البحث

عبارات مقترحة:

الرزاق

كلمة (الرزاق) في اللغة صيغة مبالغة من الرزق على وزن (فعّال)، تدل...

السميع

كلمة السميع في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

الأول

(الأوَّل) كلمةٌ تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...

الكذب

العربية

المؤلف عبد الملك القاسم
القسم كتب وأبحاث
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات
الكذب: قال المصنف - حفظه الله -: «فإن من سبر أحوال غالب الناس اليوم ، وجد بضاعتهم في الحديث «الكذب»، وهم يرون أن هذا من الذكاء والدهاء وحسن الصنيع، بل ومن مميزات الشخصية المقتدرة. ولقد نتج عن هذا الأمر عدم الثقة بالناس حتى إن البعض لا يثق بأقرب الناس إليه، لأن الكذب ديدنه ومغالطة الأمور طريقته. وهذا الكتيب هو الثالث من «رسائل التوبة» يتحدث عن الكذب: أدلة تحريمه، وأسبابه، وعلاجه. وفيه مباحث لطيفة».

التفاصيل

 الكذب المقدمة مــدخل تحريم الكذب الحالات التي يباح فيها الكذب المعــاريض الأسباب الباعثة على الكذب ما لا يحسبه الناس كذباً ومما لا يحسبه الناس كذباً ويتساهلون فيه الكذب من أنواع الكفر الأكبر الكذب على الله – عز وجل – وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - درر من أقوال السلف علاج الكذب الخاتمة   الكذبعبد الملك القاسم المقدمةالحمد لله الذي جعل الصدق منجاة، والصلاة والسلام على رسول الله الصادق الأمين.. أما بعد: فإن من سبر أحوال غالب الناس اليوم ، وجد بضاعتهم في الحديث «الكذب»، وهم يرون أن هذا من الذكاء والدهاء وحسن الصنيع، بل ومن مميزات الشخصية المقتدرة. ولقد نتج عن هذا الأمر عدم الثقة بالناس حتى إن البعض لا يثق بأقرب الناس إليه، لأن الكذب ديدنه ومغالطة الأمور طريقته. وهذا الكتيب هو الثالث من «رسائل التوبة من...»يتحدث عن الكذب: أدلة تحريمه، وأسبابه، وعلاجه. وفيه مباحث لطيفة. نفعنا الله به وجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم. ***  مــدخلجعل الله الأمة الإسلامية أمة صفاء ونقاء في العقيدة والأفعال والأقوال. فالصدق علامة لسعادة الأمة، وحسن إدراكها، ونقاء سريرتها. فالسعادة مفتاحها الصدق والتصديق، والشقاوة دائرة مع الكذب والتكذيب. ولقد أخبر –سبحانه وتعالى – أنه لا ينفع العباد يوم القيامة إلا صدقهم، وجعل علم المنافقين الذي تميزوا به هو الكذب في أقوالهم وأفعالهم، فجميع ما عابه عليهم أصله الكذب في القول والفعل. فالصدق:بريد الإيمان، ودليله، ومركبه، وسائقه، وقائده، وحليته، ولباسه، بل هو لبه وروحه. والكذب:بريد الكفر، والنفاق دليله، ومركبه، وسائقه، وقائده، وحليته، ولباسه، ولبه، فمضادة الكذب للإيمان كمضادة الشرك للتوحيد، فلا يجتمع الكذب والإيمان إلا ويطرح أحدهما صاحبه ويستقر موضعه. فما أنعم الله على عبد من نعمة بعد الإسلام أعظم من الصدق الذي هو غذاء الإسلام وحياته، ولا ابتلاه ببلية أعظم من الكذب الذي هو مرض الإسلام وفساده. أخي المسلم:      إياك والكذب، فإنه يفسد عليك تصور المعلومات على ما هي عليه، ويفسد عليك تصويرها وتعليمها للناس، فإن الكاذب يصور المعدوم موجوداً والموجود معدوماً، والحق باطلاً والباطل حقاً، والخير شراً والشر خيراً، فيفسد عليه تصوره وعلمه، عقوبة له، ثم يصور ذلك في نفس المخاطب المغتر به الراكن إليه فيفسد عليه تصوره وعلمه.   ونفس الكاذب معرضة عن الحقيقة الموجودة نزاعة إلى العدم مؤثرة للباطل، وإذا فسدت عليه قوة تصوره وعمله التي هي مبدأ كل فعل إرادي فسدت عليه تلك الأفعال وسرى حكم الكذب إليها وصار صدورها عنه كصدور الكذب عن اللسان، فلا ينتفع بلسانه ولا بأعماله.  تحريم الكذبالكذب من قبائح الذنوب وفواحش العيوب. قال الله – جل وعلا – }وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ{ [الإسراء:36]. وقال تعالى: }مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ{ [ق:18].وعن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً»([1]). قال العلماء: إن الصدق يهدي إلى العمل الصالح الخالص من كل مذموم. والبر: اسم جامع للخير كله، وقيل : البر : الجنة، ويجوز أن يتناول العمل الصالح والجنة. أما الكذب: فيوصل إلى الفجور، وهو الميل عن الاستقامة. وقيل : الانبعاث في المعاصي. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : «أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كان فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها : إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر» ([2]). وفي ذم التحدث بكل ما يسمعه المرء، قال - صلى الله عليه وسلم - : «كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع»([3]). وقال عبد الله بن عامر : جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بيتنا وأنا صبي صغير فذهبت أخرج لألعب، فقالت أمي : يا عبد الله، تعال حتى أعطيك، فقال - صلى الله عليه وسلم - : «وما أردت أن تعطيه؟». قالت : تمراً. فقال : «أما إنك لو لم تفعلي لكتبت عليك كذبة»([4]).وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : «لا يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً»([5]). فاحذر – أخي المسلم – من مغبة الكذب، فإن الكذب أساس الفجور كما قال - صلى الله عليه وسلم - : «إن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار»([6]). ***  الحالات التي يباح فيها الكذب الكذب حرام، لما فيه من الضرر على المخاطب أو على غيره. ولكن يباح الكذب وقد يجب أحياناً، والضابط فيه : أن كل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب. ثم إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحاً كان الكذب مباحاً، وإن كان واجباً كان الكذب واجباً، فإذا اختفى مسلم من ظالم يريد قتله، أو أخذ ماله ، وأخفى ماله وسئل إنسان عنه، وجب الكذب بإخفائه. وكذا لو كان عنده وديعة، وأراد ظالم أخذها منه، وجب الكذب بإخفائها، والأحوط في هذا كله أن يوري. وملخص ما سبق: فإن الفقهاء قد نصوا على أن الكذب ينقسم على أقسام حكم الشرع الخمسة، والأصل فيه التحريم: القسم الأول: المحرم: وهو ما لا نفع فيه شرعاً. القسم الثاني: المكروه: وهو ما كان لجبر خاطر الوالد أو خاطر الزوجة. القسم الثالث: المندوب: وهو ما كان لإرهاب أعداء الدين في الجهاد، كأن يخبرهم بكثرة عدد المسلمين وعددهم. القسم الرابع: الواجب: ما كان لتخليص مسلم أو ماله من هلاك. القسم الخامس: المباح: ما كان للإصلاح بين الناس. وقد قيل بقبحه مطلقاً، لما ورد في أهله من الذم في كتاب الله العزيز. ***  المعــاريض بيان الحذر من الكذب بالمعاريض: نقل عن السلف أن في المعاريض مندوحة عن الكذب ([7]). وأرادوا بذلك إذا اضطر الإنسان إلى الكذب، فأما إذا لم تكن حاجة وضرورة فلا يجوز التعريض ولا التصريح جميعاً، ولكن التعريض أهون. ومثال التعريض: *ما روي أن مطرفاً دخل على زياد فاستبطأه فتعلل بمرض، وقال : ما رفعت جنبي منذ فارقت الأمير إلا ما رفعني الله. *وقال إبراهيم: إذا بلغ الرجل عنك شيء فكرهت أن تكذب فقل: إن الله تعالى ليعلم ما قلت من ذلك من شيء. فيكون قوله: «ما» حرف نفي عند المستمع، وعنده الإبهام. *وكان معاذ بن جبل عاملاً لعمر – رضي الله عنه – فلما رجع قالت له امرأته : ما جئت به مما يأتي به العمال إلى أهلهم ؟ وما كان قد أتاها بشيء. فقال: كان عندي ضاغط، قالت: كنت أميناً عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعند أبي بكر – رضي الله عنه – فبعث عمر معك ضاغطاً؟ وقامت بذلك بين نسائها واشتكت عمر، فلما بلغه ذلك دعا معاذاً وقال : بعثت معك ضاغطاً ؟ قال : لم أجد ما أعتذر به إليها إلا ذلك، فضحك عمر – رضي الله عنه – وأعطاه شيئاً، فقال أرضها به – ومعنى قوله ضاغطاً : يعني رقيباً وأراد به الله تعالى. *وكان النخعي لا يقول لابنته: أشتري لك سكراً، بل يقول: أرأيت لو اشتريت لك سكراً ؟ فإنه ربما لا يتفق له ذلك. *وكان إبراهيم  إذا طلبه من يكره أن يخرج إليه وهو في الدار، قال للجارية : قولي له اطلبه في المسجد، ولا تقولي له ليس ههنا كيلا يكون كذباً. *وكان الشعبي إذا طلب في المنزل من قبل شخصٍ وهو يكرهه خط دائرة، وقال للجارية : ضعي الأصبع فيها وقولي: ليس ههنا. وهذا كله في موضع الحاجة، فأما في غير موضع الحاجة فلا، لأن هذا تفهيماً للكذب – وإن لم يكن اللفظ كذباً – فهو مكروه على الجملة، كما روى عبد الله بن عتبة قال : دخلت مع أبي على عمر بن عبد العزيز – رحمة الله عليه – فخرجت وعلى ثوب، فجعل الناس يقولون : هذا كساه أمير المؤمنين ؟ فكنت أقول جزى الله أمير المؤمنين خيراً، فقال لي أبي : يا بني اتق الكذب وما أشبه، فنهاه عن ذلك، لأن فيه تقريراً لهم على ظن كاذب لأجل غرض المفاخرة وهذا غرض باطل لا فائدة منه.  الأسباب الباعثة على الكذبهناك بواعث كثيرة تدفع صاحب النفس الدنيئة إلى الكذب، ومنها: أولاً: قلة الخوف من الله وعدم مراقبته في كل دقيقة وجليلة. ثانياً: محاولة تغيير الحقائق وإبدالها سواء لرغبة في الزيادة أو النقصان وسواء للتفاخر أو لمكسب دنيوي أو غيره ، مثل من يكذب في ثمن شراء أرض أو سيارة، أو إيهام أهل المخطوبة بمعلومات غير صحيحة وغيرها. ثالثاً: مسايرة المجالس، ولفت الأنظار بقصص ومعلومات كاذبة. رابعاً: عدم تحمل المسؤولية، ومحاولة الهرب من الحقائق في الأزمات والمواقف. خامساً:  التعود على الكذب منذ الصغر، وهذا من سوء التربية، فهو منذ نعومة أظفاره يرى والده يكذب وأمه كذلك ، فينشأ في هذا المجتمع. سادساً: المباهاة بالكذب، وأنه نوع من الذكاء ومن سرعة البديهة وحسن التصرف. ***  ما لا يحسبه الناس كذباً ومن الكذب الذي لا يوجب الفسق، ما جرت به العادة في المبالغة، كقوله : طلبتك كذا وكذا مرة، وقلت لك : كذا مائة مرة، فإنه لا يريد به تفهيم المرات بعددها بل تفهيم المبالغة، فإن لم يكن طلبه إلا مرة واحدة كان كاذباً، وإن كان طلبه مرات لا يعتاد مثلها في الكثرة لا يأثم وإن لم تبلغ مائة، وبينهما درجات يتعرض مطلق اللسان بالمبالغة فيها لخطر الكذب. ومما يعتاد الكذب فيه ويتساهل به، أن يقال : كل الطعام، فيقول : لا أشتهيه، وذلك منهي عنه وهو حرام، وإن لم يكن فيه غرض صحيح. قال مجاهد: قالت أسماء بنت عميس: كنت صاحبة عائشة في الليلة التي هيأتها وأدخلتها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعي نسوة قال : فو الله ما وجدنا عنده قرى إلا قدحاً من لبن، فشرب ثم ناوله عائشة، قالت : فاستحيت الجارية : قالت : فقلت : لا تردي يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خذي منه، قالت: فأخذت منه على حياء فشربت منه، ثم قال : «ناولي صواحبك» فقلن : لا نشتهيه، فقال : «لا تجمعن جوعاً وكذباً» قالت: فقلت : يا رسول الله : إن قالت إحدانا لشيء تشتهيه لا أشتهيه، أيعد ذلك كذباً؟ قال : «إن الكذب ليكتب كذباً، حتى تكتب الكذيبة كذيبة»([8]). وقد كان أهل الورع يحترزون عن التسامح بمثل هذا الكذب. قال الليث بن سعد: كانت عينا سعيد بن المسيب ترمص حتى يبلغ الرمص خارج عينيه، فقال له : لو مسحت عينيك ؟ فيقول : وأين قول الطبيب : لا تمس عينيك؟ فأقول: لا أفعل .       وهذه مراقبة أهل الورع، ومن تركه انسل لسانه في الكذب عند حد اختياره فيكذب ولا يشعر. وعن خوات التيمي قال: جاءت أخت الربيع بن خثيم عائدة لابن له، فانكبت عليه، فقالت : كيف أنت يا بني؟ فجلس الربيع وقال : أرضعتيه ؟ قالت : لا، قال : ما عليك لو قلت، يا ابن أخي فصدقت؟ ومن العادة أن يقول : يعلم الله، فيما لا يعلمه. قال عيسى – عليه السلام:-  إن من أعظم الذنوب عند الله أن يقول العبد : إن الله يعلم، لما لا يعلم. وربما يكذب في حكاية المنام، والإثم فيه عظيم إذ قال عليه السلام : «إن من أعظم الفرية أن يدعي الرجل إلى غير أبيه، أو يري عينيه في المنام ما لم ير، أو يقول على ما لم أقل»([9]). وقال عليه السلام : «من كذب في حلمه كُلِّف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين وليس بعاقد بينهما أبداً»([10]).  ومما لا يحسبه الناس كذباً ويتساهلون فيه 1-دعوة الصغير لأخذ شيء، وليس مع الداعي شيء: عن عبد الله بن عامر – رضي الله عنه – قال : أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتنا وأنا صبي صغير فذهبت أخرج لألعب، فقالت أمي : يا عبد الله، تعالى حتى أعطيك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «وما أردت أن تُعطيه؟» قالت : تمراً. فقال: «أما إنك لو لم تفعلي لكتبت عليك كذبة»([11]). فليتنبه الآباء، ولتتنبه الأمهات إلى هذا، فإنهم يرون هذه الأكاذيب خير ما يدرأ عنهم المتاعب ويجلب لهم المنافع. ولنرب الأبناء على الإسلام، ولنغرس فيهم الصدق، وإيانا أن نكذب عليهم، فذلك من أقوى الأساليب التي تجعلهم كذابين، وهذا الصحابي الجليل عبد الله بن عامر – رضي الله عنه – قد روى لنا بنفسه ما جرى مع أمه حين كان صغيراً، إذ إن الصغير، شديد الحفظ لما يسمع والتقليد لما يرى. 2-التحدث بكل ما يسمع: عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما يسمع»([12]). وفي رواية : «كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما يسمع»([13]). ولربما ينقل أحدهم الحديث بغير تثبت، فيقول : هذا ما سمعته. ولا أنقل سوى ذلك، وماذا لو كان ما سمعه تهمة زنا لرجل عفيف، أيظل ينقل هذا؟ ومن منا يرضى لنفسه أن يتحدث عنه بمثل هذا؟ 3-التحدث بالكذب لإضحاك الناس: عن معاوية – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ويل للذي يحدث فيكذب، ليضحك به القوم، ويل له ويل له»([14]). واشتهرت – وللأسف – أسماء من وراء هذه المعاصي، وامتلكوا الأموال والقصور، وأدخلوا السرور إلى نفوس الناس بزعمهم، فراقب الناس حركات الممثلين بكل اهتمام، وتلقي الناس هذه البضاعة بالقبول، وتبرير ذلك، بأنه ترويح للنفوس، وإذهاب لبؤسها، وتبديد لعناء الحياة، وما ذاك إلا لأنه موافق لهوى نفوسهم.  الكذب من أنواع الكفر الأكبر يقول ابن قيم الجوزية: (وأما الكفر الأكبر فخمسة أنواع : كفر تكذيب، وكفر استكبار وإباء مع التصديق، وكفر إعراض، وكفر شك، وكفر نفاق). فأما كفر التكذيب:فهو اعتقاد كذب الرسل. وهذا القسم قليل في الكفار فإن الله تعالى أيد رسله، وأعطاهم من البراهين والآيات على صدقهم ما أقام الحجة، وأزال به المعذرة، قال تعالى عن فرعون وقومه: }وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا{ [النمل:14]، وقال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : }فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ{ [الأنعام:33]. وإن سمي هذا كفر تكذيب أيضاً فصحيح، إذ هو تكذيب باللسان. وأما كفر الإباء والاستكبار: فنحو كفر إبليس، فإنه لم يجحد أمر الله ولا قابله بالإنكار. وإنما تلقاه بالإباء والاستكبار. ومن هذا كفر من عرف صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  ،وأنه جاء بالحق من عند الله، ولم ينقد له إباء واستكباراً، وهو الغالب على كفر أعداء الرسل، كما حكى الله تعالى عن فرعون وقومه قولهم : }أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ{ [المؤمنون:47]، وقول الأمم لرسلهم: }إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا{ [إبراهيم:101] وقوله: }كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا{ [الشمس:11]. وأما كفر اليهود : كما قال تعالى : }فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ{ [البقرة:89]. وقال : }يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ{ [البقرة:146]. وأما كفر الإعراض: فإن يعرض بسمعه وقلبه عن الرسول، لا يصدقه ولا يكذبه، ولا يواليه ولا يعاديه، ولا يصغي إلى ما جاء به البتة، كما قال أحد بني عبد ياليل للنبي - صلى الله عليه وسلم - : (والله أقول لك كلمة. إن كنت صادقاً، فأنت أجل في عيني من أن أرد عليك، وإن كنت كاذباً، فأنت أحقر من أن أكلمك) وهو كفر الملحدين اليوم من المتسمين بأسماء إسلامية، المقلدين للإفرنج من اليهود والنصارى المنحلين عن كل خلق وفضيلة، زاعمين بجاهليتهم وسفههم أن هذا هو سبيل الرقي والمدنية. وأما كفر الشك: فإنه لا يجزم بصدقه ولا بكذبه، بل يشك في أمره، وهذا لا يستمر شكه إلا إذا ألزم نفسه الإعراض عن النظر في آيات صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - جملة، فلا يسمعها ولا يلتفت إليها. وأما مع التفاته إليها ونظره فيها : فإنه لا يبقى معه شك، لأنها مستلزمة للصدق، ولا سيما بمجموعها فإن دلالتها على الصدق كدلالة الشمس على النهار. وأما كفر النفاق: فهو أن يظهر بلسانه الإيمان، وينطوي بقلبه على الكذب، فهذا هو النفاق الأكبر. ***  الكذب على الله – عز وجل – وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - قال الله عز وجل :- }وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ{ [الزمر:60]. وقال الحسن: هم الذين يقولون : إن شئنا فعلنا، وإن شئنا لم نفعل. قال ابن الجوزي في تفسيره: "وقد ذهب طائفة من العلماء إلى أن الكذب على الله وعلى رسوله كفر ينقل عن الملة، ولا ريب أن الكذب على الله وعلى رسوله في تحليل حرام وتحريم حلال كفر محض، وإنما الشأن في الكذب عليه فيما سوى ذلك". وقال - صلى الله عليه وسلم - : «من كذب عليّ بني له بيت في جهنم»، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار»([15])، وقال - صلى الله عليه وسلم - : «من روى عني حديثاً وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين»([16]). ***  درر من أقوال السلف أخي المسلم: الكذب أساس الفجور، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «إن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار»([17]). وأول ما يسري الكذب من النفس إلى اللسان فيفسده، ثم يسري إلى الجوارح فيفسد عليها عملها كما أفسد على اللسان أقواله، فيعم الكذب أقواله وأعماله وأحواله، فيستحكم عليه الفساد ويترامي داؤه إلى الهلكة إن لم يتداركه الله بدواء الصدق يقلع تلك المادة من أصلها. ولهذا كان أصل أعمال القلوب كلها الصدق، وأضدادها من الرياء والعجب والكبر والفخر والخيلاء والبطر والأشر والعجز والكسل والجبن والمهانة وغيرها أصلها الكذب. فكل عمل صالح ظاهر أو باطن فمنشؤه الصدق. وكل عمل فاسد ظاهر أو باطن فمنشؤه الكذب، والله تعالى يعاقب الكذاب بأن يعقده ويثبطه عن مصالحه ومنافعه، ويثيب الصادق بأنه يوفقه للقيام بمصالح دنياه وآخرته، فما استجلبت مصالح الدنيا والآخرة بمثل الصدق، ولا مفاسدهما ومضارهما بمثل الكذب. ومن أقوال وأفعال السلف هذه الدرر المختارة:قال علي– رضي الله عنه :- أعظم الخطايا عند الله اللسان الكذوب، وشر الندامة ندامة يوم القيامة. *كان أبو حنيفة قد جعل على نفسه أن لا يحلف بالله في عرض كلامه إلا تصدق بدرهم فحلف فتصدق به، ثم جعل أن يتصدق بدينار، فكان إذا حلف صادقاً في عرض الكلام تصدق بدينار، وكان إذا أنفق على عياله نفقة تصدق بمثلها، وكان إذا اكتسى ثوباً جديداً كسا بقدر ثمنه الشيوخ العلماء، وكان إذا وضع بين يديه الطعام أخذ منه فوضعه على الخبز ثم يعطيه إنساناً فقيراً، فإن كان في الدار من عياله إنسان يحتاج إليه دفعه إليه، وإلا أعطاه مسكيناً. *عن أبي بردة بن عبد الله بن أبي بردة قال: كان يقال : إن ربعي بن حراش – رضي الله عنه – لم يكذب كذباً قط، فأقبل ابناه من خراسان قد ناجلا، فجاء العريف إلى الحجاج فقال : أيها الأمير : إن الناس يزعمون أن ربعي بن حراش لم يكذب قط، وقد قدم ابناه من خراسان وهما عاصيان، فقال الحجاج : عليّ به، فلما جاء قال : أيها الشيخ. قال : ما تشاء؟  قال : ما فعل ابناك ؟ قال : المستعان الله خلفتهما في البيت، قال : لا جرم والله، لا أسوؤك فيهما، هما لك. *وقال مالك بن دينار: قرأت في بعض الكتب : ما من خطيب إلا وتعرض خطبته على عمله فإن كان صادقاً صدف، وإن كان كاذباً قرضت شفتاه بمقاريض من نار، كلما قرضتا نبتتا. *وقال مالك بن دينار: الصدق والكذب يعتركان في القلب، حتى يخرج أحدهما صاحبه. *وعن هارون بن رئاب قال: لما حضرت عبد الله بن عمرو الوفاة قال: إنه كان خطب إليّ ابنتي رجل من قريش، وكان مني إليه شبيه الوعد، فو الله لا ألقي الله – عز وجل – بثلث النفاق اشهدوا أني قد زوجتها إياه. *وكلم عمر بن عبد العزيز: الوليد بن عبد الملك في شيء فقال له : كذبت، فقال عمر : والله ما كذبت منذ علمت أن الكذب يشين صاحبه. *جاءت أخت الربيع بن خثيم عائدة إلى بني له فانكبت عليه، فقالت: كيف أنت يا بني؟ فسأل الربيع : أرضعتيه؟ قالت : لا، قال : ما عليك لو قلت : يا ابن أخي، فصدقت؟ *قال يزيد بن ميسرة: الكذب يسقي باب كل شر، كما يسقي الماء أصول الشجر. *قال عمر بن عبد العزيز: ما كذبت كذبة منذ شددت على إزاري.  علاج الكذبأخي المسلم: إذا أردت أن تعرف قبح الكذب من نفسك، فانظر إلى كذب غيرك وإلى نفور نفسك عنه، واستحقارك لصاحبه واستقباحك لكذبه. ويجب على المسلم تجديد التوبة إلى الله من كل ذنب وخطيئة، وعليه تحري الأسباب التي تعين على ترك الكذب، ومنها: 1-معرفة الكاذب لحرمة الكذب وشدة عقابه، وتذكر ذلك مع كل حديث وفي كل مجلس. 2-تعويد النفس على تحمل المسئولية وقول الحق ، حتى وإن كان هناك نقص ظاهري يراه فإن الخير في الصدق. 3-المحافظة على اللسان ومحاسبته. 4-استبدال مجالس الكذب وفضول الكلام بمجالس الذكر وحلق العلماء. 5-أن يعلم الكذاب أنه متصف بصفة من صفات المنافقين. 6- أن يستشعر أن الكذب طريق للفجور وأن الصدق يهدي إلى الجنة. 7-تربية الأطفال تربية إسلامية صحيحة وتعويدهم على الصدق والظهور بمظهر الصادقين أمامهم. 8-أن يعلم الكاذب أن ثقة الناس به تزول، وهذا من خسران الدنيا والآخرة. 9-أن يستشعر عظم الضرر الذي سيلحق بالمسلم من جراء كذبه. أخي المسلم: لا يكذب المرء إلا من مهانته أو مفعلة السوء أو من قلة الأدب  الخاتمةأخي الكريم: اجتنب صحبة الكذاب فإنه مثل السراب يلمع ولا ينفع، ولا تجعل نفسك مهينة ، وأنت ترى أنه في قرارة نفسه استطاع بذكائه أن يوهمك ويدلس عليك. بل انفر منه ، ولا تدعه يلوث سمعك ، ويخطئ معلوماتك ، ويفسد عليك صفاءك. أخي : عوّد لسانك قول الخير تحظَ  به إن اللسان لما عودت معتادُ  موكلٌ بتقاضي ما سننت له فاختر لنفسك وانظر كيف ترتادُ جعلني الله وإياك ممن يقال لهم في ذلك اليوم المشهود والموقف العظيم: }هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ{ [المائدة:119].([1]) رواه البخاري (10/423) في الأدب ، باب قول الله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ{ وما ينهي عن الكذب ، ومسلم رقم( 2606) في البر ، باب تحريم النميمة ، وباب قبح الكذب وحسن الصدق وفضله.([2]) رواه البخاري (1/84) في الإيمان ، باب علامات المنافق ، ومسلم رقم (58) في الإيمان ، باب بيان خصال المنافق. .([3]) رواه مسلم (1/10) في المقدمة، باب النهي عن الحديث بكل ما سمع ، وأبو داود رقم (4992) في الأدب ، باب في التشديد في الكذب.([4]) رواه أبو داود رقم (4991) في الأدب ، باب في التشديد في الكذب ، أيضاً أحمد (3/447) وفيه ضعف .([5]) جزء من حديث رواه البخاري (10/423)، ومسلم رقم (2606). انظر:ص(6).([6]) المصدر السابق.([7]) صح ذلك موقوفاً على عمر – رضي الله عنه – بلفظ: (أما في المعاريض ما يكفي المسلم من الكذب؟) انظر: صحيح الأدب المفرد للألباني رقم (680).([8]) ذكر ابن أبي الدنيا في كتاب (الصمت وآداب اللسان) رقم (520) بإسناد ضعيف ، وأخرجه أحمد (6/438 ، 452) وابن ماجة مختصراً جداً (3298) في الأطعمة باب عرض الطعام من حديث أسماء بنت يزيد ، وليس أسماء بنت عميس وهو حسن.([9]) رواه البخاري (6/394) في الأنبياء ، باب نسبة اليمن إلى إسماعيل – عليه السلام.([10]) روى نحوه البخاري بلفظ : (من تحلم بحلم لم يره...) الحديث (12/374) في التعبير ، باب من كذب في حلمه ، والترمذي (2284) في الرؤيا ، باب في الذي يكذب في حلمه.([11]) رواه أبو داود رقم (4991) في الأدب ، باب في التشديد في الكذب ،وفيه ضعف.([12]) رواه مسلم (1/10) في المقدمة ، باب النهي عن الكذب بكل ما سمع ، وأبو داود (4992) في الأدب ، باب في التشديد في الكذب.([13]) رواه الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة وهو صحيح . أنظر : صحيح الجامع (4480)..([14]) حسنه الألباني في صحيح الجامع بهذا اللفظ رقم (1736) ، وانظر : صحيح الترمذي رقم (1885) في الزهد ، باب: ما جاء في من تكلم بالكلمة ليضحك الناس.([15]) حديث متواتر ، رواه البخاري (1/178) في العلم ، باب: إثم من كذب على النبي ﷺ‬، ومسلم رقم (3) في المقدمة ، باب تغليط الكذب على رسول الله ﷺ‬.([16]) رواه مسلم (1/9) في المقدمة ، باب : وجوب الرواية عن الثقات وترك الكذابين، والترمذي رقم (2664) في العلم ، باب : ما جاء فيمن يروي حديثاً وهو يرى أنه كذب.([17]) جزء من حديث رواه البخاري (10/423) ، ومسلم رقم (2606).

المرفقات

2

الكذب
الكذب