القدير
كلمة (القدير) في اللغة صيغة مبالغة من القدرة، أو من التقدير،...
العربية
المؤلف | سيف الدين الكوكي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
وإذا لم يصحِّح المسلم نظرته الصحيحة لمفهوم الابتلاء فسوف يكون خطؤه أكبر من صوابه، فلا شك أن بعض المصائب -لضخامتها وشدتها- تتلف العقول، وتذهب النفوس، فلا بد للمسلم أن يستشعر معاني الابتلاء، ولا بد للمسلم أن يستشعر الحكمة من الابتلاء؛ لأن الحق سبحانه وتعالى لا يبتلينا ليعذبنا، هذا خطأ من اعتقد أن الابتلاء دليل على غضب الرب جل وعلا، فهذا خطأ، الابتلاء هو رحمة من الله؛ ليطهر بها الذنوب والمعاصي ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وكشف الله تعالى به الغمة.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدى هدى الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم-، وإن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فيا عزيز يا غفار، يا عزيز يا غفار، اجعل هذا اللقاء لقاءً مرحوما، وتفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تجعل فينا ولا مِنَّا ولا معنا ولا بيننا شقيا ولا محروما.
إخوة الإيمان: لا يخفي على واحدٍ منا أن الحياة الدنيا مليئة بالمصائب والبلايا، وأن كل مؤمنٍ وكل مؤمنةٍ عرضة لكثيرٍ منها، فمرةً يُبتلَى المرء في ماله، ومرةً يبتلى المرء في صحته، ومرةً يبتلى المرء في رزقه، ومرةً يبتلى المرء في ولده، ومرةً يبتلى المرء في أمنه، ونجد أحيانا أن البلاء يشتد على أهل الإيمان أكثر مما يحصل لأهل الكفر والعصيان.
وإذا لم يصحح المسلم نظرته الصحيحة لمفهوم الابتلاء فسوف يكون خطؤه أكبر من صوابه، فلا شك أن بعض المصائب -لضخامتها وشدتها- تتلف العقول، وتذهب النفوس، فلا بد للمسلم أن يستشعر معاني الابتلاء، ولا بد للمسلم أن يستشعر الحكمة من الابتلاء؛ لأن الحق -سبحانه وتعالى- لا يبتلينا ليعذبنا، هذا خطأ من اعتقد أن الابتلاء دليل على غضب الرب -جل وعلا-، فهذا خطأ، الابتلاء هو رحمة من الله -سبحانه وتعالى-؛ ليطهر بها الذنوب والمعاصي، وليرجع العبد إلى ربه -تبارك وتعالى-.
فعلى المؤمن أن ينظر للابتلاء، سواء كان فقدانا للمال أو الصحة أو الأحبة، من خلال ما قاله الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- الذي لا ينطق عن الهوى، ومن خلال ما قاله الله -تبارك وتعالى- في القرآن الكريم.
فالدنيا -إخوة الإيمان- دار ابتلاء، دار امتحان، دار اختبار، فنحن مثلنا كأولئك الذين هم في قاعة امتحان كبيرة يمتحن فيها كل يوم، فما هذه الدنيا إلا دار اختبار، والآخرة دار القرار، قال -سبحانه وتعالى- في محكم التنزيل: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) [العنكبوت:2-3].
هذا هو المقصد من الابتلاء، وليس في هذه الدنيا من ليس بمُمْتَحَنٍ، وليس في هذه الدنيا من لا يختبر، غني أو فقير، قوي أو ضعيف، قال -جل وعلا-: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ)، حتى الخوف، قلة الأمن ابتلاء من الله -جل وعلا-: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 155]، وقوله -تبارك وتعالى-: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ)، أي: لنختبرنكم.
اختبار من الله -سبحانه وتعالى- لأصحاب المصطفي -صلى الله عليه وسلم- أنه مبتليهم وممتحنهم بالشدائد؛ ليعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه.
الله -سبحانه وتعالى- قسم بين الناس معايشهم وآجالهم، كما أخبر بذلك سبحانه جل في علاه: (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [الزخرف:32]؛ فالرزق مقسوم، والموت مقسوم، وكل شيء في الحياة الدُنيا مقسوم، فارْضَ -أخي الحبيب- بما قسم الله تعالى لك، ولا تجزع من القدَر، ولا تسب الدهر؛ فإن الدقائق والأنفس كلها بيدِ الله -سبحانه وتعالى- يقلِّبها كيف يشاء.
فما دام الأمر كذلك -إخوة الإيمان- فلتسلِّمْ أمرك لله -سبحانه وتعالى-، وأعلم علم اليقين أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأين كانت هذه القسمة وهذا الامتحان فهو خير للمؤمن، وليس لأحد غيره، ولكن بشرط الشكر على النعماء، والصبر على البلاء، ففي الصحيحين، أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "عجباً لأمر المؤمن! إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له".
وما أصدق الشاعر حين قال:
قَدْ يُنعم اللهُ بالبلوى وإنْ عظُمَتْ | وَيَبتلي الله بعضَ القومِ بالنِّعَمِ |
وأجملُ من ذلك قوله -سبحانه وتعالى- في محكم التنزيل: (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [البقرة:216].
اعلم -أخي الحبيب- أن الابتلاء قد يكون محطة لتكفير الذنوب والمعاصي، حتى الصداع في الرأس، حتى الوجع في الضرس، أيّ غمّ وأيّ همّ يصيبك، حتى الشوكة تشاكها، كل ذلك تخفيف وتكفير للذنوب والمعاصي، فقد أورد الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما، كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: "ما يصيب المسلم من نصَب ولا وصَب ولا همٍ ولا حزنٍ ولا أذي ولا غمٍ حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها تعالى من خطاياه". أسأل الله تعالى أن يكفر عنا الذنوب، إنه علام الغيوب.
قد تكون نتيجة المصيبة أو العقوبة نتيجة حتمية للذنوب والمعاصي وعدم الإقبال على الله -سبحانه وتعالى-، كما أخبر بذلك -جل وعلا-: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) [الشورى: 30]؛ و قد أخرج الإمام الترمذي في سننه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا أراد الله بعبده خيرا عجَّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده شرا أمسك عليه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة".
قد يبتلى الله تعالى عبده بالرزق الوفير، فلا ينبغي أن يظن هذا العبد أنه بذلك يكون محبوبا عند الله سبحانه جل في علاه، إذا لم يكن طبعا ملتزما بتعاليم دين الله -سبحانه وتعالى-، فمحبة الله ليست بالمال وليست بالجاه وليست بالمناصب؛ إنما محبة الله تعالى تكون بالعمل الصالح وبالتقوى، فقد روي عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: "إن الله يعطي الدنيا مَن يحب ومَن لا يحب"، الله -سبحانه وتعالى- يعطي هذه الدنيا الفانية لمن يحب ولمن لا يحب، إنما يعطي الدين والإيمان لمن أحب، فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه، وبمفهوم المخالفة لهذا الحديث المبارك فمن ابتلى بالكفر والعصيان فهذا دليل على أنه مبغوض عند رب العزة -جل وعلا-، وإن كان من أغني الأغنياء.
وقد يكون الابتلاء أيضا استدراجاً يستدرج الله هذا العبد، يستدرجه ثم يستدرجه حتى إذا أخذه أخذه أخذ عزيزٍ مقتدر، قال -سبحانه وتعالى- في محكم التنزيل: (سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ. وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) [القلم:44-45]، وروي عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: "إذا رأيت الله يعطى العبد ما يحب وهو قائم على معصيته فأعلم أنما هو استدراج"، ثم قرأ قوله تبارك وتعالى: (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ) [الأنعام:44]، فإذا هم يائسون من كل خير، ومن رحمة، ومن كل نعمة.
و قد يبتلى العبد بالمرض أو بالفقر، لا من باب بغض الله -سبحانه وتعالى- له ولكن لحكمة بالغة ربما تكون رفعا للدرجات، وبعض الناس يظن أن هذا الذي يصاب بالأمراض أو بالفقر هو من المغضوب عليهم، فلا والله! ليس الأمر كذلك؛ فربما يكون هذا المبتلى من أعز الناس عند رب العزة -جل وعلا- ومن أحبهم إليه، وخير دليلٍ على ذلك الأنبياء والرسل وغيرهم من الصالحين، كما أخبر بذلك -صلى الله عليه وسلم- حين سأله سعد بن أبي وقاصٍ -رضي الله عنه وأرضاه- وقال له: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاءً؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الأنبياء أشد بلاءً، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل"، يُبتلَى المرء على حسب دينه؛ فإن كان دينه صلبًا اشتد بلاؤه، فتذكر معي -أخي الحبيب- ما حصل للنبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة وما حصل له في يوم أُحُدٍ، وما حصل له في غزوة الأحزاب، وما حصل له عند موته -صلى الله عليه وسلم-.
تذكر معي ما حصل لنبي الله أيوب -عليه السلام- حين فقد كل أعضائه، وفقد كل أبنائه، تذكر معي ما حصل لنبي الله إبراهيم -عليه السلام- حين ألقي في النار، تذكر معي ما حصل لنبي الله إسماعيل -عليه السلام- حين قَبِلَ بأن يُذبَح طاعةً لوالده، تذكر معي ما حصل لنبي الله يوسف -عليه السلام- حين سجن بغير جريمة، تذكر معي ما حصل لنبي الله يونس -عليه السلام- حين ابتلعه ذلك الحوت العظيم، هل ذلك من باب الكره؟ هل ذلك من باب النقمة؟ لا والله! إنما ذلك من باب المحبة، أراد الله أن يرفع مقام هؤلاء من خلال هذه الابتلاءات العظيمة، إنما أراد الله بهذه الابتلاءات أن يرفع من شأن الأنبياء ويعظم أجورهم؛ ليكونوا أُسوةً حسنةً للمبتلين من بعدهم، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "عِظَمُ الجزاء بعظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم".
وقد جاء في الحديث: "أن الله تعالى يقول لملائكته إذا قبضوا روح ولد عبده: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول تعالى: ماذا قال عبدي؟ والله تعالى أعلم بما قال، فيقولون: لقد حمدك واسترجع -أي: قال إن لله وإنا إليه راجعون-، فيقول -تبارك وتعالى- ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد".
نسأل الله العلى القدير أن يرزقنا الفهم، وأن يرزقنا الشكر، وأن يرزقنا الحمد على نعمائه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول ما تسمعون، فإن كان صوابا فمن الله وحده، وإن كان خطأ فمن نفسي ومن الشيطان، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهمَّ لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.
اللهم علِّمْنَا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمْتَنا، وزدنا علما، واجعلنا اللهم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
بعض الأحداث التي حدثت هذه الأيام أصابت بعض الإخوان باليأس، حتى من خلال بعض الأحاديث، أصابت بعض الإخوان باليأس وبالجزع، فجئت اليوم لأقول لهؤلاء أن الإسلام قادمٌ قادم، وأن النصر قادمٌ قادم، قد يتأخر هذا النصر وقد يطول انتظاره، ولكنه قادمٌ قادم بإذن الله تعالى.
ونحن لا نقول ذلك رجما بالغيب، ولا من باب الأحلام الوردية لتسكين الآلام، وتجميد الجراح، كلا! ولكنه القرآن الكريم يتحدث، والرسول الأمين يبشر، والتاريخ والواقع يشهد، قال سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُون) [الصافات:171-172].
هذا الوعد المبارك سُنَّةٌ من سُنَنِ الله تعالى الكونية التي لا تتبدل ولا تتغير، فلقد بشَّرَنا اللهُ -تبارك وتعالى- في القرآن الكريم في مواضعَ عديدةٍ منه بالنصر والتمكين، قال -سبحانه وتعالى-: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة:33]، وقال -سبحانه وتعالى-: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [الصف:8].
وقال سبحانه -جل في علاه-: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِين) [الروم:47]، وقال -سبحانه وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد:7].
ففي هذه الآيات المباركة أخبر الله -سبحانه وتعالى- أن من سُنَّتِهِ في خَلْقِهِ أن ينصر عباده المؤمنين إذا قاموا بنُصْرَةِ هذا الدين العظيم، فالنصر لمن ينصر دين الله -سبحانه وتعالى-، هذا وعدٌ، والله -سبحانه وتعالى- لا يخلف الميعاد، فالنصر لمن ينصر دين الله -سبحانه وتعالى-، أمَّا مَن ينتصر لفرقةٍ أو جماعةٍ أو حزبٍ فهذا ليس داخلاً في هذا الوعد، فالنصر لمن ينصر دين الله -سبحانه وتعالى-.
ومن بشائر وعد الله تعالى للمؤمنين بالتمكين في الأرض قوله -سبحانه وتعالى-: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَبَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور:55]؛ فالله -سبحانه وتعالى- وَعَدَ -وهو الذي لا يخلف الميعاد- وعد المؤمنين باستخلافهم في الأرض، وعدهم بالتمكين في الأرض.
ومن البشائر في كتاب الله تعالى الإشارة إلى ضعف كيد الكافرين، وضلال هؤلاء المجرمين، قولُهُ -سبحانه وتعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) [الأنفال:36].
فكم من المليارات أنفقت -ولازالت تنفق بسخاء- للصَدِّ عن سبيل الله تعالى، ولكن بموعود الله تعالى سينفقونها، ثم تكون حسرة عليهم، ثم يُغْلَبُونَ.
كم من المليارات بُذِلَت وأنفقت لتنصير المسلمين؟ كم من المليارات أُنْفِقَتْ لتدمير كيان الأسرة المسلِمة، ولكن هيهات هيهات! سيُنفقونها، ثم تكون عليهم حسرة، ثم يغلبون!.
فقد بشَّرَنا الصادقُ المصدوقُ الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، فقال عليه -أفضل الصلاة وأزكي السلام-: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم مَن خذلهم -لا يضرهم من باعوا دينهم، لا يضرهم من خالفوا أوامر الله سبحانه وتعالى- ولا مَن خالفهم حتى يأتي أمر الله، وهم كذلك"، أي وهم ثابتون على الحق، ثابتون على سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
أسأل الله العلي القدير أن ينصر الإسلام والمسلمين، أسأل الله العلي القدير أن يجمع أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-.
فيا أكرم الأكرمين...