الولي
كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...
العربية
المؤلف | محمد حسين يعقوب |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
وحين تبحث عن السبب تجد أن الأصل في هذه القضية بلا شك، أن في قلوب الناس مللاً، اللهم داوِ أمراض قلوبنا، مرض عجيب أصاب نفوس الناس في هذه الأيام، ودعنا من الناس ولنتكلم عن المسلمين، أصاب المسلمين الملل، ملل ملأ قلوبهم، فتجد أن الملل في الحياة الزوجية أفسد كثيرًا من بيوت المسلمين فأدى إلى كثير من الظلم، وحالات الطلاق وتفرقة الأولاد وتحطيم البيوت وتضييع المستقبل ..
الحمد لله، أحمده تعالى وأستعينه وأستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آله محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
أما بعد:
سؤال يطرأ على خاطر كل مخلص، سؤال يفرض نفسه، أمام أعين كل من يحب الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-: ما سبب كثرة الفجور في شوارع المسلمين هذه الأيام؟! سؤال واضح يدعك تفكر، لأنك كلما تلفَّتَّ تجد هذا الفجور واضحًا والفسوق ظاهرًا، ومستعلن بالفاحشة في كل أنحاء الدنيا، شهوات مستعلية ودنيا مزينة وباطل ممكن. وتظل تتفكر: ما هذا الشغف والفتنة المتزايدة في الدنيا والتسارع عليها والمنافسة عليها؟! ما هذا الوهن في قلوب المسلمين والضعف والخذلان والاستكانة؟!
وحين تبحث عن السبب تجد أن الأصل في هذه القضية بلا شك، أن في قلوب الناس مللاً، اللهم داوِ أمراض قلوبنا، مرض عجيب أصاب نفوس الناس في هذه الأيام، ودعنا من الناس ولنتكلم عن المسلمين، أصاب المسلمين الملل، ملل، ملأ قلوبهم، فتجد أن الملل في الحياة الزوجية أفسد كثيرًا من بيوت المسلمين فأدى إلى كثير من الظلم، وحالات الطلاق وتفرقة الأولاد وتحطيم البيوت وتضييع المستقبل، ملل في حياة كثير من الملتزمين، ملل إيماني، ففرطوا في مناهج كانوا يعتقدونها وأصولاً كانوا يسيرون عليها، وضيعوا مسيرتهم إلى الله، التي طالما عاشوا من أجلها، فتركوا طلب العلم، وهجروا قيام الليل، ونسوا المصحف، وعاشوا ليعالجوا مللهم بمعصية الله.
حين دب الملل في نفوس بعض الناس، شغل نفسه بدنيا، ويجمع، ويجمع، ويجمع، ويجمع، ويملأ قلبه وعقله وجيبه، ثم ينفق هذا في الحرام علاجًا للملل، مصيبة، هذا المرض الخطير، الذي دب في قلوب الناس، ملل، من أخ في وسط إخوانه فتركهم، ومشي في صحبة سيئة، ملل، من أجل عمل معين يتركه، ثم ينصب، وكثر النصابون في هذه الأيام وأكلة أموال الناس بالباطل، ملل، في حياته الإيمانية، فصار يؤثر النوم أو الخروج في الشوارع التي لا تخلو من معاصٍ أبدًا، ملل، ملل دب في قلوب الناس فأخذوا يعالجونه بطرق زادتهم مللاً، وزادتهم ألمًا، وهكذا كل من أراد حظه على حساب ربه، عامله الله بنقيض قصده، "كل من أراد حظ نفسه على حساب ربه، عامله الله بنقيض قصده". فالذين أرادوا علاج مللهم بمعصية ربهم، عاملهم الله بضد ونقيض وعكس قصدهم، فلم يخرجوا من الملل إلا بزيادة الملل.
إخوتاه: تعالوا لنتساءل عن الأسباب والعلاج، إننا في زمن الفتن، اللهم نجنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم نجنا وأزواجنا وأولادنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن. إننا بعدما وضعنا أيدينا على الداء، حين تراه، في هذه البنت المتبرجة التي تلبس ملابس أشبه بالعارية، وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال: "كاسيات عاريات مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة"، تجد هذا وضعًا عرفت سببه، مللها من حياة ظنتها رتيبة فأرادت أن تغير الحياة، آخر يسمع موسيقى صاخبة، تكسر رأسه تدغدغ أعصابه، تصم أذانه، ظنًّا أن هذا علاج للملل، ثالث ترك الالتزام وجرب المعاصي، رابع ترك الحلال وبدأ في أكل الحرام، خامس، سادس، عاشر، ساروا في طرق الغواية والضلال، فتن، فلذلك تعالوا إخوتاه لنسأل ربنا -إلهنا وسيدنا ومولانا- كيف النجاة من هذه الفتن؟!
أولاً: تجديد الإيمان، اللهم جدد الإيمان في قلوبنا، أيها الإخوة: ديننا رحب واسع، قال تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج:78]، قال تعالى: (وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ) [البقرة:220]، (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) [الأعراف:157]، فديننا لا أغلال ولا آصار ولا حنث ولا عنت، ولا تضييق، ديننا يسر، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، فلابد ابتداءً من أن يكون في قلبك اعتزاز بهذا الدين بكل ما فيه، بكل ما فيه، لذا ينشرح صدرك، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما"، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيًا ورسولاً". اللهم ارزقنا الرضا واجعلنا من أهله، والرضا عكس الملل.
إننا بحاجة –إخوتاه- لأن نرضى بديننا، نرضى به جملة وتفصيلاً، نرضى بالدين ككل وبكل شرائعه وأحكامه، أصوله وفروعه، عقائده، وعباداته، معاملاته، إنه حين يغيب الدين، ويجنب الدين عن حياتنا، يحصل هذا الفجور الذي نرى، لذا نحن دومًا بحاجة إلى تجديد إيمان، اللهم جدد الإيمان في قلوبنا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم". الإيمان يخلق في قلبك فيحصل هذا الملل، بحاجة إلى تجديد.
وأول سبيل لتجديد الإيمان في قلبك: الاستعاذة بالله، أولاً: الاستعاذة بالله، إبراهيم -عليه السلام- قال: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ) [إبراهيم:35]، إبراهيم خليل الرحمن قال: (وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ) [الشعراء:87]، إبراهيم الذي لم يؤت رجل كلمات فأتمهن إلا هو، مع قلة من البشر هم أنبياء الله: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ) [البقرة:124]، ومع ذلك يخشى أن يشرك هو وأولاده، وأنت مطمئن تعيش حياتك كيفما اتفق، إن القلق على الإيمان ومن أجل الإيمان هو الذي يجدد لك حياتك؛ لأن الاطمئنان رتابة، فلابد أن تخاف أن يسلب إيمانك وأنت لا تشعر، أن ينزع إيمانك وأنت لا تشعر، وارد، هذا وارد، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الْوَكْتِ، ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ فَيَبْقَى أَثَرُهَا مِثْلَ الْمَجْلِ، كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ فَلَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الأَمَانَةَ، فَيُقَالُ: إِنَّ فِي بَنِي فُلانٍ رَجُلاً أَمِينًا، وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: مَا أَعْقَلَهُ!! وَمَا أَظْرَفَهُ!! وَمَا أَجْلَدَهُ!! وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ". اللهم ثبت الإيمان في قلوبنا. اللهم إنا نعوذ بك من السلب بعد العطاء، اللهم إنا نعوذ بك من الضلال بعد الهدى، ونعوذ بك من الحور بعد الكور.
إن الحالات التي نراها في هذه الأيام مِنْ تَفَلُّتِ بعض الملتزمين الذين كانوا قد بذلوا أقصى الوسع في التمسك بالدين، ثم صاروا يفرطون في أدنى مقتضيات الالتزام بمنتهى البساطة سبب ذلك: (فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد:16].
إننا بحاجة أن نخاف على إيماننا فنستعيذ بالله، كان أكثر دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك"، اللهم ثبت قلبي على دينيك، فهذا أول سبيل، أن تكون قلقًا على إيمانك تخشى ضياعه، تخشى سلبه، قلق عمر جعله فاروقًا، كان عمر بن الخطاب، يسأل حذيفة بن اليمان: "أبالله سماني لك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-". أرأيت؟! أنت جربت أن تسأل مرة: أنا منافق؟! ألم تسأل: أنا منافق أم لا؟! أم أنك استبعدت الفكرة عن ذهنك تمامًا: أنا؟!
اللهم إنا نعوذ بك من الكبر والغرور، اللهم إنا نعوذ بك من العجب والرضا عن النفس، الاستعاذة ودوام ذكر الله، اللهم ذكرنا بك فلا ننساك، كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر الناس ذكرًا لله، كان يذكر الله على كل أحيانه، كان في جميع أحواله صفة عامة شاملة في حياته كافة كثرة ذكر الله، ولذلك لما جاءه رجل قال: يا رسول الله: قل على عمل أتشبث به. قال: "لا يزال لسانك رطبًا بذكر الله".
تشبث، تشبث في زمن الفتنة بذكر الله، لسانك دومًا في استغفار، في صلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، في تهليل، في حوقلة، في تسبيح، الباقيات الصالحات، دعاء، عود لسانك: رب اغفر لي، فإن لله ساعات لا يرد فيها سائلاً.
تجديد الحياة علاج للملل، أولاً: الاستعاذة بالله وكثرة ذكر الله، الاستعاذة، الاستعاذة، حين تستعيذ بربك -سبحانه وتعالى- تستعيذ بمعناها: أعوذ: أي ألتجئ وأحتمي بجناب ربي العظيم العلي، احتمِ به، تحتمي به، فإذا استعذت فقد عذت بعظيم، وحين تستعيذ به، أعوذ بالله، ويرى منك صدقك في الاستعاذة به، يحوطك بعنايته ورعايته، ويشملك بعطفه ولطفه، فعطفه يقيك ما تحذره، ولطفه، يرضيك بما يقدره، الاستعاذة، تلكم أولاً.
ثانيًا: سنن الله الربانية، للخروج من الملل لابد من معرفة سنن الله الربانية في هذه القضية، في هذه القضية قضية الملل، ما هي السنن الربانية في هذا الموضوع؟! أولاً: قال تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) [العنكبوت:2]، تلك سنة ربانية، قال تعالى: (فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) [العنكبوت:3]، سنة ربانية، أن الله -جل جلاله- لا يدع الناس عند ادعاء الإيمان، بل لابد أن يبتليهم ليتبين الصادق من الكاذب.
ثانيًا: من سنن الله الربانية في هذه القضية: أن الذنوب الماضية تعمل حتى بعد دخولك الالتزام والدين والتوبة، تظل الذنوب تعمل، حتى يقبل الله توبتك ويتبين له صدقك؛ قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ) [آل عمران:155]، هؤلاء صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرجوا في غزوة أحد، ووقفوا على الجبل، وشدد عليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تنزلوا وإن رأيتمونا تتخطفنا الطير، لا تنزلوا وإن رأيتمونا تأكلنا السباع، لا تنزلوا وإن رأيتموهم يذبحوننا ذبحًا، لا تنزلوا وإن رأيتم أن المعركة قد انتهت، لا تنزلوا حتى آذن لكم".
تنبيهات صارمة من النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، عرّفنا الله السبب في هؤلاء الصفوة الذين نزلوا من فوق الجبل: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ) [آل عمران:155]، لماذا تمكن منهم الشيطان؟! لم؟! (بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ) [آل عمران:155]، ببعض ما كسبوا، أي بذنوب قديمة كانت لا زالت تعمل، اسمع كلام ربك، يقول ربي -وأحق القول قول ربي-: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ) [محمد:25]، (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ) [محمد:26]، سر من أسرار الملل في الحياة الزوجية، في الحياة الاجتماعية، وفي الحياة المادية، الإيمانيات، أن يسول لك الشيطان ويملي لك، وكلنا يحفظ: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) [النساء:76]، وكلنا ينسى: (وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً) [النساء:28]، مشهور، (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) [النساء:76]، وكلنا يحفظها، ويقول: كيد الشيطان ضعيف، وينسى أن الله الذي قال ذلك أيضًا قال: (وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً) [النساء:28]، أنت أصلاً ضعيف، مخلوق ضعيف، فحينما يستولي عليك الشيطان، ولذلك كانت أول نقطة في الموضوع الاستعاذة، لا تقل: إن الشيطان غلب، وإنما اعلم أن الحافظ أعرض، إنما غلب الشيطان حينما أعرض عنك الولي، سبحان الله تعالى، ولذلك، اسمع هذه الآية مرة أخرى: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ) [محمد:25]، ولا تحملها على معنى ارتد أي خرج من الملة، لا، ولكن انتكس، بعدما كان يقيم الليل، أين قيام الليل في رمضان؟! أين هو؟! مر بعد رمضان، قرابة الخمسة والأربعين الآن، كم ليلة قمت أحد عشرة ركعة في هذه الخمسين ليلة؟! كم ليلة؟! كم جزءًا من القرآن قرأته من يومها؟! هذا نوع من أنواع الانتكاس -تعطيل الطاعات- ما السبب؟! (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى) [محمد:25]، الهدى، الذي كنت فيه في رمضان، قرآن وذكر وصيام وإطعام وقيام واعتكاف وعمرة، هدى، (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ) [محمد:25]، ما السبب؟! (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ) [محمد:26]، لمجرد أنهم قالوا للمنافقين، للفاسقين، للمجرمين، للظالمين (سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ) [محمد:26]، قالوا: (سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ) [محمد:26]، فيريد أن يعالج الملل في حياته الزوجية، يتفرج على الدش؛ لأنه نصحه به منافق، فيتفرج على الأفلام القذرة، يخرج في فسحة إلى مصيف ليتفرج على الأجساد العارية، يجلس على مقهى، يقلب صفحات الإنترنت، كل تلكم الأسباب عرضها عليه، من كره ما أنزل الله، فقال: سنطيعك في بعض الأمر فتسلط عليه الشيطان فضاع، اللهم ثبت على الإيمان قلوبنا، اللهم نجنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
نعم -أيها الإخوة- إنك بحاجة أن تلجأ إلى الله دومًا بالاستعاذة، أعوذ بالله، أن تكثر من الذكر، أن يكون الله منك دومًا على بال، حين تعرف سنة الله، في هذا الأمر، أن من أعرض عن الله، أعرض الله عنه، قال الله العلي الأعلى، الملك، قال -سبحانه وتعالى-: (وَمَن يُشَاقِقِ الرّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً) [النساء:115]، (نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً) [النساء:115]، أنت تريد دنيا، خذ: (نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً) [النساء:115]، قال الله تعالى: (مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ) [الشورى:20]، سنة، من سنن الله الكونية، من سنن الله الربانية، السنن الربانية التي تحكم الدنيا، تحكم الخلق جميعًا، قال تعالى: (فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [العنكبوت:40]، سنة أنك تبتلى لابد، فإذا أعرضت وغفلت، مكّن الله منك الشيطان، فإذا تمكّن منك الشيطان، واسترسلت معه، ولاّك الله ما توليت من ولاية الشيطان، فإذا توليت الشيطان خسف الله بقلبك الأرض، سياق واحد، كانت هذه بدايته، وتلكم نهايته.
ثالثًا: سد الذرائع، كانت الأولى لعلاج مرض الملل: الاستعاذة وكثرة ذكر الله، ثانيًا: معرفة السنن الربانية لتتدارك الأمر من أوله، فلا تجعله يستطرد حتى يخسف بك، ثالثًا: سد الذرائع، من أسباب الفتنة التعرض للفتنة، اللهم نجنا من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، اللهم احفظنا وزوجاتنا وأولادنا، سبب الفتنة: التعرض للفتنة، فلابد من سد الذرائع، باب عظيم من أبواب الفقه، مهجور، فكثير من الناس لا يعمل به، سد الذرائع دليله في القرآن: (وَلاَ تَسُبُّواْ الذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ) [الأنعام:108]، المشروع أن تكره الكافرين وتعاديهم، هذا أصل في الدين، ولكن لا تشتم الكافرين فيشتموا ربك، هذا سد الذرائع، أنه سد باب أذى الكافرين لكيلا يؤذوا دينك، هذا أصل كبير من الأصول الإسلامية، وكثير من الناس جاهل به، لا يعرفه، سد الذرائع، فلذلك حصل عند الناس في هذه الأيام التعدي، انظر إلى قول الله تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً) [الإسراء: 32]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة:90]، (تَقْوَلاَ رَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ) [الأنعام:152]، (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا) [البقرة:187].
من بعيد، هذه هي سد الذرائع، أن تتوقف من بعيد، فكل ذريعة تقرب إلى فتنة اتركها من بعيد لا تقترب منها، لا تدنو، بعض الناس يحضر جهاز الهوائي فوق بيته ويقول: نعرف أخبار العالم، وهناك فلتر، وعندي مفتاح يغلق على الشر ويفتح على الخير، ووجود هذا الجهاز الخبيث في بيتك بكل المقاييس فتنة، حتى الدين الذي في القنوات الفضائية ملوث، حتى الدين، ومن علاج الملل والرتابة في الحياة، يستبدل بدل التليفزيون والدش كمبيوتر وإنترنت، أسوأ، أسوأ وأسوأ، وكم من فضائح ملأت البيوت، وزنا محارم، احرسنا وأولادنا وزوجاتنا، واكلأنا بحفظك الذي لا يرام ولا يضام.
نحن في زمن حرج، والأمر شديد والمراقبة صعبة والفتن محدقة وسهلة وكثيرة، والبيئة مشجعة، والمجتمع سلبي موافق، والمعين على طاعة الله نادر، والذنوب سهلة متاحة بسيطة، تتلقاها في أي لحظة وبمنتهى البساطة، اللهم احفظنا ونجنا من الفتن واكتب لنا حسن الخاتمة.
نعم أيها الإخوة، من قلب جريح أدماه واقع المسلمين، أناشدك -يا عبد الله- أن تسد باب كل ذريعة إلى حرام (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا) [البقرة:219]، فحرمت، حين يصير الإثم أكبر من النفع. وإذن كيف؟! كيف أعالج إذن مللي؟! قلت لك: أولاً باعتقادك أن في دينك فسحة، أخي، أخرج مع أولادك إلى قريتك، صل رحمك، وأقيموا هناك يومًا أو يومين، تأكلون من الأرض، قل لي: ليس لي أقارب في الفلاحين، ماذا أصنع؟! كيف أخرج من هذا؟! خذ ولديك إلى أي مسجد في منطقة أخرى واعتكف يومًا أو يومين، خذهم إلى عمرة، إلى حج، خذهم في زيارة لبعض المشايخ أو الأصدقاء الملتزمين، أو إلى مكتبة من المكتبات، نعم، في ديننا سعة، والله وبالله وتالله لو أنك كل يوم قمت بهم الليلة ركعتين في جوف الليل، وجلست بهم بعد الفجر في حلقة قرآن لتعلم التجويد، وأجريت مسابقة في حفظ القرآن من جوائز أو هدايا، ودرست لهم كل يوم صفحة أو صفحتين من سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتفسير القرآن، لما دخل بيتكم الملل، إنما دخل نتيجة الرتابة في المعيشة، كل يوم على نفس النسق، وعلى نفس النظام ونفس المشاكل ونفس الهموم ونفس الكلام ونفس التكرار ونفس الشكاوى، ونفس الحسابات على الفلوس، دنيا، أين الدين في بيتك؟! هذه هي القضية إذن، إننا بحاجة إلى سد الذرائع، أن نسد كل ذريعة إلى حرام، كل ما يفتح باب حرام، خلطة بالجيران، تؤدي إلى حرام، اقفل، خلطة بأقارب تؤدي إلى حرام، اقفل، وأين صلة الرحم؟! قال رسول الله: "ألا إن آل بني فلان ليسوا بأوليائي، ولكن لهم رحمًا أبلها ببلالها"، يعني أن آل بني فلان، أقاربي لهم رحم عندي، ولكن ليسوا بأوليائي: (إِنمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) [المائدة:55]، هؤلاء أولياؤك، أولياؤك المؤمنون الموحدون الصادقون العابدون، فإذا كانوا عصاة، مستظهرين المعصية، فليسوا بأوليائك ولو كانوا أباك وأمك، كيف أبرهم إذن وأصل رحمهم؟! "لهم رحم أبلها ببلالها"، سلام عليكم، وعليكم السلام، كيف حالك؟! طيب والحمد لله، سلام عليكم، "أبلها ببلالها"، مجرد صلة سريعة عاجلة، دون مشاركة في معصية ولا إقرار بها، سد باب الذرائع، ابنتك تخرج في الليل، للدروس الخصوصية، ممنوع، لماذا؟! ذريعة، الآن لم يعد الشباب هم الذين يفسدون البنات، بل البنات يفسد البنات، والنساء يفسدن النساء، وصدق عثمان بن عفان -رضوان الله عليهم أجمعين-: "إن المرأة إذا زنت ودّت لو أن كل النساء يزنين"، الفاجرة تحب أن يفجر كل النساء، والبنت المنحرفة تحب أن ينحرف كل أصحابها، تحب ذلك، لا تريد أن تكون هي الوحيدة القبيحة المذمومة، لا تريد أن تحمل العار وحدها، بل تريد أن تنشر العار في كل من تعرف، فاحرص على زوجاتك وبناتك وسد باب الذرائع.
اليوم فوجئت بفتنة شديدة، من امرأة تقرأ باب بريد الجمعة في جريدة الأهرام فإذا بها تقول لزوجها: هذا الباب قراءته المستمرة جعلتني أكرهك، لأنني وجدت النساء يتكلمن عن كذا وكذا وكذا، ففتحن عينها على ما لم تكن تعلم. فماذا نصنع في جو مليء بالفجور؟! ماذا نصنع؟! مضطر إلى أن تغلق بابك، وهذا هو الأصل، قال الله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) [الأحزاب:33].
أيها الإخوة: إني والله أحبكم في الله، عليكم حريص، ولكم ناصح أمين.
في مدافعة الملل، عنصر آخر، المرابطة على الثغور الإسلامية المفتوحة التي تحتاج إلى مرابطين، إن من أسباب الملل في حياة كثير من المسلمين أنه لا يجد شيئًا يصنعه، لا يجد شيئًا يفعله، فراغ:
إن الشباب والفراغ والجدة | مفسدة للمرء أي مفسدة |
فلذلك أقول: إننا هناك عندنا ثغرات تحتاج إلى مرابطين، هذه الثغرات مثل العلم: علم العقيدة، يحتاج إلى رجال، تخصص، سواء أن تدرس أو أن تكتب، اليوم وقد امتلأت جرائد ومجلات بحرب الإسلام وشتمه والاعتداء على الدين ومهاجمة رب العالمين والانتقاص من الأنبياء والمرسلين نحتاج إلى رجل يكتب، تستطيع أن تكتب؟! لا أستطيع، تعلّم وتدرب وامهر وكن كاتبًا، نحتاج من الثغور التخصصية إلى مرابطين، المنظرين، منظر للإسلام، منظر يستطيع أن يرد الشبهات بعقله المتفتح.
أين المهندسون وأساتذة الكمبيوتر وكبار الأدمغة والعقول؟! ماذا يصنعون للإسلام؟! إننا بحاجة لأن تكتب وتنظر وتناقش، وتجادل بالتي هي أحسن لتبين محاسن دينك، كن منهم، كن من هؤلاء، من الثغور التخصصية أيضًا التي نفتقد إلى مرابطين فيها في هذه الأيام، الدعوة الفردية، ليست الجماهيرية، بالوقوف على المنابر والجلوس على الكراسي وإعطاء المحاضرات العامة، ولكن، هناك إنسان، طبيبًا كان أو مهندسًا أو غيره، مديرك في العمل، زميلك، صاحبك، صديقك، جارك، أنا لا أصل إليه، وأبدًا لن يجلس مرة يستمع شريطًا أو يحضر درسًا، أنت تصل إليه، هل تستطيع بالحجة وبسمتك الصالح، أن تدعوه إلى الله؟!
من الثغور التي تحتاج إلى الله: المربين، أخي: ألست مثلي تفتقد إلى مربٍّ يربي أولادك، أنت مشغول، وأولادك في البيت قل ما تراهم، لو وجدت مربيًا يأتي ليعلم ابنك القرآن ويربيه، تدفع له خمسين جنيهًا في الشهر، تدفع؟! ويأتيك مرتين في الأسبوع كل مرة ساعة، تدفع؟! أدفع، ومائة؟! أدفع، نعم، أدفع، ألست تدفع في الإنجليزي والرياضيات، ولم لا للدين؟! ولكننا نفتقد إلى هذه النوعية المخلصة، مربٍّ، كانت وظيفة موجودة قديمًا، اسمه المؤدب، المؤدب، نحتاج إلى مثل هذا، وهذه ثغرة مفقود فيها المخلصون، ذوو الخبرة المجتهدون ذوو الفهم العالي، إذا أردنا أن نسترسل في ذكر الثغرات التخصصية، التي نحتاج فيها إلى مرابطين من شباب المسلمين فسنجدها كثيرة جدًّا، ولكن تخصص أنت في زمن التخصص، تخصص أنت، ماذا تستطيع أن تدفع وأن تقدم لتدفع رتابتك ومللك؟! أسأل الله -جل جلاله- أن ينجينا وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يرزقنا وإياكم الإخلاص في القول والعمل، أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم.
الخطبة الثانية:
إن الحمد لله، أحمده تعالى وأستعينه وأستهديه، أومن به وأتوكل عليه، أثني عليه الخير كله، أشكره ولا أكفره، وأخلع وأعادي من يفجره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آله إبراهيم إنك حميد مجيد.
إخوتي في الله: إني والله أحبكم في الله، من أسباب دفع الرتابة والملل في الحياة، رابعًا: أسباب شرعية، الصحبة الصالحة والبيئة الإيمانية، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان مرة يجلس في وسط أصحابه: "ليتنا نرى إخواننا". قالوا: ألسنا بإخوانك يا رسول الله؟! قال: "أنتم أصحابي، ولكن إخواني قوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني، عمل الواحد منهم بأجر خمسين". قالوا: منا أم منهم يا رسول الله؟! قال: "بل منكم، إنكم تجدون على الخير أعوانًا، وهم لا يجدون على الخير أعوانًا". هذا سر الغربة، اللهم فرج كربات المسلمين، فك أسر المأسورين، وعاف المبتلين من المسلمين، وانصر المستضعفين من المؤمنين.
أحبتي في الله: إن المؤمن الصادق ليعاني الأمرّين، من غربة هذه الأيام، ندرة الأخ المخلص والصديق الصالح والمعين على طاعة الله، قال الملك -جل جلاله-: (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ) [الأنعام:116]، قال تعالى: (وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ) [الأعراف:102]، لذا أخي، عليك بطرق الهدى، ولا يوحشنك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة، ولا يغرنك كثرة الهالكين، إننا في زمان ندر فيه فعلاً المعين على طاعة الله، وإننا لنتندر ونضحك من باب الفكاهة والضحك، أن امرأة تقول لامرأة أخرى: "تيجي نقلع النقاب؟! تقولها: تيجي" نضحك، تهريج، لكنها حقيقة، لو قلت لأي إنسان: ما رأيك، أحلق لحيتي أم أتركها؟! سيقول لك: احلقها طبعًا. هكذا كثر في زماننا فتنة ندرة المعين على طاعة الله.
جلست في أي مكان، سواء في مصلحة حكومية، أو في محطة أتوبيس حتى، أو في زيارة لأحد الأقارب أو المعارف في فرح أو غيره، مجلس أكثر ما فيه ذكر لله؟! أكثر ما تسمع فجور، فسق، غيبة، كذب، نفاق، نميمة، أما أن تجلس مع كوكبة من الطيبين، تتلون كتاب الله وتدارسونه، فشيء غريب.
أيها الإخوة: إننا بحاجة فعلاً أن نرسل إعلانًا في جميع الصحف مدفوع الأجر، مطلوب معين على طاعة الله، أين تجد هذا المعين؟!
ودومًا أنصح أن تكون أنت معينًا لأحد على طاعة الله، حينها الجزاء من جنس العمل، فيرزقك الله من يعينك على طاعة الله، ابدأ بنفسك، أن تعين أحدًا على طاعة الله، ثم تجد من يعينك على طاعة الله.
من أسباب علاج الملل أيضًا: هذا السبب السابق من الأسباب الخطيرة، والمهمة، خامسًا: إيجاد البيئة الإيمانية، أن توجد حولك مجتمعًا، بيئة إيمانية، ينبت فيها إيمانك وتزيد فيها طاعاتك، إنك بحاجة إلى بيئة إيمانية تصنعها بنفسك، أن توجد حولك مجموعة من الصحبة الصالحة؛ لأنه لا يفسد الإنسان إلا صحبته، ثم عدم تهويل هذا الأمر، تهويل قضية الملل، إننا في زمن كثرت فيه المبالغات، مبالغات، مبالغات، تجد إنسانًا جرح جرحًا يسيرًا، أو أصيب بصداع، فيسرع الجميع لمواساته وعلاجه فكذلك في الأمراض الإيمانية، تجد من أصيب بالفتور يبالغ ويشكو: عندي فتور، عندي فتور، عندي فتور، حتى يزداد فتوره، اسكت ولا تشكو ربك واستعن به، وتخلص من ذلك بزيادة الإيمان؛ لأن سبب هذا الملل نقص الإيمان. اللهم زد إيماننا. ومعلوم أن الإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، زد في طاعتك، وأنقص من معاصيك، يزيد إيمانك وتتخلص من فتورك.
المصاب بالملل يشكو، يشكو ويشكو، فيستحكم منه الداء، لأن ما تكرر تقرر، فيتقرر عنده أنه به ملل، فيبحث عن علاجه بالأساليب المحرمة، دعك من الكلام وانشط في الدعوة إلى الله، في طلب العلم، في العبادة، في الزيارات، في الخير، في مساعدة المحتاجين، هذه من الثغرات التخصصية المفقود، على الأمة التي افتقرت إلى المرابطين أن تبحث عن الفقراء، الذين يتعففون: (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ) [البقرة:273]، وترسل إليهم صدقتك بنفسك، زيارة المرضى في المستشفيات، ودعوتهم إلى التوبة قبل الممات، والمواظبة على الصلوات، زيارة المقابر والدعاء لأهل المقابر، إلى غير ذلك، تحرَّك تدفع مللك.
من أسباب دفع الفتور أيضًا وأخيرًا، سادسًا: ابدأ بنفسك، ابدأ بنفسك، إن كثيرًا منا يحمل هم الناس وصار هو محل شكوى للجميع، الكل يتصل به يشكو، ويكلمه ويعرض عليه مشكلته، ويعيش مشاكل الناس ونسي نفسه ترتع فيها الديدان، ابدأ بنفسك، البداية بك، قال تعالى: (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ) [النساء:84]، وقال تعالى: (وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ) [فاطر:18] قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ) [فصلت:46]، عالج نفسك، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ابدأ بنفسك وبمن تعول"، بنفسك وبيتك وزوجتك وأولادك، هذه هي البداية، فإن لم يكن لك زوجة ولا ولد، فابدأ بأبيك، أمك، أخيك، أختك، بيتك، بيئتك، هذه هي البداية.
أيها الإخوة: تبيّن لنا أن الملل سببه ضعف الإيمان، وعدم تجديده، اللهم جدد الإيمان في قلوبنا، فبدأنا بداية فقط، كل ما ذكرناه عنصر واحد هو تجديد الإيمان، اللهم جدّد الإيمان في قلوبنا، تجديد الإيمان، هذا هو الأصل، قناعتك بأن الإسلام دين عظيم، قال تعالى: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [الأنعام:161]، (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام:162]، (لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام:163]، هذه قضيتك الكلية لعلاج الملل، أن تستشعر عظمة الدين الذي أنت عليه، أن تستشعر كمال وجمال الدين، أن تستشعر تلك الهبة العظيمة التي وهبك الله إياها، أن تستشعر أنك على دين، لا آصار، لا أغلال، لا عنت، لا تضييق، إنما دين يسر وجمال وكمال، فاتبع شرائع دينك تعش سعيدًا.