الولي
كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...
العربية
المؤلف | عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
فعندما تُراعي الزوجةُ الواجبَ عليها نحو زوجها، وعندما يلتزم الرجلُ الواجبَ عليه نحو امرأتِه، عند ذلك تنتظم الحياة، وتستقيم الأحوال؛ وإنما يؤتَى البيتُ عندما يتخلف كلٌّ عن حقِّه، عندما تضعف الزوجة عن القيام بحق الزوج، أو الزوج يتنكر لحق المرأة، فعند ذلك يقع الشر والفساد، وأما التزام كلٍّ منهما بالحق الواجب عليه، فإن هذا سببٌ للسعادة، وهناءة العيش، وتعيش الأسرة في استقامة ..
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا، ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
أمَّا بعد: فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى.
عباد الله: الأسرة أساس المجتمع، وهو المأوى الذي جعله الله للزوج، يأوي فيه، ويسكن إليه، وفي الزواج سكون النفس، ومتع الحياة، وبه يتحقق العفة والإحصان، والزواج علاقة قوية، وميثاق غليظ، (وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً) [النساء:21].
والتزام الزوجين العشرة بالمعروف، هو قوام الحياة الزوجية، وقد بيَّن الله في كتابه، وبيَّن رسوله -صلى الله عليه وسلم- الأحكام الزوجية بأوضح بيان، وما للرجل من حقوق، وما عليه من واجبات، وما للمرأة من حق، وما عليها من واجب، فمتى راعى الزوجان هذه الحقوق والواجبات صارت الحياة حياة طيبة.
أيها الزوجان: إن أردتم الحياة الطيبة والثابتة، القائمة على أسس المحبة والمودة، فليؤدِّ كلٌّ منكما الواجب عليه نحو الآخَر؛ ليتم التوازن في هذه الحياة.
أيتها الأخت الكريمة: إن لزوجكِ عليك حقوقاً وواجباتٍ لا بدَّ أن تقومي بها؛ طاعةً لله، وقربةً تتقربين بها إلى الله، فمن أعظم حقوق الزوج عليكِ طاعتُه في المعروف، فإن طاعتَه في المعروف أمرٌ واجبٌ عليكِ، قال الله -جل وعلا-: (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) [النساء:34]، والطاعة إنما هي في المعروف، فلا طاعة لأحدٍ في معصية الله، قال الله -جل وعلا-: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء:19].
فيا أيتها المرأة المسلمة، إن لزوجكِ عليكِ حقَّ أن تطيعيه في المعروف، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا باتت المرأة وزوجها ساخطٌ عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح"، وفي طاعتُكِ لزوجكِ الثواب العظيم عند الله، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصَّنت فرجها، وأطاعت بعلها، دخلت الجنة من أيِّ أبوابها شاءت"، فهذا فضلٌ عظيمٌ، ونعمةٌ عظيمةٌ من الله لكِ أيتها الأخت المسلمة بطاعتك للزوج بالمعروف.
ومن حقهِ الواجب عليكِ تمكينُه من قضاء وطره إذا أراد ذلك، فإن في الزواج تحصينَ الفرج في الحلال؛ إعفافاً بذلك عما حرَّم الله عليه، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "إذا دعا الرجل امرأته لفراشه فلم تجب، فبات غاضباً عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح"؛ ولهذا أُرشد الزوج أيضاً إلى قضاء وطره، وجُعِلَ ذلك صدقةً منه على نفسه، وعلى امرأته، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "وفي بُضْعِ أحدِكم صدقة"، قالوا يا رسول الله، يأتي أحدُنا شهوته، ويكون له فيها أجر؟! قال: "أرأيتم لو وضعها في الحرام كان عليه وزر، فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر".
ومن الحق الواجب عليكِ نحو زوجكِ صيانةُ عرضِهِ وشرفه، فذاك أمانةٌ ائتُمِنتِ عليها، فالمرأة الصالحة قاصرةٌ نظرها على زوجها، محافظة على سمعة فراشه، قائمة بذلك خير قيام، (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) [النساء:34]، وفي الحديث، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "خير متاع الرجل المرأة الصالحة، إن نظر إليها أسرَّته، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله".
فيا أيها الأخت العزيزة: إن صيانتك لعرض زوجك وشرفك أمرٌ طيب، وأمرٌ خيِّر، وأمر واجبٌ عليك إيجاباً شرعيا، فلا تنخدعي بتلك الأفلام الخليعة، والتي تبعدك عن الكرامة والفضيلة، والدعوات الشرِّيرة المروِّجة للفحشاء، المروِّجة للرذيلة، عافا الله الجميع من ذلك.
ومن الحقِ الواجبِ عليكِ نحو زوجكِ ألَّا تأذني لأحدٍ بالدخول إلا بإذنه، فمَن عَلِمْتِ أنه لا يرضى بدخوله فلا تأذني له، لأنه -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يحل للمرأة أن تأذن لأحد في بيت زوجها إلا بإذنه".
ومن حقه عليكِ أيضاً رعاية بيته وماله، ففي الحديث، "المرأة راعية في بيت زوجها، ومسؤولة عن رعيتها"، ونهاها -صلى الله عليه وسلم- أن تنفق من مال زوجها إلا بإذنه، ومن حقه عليكِ أيضاً ألا تكلِّفيه من النفقة ما يُعجزه، ويثقل كاهله، ولا يستطيع له، فإن الله يقول: (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا) [الطلاق:7]، فكلما راعت المرأة جانب زوجها المادي، وراعت ظروفه ودخله، وقامت بذلك خير قيام، والتزمت القناعة بذلك، كان أدعى لانتظام الحياة الزوجية.
ومن الحق الواجب عليك نحو الزوج تربية الأولاد، وتوجيههم، فإن كلا الزوجِ شريكان في هذه المهمة العظيمة، تربية النشء، وإعدادهم الإعداد السليم، وأمرهم بالخير، وتحذيرهم من الشر، وكون الأب قدوةً للأبناء في الخير والصلاح، والأم قدوة لبناتها في الستر والعفاف، والتزام الأخلاق الكريمة.
ومن حق الزوج عليكِ أيضاً البقاء في المنزل، وعدم الخروج إلا لما تدعو الحاجة إليه، فإن خروجك من المنزل بلا سبب يقتضي ذلك، فيه التفريط، والإضاعة للمنزل ورعايته وحفظه.
ومن الحقِّ عليكِ أيضاً ألا تؤذيه بالكلام البذيء، وأن تخاطبيه بالخطاب الطيِّب المبارك، فإن بذاءة اللسان لا تليق بالمسلم ولا بالمسلمة، وقد جاء أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا آذَت المرأة زوجها في الدنيا قالت زوجته من الحور العين: قاتَلَكِ الله! لا تؤذيه؛ فإنما هو دخيلٌ عندك، يوشك أن يفارقك إلينا".
ومن الحق الواجب عليكِ أيضاً ألا تتقربي إلى الله بنافلة صيامٍ إلا بإذنه، فإن حقه واجبٌ مقدَّمٌ، ولهذا يقول -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه".
ومن حقه عليكِ -أيضاً- ما بيَّنه النبي -صلى الله عليه وسلم-، محذِّراً الزوجين من إفشاء العلاقة الزوجية، فأخبر أن: "من شرار الناس الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه ثم يصبحان ينشران ذلك"، فهذا من رذائل الأمور المنهي عنها؛ لأن هذا دليل على قلة الحياء، وعدم المبالاة.
أيها الزوج الكريم: وإن لزوجتك عليك أيضاً واجباتٍ وحقوقاً لا بد أن تؤديها، فكما أن لك عليها حقاً وواجباً، فعليك أيضاً نحوها حقوقٌ وواجبات لا بد من أدائها لتنتظم الحياة، فأعظم حقٍ لها عليك أن تعطيها صداقها كاملاً سواء كان معجلاً، أو كان قسماً معجلاً وقسماً مؤجلا، لأن الله يقول: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) [النساء:4]، فلا بد من إعطائها حقها كاملاً.
ومن حقها عليك الإنفاق عليها طعاماً وكسوةً ومسكناً، قال الله تعالى: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة:233]، وقال: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ) [الطلاق:6]، فالإنفاق واجبٌ على الزوج نحو امرأته بحكم عقد النكاح بينهما، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يرِّغب في هذا الجانب، فيقول لسعد بن أبي وقاص: "إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجِرتَ عليها، حتى اللقمةَ تضعها في فيّ امرأتك".
ويخبر -صلى الله عليه وسلم- عن أنواع الصدقة، فيقول: "دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في فَك رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها ما أنفقته على أهلك"، ويحذر من التقليل والتقتير على الزوجة بقوله: "كفى بالمرء إثماً أن يضيِّع من يقوت".
ومن حقها عليك أن تعاشرها بالمعروف، بالأدب الشرعي، يقول الله -جل وعلا-: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء:19]، ويقول: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة:228]، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي".
ومن حقها عليك أن تقيَها عذاب الله، بأمرها بالخير وترغيبها فيه، وتحذيرها من الشر، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) [التحريم:6]، والله يقول: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) [طه:132].
ومن حقها عليك الغيَّرة عليها، الغيَّرة التي حقيقتها إقناعها بالخير، وتحذيرها من أيِّ شر علمته، دون أن يكون هناك وساوس، وشكوك، وتطلعات للمعايب، وإنما غيْرة تحملك على حب الخير لها، وكراهية الشر لها، فتغار عليها لأجل ذلك، لا غيرة مُوسوِس ومشكك ومن يبحث عن العيوب، فكم من إنسان ابتُلي بمثل هذه الجرائم، وينظر إلى غيره على واقع نفسه! فالواجب تقوى الله.
وكما أن المرأة أيضا تغار على زوجها، لكن يجب أن تكون غيرتها مبنية على أمور واضحة، لا تتبُعٌ للهفوات، والزلات، وبحثاً عن تفتيش أرقام الهاتف وغيره، مما قد يسبب شراً وبلاءً بينهما.
ومن حق المرأة على زوجها أيضاً تعليمها أمور دينها التي تجهلها، وحثها على الخير، ومن حقها عليك العدل بين الزوجات عند التعدد، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "من كان له امرأتان فمال إلى إحداهن دون الأخرى جاء يوم القيامة وشقه مائل".
ومن حقها عليك ألا تستغل حقها عليك بالظلم والعدوان، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، فلا تستغلَ ضعفها وعجزها بالتسلط عليها، واتهامها بما هي بريئة منه.
ومن حقها عليك أن تحافظ على مالها، ولا تحاول استغلال مرتبها ومالها، بأن تهددها بالطلاق إن لم تعطك حقها، وتضيِّق عليها، كل هذا من الدناءة، فإن الواجب عليك الإنفاق عليها مهما كان الحال، دخلت بعقد فالتزم هذا العقد، وفي الحديث: "إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج".
فعندما تراعي الزوجةُ الواجبَ عليها نحو زوجها، وعندما يلتزم الرجلُ الواجبَ عليه نحو امرأتِه، عند ذلك تنتظم الحياة، وتستقيم الأحوال؛ وإنما يؤتَى البيتُ عندما يتخلف كلٌّ عن حقِّه، عندما تضعف الزوجة عن القيام بحق الزوج، أو الزوج يتنكر لحق المرأة، فعند ذلك يقع الشر والفساد، وأما التزام كلٍّ منهما بالحق الواجب عليه، فإن هذا سببٌ للسعادة، وهناءة العيش، وتعيش الأسرة في استقامة، وسلامة، وانتظام حال.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وصحبِه، وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.
أما بعد: فأيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى.
عباد الله: شريعة الإسلام جاءت بما يحقق العدل في كل الأحوال، ومن ذلك العدل بين الزوجين، بإلزام كل من الزوجين بالحق الواجب عليه، فتلتزم المرأة بالواجب عليها نحو زوجها، ويلتزم الزوج بالواجب عليه نحو امرأته، هكذا الحياة الزوجية التي رسمها الإسلام للزوجين ليحيا حياة سعيدة، حياةً ترفرف عليها السعادة والهناء، فلنتق الله في أنفسنا.
أيها الزوج العزيز: إن الانبساط مع المرأة، ومعاشرتها بالمعروف، من الأسباب التي تقوِّي دعائم الأسرة، والاستقرار في الحياة الزوجية، وإن كثرة المعاتبة على غير سبيل من أسباب الفرقة، فإياك وأن تكثر العتاب بلا سبب! إياك أن تتتبّع الزلات والهفوات التي لا قيمة لها ولا قدر لها! عليك بالمداراة، ما لم يكن في ذلك خلل في الشرف والعرض، عليك بالصبر على بعض الأخطاء، فما أحدٌ سالم من كل الأخطاء، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "لا يفرك مؤمنٌ مؤمنة إن سخِط منها خلقاً رضي منها آخر"، ويقول: "واستوصوا بالنساء خيراً".
فصبرُ كل منهما على صاحبه أمر مطلوب، تصبر المرأة على زوجها، وعلى بعض أخلاقه، وعلى بعض تصرفاته الخاطئة ما لم تكن تنافي العِرض والشرف، ويصبر الزوج على بعض أخطاء امرأته ما لم تكن منافيةً للشرف، فيستقيم كل منهما، ويداري كلٌّ منهما الآخر، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- حذَّر المرأة المسلمة من كفران العشير، وهو التنكر للزوج، فيخبر أنه رأى النار، وأن أكثر أهلها النساء؛ لأنهن لا يكفرن بالله، وإنما يكفرن العشير، لو أحسنْتَ إلى واحدةٍ الدهرَ كُلَّه ثم رأَتْ منكَ شيئاً، قالت: ما رأيت منك خيراً قط!.
أيها الإخوة: إن المشاكل الزوجية تتطور أحياناً بأسباب تافهة، عند التدبر والتعقل تجد أن هذه أسباب تافهة لا حقيقة لها، فالواجب على الأهلين أقرباء الزوج أو الزوجة أن يحلوا تلك المشاكل في حدود المنزل، وألا تتطور هذا الأشياء حتى تخرج خارج المنزل، فبإمكان الزوج أن يعالج أمره مع زوجته أو مع أهلها، وبإمكان أهلها أن يقنعوها إذا رأوا أنها مخطئة، وبإمكان أبي الزوج وأهل الزوج أن يقنعوه إن رأوا أنه مخطئ، فإذا تعاون الأهلون جميعاً مع الزوجين في حل هذه المشاكل، اكتُفي بها عن الترافع إلى المحاكم.
أما إذا أوقد الأهلون نار الفتنة، فتعصب الرجل لابنته مهما يكن من أخطائها، أو تعصب الرجل لرأيه مهما كانت أخطاؤه، فتلك المصيبة العظيمة، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- حذَّر المرأة المسلمة أن تطلب الطلاق في غير ما بأس، فقال: "إذا سألت الزوجة الطلاق في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة"، فالأهلون واجبٌ عليهم أن تكون مواقفهم مواقف مشرفة، مواقف تحل المشكل، وتنهي هذا النزاع، وتدرس هذه المشكلة دراسة جيدة متعمقة، ليُعرف السبب فيُعالج، وتعالج القضية على مستوى المنزل، لا أن تخرج خارجه فيتدخل الأراذل من الناس، ومَن لا قيمة لهم، ومن لا يحبون الخير، ليفسدوا البيت ويهدموه من أصله.
ألا تسمع الله يقول: (وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) [النساء:128]، فالصلح بين الزوجين خير، صلحٌ يقتضي حفظ الحقوق للجميع، صلحٌ يكفُّ المشكلة ويُنهي الخصام، صلحٌ يعود بالمياه إلى مجاريها، والحياة الزوجية إلى استقرارها، صلحٌ يراد به وجه الله والدار الآخرة، فلْنتَّق الله في أنفسنا.
وإن كثيراً من التأمل في أسباب الطلاق الواقع بين الزوجين تراها مبنية على أساس من عدم الاستقرار، وأن أسباب هذا الطلاق والداعية إليه ليست الرذيلة في الحقيقة، لكنها الحماقة من بعض الرجال، أو الحماقة من بعض أهل المرأة، فتعظَّم تلك الأشياء التي بالإمكان حلها وإنهاؤها على مستوى العائلة دون أن تخرج خارج المنزل، نسأل الله للجميع التوفيق والسداد، والعون على كل خير، إنه على كل شيء قدير.
واعلموا -رحمكم اللهُ- أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.
وصَلُّوا -رَحِمَكُم اللهُ- على عبد الله ورسوله محمد، كما أمركم بذلك ربُّكم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك، وإحسانِكَ، يا أرحمَ الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، واجعل اللهم هذا البلد آمناً مطمئناً، وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.
اللَّهمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا، اللهم وفقهم لما فيه خير الإسلام والمسلمين، اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبدَ الله بنَ عبدِ العزيزِ لكلِّ خير، اللهم كن له عوناً ونصيراً في كل ما أهمه، اللهم أرهِ الحق حقاً ووفقه لإتباعه، وأرهِ الباطل باطلاً ووفقه لاجتنابه، ودله على كل عملٍ تحبه وترضاه، واجعله بركةً على نفسه، وعلى مجتمعه، وعلى أمته المسلمة، اللهم شد عضده بولي عهده سلطان بن عبد العزيز، وأمده بالصحة والسلامة والعافية، ووفق النائب الثاني نايف بن عبد العزيز لكل خير، وأعنه على مسؤوليته، إنك على كل شيءٍ قدير.
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:10]، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف:23]، (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) [البقرة:201].
عبادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90]، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.