرة أخرى إلى حياة التكليف , ليبدءوا من جديد عملاً صالحاً..هيهات هيهات لما يطلبون فقد انتهى زمن العمل وجاء زمن الجزاء.ونلحظ في زماننا هذا الجهل بقيمة الوقت والتفريط فيه..هذا الزمن زمن العجز.. زمن الدعة والراحة والكسل، ماتت الهمم وخارت العزائمتمر الساعات والأيام ولا يحُسب لها حساب بل إن هناك من ينادي صاحبهتعال.. لنقضي وقت الفراغ..!!أخي.. هل لدى المؤمن وقت فراغ؟اسمع قول الله تعالى ﴿فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾إذا فرغت من شغلك مع الناس ومع الأرض ومع شواغل الحياة..إذا فرغت من هذا كله فتوجه بقلبك كله إذن إلى من يستحق أن تنصب فيه وتكد وتجهد العبادة والتجرد والتطلع والتوجه([7])هذا مع أن المسلم باحتسابه وإخلاصه في أعمال الدنيا في عبادة, وهو في جهاد في حياته..ولقد أجمل جلّ وعلا ذلك كله في آيات محكمات.﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ﴾وقال جل وعلا في آية أخرى.﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ﴾.أخي الحبيب..لنعد قليلاً.. في سطور مضيئة وكلمات صادقة إلى حال من سبقنا لنرى كيف نظروا إلى هذه الأوقات.. وماذا عملوا فيها.. وكيف استفادوا منها..قال عبدالله بن مسعود: - ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي.تسافر بالراكب الأيام وتسير به الليالي.. في وضح النهار وفي غسق الدُجى.. آناء الليل وأطراف النهار.. رحلة متواصلة.. وسيرٌ حثيث.. حتى تحط به الركاب.فالناس منذ خلقوا لم يزالوا مسافرين, وليس لهم حَطٌّ عن رحالهم إلا في جنة أو نار, والعاقل يعلم أن السفر مبني على المشقة وركوب الأخطار, ومن المحال عادة أن يُطلَب فيه نعيم ولذة وراحة. إنما ذلك بعد انتهاء السفر, ومن المعلوم أن كل وطأة قدم أو كلّ آن من آنات السفر غير واقفة, ولا المكَّلف واقف , وقد ثبت أنه مسافر على الحال التي يجب أن يكون المسافر عليها من تهيئة الزاد الموصل, وإذا نزل أو نام أو استراح فعلى قدم الاستعداد للسير([8])إن الليالي للأنام مناهل تطوى وتنشر دونها الأعمار فقصارهن مع الهموم طويلة وطوالهن مع السرور قصار ([9])أن الساعات ثلاث: ساعة مضت لا تعب فيها على العبد كيفما انقضت في مشقة أو رفاهية, وساعة مستقبلة لم تأت بعد لا يدري العبد أيعيش إليها أم لا؟ ولا يدري ما يقضي الله فيها, وساعة راهنة ينبغي أن يجاهد فيها نفسه ويراقب فيها ربه, فإن لم تأته الساعة الثانية لم يتحسر على فوات هذه الساعة, وإن أتته الساعة الثانية استوفى حقه منها كما استوفى من الأولى. ويطول أمله خمسين سنة فيطول عليه العزم على المراقبة فيها, بل يكون ابن وقته كأنه في آخر أنفاسه فلعله آخر أنفاسه وهو لا يدري، وإذا أمكن أن يكون آخر أنفاسه فينبغي أن يكون على وجه لا يكره أن يدركه الموت وهو على تلك الحالة. وتكون جميع أحواله مقصورة على ما رواه أبو ذر t من قوله عليه السلام "لا يكون المؤمن ظاعنا إلا في ثلاث: تزود لمعاد أو مرمة لمعاش أو لذة في غير محرم" ([10])أخي الحبيب...إن الصحة والفراغ والمال هي الأبواب الذي تلج منها الشهوات المستحكمة، ويتربع في فنائها الهوى الجامح فيأتي على صاحبه، وقد صدق من قال: من الفراغ تكون الصبوة.وقد تميز المؤمن عن ذلك كله فهو كما قال قتادة بن خليد... المؤمن لا تلقاه إلا في ثلاث خلال.. مسجد يعمره، أو بيت يستره، أو حاجة من أمر دنياه لا بأس بها ([11])فإن العاقل الموفق من أدرك حقيقة ذلك، فاغتنم عمره في علم نافع يحفظه ويحفظ الأمة من نفسها ومن عدوها، ويجعلها أمة يدها هي العليا وليست هي السفلى، في جهاد مبارك.. قلماً ولساناً وسناناً، في أمر بمعروف ونهي عن منكر، في تربية لعقول وأفئدة وأحاسيس تنفع الناس وتمكث في الأرض لتؤتى أكُلها كل حين بإذن ربها.إن أمضى يومه في غير حق قضاه، أو فرض أدّاه، أو مجد أثله، أو حمد حصَّله، أو خير أسسه، أو علم اقتبسه فقد عق يومه وظلم نفسه وظلمه.هذا يتحسسه أشد ما يكون عند ساعة احتضاره، عندما يراه قد أودى به إلى الخسران المبين، فيتمنى على الله أن يؤخره حتى يُصلح ما أفسده، ويتدارك ما فات، وأنى له أن يُمْهلَ وقد تحتم الأجل ونزل الموت في ساحته.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾([12])ولهذا حرص الموفقون على الاستفادة من كل دقيقه وثانية بالعمل الصالح وعدوا ذلك مغنما.. وعلموا أن ضياعها بدون فائدة مغرما.قال عمر بن ذر.. قرأت كتاب سعيد بن جبير.. إن كل يوم يعيشه المؤمن غنيمة ([13])وهذا المغنم إنما هو حصيلة أعمال صالحة قُدمت.. صلاةٌ وصيام وتسبيح وغيرها.فالأوقات والأزمنة عمرٌ قصير وأجل محدود كما قال عنها طيفور البطامي.. إن الليل والنهار رأس مال المؤمن، ربحها الجنة، وخسرانها النار([14])فإن السنة شجرة، والشهور فروعها، والأيام أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمارها. فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرته شجرة طيبة، ومن كانت أنفاسه في معصية فثمرته حنظل([15]) ومن جهلنا بقيمة الوقت.. نفرح بمغيب شمس كل يوم ونحن لا ندرك أن هذا نهاية يومٍ من أعمارنا لن يعود أبداً.. صحائف طويت وأعمالٌ أحصيت وأنفاسٌ توقفت.إنا لنفـرح بالأيـام نقطعـها وكل يوم مضى يُدني من الأجل([16]) قال الحسن.. من علامة إعراض الله عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه خذلاناً من الله عز وجل([17])فإنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة حتى ينتهي ذلك بهم إلى آخر سفرهم، فإن استطعت أن تُقدّم في كل مرحلة زاداً لما بين يديها فافعل، فإن انقطاع السفر عن قريب ما هو والأمر أعجل من ذلك، فتزود لسفرك واقض ما أنت قاض من أمرك، فكأنك بالأمر قد بغتك([18])إنما الدنيا إلى الجنة والنار طريق والليالى متجر الإنسان والأيام سوق([19]) أخي الحبيب...كان شميط بن عجلان يقول.. الناس رجلان، فمتزود من الدنيا ومتنعم فيها، فانظر أي الرجلين أنت؟إني أراك تحب طول البقاء في الدنيا فلأي شيء تحبه؟ إن تطع الله عز وجل وتحسن عبادته وتتقرب إليه بالأعمال الصالحة..؟ فطوبى لك.أم لتأكل وتشرب وتلهو وتلعب وتجمع الدنيا وتثمرها وتنعم زوجتك وولدك..؟ فلبئس ما أردت له البقاء([20])فالواجب على المؤمن المبادرة بالأعمال الصالحة قبل أن لا يقدر عليها ويحال بينه وبينها، إما بمرض أو موت أو غير ذلك من العلل والآفات.قال أبو حازم: إن بضاعة الآخرة كاسدة يوشك أن تنفق فلا يوصل منها إلى قليل ولا كثير، ومتى حيل بين الإنسان والعمل ولم يبق له إلا الحسرة والأسف عليه ويتمنى الرجوع إلى حال يتمكن فيها من العمل فلا تنفعه الأمنية([21])ولنر الإمام الشافعي كيف استفاد من وقته فقد جزأ-رحمه الله- الليل إلى ثلاثة أجزاء: الثلث الأول يكتب والثلث الثاني يصلي والثلث الثالث ينام([22])وكان الحسن يقول: ما مر يوم على ابن آدم إلا قال له: ابن آدم، إني يوم جديد، وعلى ما تعمل فيَّ شهيد، وإذا ذهبت عنك لم أرجع إليك، فقدم ما شئت تجده بين يديك، وأخر ما شئت فلن يعود أبداً إليك([23]) تؤمل في الدنيا طويلاً ولا تدري إذا جن ليل هل تعيشُ إلى الفجر فكم من صحيحٍ مات من غير علةٍ وكم من مريض عاش دهرًا إلى دهر([24]) كثير باتوا ولم يروا ضوء الفجر التالي وكثير أشرقت عليهم الشمس ولم يدركوا مغيبها.. وهل الإنسان إلا هكذا ميت بليل أو نهار، ينتظر الموت من أين يُقبل!!إن توقفت أنفاسه نهاراً لم ير الليل وإن سكنت أطرافه بالليل أصبح محمولاً إلى القبر..ألا إنها أوقاتٌ محسوبة ولحظاتٌ مقسومة وأنفاس معدودة.. تمر مر السحاب، طوبى لمن عمل بها واستزاد من الخير وقدم ليوم المعاد.* كان أبو مسلم الخولاني يقول.. لو رأيت الجنة عياناً ما كان عندي مستزاد، ولو رأيت النار عياناً ما كان عندي مستزاد([25])وهذه المحافظة على الأوقات من علامات النفوس الكبيرة والهمم القوية..قال أبو النصر أباذي.. مراعاة الأوقات من علامات التيقظ([26])ومن أضاع أوقاته فيما لا فائدة منه فيرسم لنا حاله مورق العجلي بقوله.. يا ابن آدم تودى كل يوم برزقك وأنت تحزن، وينقص عمرك وأنت لا تحزن، تطلب ما يطغيك، وعندك ما يكفيكوللمرء يوم ينقضي فيه عمره وموت وقبر ضيق يُولجُ([27])  قال الحسن.. لم يزل الليل والنهار سريعين في نقص الأعمار وتقريب الآجال, هيهات قد صحبا نوحاً وعاداً وثموداً وقرونًا بين ذلك كثيراً, فأصبحوا قد أقدموا على ربهم ووردوا على أعمالهم , وأصبح الليل والنهار غضين جديدين لم يبلهما ما مرّا به, مستعدين لمن بقي بمثل ما أصاب به من مضى..([28])نهارٌ طويل ماذا كان يعمل فيه؟ وماذا يستفاد منه؟ قال حماد بن سلمة: ما أتينا سليمان التيمي في ساعة يطاع الله عز وجل فيها إلا وجدناه مطيعاً.. إن كان في ساعة صلاة وجدناه مصلياً, وإن لم تكن ساعة صلاة وجدناه إما متوضأ أو عائداً مريضًا, أو مشيعاً لجنازة, أو قاعداً في المسجد, قال: فكنا نرى أنه لا يحسن أن يعصي الله عز وجل([29]) أخي الحبيب: ينبغي للمؤمن أن يتخذ من مرور الليالي والأيام عبرة لنفسه, فإن الليل والنهار يبليان كل جديد, ويقربان كل بعيد, ويطويان الأعمار, ويشيبان الصغار, ويفنيان الكبار كما قال الشاعر: أشاب الصغير وأفنى الكبير كرُّ الغداة ومرُّ العشي إذا ليلة أهرمت يوَمَها  أتى بعد ذلك يومٌ فتي إن مضي الزمن واختلاف الليل والنهار لا يجوز أن يمر بالمؤمن وهو في ذهول عن الاعتبار به, والتفكير فيه, ففي كل يوم يمر, بل في كل ساعة تمضي, بل في كل لحظة تنقضي, تقع في الكون والحياة أحداث شتى, منها ما يُرى وما لا يُرى, ومنها ما يُعلم ومنها ما لا يُعلم..من أرض تحيا, وحبة تنبُت, ونبات يُزهر, وزهر يثُمر, وثمر يقطف وزرع يصبح هشيماً تذروه الرياح, أو من جنين يتكون, وطفل يولد, ووليد يشب, وشاب يتكهل, وكهل يشيخ, وشيخ يموت..([30])إذا كنت في الأمس اقترفت إساءة فثنَّ بإحسانٍ وأنت حميد ولا ترج فعل الخير يوماً إلى غدٍ لعل غداً يأتي وأنت فقيد ويومك إن عاتبته عاد نفعاً   إليك وما ضُحى الأمس ليس يعود([31]) دخل رجلٌ على داود الطائي يوماً فقال: إن في سقف بيتك جذعاً مكسوراً..فقال: يا ابن أخي.. إن لي في البيت منذ عشرين سنة ما نظرت إلى السقف([32])رحمه الله.. ماذا عن واقع حياة عامة الناس اليوم.. حديث بدون فائدة وأسئلة بلا نهاية.. متى كُسر هذا..؟ ومتى فُتح هذا..؟ ومتى أخذ هذا..؟ ثم تفصيل طويل لا يُفيد مستمع ولا ينفع متحدث.. وبالإمكان الغُنية عن هذا كله لو تحررنا في أحاديثنا وأمسكنا بزمام ألسنتنا.. مجالس طويلة تمتد الساعات الطوال بدون فائدة..أعد أخي إن استطعت خمس ساعات من عمرك لتسبح تسبيحة واحدة!؟أرأيت الغبن وضياع رأس المال دون فائدة؟!. أما إذا امتد الحديث لغيبة ونميمة فتلك شر المجالس وبئس الأُنس.. في مقابل ما يضيع من أعمارنا دون فائدة لنرى كيف كانوا يستثمرون اللحظات ويستفيدون منها.. إنهم أهل الطاعة والعبادة..قالت داية لداود الطائي: يا أبا سليمان أما تشتهي الخبز..؟ قال: يا داية بين مضغ الخبز وشرب الفتيت قراءة خمسين آية([33]) وقال ابن مهدي.. كنا مع الثوري جلوساً بمكة, فوثب وقال: النهار يعمل عمله([34])أخي الحبيب.. أين نحن من هؤلاء؟  وهذا صباح اليوم ينعاك ضوءه وليلته تنعاك إن كنت تشعر([35])كان علي بن أبي طالب t يقول: إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة, وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة, ولكل منهما بنون , فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا, فإن اليوم عمل و لا حساب وغداً حساب ولا عمل.([36])وحال الكثير اليوم كما تعجب منها أحد الحكماء بقوله.. عجبت ممن الدنيا مولية عنه والآخرة مُقبلة إليه يشغل بالمدبرة ويعرض عن المقبلة.([37])أخي الحبيب.. تمر الخواطر وتتتابع الأسئلة ولكن.. هل سألت نفسك يوماً لماذا تعيش؟بالجواب يتحدد الهدف ويتضح الطريق ويسهل الوصول..لنسمع جواب أبي الدرداء t حين قال.. لولا ثلاث ما أحببت العيش يوماً واحداً.. الظمأ لله بالهواجر والسجود لله في جوف الليل, ومجالسة أقوام ينتقون أطايب الكلام كما يُنتقى أطايب التمر.وهذه الدنيا كما وصفها عمر بن عبد العزيز بقوله..إن الدنيا ليست بدار قراركم, كتب الله عليها الفناء وكتب الله على أهلها الظعن, فكم من عامر موثق عن قليل يخرب, وكم من مقيم مغتبط عما قليل يظعن, فأحسنوا رحمكم الله منها الرحلة بأحسن ما بحضرتكم من النقلة, وتزودوا فإن خير الزاد التقوى.وإذا لم تكن الدنيا للمؤمن من دار إقامة ولا وطن فينبغي للمؤمن أن يكون حاله فيها على أحد حالين..إما أن يكون كأنه غريب مقيم في بلد غربة, همه التزود للرجوع إلى وطنه، أو يكون كأنه مسافر غير مقيم ألبتة، بل هو ليله ونهاره يسير إلى بلد الإقامة([38]).فإن من تيقن ذلك ونظر إليه بعين المتأمل كان مثل عبدالرحمن بن أبي نعم عندما قال عنه بكير بن عبدالله.. كان لو قيل له قد توجه إليك ملك الموت ما كان عنده زيادة عمل([39]) قال الحسن.. يا ابن آدم إنك ناظر إلى عملك يوزن خيره وشره، فلا تحقرن من الخير شيئاً وإن هو صغر فإنك إذا رأيته سرّك مكانه ولا تحقرن من الشر شيئاً فإنك إذا رأيته ساءك مكانه رحم الله رجلاً كسب طيباً وأنفق قصداً وقدم فضلا ليوم فقره وفاقته. هيهات هيهات، ذهبت الدنيا بحال بالها، وبقيت الأعمال قلائد في أعناقكم، أنتم تسوقون الناس، والساعة تسوقكم، وقد أسرع بخياركم فماذا تنتظرون([40]).سبيلك في الدنيا سبيل مسافر ولابد من زاد لكل مسافر ولابد للإنسان من حمل عدة ولا سيما إن خاف صولة قامر([41]) أخي...راحلة الأيام تسير بنا إن توقفت اليوم أو هي غداً لابد واقفة ولمن عليها تاركة..ولكن أين الزاد لممر صعب وموقف عظيم.. يوم تذهل فيه كل مرضعةٍ عما أرضعت!!فإن للعبد رب هو ملاقيه وبيتٌ هو ساكنة, فينبغي له أن يسترضي ربه قبل لقائه ويعمر بيته قبل انتقاله إليه..([42])فإن الإنسان كما قال عنه أحمد بن مسروق.. أنت في هدم عمرك منذ خرجت من بطن أمك([43])أخي المسلم: إن المترقب إلى من يبني له داراً في الدنيا يرى كم من الساعات ينفق في سبيل بنائها وصيانتها والوقوف عليها.. بل ربما نسى أن له داراً ثانية غير هذه... وأضاع ليله ونهاره!!؟ وهو يعلم أنه راحلٌ عنها؟!قال يحيى بن معاذ: الليل طويل فلا تقصره بمنامك, والنهار نقي فلا تدنسه بآثامك.([44])واعلم أن الزمان أشرف من أن يضيع منه لحظة فإن في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له بها نخلة في الجنة " فكم يضيع الآدمي من ساعات يفوته فيها الثواب الجزيل, وهذه الأيام مثل المزرعة, فكأنه قيل للإنسان كلما بذرت حبة أخرجنا لك ألف كر , فهل يجوز للعاقل أن يتوقف في البذر ويتوانى. ([45])كان الحسن يقول.. يا ابن آدم نهارك ضيفك فأحسن إليه فإنك إن أحسنت إليه ارتحل بحمدك وإن أسأت إليه ارتحل بذمك, وكذلك ليلتك ([46])إن في الموت والمعاد لشغلاً وادكارا لذي النّهى وبلاغا فاغتنم خُطّتين قبل المنايا صحة الجسم يا أخى والفراغا([47]) قال وهيب بن الورد.. إن استطعت أن لا يشغلك عن الله تعالى أحد فافعل([48]).لأن الأمر كما قال الحسن.. ابن آدم إنك بين مطيتين يوضعانك, الليل إلى النهار, والنهار إلى الليل حتى يسلمانك إلى الآخرة, فمن أعظم منك يا بن آدم خطرا([49]) وقالت رابعة العدوية لسفيان.. إنما أنت أيام معدودة, فإذا ذهب يوٌم ذهب بعضك, ويوشك إذا ذهب البعض أن يذهب الكلَّ وأنت تعلم.. فاعمل([50])ألم تر أن اليوم أسرعُ ذاهب وأن غداً للناظرين قريب أخي الشاب: زمن الشباب زمن الصحة والقوة.. الحركة سريعة والوثبة قوية والحواس مكتملة.. ماذا قدمت في هذا الوقت؟!وهي صحة لن تعود ونشاط لن يبقى وحواس تنقص.كانت صفية بنت سيرين توصي فتقول.. يا معشر الشباب خذوا من أنفسكم وأنتم شباب فإني ما رأيت العمل إلا في الشباب([51])إن الشَباب حُجَةُ التّصابي روائح الجنة في الشباب([52]) الشاب يرى أن لديه وقت فراغ.. وساعات لا يحتاج إليها.. ويبرر لنفسه بما يشاء.. لنسمع القاضي شريح وقد خرج على قوم من الحاكة في يوم عيد وهم يلعبون, فقال ما لكم تلعبون؟ قالوا: إنا تفرغنا!!قال.. أو بهذا أمر الفارغ, وتلا قوله تعالى: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾ ([53])وأكد ذلك الأمر الشيخ ابن عقيل حيث قال مفتياً.. إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري , حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة, وبصري عن مطالعة, أعملت فكري في حال راحتي وأنا مستطرح.([54])وسأل الفضيل بن عياض رجلاً فقال له: كم أتت عليك؟ قال.. ستون سنة.قال: فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك , يوشك أن تبلغ فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون!!فقال الفضيل: أتعرف تفسيره تقول – إنا لله وإنا إليه راجعون – فمن عرف أنه لله عبد, إليه راجع, فليعلم أنه موقوف , ومن علم أنه موقوف, فليعلم أنه مسئول, ومن علم أنه مسئول فليعدّ للسؤال جواباًفقال الرجل: فما الحيلة؟قال: يسيرة.. قال ما هي؟قال: تحسن فيما بقي يغفر لك ما مضى, فإنك إن أسأت فيما بقي أخذت بما مضى وما بقي. وفي هذا المعنى قال بعضهم: وإن المرء قد سار ستين حجة إلى منهل من ورده لقريب([55]) أخي الحبيب: كلمح البصر سنواتٌ مرت كأضغاث أحلام.. نقترب بمضيها من نهايتنا من الحياة.. نتقدم كل لحظة خطوة إلى المنايا..تجري بنا الأيام كسحاب تهب عليه الريح.. تغمض عينك برهة من الوقت فلا تجد السحاب.. ولن تُمسكه.. يُمسك الزمن قلةٌ وهبهم الله عوناً وتوفيقاً, حرصٌ ومثابرة.. لم يتركوا لحظة تمر دون عمل..يحدثنا عن أحد هؤلاء موسى بن إسماعيل يقول..لو قلتُ أني ما رأيت حماد بن مسلمة ضاحكاً لصدقت, كان يُحَدَّث أو يسبح أو يقرأ أو يصلي, قد قسم النهار على ذلك([56])وعندما سئل المعافى بن عمران.. ما ترى في الرجل يقرض الشعر ويقوله؟قال.. هو عمرك فأفنه بما شئت([57]) ومن عجب الأيام أنك جالسٌ على الأرض في الدنيا وأنت تسير فسيرك يا هذا كسير سفينةٍ بقومٍ جلوسٍ والقلوع تطير([58]) قيل لمحمد بن واسع.. كيف أصبحت؟ قال.. ما ظنك برجل يرتحل كل يوم مرحلة إلى الآخرة.([59])لو تأملنا بقليل من التفكر هذه الحقيقة لنظرنا إلى ما بقي من أعمارنا نظرة عيسى بن الهزيل حين قال ابن آدم ليس لما بقي من عمرك ثمن. وأي ثمن أخي الحبيب لأعمارنا؟ لننظر إلى اللحظات الأخيرة والبقية الباقية من عمر أبي يوسف يعقوب الأنصاري.. كما يرويها إبراهيم بن الجراح الكوفي بقوله..مرض أبو يوسف, فأتيته أعوده, فوجدته مغمى عليه, فلما أفاق قال لي: يا إبراهيم, ما تقول في مسألة؟ قلت: في مثل هذه الحالة؟! قال: ولا بأس بذلك , ندرس لعله ينجو به ناجثم قال: يا إبراهيم, أيما أفضل في رمي الجمار – أي في مناسك الحج – أن يرميها ماشياً أو راكباً؟ قلت: راكباً, قال: أخطأت, قلت: ماشياً قال: أخطأت, قلت: قل فيها, يرضى الله عنك. قال: أما كان يوقف عنده للدعاء , فالأفضل أن يرميه ماشياً, وأما ما كان لا يوقف عنده فالأفضل أن يرميه راكباً. ثم قمت من عنده, فما بلغت باب داره حتى سمعت الصراخ عليه, وإذا هو قد مات رحمة الله عليه.([60])لقد بارك الله في أيامهم وأوقاتهم وأعمالهم لأنهم يرون أيامهم كما قال القائل: إذا مر بى يومٌ ولم أقتبس هدى ولم أستفد علماً فما ذاك من عمري([61]) وانظر أخي إلى يومك الذي تعيش فيه الآن ماذا قدمت فيه؟ وأنت تعلم أن الدنيا ثلاثة أيام: ها هي الدنيا يقول عنها الحسن: إنها ثلاثة أيام, أما أمس فقد ذهب بما فيه, وأما غداً فلعلك لا تدركه, فاليوم لك فاعمل فيه([62]).وقال داود الطائي.. يا ابن آدم فرحت ببلوغ أملك, وإنما بلغته بانقضاء مدة أجلك, سوَّفت بعملك كأن منفعته لغيرك([63]).وما هذا التحسر والندم على أيام ذهبت إلا كما ذكر أبو سليمان الداراني: لو لم يبك العاقل فيما بقي من عمره إلا على لذة ما فاته من الطاعة فما مضى كان ينبغي له أن يبكيه حتى يموت([64]).أخي الحبيب: أسرع ما تؤديه الواجبات ولا نحسب لها حساب بل نؤديها كيفما اتفق..وهي دقائق معدودة.. ثم ترانا نضيع ساعات طوال في مجالس بدون فائدة أو في لهو ولعب.. سبحان الله..إنا لنفرح بالأيام نقطعها وكل يوم مضى يدني من الأجل فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهدا فإنما الربح والخسران في العمل مضى يومنا هذا بضوئه ورحل بعمله.. إن حملت صحائفه طاعة وعبادة فطوبى الغنيمة التي قال عنها سعيد بن جبير..إن بقاء المسلم كل يوم غنيمة لأداء الفرائض والصلوات وما يرزقه الله من ذكره([65])والمحافظة على الأوقات نرى أثرها في الدنيا قبل الآخرة وهل العابد مثل اللاهي.. والعاصي مثل المطيع!!قال إبراهيم بن شيبان.. من حفظ على نفسه أوقاته فلا يضيعها بما لا رضا لله فيه, حفظ الله عليه دينه ودنياه.([66])فإن الليل والنهار كما وصف داود الطائى مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة حتى ينتهي ذلك بهم إلى آخر سفرهم, فإن استطعت أن تقدم في كل مرحلة زاداً لما بين يديها فافعل, فإن انقطاع السفر عن قريب ما هو والأمر أعجل من ذلك, فتزود لسفرك واقض ما أنت قاض من أمرك, فكأنك بالأمر قد بغتك([67])أذان المرء حين الطفل يأتي وتأخير الصلاة إلى الممات دليل أن محياه يسير كما بين الأذان إلى الصلاة يا أخي.. يخيل لك أنك مقيم, بل أنت دائب السير, تساق سوقاً حثيثاً, الموت متوجه إليك والدنيا تطوى من ورائك وما مضى من عمرك فليس بعائد إليك.فكيف يفرح بالدنيا من يومه يهدم شهره, وشهره يهدم سنته, وسنته تهدم عمره, كيف يفرح من يقود عمره إلى موته؟! إنها رحلة سفر.. وإنها والله ظل زائل.سبيلك في الدنيا سبيل مسافر ولابدّ من زادٍ لكل مسافر ولابدّ للإنسان من حمل عدة  ولا سيما إن خاف صولة قاهر([68]) قال أبو ضمرة يتحدث عن صفوان بن سليم.. رأيته ولو قيل الساعة غداً ما كان عنده مزيد عمل([69]).أخي الحبيب: نندم على التفريط عندما نسمع مثل هذه الهمة وهذا التوفيق.. محافظة تامة واستجابة كاملة.. ونتحسر على أيامٍ أضعناها وأوقات تركناها.. ذهبت بما حملت..نقترب من قول أبي سليمان الداراني.. لو لم يبك العاقل فيما بقي من عمره إلا على تفويت ما مضى منه في غير الطاعة, لكان خليقاً أن يحزنه ذلك إلى الممات, فكيف من يستقبل ما بقي من عمره بمثل ما مضى من جهله([70])هذا مالك بن دينار المعروف بزهده وورعه وعبادته يحدثنا عنه سلام بن مطيع , يقول.. دخلت على مالك بن دينار ليلاً وهو في بيت بغير سراج, وفي يده رغيف يكدمه, فقلت له: يا أبا يحيى ألا سراج؟ألا شيء تضع عليه خبزك؟ فقال: دعوني فوالله إني لنادم على ما مضى([71])أراني في انتقاص كل يوم ولا يبقى مع النقصان شيء طوى العصران ما نشراه مني فأخَلقَ جدَّتي نشرٌ وطَيُّ ([72]) مواعظ تتسابق وأحداثٌ تتكرر.. وصورٌ من المحافظة على الوقت نراها بين السطور وعلى رسم الحروف ولعله يكون لنا نصيبٌ من قول عمرو بن قيس الملائي: إذا بلغك شيء من الخير فاعمل به ولو مرة تكن من أهله.([73])فإذا عزم العبد على السفر إلى الله تعالى وإرادته, عَرَضَت له الخوادع والقواطع , فينخدع أولاً بالشهوات والرياسات والملاذ والمناكح والملابس, فإن وقف معها انقطع وإن رفضها ولم يقف معها وصدق في طلبه ابُتلي بوطء عقبه([74]) وتقبيل يده والتوسعة له في المجلس والإشارة إليه بالدعاء ورجاء بركته, ونحو ذلك.فإن وقف معه انقطع به عن الله وكان حظه منه, وإن قطعه ولم يقف معه ابتلي بالكرامات والكشوفات, فإن وقف معها انقطع بها عن الله وكانت حظَّه, وإن لم يقف معها ابتلي بالكرامات والكشوفات, فإن وقف معها انقطع بالتجريد والتخلي ولذة الجمعية وعزة الوحدة والفراغ من الدنيا, فإن وقف مع ذلك انقطع به عن المقصود, وإن لم يقف معه وسار ناظراً إلى مراد الله منه وما يحبه منه بحيث يكون عبده الموقوف على محابَّه ومراضيه أين كانت وكيف كانت؟ تعب بها أو استراح, تنعَّم أو تألم, أخرجته إلى الناس أو عزلته عنهم, لا يختار لنفسه غير ما يختاره له وليّه وسيّده, واقف مع أمره ينفذه بحسب الإمكان , ونفسه عنده أهون عليه أن يقدم راحتها ولذتها على مرضاة سيده وأمره, فهذا هو العبد الذي قد وصل ونفذ ولم يقطعه عن سيده شيء ألبته([75])ولقد منَّ الله على الكثير بالمحافظة على الأوقات والاستفادة منها في القيام بالطاعات هذا سفيان يحدثنا عن عمرو بن قيس فيقول.. عمرو بن قيس هو الذي أدبني, علمّني قراءة القرآن وعلمني الفرائض وكنت أطلبه في سوقه فإن لم أجده في سوقه وجدته في بيته إما يصلي وإما يقرأ في المصحف، كأنه يبادر أمورًا تفوته، فإن لم أجده في بيته وجدته في بعض مساجد الكوفة في زاوية من زوايا المسجد كأنه سارق قاعداً يبكي، فإن لم أجده وجدته في المقبره قاعداً ينوح على نفسه...([76]) ولا أؤخر شغل اليوم عن كسلٍ إلى غدٍ إن يوم العاجزين غدُ([77]) كان عمرو بن دينار قد جزأ الليل ثلاثة أجزاء, ثلثاً ينام, وثلثاً يدرس الحديث, وثلثاً يصلي([78])الحال اليوم تبدلت والأمور تغيرت.. هناك عزم وهمة ولكن وراء الدنيا.. خوفٌ على فواتها وسعي لإدراكها وهلع على نقصانها.. أما الآخرة فلا ينظر إليها بعين.. ولا يرمى لها بسهم كأن محمد بن المبارك يرى حالنا وهو يقول.. تخاف أن يفوتك عند البقال من قطعتك, تبادر إليه وتبكر عليه, ولا تخاف أن يفوتك من الله ما تؤمل بكثير القعود عنه والتشاغل عن المبادرة إليه([79])·                        قال الجنيد لرجل وهو يعظه: جماع الخير كله في ثلاثة أشياء.. إن لم تمضِ نهارك بما هو لك فلا تُمضه بما هو عليك , وإن لم تصحب الأخيار فلا تصحب الأشرار, وإن لم تنفق مالك فيما لله فيه رضا فلا تنفقه فيما لله فيه سخط([80])·                        وهذا أقل القليل وإلا باب العمل مفتوح وطالب الدار الآخرة لا يرضى بالقليل فقد كان وكيع بن الجراح لاينام حتى يقرأ حزبه في كل ليلة ثلث القرآن, ثم يقوم في آخر الليل فيقرأ المفصل, ثم يجلس فيأخذ في الاستغفار حتى يطلع الفجر فيصلي ركعتين([81])·                        والخوف ملازم لهم والشفقة ملاحقة لهم فكانوا يخافون من رد العمل.. كان الضحاك بن مزاحم إذا أمسى بكى فيقال له, فيقول: لا أدري ما صعد اليوم من عملي([82])أخي الحبيب: وصيةٌ صادقة ونصيحة غالية من الفضيل بن عياض.. تفكروا واعملوا من قبل أن تندموا, ولا تغتروا بالدنيا, فإن صحيحها يسقم وجديدها يبلى ونعيمها يفنى وشبابها يهرم([83]) ومن شدة محافظتهم على الوقت استفادوا حتى من اللحظات القليلة التي ربما تضيع في المشي والجري فقد أوصى بعض السلف أصحابه فقال.. إذا خرجتم من عندي فتفرقوا لعل أحدكم يقرأ القرآن في طريقه, ومتى اجتمعتم تحدثتم([84])والعجب تجد الشاب يجري ساعات طوال ولايؤدي السنن الراتبة وربما أهمل في الفريضة.أيام عمرك تذهب وجميع سعيك يكتب  ثم الشهيد عليك منك فأين المهرب؟([85]) أما أوقات العمل الضائعة فقد استعدوا لها واستفادوا منها.. فهذا ابن الجوزي يشرح تلك الحال ويحكي لنا كيف استفاد من الوقت في حضور البطالين ([86]) فيقول: لما رأيت أن الزمان أشرف شىء, والواجب انتهازه بفعل الخير, كرهت ذلك وبقيت معهم بين أمرين: إن أنكرت عليهم وقعت وحشة لموضع قطع المألوف وإن تقبلته منهم ضاع الزمن, فصرت أُدافع اللقاء جهدي, فإذا غُلبت قصَّرت في الكلام لأتعجل الفراق, ثم أعددت أعمالاً لا تمنع من المحادثة لأوقات لقائهم لئلا يمضي الزمان فارغاً.. فجعلت من المستعد للقائهم قطع الكاغد([87]), وبري الأقلام, وحزم الدفاتر, فإن هذه الأشياء لابد منها, ولا تحتاج إلى فكر وحضور قلب, فأرصدتها لأوقات زيارتهم لئلا يضيع شيء من وقتي([88])وكان تقي الدين المقدسي لا يضيع شيئاً من زمانه, كان يصلي الفجر ويلقن القرآن وربما لقن الحديث, ثم يقوم فيتوضأ ويصلي ثلاثمائة ركعة إلى قبيل الظهر, فينام نومة فيصلي الظهر فينام نومة فيصلي العصر ويشتغل بالتسميع أو النسخ الى المغرب فيفطر إن كان صائماً ويصلي إلى العشاء, ثم ينام الى نصف الليل أو بعده, ثم يتوضأ ويصلي إلى قريب الفجر وربما توضأ سبع مرات أو أكثر ويقول: تطيب لي الصلاة ما دامت أعضائي رطبة ثم ينام نومة يسيرة قبل الفجر, وهذا دأبه([89])وقال موسى بن إسماعيل.. لو قلت لكم: إني ما رأيت حماد بن مسلمة ضاحكاً قط لصدقتكم, كان مشغولاً بنفسه إما أن يحدث وإما يقرأ وإما يسبح, وإما أن يصلي, كان يقسم النهار على هذه الأعمال([90])أخي الحبيب أين نحن من هؤلاء.؟!كلما ازداد إدراك المرء للغاية التي من أجلها خُلق, ازداد اغتناماً لزمنه, وبالتالي كان أقرب لتلك الغاية وأكثر تحققاً بها.. إن الزمن يساوي عطاء الإنسان وحصاد عمره, يساوي اليد التي ستحمل كتابه يُمنى تكون أو يُسرى.أؤمل أن أحيا وفي كل ساعة  تمر بي الموتى يهز نعوشها وهي أنا إلا مثلهم غير أن لي بقايا ليالٍ في الزمان أعيشها([91]) كان الشافعي قد جزأ الليل, فثلثه الأول يكتب, والثاني يصلي, والثالث ينام([92]).أخى الحبيب...هلم إلى الدخول على الله ومجاورته في دار السلام بلا نصب ولا تعب ولا عناء, بل من أقرب الطرق وأسهلها, وذلك أنك في وقت بين وقتين وهو في الحقيقة عمرك, وهو وقتك الحاضر بين ما مضى وما يُستقبل, فالذي مضى تُصلحه بالتوبة والندم والاستغفار, وذلك شيء لا تعب عليك فيه ولا نصب ولا معاناة عمل شاق, إنما هو عمل قلب. وتمتنع فيما يستقبل من الذنوب, وامتناعك ترك وراحة ليس هو عملاً بالجوارح يشق عليك معاناته, وإنما هو عزم ونية جازمة تريح بدنك وقلبك وسرك.فيما مضى تصلحه بالتوبة, وما يستقبل تصلحه بالامتناع والعزم والنية, وليس في هذين نصب ولا تعب, ولكن الشأن في عمرك وهو وقتك الذي بين الوقتين, فإن أضعته أضعت سعادتك ونجاتك, وإن حفظته مع إصلاح الوقتين اللذين قبله وبعده بما ذكر نجوت وفُزت بالراحة واللذة والنعيم,وحفظه أشق من إصلاح ما قبله وما بعده, فإن حفظه أن تلزم نفسك بما هو أولى بها وأنفع لها وأعظم تحصيلاً لسعادتها. وفي هذا تفاوت الناس أعظم تفاوت, فهي والله أيامك الخالية التي تجمع فيها الزاد لمعادك, إما الجنة وإما إلى النار, فإن اتخذت إليها سبيلاً إلى ربك بلغت السعادة العظمى والفوز الأكبر في هذه المدة اليسيرة التي لا نسبة لها إلى الأبد, وإن آثرت الشهوات والراحات واللهو واللعب انقضت عنك بسرعة معاناة الصبر عن محارم الله والصبر على طاعته ومخالفة الهوى لأجله([93])قال أحمد بن مسلمة النيسابوري.. كان هناد بن السري كثير البكاء..فرغ يومًا من القراءة لنا فتوضأ وجاء إلى المسجد فصلى إلى الزوال وأنا معه في المسجد , ثم رجع إلى منزله فتوضأ وجاء فصلى الظهر بنا, ثم قام على رجليه يصلي إلى العصر ويرفع صوته بالقرآن ويبكي كثيراً, ثم صلى بنا العصر وأخذ يقرأ فى المصحف حتى صليت المغرب, فقلت لبعض جيرانه.. ماأصبره على العبادة فقال: هذه عبادته بالنهار منذ سبعين سنة, فكيف لو رأيت عبادته بالليل([94])اغتنم ركعتين زُلفى إلى الله إذا كنت فارغاً مستريحاً وإذا ما هممت بالقول في البا طل فاجعل مكانه تسبيحاً([95]) أخي الحبيب: أول واجب على الإنسان المسلم نحو وقته أن يحافظ عليه كما يحافظ على ماله, بل أكثر منه, وأن يحرص على الاستفادة من وقته كله فيما ينفعه في دينه ودنياه, وما يعود على أمته بالخير والسعادة والنماء الروحي والمادي وقد كان السلف رضي الله عنهم أحرص ما يكونون على أوقاتهم لأنهم كانوا أعرف الناس بقيمتها([96])قال السرى بن المفلس: إن اغتنمت بما ينقص مالك, ابك على ما ينقص من عمرك([97])ومقارنة سريعة وصف فيها الحسن البصري حال أولئك الأخيار فقال: أدركت أقواماً كان أحدهم أشح على عمره منه على درهمه..وحين سُئل نافع.. ما كان ابن عمر يصنع في منزله؟ قال: الوضوء لكل صلاة والمصحف فيما بينهما.أتاك حديث لا يُمل سماعه شهيٌ إلينا نثره ونظامه إذا ذكرته النفس زال عناؤها وزال عن القلب المعنَّى ظلامه إن صحبة الأخيار ومجالسة الصالحين وسماع أخبارهم تغرس في النفس حب الخير والرغبة في مجاراتهم والوصول إلى ما وصلوا إليه من الطاعة والعبادة.فإن النفس تحتاج إلى تذكير وترغيب خاصة في زمن طول الأمل واللهث وراء الدنيا.. لنعتبر ونتأمل في قصة معروف الكرخي عندما أقام الصلاة فقال لرجل: تقدم فصل بنا, فقال الرجل: إن صليت بكم هذه الصلاة لم أصل بكم غيرها.فقال له معروف: وأنت تحدث نفسك أنك تصلي صلاة أخرى, نعوذ بالله من طول الأمل فإنه يمنع خير العمل([98]) أخي الحبيب..أين نحن من هؤلاء؟إن الأمل باب التسويف ومدعاةٌ لضياع الوقت.والوقت أنفس ما عنيت بحفظه   وأراه أسهل ما عليك يضيعُ ومن حسن التربية تعويد الأبناء على الاستفادة من الأوقات وعمارها بما هو مفيد حتى يتعودوا على ذلك من الصغر قال عبدالله بن عبد الملك رحمه الله: كنا مع أبينا في موكبه فقال: سبحوا حتى تلك الشجرة, فُنسبح حتى نأتيها, فإذا رفعت لنا شجرة أخرى قال: كبروا حتى تلك الشجرة, فكان يصنع بنا ذلك..أما معشر الشباب وما يراد منهم فإن الحسن قد سأل ذات يوم جلساءه: يا معشر الشيوخ ماذا ينتظر بالزرع إذا بلغ؟ قالوا: الحصاد.قال: يا معشر الشباب إن الزرع قد تدركه العاهة قبل أن يبلغ.([99])واجتهد أبو موسى الأشعري قبل موته اجتهاداً شديداً فقيل له: لو أمسكت ورفقت بنفسك؟ قال: إن الخيل إذا أرسلت فقاربت رأس مجراها, أخرجت جميع ما عندها, والذي بقي من أجلي أقل من ذلك.وما المرء إلا راكبٌ ظهر عمره  على سفرٍ يطويه باليوم والشهر يبيت ويضحى كل يوم وليلة   بعيداً عن الدنيا قريباًمن القبر عن أنس بن عياض قال: رأيت صفوان بن سليم ولو قيل له: غداً يوم القيامة.. ما كان عنده مزيد على ما هو عليه من العبادة.([100])وقيل لحامد اللفاف: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت اشتهي عافية يومٍ إلى الليل, فقيل له: ألست في عافية في كل الأيام؟ فقال: العافية يومٌ لا أعصي الله تعالى فيه([101])أخي المسلم..إن وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة, وهومادة حياته الإبدية في النعيم المقيم, ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم, وهو يمر مر السحاب, فما كان من وقته لله وبالله فهو حياته وعمره, وغير ذلك ليس محسوباً من حياته وإن عاش فيه عيش البهائم, فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة, وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة, فموت هذا خير له من حياته.([102])قال رجل من أهل داود الطائي قلت له يوماً يا أبا سليمان قد عرفت الرحم بيننا فأوصني قال: فدمعت عيناه, ثم قال لي: يا أخي إنما الليل والنهار مراحل تنـزل بالناس مرحلة مرحلة, حتى تنتهي بهم ذلك إلى آخر سفرهم فإن استطعت أن تُقدم في كل ليل يوم مرحلة زاداً لما بين يديه فافعل, فإن انقطاع السفر عن قريب ما هو والأمر أعجل من ذلك, فتزود لسفرك واقض ما أنت قاض من أمرك, فكأنك بالأمر قد بغتك, إني لأقول ذلك وما أعلم أحداً أشد تضييعاً مني لذلك, ثم قام([103])هاذي منازل أقوام عهدتهم  في رغد عيش رغيب ماله خطر صاحت بهم نائبات الدهر فانقلبوا  إلى القبور فلا عينٌ ولا أثر([104]) قال يحي بن معاذ: لست أبكي على نفسي إن ماتت, إنما أبكي على حاجتي إن فاتت([105])وكيف لا تفوت حاجته والأيام والليالي مطايا تسير به، وإن لم يسر وتطوى به مراحل العمر وإن لم يترك مكانه..وما هذه الأيام إلا مراحل  يحثّ بها داع إلى الموت قاصد وأعجب شيءٍ لو تأملت أنها  منازل تطوى والمسافر قاعد([106]) قال بلال بن سعد.. عباد الله, اعلموا أنكم تعملون في أيام قصار لأيام طوال وفي دار زوال لدار مُقام, وفي دار نصبٍ وحزن لدار نعيمٍ وخُلد([107])لعمرك ما الأيام إلا مُعارةٌ   فما استطعت من معروفها فتزود([108]) ولأن أيام التزود قليلة ورحلة الدنيا قصيرة فإن المغبون من أضحى يومه في نقصان ومر عمره في خسران كما قال أبو سليمان الداراني.. من كان يومه مثل أمسه فهو في نقصان([109]). لأن كل يوم يزول يدني من الموت.. فيجب أن يحرص المسلم على يومه ويسرع الخطى فيما بقي من أجله.فيا أخي.. فقدنا من هم في أعمارنا منذ أعوام.. أُمهلنا هذه السنوات.. ماذا قدمنا فيها وماذا جمعنا فيها؟.. إنها أعمار تجري ولحظات تسير.. وسنتوقف لحظة عن الدنيا ونبدأ بمغادرتها والرحيل منها.. يبقى السؤال ماذا قدمنا لدارنا الأخرة؟ وكيف استفدنا من أيامنا؟ وهي أيام ثلاثة كما قال عنها..السري بن المفلس.. أمس أجل واليوم عمل وغداً أمل([110]) من كانت أيامه ثلاثة: أمس لا يدري ما رفع من عمله.. ما تقبل منه وما رُّد.. ويومٌ هو سارحٌ فيه لايعلم هل يتمه أم يوسد قبره في آخره.. أما غداً فأمل ربما لا يرى شعاع شمسه ولا ضوء نهاره..كان يزيد الرقاشي يقول لنفسه.. ويحك يا يزيد.. من ذا الذى يصلي عنك بعد الموت؟ من ذا الذي يصوم عنك بعدالموت؟ من ذا الذي يُرضي ربك بعد الموت؟ ثم يقول: أيها الناس , ألا تبكون وتنوحون على أنفسكم باقي حياتكم؟. ويامن الموت موعده والقبر بيته, والثرى فراشه والدود أنيسه, وهو مع هذا ينتظر الفزع الأكبر كيف تكون حاله؟([111])أخي الحبيب..نسير إلى الآجال في كل لحظةٍ  وأيامنا تطوى وهنَّ مراحل ولم أر مثل الموت حقًّا كأنه  إذا ما تخطته الأماني باطل وما أقبح التفريط في زمن الصبا  فكيف به والشيب للرأس شاعل أخي..ترحل من الدنيا بزاد من التقى  فعمرك أيام وهنَّ قلائل([112]) لنر حال عامر بن عبد قيس وهو ينادي.. من أُقرئ, فيأتيه ناس, فيقرئهم القرآن, ثم يقرئ الناس إلى المغرب, ثم يصلي ما بين العشاء, ثم ينصرف إلى منزله, فيأكل رغيفاً وينام نومة خفيفة.ثم يقوم لصلاته ثم يتسحر رغيفاً ويخرج..([113])أما أوقاتنا الضائعة وأيامنا التائهة التى تمر دون فائدة..تتواني عن العمل الصالح فيها ونقصر عن الاستفادة منها.. بل ولا نتأسف على ضياعها ولا نغتم بمضيها وزوالها..بل ربما نفرح بانقضائها ونبحث عما نقطع به أوقاتنا ونسلي به ساعاتنا.. حالنا كحال من لا يعرف ثمن وقته ولا جوهر زمنه.. أما من سبقنا فقد وضعوا للأمر موازينه وللرحيل عدته..هذا إبراهيم بن أدهم يأخذنا إلى بعض إخوانه عندما عاده في مرضه.. فجعل يتنفس ويتأسف, فقال له إبراهيم بن أدهم.. على ماذا تتنفس وتتأسف؟ فقال: ما تأسفي على البقاء في الدنيا, ولكن تأسفي على ليلة نمتها, ويوم أفطرته, وساعةٌ غفلت فيها عن ذكر الله تعالى، وقيل لأبي مسلم الخولاني حين كبر ورق.. لو قصرت عن بعض ما تصنع, فقال: أرأيتم لو أرسلتم الخيل في الحلبة, ألستم تقولون لفارسها.. دعها وارفق بها حتى إذا رأيتم الغاية لم تستبقوا منها شيئًا؟ وغاية كل ساعة الموت فسابق ومسبوق([114]).ما أكثر الذين يأخذون من التسويف شعاراً, يمكنونه من قلوبهم, حتى تقطعت آمال وانقطعت آجال.. فإن يوم العاجزين غَدٌ, وصاحب الهمة لايعرف يوم العاجزين, لأن الحقوق مرتبطة بزمانها, والواجبات أكثر من الأوقات, والتسويف تفويت لحق لزمه, وتضييع لواجب غده.اعلم أن من له أخوان غائبان, وينتظر قدوم أحدهما في غدٍ , وينتظر قدوم الآخر بعد شهر أو سنة فلا يستعد للذي يقدم إلى شهر أو سنة, وإنما يستعد للذى ينتظر قدومه غدًا, فالاستعداد نتيجة قرب الانتظار, فمن انتظر مجيء الموت بعد سنة اشتغل بالمدة ونسي ماوراء المدة. ثم يصبح كل يوم وهو منتظر للسنة بكمالها لاينقص منها اليوم الذي مضى , وذلك يمنعه من مبادرة العمل أبداً فإنه أبداً يرى لنفسه متسعاً في تلك السنة فيؤخر العمل([115])أخي الحبيب.. صوت ينادي.. هذا أبو كريمة العبدي يقول: ابن آدم ليس لما بقي من عُمرك ثَمن([116])وأي ثمن لعمر الإنسان.. لو أنفق جميع ما يملك من أموال الدنيا بثمن لحظة واحدة لما أُجيب إلى ذلك.. أكد على ذلك السري السقطي بقوله.. فإذا فاتنى جزء من وردي لايمكنني أن أقضيه أبداً.([117])إضاعة الوقت كما يراها الإمام ابن الجوزي بقوله..رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمان دفعاً عجيباً.. إن طال الليل فبحديث لاينفع, أو بقراءة كتاب فيه غزاة وسمر, وإن طال النهار فبالنوم , وهم في أطراف النهار على دجلة أو في الأسواق.. فشبهتهم بالمتحدثين في سفينة.. وهي تجري بهم, وما عندهم خبر, ورأيت النادرين قد فهموا معنى الوجود , فهم في تعبئة الزاد والتأهب للرحيل.. إلا أنهم يتفاوتون, وسبب تفاوتهم قلة العلم بما ينفق في بلد الإقامة, فالمتيقظون منهم يتطلعون إلى الإخبار بالنافع هناك , فيستكثرون منه, فيزيد ربحهم.. والغافلون منهم يحملون ما اتفق.. وربما خرجوا لامع خفير..فكم ممن قطعت عليه الطريق فبقي مفلساً, فالله العلم في مواسم العمل والبدار البدار قبل الفوات..واستشهدوا العلم, واستدلوا الحكمة, ونافسوا الزمان وناقشوا النفوس, واستظهروا بالزاد فكأن قد حدا الحادي فلم يفهم صوته من واقع الندم([118]) ليكن شعارنا العمل وعدونا التسويف.. لنكن مثل قول القائل..بقية العُمر عندي مالها ثمنٌ  وإن غداً ليس محسوباً من الزمن يستدرك المرء فيها كل فائتة  من الزمان ويمحو السوء بالحسن ونحن قد توسدنا الغفلة والتحفنا التسويف.. لنَهُبَّ من تلك الغفوة ونستيقظ من ذلك السبات..لنستمع لوصية محمد بن يوسف ونطبقها ولو ليوم واحد في حياتنا!! بل لساعات من أيامنا!!أوصى بقوله: إن استطعت أن لا يكون شِيء أهم إليك من ساعتك فاعمل..أخي الحبيب.. لا تغرك الصحة والقوة والشباب.. ولا تسير في ركب الحياه لاهياً ساهيا..وتنسى وقفة الموت!! كم من صحيح سليم معافى سمعنا نعيه.. وكم من مريض سقيم طال أجله.. كم في القبور من الشباب والأطفال والرضع..لا تغتر بشباب ناعم خظل   فكم تقدم قبل الشيب شُبان ([119]) نتشبث بهذه الدنيا ونتمسك بها.. لا نغادرها إلا مكلومين ولا نتركها إلا مُجبرين..وقد دخل أناس على بعض الصالحين فقلبوا بصرهم في بيته فقالوا: إنا نرى بيتك بيت رجل مرتحل, فقال: لا أرتحل ولكن أطرد طرداً([120])ودخل رجل على أبي ذرّ فقال: يا أبا ذرّ أين متاعكم؟ فقال: إن لنا بيتاً نتوجه إليه, فقال: إنه لابد لك من متاع مادمت هاهنا, فقال: إن صاحب المنزل لا يدعنا ها هنا([121])..في زمن تكالبت فيه المادة.. وتوسع الناس في المليهات.. إضاعة للأوقات وتهاون عن الطاعات.. فرطنا في الكثير.. وما أبقينا إلا القليل..كل امرئ يجري من عمره إلى غاية تنتهي إليها مدة أجله وتنطوي عليها صحيفة عمله, فخذ من نفسك لنفسك, وقس يومك بأمسك, وكف عن سيئاتك, وزد في حسناتك قبل أن تستوي مدة الأجل وتقصر عن الزيادة في السعي والعمل([122])لنسمع الثوري وهو يحدثنا قال: رأيت شيخاً في مسجد الكوفة يقول: أنا في هذا المسجد منذ ثلاثين سنة أنتظر الموت أن ينزل بي, ولو أتاني ما أمرته بشيء ولا نهيته عن شيء, ولا لي على أحد شيء ولا لأحدٍ عليَّ شيء..إذا كنت أعلم علماً يقينا   بأن جميع حياتي كساعة فلم لا أكون ضنيناً بها وأجعلها في صلاحٍ وطاعة([123]) قال رجل لحاتم الأصم.. ما تشتهي؟ قال: أشتهي عافية يوم إلى الليل, فقيل له: أليست الأيام كلها عافية؟ قال: إن عافية يومي أن لا أعصي الله فيه([124])وهذا من صلاح قلوبهم فإن من عرف الله لقيه سالماً, والويل كل الويل لمن ذهب عمره في الدنيا باطلاً.أخي الحبيب: أين نحن من هؤلاء؟لنتوقف لحظات معدودة ونقلب صفحة يوم أمس.. كيف أمضيناه؟ ماذا عملنا فيه؟هذه أعمارنا.. وتلك أيامنا..إن كانت الأوقات ضائعة والنفوس ضعيفة.. فالعودة من قريب..وإن كانت الأيام مرصعة بتاج الطاعة والأعمال الصالحة.. فطوبى ثم طوبى.. رزقنا الله مما رزقك وأعاننا على طاعته..تمر الليالي والحوادث تنقضي  كأضغاث أحلام ونحن رقود وأعجب من ذا أنها كل ساعة  تجد بنا سيراً ونحن قعود([125]) عن ابن مسعود أنه كان يقول.. إنكم في ممر من الليل والنهار, في آجال منقوصة وأعمالٍ محفوظة, والموت يأتي بغتة, فمن زرع خيراً فيوشك أن يحصد رغبة, ومن زرع شراً فيوشك أن يزرع ندامة, ولكل زارع ما زرع([126])أخي الحبيب: ماذا تزرع اليوم.. فهنا بذرك وغداً حصادك!! فانظر ما تزرع وما تحصد!!قيل للحسن: ها هنا رجل لم نره جالساً إلى أحد, إنما هو أبداً خلف سارية وحده, فقال الحسن.. إذا رأيتموه فأخبروني به, قال فمر به ذات يوم ومعهم الحسن, فأشاروا إليه فقالوا: ذاك الرجل الذي أخبرناك, فقال: امضوا حتى آتيه, فلما جاءوه, قال: يا عبدالله: أراك قد حُببت إليك العزلة. فما يمنعك من مخالطة الناس؟ قال: ما أشغلني عن الناس, قال: فيأتي هذا الرجل الذي يقال له الحسن فتجلس إليه, قال: ما أشغلني عن الحسن وعن الناس, قال له الحسن: فما الذي شغلك يرحمك الله عن الناس وعن الحسن؟ قال: إني أمسي وأصبح بين ذنب ونعمة, فرأيت أن أشغل نفسي عن الناس بالاستغفار للذنب والشكر لله على النعمة, فقال له الحسن: أنت يا عبدالله أفقه عندي من الحسن, الزم ما أنت عليه.([127])وندم يحي بن معاذ فقال.. لست أبكي على نفسي إن ماتت إنما أبكي على حاجتي إن فاتت([128])وما هي حاجته؟.. طاعة وعبادة... ونحن نبكي على أنفسنا وعلى حاجاتنا.. لا تزالنروح ونغدو لحاجاتنا  وحاجة من عاش لا تنقضي تموت مع المرء حاجاته   وتبقى له حاجة مابقي ([129]) تمر بنا ساعات طويلة لا نذكر الله فيها ولا نسبحه ولا نكبره ولا نستغفره.. لننظر إلى العابد معروف الكرخي.. فقد قص إنسانٌ شارب معروف الكرخي.. فلم يفتر من الذكر فقال: كيف أقص ؟ قال: أنت تعمل وأنا أعمل([130])من أعظم الأشياء ضرراً على العبد بطالته وفراغه, فإن النفس لا تقعد فارغة, بل إن لم يُشغلها بما ينفعها, شغلته بما يضره ولابد.([131])لقد هاج الفراغ عليك شغلاً  وأسباب البلاء من الفراغ قال أبو بكر الكتاني.. كان رجل يحاسب نفسه, فحسب يوماً سنيه فوجدها ستين سنة, فحسب أيامها فوجدها واحداً وعشرين ألف يوم وخمسمائة يوم, فصرخ صرخةً وخر مغشياً عليه, فلما أفاق , قال ياويلتاه, أنا آتي ربي بواحد وعشرين ألف ذنب وخمسمائة ذنب؟!يقول هذا لو كان ذنب واحد في كل يوم؟ فكيف بذنوب كثيرة لا تحصى. ثم قال: آه عليَّ , عمرت دنياي وخربت أخراي, وعصيت مولاي, ثم لا أشتهي النقلة من العمران إلى الخراب؟ وكيف أشتهى النقلة إلى دار الكتاب والحساب والعتاب والعذاب بلا عمل ولا ثواب.. وأنشد: منازل دنياك شيدتها وخربت دارك في الآخرة أصبحت تكرهها للخراب  وترغب في دارك العامرة([132]) أخي.. أين نحن من هؤلاء..؟!قال ابن السماك: أوصاني أخى داود الطائي بوصية: انظر لا يراك الله حيث نهاك وأن لا يفقدك من حيث أمرك، واستحيه في قربه وقدرته عليك([133]) خصائص الوقتللوقت خصائص يتميز بها, يجب علينا أن ندركها حق إدراكها , وأن نتعامل معه على ضوئها منها1-  سرعة انقضائه.. فهو يمر مر السحاب, ويجري جري الريح, سواء كان زمن مسرة وفرح, أم كان زمن اكتئاب وترح, وإن كانت أيام السرور تمر أسرع, وأيام الهموم تسير ببطء وتثاقل, لا في الحقيقة ولكن في شعور صاحبها ومهما طال عمر الإنسان في هذه الدنيا فهو قصير, ما دام الموت هو نهاية كل حي.إذا كان آخر العمرموتاً    فسواء قصيرة والطويل  وعند الموت تنكمش الأعوام والعقود التى عاشها الإنسان, حتى لكأنها لحظات مرت كالبرق الخاطف2- أن ما مضى منه لا يعود ولا يُعوض...وهذه خصيصة أخرى من خصائص الوقت, فكل يوم يمضي, وكل ساعة تنقضي, وكل لحظة تمر, ليس في الإمكان استعادتها, وبالتالي لايمكن تعويضها, وهذا ما عبر عنه الحسن البصري بقوله البليغ.. مامن يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا ابن آدم.. أنا خلق جديد, وعلى عملك شهيد, فتزود مني , فإني إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة.3- أنه أنفس ما يملك الإنسان.لما كان الوقت سريع الانقضاء, وكان ما مضى منه لا يرجع, ولا يعوض بشىء كان الوقت أنفس وأثمن ما يملك الإنسان , وترجع نفاسة الوقت إلى أنه وعاء لكل عمل وكل نتاجٍ, فهو في الواقع رأس المال الحقيقي للإنسان فرداً أو مجتمعاً.إن الوقت ليس من ذهب فقط كما يقول المثل الشائع, بل هو أغلى في حقيقة الأمر من الذهب واللؤلؤ والماس, ومن كل جوهر نفيس, وحجر كريم.([134])ما مضى من الأعمار ما قيمته وأهميته لننظر في ذلك بعين المحاسب والناقد لنفسه.. قال الحجاج بن أبي عيينة: كان جابر بن زيد يأتينا في مصلانا, فأتانا ذات يوم عليه نعلان خلقان, فقال: مضى من عمري ستون سنة, نعلاي هاتان أحب إليَّ مما مضى. إلا يك خيراً قدمته([135])يا نفس كفي عن العصيان واكتسبي  فعلاً جميلاً لعل الله يرحمني([136]) أخي الحبيب: لله على العبد في كل عضو من أعضائه أمرٌ, وله عليه فيه نهيُّ, وله فيه نعمة, وله به منفعة ولذة, فإن قدم لله في ذلك العضو بأمره واجتنب فيه نهيه فقد أدى شكر نعمته عليه فيه وسعي في تكميل انتفاعه ولذته به, وإن عطل أمر الله ونهيه فيه عطله الله من انتفاعه بذلك العضو وجعله من أكبر أسباب ألمِه ومَضرته.وله عليه في كل وقت من أوقاته عبودية تقدمه إليه وتقربه منه, فإن شغل وقته بعبودية الوقت تقدم إلى ربه, وإن شغله بهوى أو راحة وبطالة تأخر, فالعبد لايزال في تقدم أو تأخر ولا وقوف في الطريق ألبتة, قال تعالى ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ﴾([137])كان عبدالله بن وهب قد قسم دهره أثلاثاً , ثلثاً في الرباط, وثلثاً يعلم الناس وثلثاً في الحج.([138]) هذا حماد بن مسلمة يحدثنا عمن حفظ وقته واستثمار ساعته في طاعة الله.. قال عن سليمان التيمي.. ما أتيناه في ساعة يطاع الله عز وجل فيها إلا وجدناه مطيعاً , فإن كان في ساعة صلاة وجدناه مصلياً, فإن لم تكن ساعة صلاة وجدناه إما متوضئاً أو عائداً مريضاً أو مشيعاً لجنازة أو قاعداً يسبح في المسجد, فكنا نرى أنه لا يحسن أن يعصي الله([139])أخي الكريم: إن إضاعة الوقت أشد من الموت لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة, والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها([140])ولذا يجب على المسلم أن يحاسب نفسه في كل دقيقة ويأخذ بنصيب من قول مسروق.. إن المرء لحقيق أن يكون له مجالس يخلو فيها فيذكر فيها ذنوبه فيستغفر منها([141])أخي الحبيب.. حالنا اليوم حال من اشتكى أمره إلى الحسن فقال: سبقنا القوم على خيلٍ دهم ونحن على حمر معقرة, فقال إن كنت على طريقهم فما أسرع اللحاق بهم.([142])قال الله جل وعلا ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ﴾ لم يجدوا للسؤال جوابا..فقد قطع الله الأعذار, حيث أعطى كل مكلف من العمر ما يتسع لعمل ما كلف به, ويذكره إذا غفل عنه, وبخاصة من عاش من العمر سنوات طويلة ففي هذا القدر من السنين ما يكفي لأن ينتبه الغافل, ويؤب الشارد, ويتوب العاصي..ما مضى من الدنيا أحلام.. كنائم رأى مسيرة حياته في لمح بصر ثم استيقظ.. ذهبت الأيام بآلامها وآمالها وأحلامها.. بشدتها وقسوتها.. ولكن بقي الحساب قال بلال بن سعد رحمه الله.. يقال لاحدنا تريد أن تموت؟ فيقول: لا , فيقال له: اعمل, فيقول: سوف أعمل , فلا يحب أن يموت ولا يحب أن يعمل, فيؤخر عمل الله تعالى ولا يؤخر عمل الدنيا([143]) أخي الحبيب.. دعوة إلى العودة وإلى التوبة.. ولنسمع عن هذه الغنيمة قال أحمد بن عاصم الأنطاكي.. هذه غنيمة باردة, أصلح ما بقي من عمرك يُغْفَر لك ما مضى..([144])إذا كنت أعلم يقيناً  بأن جميع حياتي كساعة فلم لا أكون ضنيناً بها  وأجعلها في صلاح وطاعة ([145]) أخي المسلم.. رأس مالك في هذه الدنيا دقائق وأيام.. ماذا قدمت في هذه الأوقات وماذا سجلت في تلك الصحائف.. هل تسُرك إذا نظرت فيها يوم القيامة أم تسؤك..لا تلهاك الأماني فإن لحظات مرت لن تعود.. وساعات مضت لن ترجع..جعلني الله وإياك ممن طال عمره وحسن عمله.. قد أعد للسؤال جواباً وللجواب صوابًا.. وختم لنا بجنات عرضها السموات والأرض.. ممن ينادون فى ذلك اليوم العظيم: ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ﴾.([1]) حاشية ثلاثة الأصول صـ 7. ([2]) سوانح وتأملات 15. ([3]) تفسير غرائب القرآن. ([4]) سوانح وتأملات 7. ([5]) سوانح وتأملات 18. ([6]) رواه الحاكم في المستدرك. ([7]) في ظلال القرآن 6/393. ([8]) الفوائد لابن القيم 245. ([9]) مكاشفة القلوب 221. ([10]) الإحياء 4/427. ([11]) صفة الصفوة 3/231. ([12]) سوانح وتأملات 22. ([13]) الإحياء 4/ 276. ([14]) الزهد للبيهقي 297. ([15]) الفوائد لابن القيم 214. ([16]) صفة الصفوة 3/ 390. ([17]) جامع العلوم والحكم 139. ([18]) جامع العلوم والحكم 463. ([19]) الزهد للبيهقي 298. ([20]) صفة الصفوة 3/343. ([21]) جامع العلوم والحكم 468. ([22]) صفة الصفوة 2/255. ([23]) الحسن البصري 140. ([24]) موارد الظمآن 2/245. ([25]) صفة الصفوة 4/213، والسير 4/9. ([26]) الزهد للبيهقي 197. ([27]) إرشاد العباد 48. ([28]) جامع العلوم والحكم 464. ([29]) حلية الأولياء 2/82. ([30]) الوقت للقرضاوي 18. ([31]) ديوان الإمام الشافعي 73. ([32]) الإحياء 4/434. ([33]) صفة الصفوة 3/140، والزهد للبيهقي 199. ([34]) السير 7/243. ([35]) موارد الظمآن 2/ 39. ([36]) جامع العلوم والحكم 460. ([37]) جامع العلوم والحكم 460. ([38]) جامع العلوم والحكم 460. ([39]) السير 5/62. ([40]) صفة الصفوة 3/235. ([41]) جامع العلوم والحكم 463. ([42]) الفوائد 45. ([43]) صفة الصفوة 4/129. ([44]) صفة الصفوة 4/94. ([45]) صيد الخاطر 620. ([46]) الزهد للحسن البصري 140. ([47]) تذكرة الحفاظ 4/1352. ([48]) حلية الأولياء 8/140. ([49]) الزهد للبيهقي 204. ([50]) صفة الصفوة 4/29. ([51]) صفة الصفوة 4/24. ([52]) ديوان أبي العتاهية 495. ([53]) حلية الأولياء 4/134. ([54]) ذيل طبقات الحنابلة 1/146.([55]) جامع العلوم والحكم 464. ([56]) شذرات الذهب 1/262. ([57]) صفة الصفوة 4/180. ([58]) البداية والنهاية 13/166.([59]) جامع العلوم والحكم 462. ([60]) سوانح وتأملات نقلا عن الجواهر المضيئة لأبي محمد القرشي. ([61]) إرشاد العباد 37. ([62]) الزهد للبيهقي 196. ([63]) صفة الصفوة 3/140. ([64]) حلية الأولياء 9/275.([65]) شرح الصدور للسيوطي 7. ([66]) الزهد للبيهقي 298. ([67]) جامع العلوم والحكم 463. ([68]) جامع العلوم والحكم 463. ([69]) تذكرة الحفاظ 1/135. ([70]) الإحياء 4/13. ([71]) حلية الأولياء 6/189. ([72]) السير 14/186.([73]) صفة الصفوة 3/124.([74]) أي بالسير خلفه.([75]) الفوائد لابن القيم 223.([76]) صفة الصفوة 3/125. ([77]) الوقت للقرضاوي 13. ([78]) السير 5/302. ([79]) حلية الأولياء 9/298. ([80]) الزهد للبيهقي 290. ([81]) تاريخ بغداد 13/501.([82]) السير 4/600. ([83]) الزهد للبيهقي 197. ([84]) صيد الخاطر 620. ([85]) السير 18/116.([86]) فارغي النفوس والعقول. ([87]) وهو الورق([88]) صيد الخاطر 306.([89]) تذكرة الحفاظ 4/1376.([90]) صفة الصفوة 3/362، وحلية الأولياء 6/250. ([91]) البداية والنهاية 11/355. ([92]) السير 10/35. ([93]) الفوائد 151. ([94]) تذكرة الحفاظ 2/508. ([95]) ديوان الإمام علي 58. ([96]) الوقت للقرضاوي 12. ([97]) صفة الصفوة 2/376. ([98]) جامع العلوم والحكم 246، وحلية الأولياء 8/362. ([99]) الزهد للبيهقي 201. ([100]) السير 5/366. ([101]) الإحياء 2/251. ([102]) الجواب الكافي 184. ([103]) حلية الأولياء 7/345، وصفة الصفوة 3/138. ([104]) الزهد للبيهقي 257. ([105]) السير 13/15. ([106]) جامع العلوم والحكم 464. ([107]) صفة الصفوة 4/219. ([108]) مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا 11. ([109]) صفة الصفوة 4/230. ([110]) صفة الصفوة 2/383. ([111]) العاقبة 40. ([112]) جامع العلوم والحكم 464. ([113]) السير 4/15. ([114]) صفة الصفوة 4/209. ([115]) سوانح وتأملات 46. ([116]) صفة الصفوة 4/235. ([117]) صفة الصفوة 2/378. ([118]) صيد الخاطر 198. ([119]) موارد الظمآن 2/21. ([120]) جامع العلوم 460. ([121]) جامع العلوم والحكم 460. ([122]) أدب الدنيا والدين 123. ([123]) البداية والنهاية 11/ 132. ([124]) صفة الصفوة 4/162. ([125]) شذرات الذهب 8/137. ([126]) صفة الصفوة 1/409، والفوائد 409. ([127]) صفة الصفوة 4/ 14. ([128]) السير 13/15. ([129]) أدب الدنيا والدين 53.([130]) السير 9/141.([131]) طريق الهجرتين 270.([132]) العاقبة 31. ([133]) صفة الصفوة 3/142. ([134]) الوقت للقرضاوي باختصار 10- 11. ([135]) حلية الأولياء 30/88. ([136]) موارد الظمآن 3/493. ([137]) الفوائد 249.([138]) تذكرة الحفاظ 1/305. ([139]) صفة الصفوة 3/297. ([140]) الفوائد 45. ([141]) الزهد للإمام أحمد 485. ([142]) الفوائد 57. ([143]) العاقبة 91. ([144]) الزهد للبيهقي 199. ([145]) تذكرة الحفاظ 3/1182.