القيوم
كلمةُ (القَيُّوم) في اللغة صيغةُ مبالغة من القِيام، على وزنِ...
العربية
المؤلف | صالح عبدالمحسن العويد |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
وبعد ظلام الليل الحالك يتنفَّسُ الصُّبْحُ بِضِيَائِه، ويرسل إلى الكون خيوط الصباح الأولى، مؤذنًا ببدء يوم جديد، ويشهد الكون في تلك اللحظات المهيبة، اعتراك الليل والنهار، ويبصر ميلاد يوم جديد، ويُقبل الفجر في زُهُوّه وبهائه يتهادى اختيالاً، مِلءَ عينيه أسرار وخبايا، وفي هذا الوقت البديع المبارك يدوّي في سماء الكون النداء الخالد، نداء الأذان لصلاة الفجر، فتهتف الأرض كلها: الله أكبر الله أكبر، الصلاة خير من النوم ..
الحمد لله مصرّف الأوقات، وميسر الأقوات، فاطر الأرض والسماوات، أحمده سبحانه وأشكره فهو أهل الفضل والمكرمات.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلقنا لعبادته ويسر لنا سبل الطاعات، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، جاء بالحنيفية السمحة، ويسير التشريعات.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد أفضل المخلوقات، وأكرم البريات، وعلى آله السادات، وأصحابه ذوي المقامات، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله -عز وجل-، فاتقوا الله رحمكم الله، واحذروا الغفلة، فالموت على جميع الخلائق قد كُتب، والحساب عليهم قد وجب، إن بعد الحياة موتاً، وبعد الدنيا أخرى، وإن لكلّ شيء حساباً، ولكلّ أجل كتاباً، ولكل حسنة ثواباً، ولكل سيئة عقاباً، فاستعدوا لمُلِمَّات الممات، واستدركوا هفوات الفوات، (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُواْ السَّيّئَـاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّـالِحَـاتِ) [الجاثية:21].
لقد ضربتِ الدنيا في قلوبنا بسَهم، ونصبَت في قلوبنا رايات، ليلُنا ونهارُنا في حديثٍ عن الدنيا: كم نَربح؟ كيف نجمَع؟ إن ضُرِب موعِدٌ للدّنيا بادرنا إليه مبكِّرين، وأقمَنا عند بابه فرِحين، ولا نُبقي للآخرة في قلوبنا إلاّ ركنًا ضيِّقًا، وذِكرًا قصيرًا.
انظر إذا رُفع الأذان، كم ترى من المبكِّرين المسرعين؟ وفي الطرقات ترى الكثرةَ تسير بعجلةٍ للدّنيا. لقد وصّى رسولُنا ابنَ عمر بوصيّة بليغةٍ تصحِّح منظورَ المسلم إلى هذه الحياةِ الدنيا حيث قال: "كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل".
عباد الله: وبعد ظلام الليل الحالك يتنفَّسُ الصُّبْحُ بِضِيَائِه، ويرسل إلى الكون خيوط الصباح الأولى، مؤذنًا ببدء يوم جديد، ويشهد الكون في تلك اللحظات المهيبة، اعتراك الليل والنهار، ويبصر ميلاد يوم جديد، ويُقبل الفجر في زُهُوّه وبهائه يتهادى اختيالاً، مِلءَ عينيه أسرار وخبايا،
وفي هذا الوقت البديع المبارك يدوّي في سماء الكون النداء الخالد، نداء الأذان لصلاة الفجر، فتهتف الأرض كلها: الله أكبر الله أكبر، الصلاة خير من النوم.
وتكون صلاة الفجر فاتحة اليوم في حياة المسلم، ليعلّم الإسلام أهله أن يبدأوا كل أمر بطاعة الله، والإقبال عليه، والإنابة إليه، وكأنما هي شكر لله على نعمة الإصباح بعد الإظلام.
دعوني أحدثكم عن رجال ليسو ككل الرجال، رجال وجوههم مسفرة، وجباههم مشرقة، وأوقاتهم مباركة، إنهم رجال الفجر، وأهل صلاة الفجر، أولئك الذين ما إن سمعوا النداء يدوي: الله أكبر! الله أكبر! الصلاة خير من النوم، حتى هبّوا وفزعوا وإن طاب المنام، وتركوا الفراش وإن كان وثيرًا، قام أحدهم مخبتا منيبا: الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور.
خرج من بيته إلى بيت ربه ملبيا النداء، مرددا: اللهم اجعل في قلبي نورا، وفي لساني نورا، واجعل في سمعي نورا، واجعل في بصري نورا، واجعل من خلفي نورا، ومن أمامي نورا، واجعل من فوقي نورا، ومن تحتي نورا، اللهم أعطني نورا.
لم تمنعه ظلمة الليل من أن يمشي فيها إلى بيت الله -تعالى-، فكان جزاؤه أن يسير في نور تام يوم القيامة، فعند أبي داود والترمذي من حديث بريدة الأسلمي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "بَشِّر المشَّائين في الظُّلَمِ إلى المساجدِ بالنور التام يوم القيامة". لم تخرجه دنيا يصيبها، ولا أموال يقترفها، فيا لَسَعادةً يعيشها حين لا ينفك النور عنه طرفة عين.
أولئك هم الرِّجال حقاً، والمؤمنون صدقاً، قال ربُّنا -جل وعلا-: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أن تُرفعَ ويُذكرَ فيها اسمهُ يسبحُ لهُ فيها بالغدو والآصال * رِجَالٌ لا تلهيهم تجارةٌ ولابيعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمَاً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [النور:36-38].
رجال الفجر أنفسُهُم طيِّبة، وأجسادهم نشيطة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "يعقد الشيطان على قافية رأسِ أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، ويضرب على مكان كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ وذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان" متفق عليه.
رجال الفجر في المساجد مع القرآن يعيشون، وإلى لذيذ خطاب الله يستمعون، وفي ربيع جناته يتقلبون، قال -عز وجل-: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) [الإسراء:78].
رجال الفجر لهم ثناءٌ جميل, مسطّر في رَقٍّ منشور, ثناء تكلم به الجبَّار -جل جلاله-, وحسبك بثناء من عند الله تعالى, الذي لا يزين مدحه إلا هو, ولا يشين ذمه إلا هو, فبشراكم ذلك الثناء يا أهل الفجر! قال الله تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) [الكهف:28].
رجال الفجر صلاتهم لهم ستار من النار، وسبيل إلى جنات النعيم، ففي صحيح مسلم من حديث عمار بن رؤيبة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لن يلج النار أحدٌ صلَّى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها"، وفي الصحيحين من حديث أبي موسى -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال :"مَن صلَّى البَرْدَيْنِ دخل الجنة"، والبردان: الفجر والعصر.
رجال الفجر تشهد لهم ملائكة الرحمن، وترفع بهم تقريرا إلى ربهم، قال -صلى الله عليه وسلم-: "يتعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل وملائكةٌ بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم -وهو أعلم بهم- كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يُصَلُّونَ، وأتيناهم وهم يصلون" متفق عليه.
رجال الفجر مع جماعة المسلمين تضاعف لهم أجورهم وصلاتهم، ففي صحيح مسلم من حديث عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ صلَّى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل, ومَن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله".
رجال الفجر محفوظون بحفظ الله، وفي ذمة الله تعالى وجواره، فما ظنكم بمَن كان في جوار الله تعالى وحفظه، ففي صحيح مسلم من حديث جُندَب بن عبد الله -رضي الله عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ صَلَّى الصبح فهو في ذمة الله, فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء, فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه, ثم يكبه على وجهه في نار جهنم".
رجال الفجر مهما قلْتُ وتحدَّثَتُ فلن يسع المقام بذكر حالهم، وأختم بهذه المزية، مزية لو لم تكن لهم إلا هي لكفَتْ، استمِعْ يا تاركا لصلاة الفجر! استمع! إن رجال الفجر اختصهم الله من بين عباده، ولهم وعدٌ صادق من الصادق المصدوق بأن يروا ربهم -عز وجل-.
ففي مسلم من حديث جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أما إنكم سترون ربكم كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته, فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاةٍ قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا"، يعني العصر والفجر، ثم قرأ: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها) [طه:130].
أيها المسلمون: لا يشهد صلاة الفجر إلا صفوة الرجال؛ لذلك كانت تلك الصلاة أشدّ صلاة على المنافق؛ كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء, ولو يعلمون مافيهما لأتوهما ولو حبوًا" رواه البخاري.
وعن أبي بن كعب -رضي الله عنه-، قال: صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: صلاة الصبح ثم أقبل علينا بوجهه فقال: "أشاهِدٌ فلان؟". قالوا: لا. فقال: "أشاهِدٌ فلان؟" فقالوا: لا، لنفَرٍ مِن المنافقين لم يشهدوا الصلاة، فقال: "إن هاتين الصلاتين أثقل الصلاة على المنافقين، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا".
ولذلك كانت صلاة الفجر عند الصحابة مقياسًا يزنون به الناس، ففي صحيح ابن خزيمة عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر والعشاء أسأنا به الظن .
أيها الأحبة في الله: وبعد هذا، فماذا يقول ذلك الذي آثر فراشه معرضًا عن نداء ربه -عز وجل-؟ ماذا يقول وقد فوّت على نفسه الفضل العظيم؟! في حين تراه خلف سقط المتاع يلهث من صبحه إلى مسائه! ماذا يقول وهو يقيم الوقت الطويل في السهر الضائع، وجلسات اللهو واللعب؟! وإلى تلك الدقائق الغالية تقصر فيه كُلّ همّة.
فيا مَن فقدناك في صفوف الفجر! أرَضِيتَ أن تكون أسيرًا للشيطان والهوى؟! أرضيت أن يبول الشيطان في أذنيك فلا يجعلها تسمع نداءً، ولا تجيب فلاحًا، فوا عجبا لك! لو بال عليك أحد أبنائك الصغار لأوسعته ضربا، ولكنك رضِيتَ ببول الشيطان الرجيم، ليس على ثيابك وإنما داخل جسدك، ففي الصحيح من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: ذكر عند النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل نام ليلة حتى أصبح، فقال :"ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه".
فهلا عزمت من ساعتك هذه أن تكون ضمن الركب المبارك، أهل الفجر؛ لتحظى بفضائلهم، ولتنجو من الوعيد الشديد للذين ينامون عن فرائض الله تعالى، يقول النبيّ في حديثِ الرؤيا إنه "أتاني اللَّيْلَةَ آتيان، وإنَّهُما ابْتَعَثَانِي، وإنَّهُمَا قالا لي: انطَلِقْ، وإنَّي انطلقتُ معهما، وإنَّا أتَيْنا على رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ، وإذا آخرُ قائمٌ عليه بصَخْرةٍ، وإذا هو يَهْوِي بالصخرةِ لرأْسِهِ، فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ فَيَتَدَهْدَهُ الحَجرُ ها هنا، فَيَتْبَعُ الحجرَ فيأخُذُهُ، فلا يرجِعُ إليه حتَّى يصِحَّ رأْسُهُ كما كان، ثم يعود عليه، فيفعلُ به مثلَ ما فعلَ المرةَ الأولى. قلتُ لهما: سبحانَ الله! ما هذا؟ قالا لي انْطَلِقْ، انطلقنا"، وفي آخر الحديث إخبارًا لرسول الله عمّا رأى: "أمَّا الرجل الأول الذي أتيتَ عليه يُثْلَغُ رأْسُه بالحجَرِ، فإنَّهُ الرجلُ يأخذ القرآن، فيرفُضُه، وينام عن الصلاة المكتوبة" أخرجه البخاري.
فيا عبد الله! كيفَ تهون عليك صلاتُك وهي رأسُ مالك، وبها يصحّ إيمانك؟! كيف تهون عليك وأنت تقرأ الوعيدَ الشديدَ في قول الله -جل وعلا-: (فَوَيْلٌ لّلْمُصَلّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَـاتِهِمْ سَاهُونَ) [الماعون:4-5]؟ كيف تتّصف بصفةٍ من صفات المنافقين، وقد علمت أن التكاسل والتهاون وقلَّة الذكر والفكر صفاتُ المنافقين؟ (إِنَّ الْمُنَـافِقِينَ يُخَـادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلَوةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَاءونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً) [النساء:142].
وليعلم المتخلّف عن صلاة الفجر متعمّدًا أن فعْلته أشنع من السرقة والزنا والقتل وغيرها من الموبقات! قال ابن حزم -رحمه الله-: لا ذنب بعد الكفر أعظم من تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها، ومِن قتل امرئ مسلم بغير حق.
فما غرك -أيها المتخلف- بربك وألهاك عن صلاة فجرك؟! أسأل الله جل وتعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا أن يعينني وإياكم على أنفسنا، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، أقول ما قلت، فإن كان صوابًا فمن الله وحده، وإن كان غير ذلك فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه، إنه كان غفارًا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فيا أيها المسلمون، اتقوا الله وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه، (يَـاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّـادِقِينَ) [التوبة:119].
معاشر المسلمين: إنَّ من الظواهر المنتشرة ويزيد انتشارها في مثل هذه الأيام مع قصر الليل وطول النهار، وهي ظاهرة التخلف عن صلاة الفجر في المسجد مع الجماعة، وقضاؤها بعد فوات وقتها، وإنك لترى المسجد في الحي المزدحم يمتلئ في الصلوات كلها، حتى إذا جئت لصلاة الفجر ألفيته شبه خاوٍ ليس فيه إلا القليل من المصلين.
أما علِم النائم عن الصلاة أنَّ من ترك صلاةً واحدةً عمدًا حتى يخرج وقتها فقد كفر عند بعض أهل العلم؟ وبعضُ الناس يتعمد ضبط المنبه على وقت العمل ولو كان وقت العمل في السابعة أو الثامنة، ولا يصلي الفجر إلا في هذا الوقت.
وقد سئل الشيخ الإمام عبد العزيز ابن باز -رحمه الله- عن ذلك فقال: من يتعمَّدْ تركيب الساعة إلى ما بعد طلوع الشمس حتى لا يصلي فريضة الفجر في وقتها، هذا قد تعمد تركها، وهو كافر بهذا عند جَمْعٍ من أهل العلم؛ لتعمده ترك الصلاة .وقال الشيخ بن عثيمين -رحمه الله- في مثل هذا: صلاته هذه غير مقبولة، ولا تبرأ بها ذمته، وسوف يُحاسَب عنها.
عباد الله: إن للتخلف أسبابًا لا تخفى على ذي لب، فالسهَر الطويل، والعكوف على أجهزة اللهو، والاجتماعات الليلية في كثير من الاستراحات؛ من أعظم أسباب النوم عن هذه الصلاة العظيمة، فاحرصوا -عباد الله- على النوم المبكر كما كان هديه عليه الصلاة والسلام، فإنه لا يسهر بعد العشاء إلا لما ترجحت مصلحته.
والسهر بعد العشاء إن كان سببًا في النوم متأخرا وتفويت صلاة الفجر فهو محرم،حتى ولو كان على طاعة، فما أوصل إلى الحرام؛ فهو حرام.
ولتحرصوا على آداب النوم، والأدعية المأثورة قبل النوم وبعده، وأن يكون أحدنا على طهارة، وإن لم يكن قد أوتر بعد صلاة العشاء فلا ينام حتى يوتر، إلا إن كان سيقوم آخر الليل من أجل أن يوتر، واستعينوا بعد الاستعانة بالله بالمنبهات والأهل والجيران، وبادروا بالاستيقاظ إذا أوقظتم، واعمروا قلبكم بالإيمان، وأكثروا من صالح الأعمال.
فمتى حيِيَ القلب دفعَ صاحبه إلى كلّ خير، ومتى خبا نور الإيمان في القلب كسل صاحبه عن الطاعات، وارتكب المحذورات، فالذنوب تقسي القلوب، وأبعد القلوب من الله القلب القاسي. وتجنبوا فضول الكلام والطعام والشراب، والنظر والسماع؛ فإنها من أهم أسباب قسوة القلب.
والمعاصي داءٌ قتَّال، ما تخلف المتخلفون عن الصلاة إلا بسبب الذنوب، وليكن مع ذلك وقبل ذلك همة عالية، وحرص واستشعار فيما تقدَّمَ ذكره من الآثار الطيبة المترتبة على المحافظة على صلاة الفجر، والآثار السيئة المترتبة على التخلف، فإن ذلك دافع للعبد إلى أن يحرص على ما ينفعه.
فاتقوا الله -عباد الله- وحاسبوا أنفسكم على التقصير، وبادروا آجالكم بالصالح من أعمالكم، واستعدوا للموت فقد أظلكم، واعلموا أن الأجل مستور، والأمل خادع.
ثم صلُّوا وسلِّموا -رحمكم الله- على خير البرية، وأزكى البشرية.