البحث

عبارات مقترحة:

اللطيف

كلمة (اللطيف) في اللغة صفة مشبهة مشتقة من اللُّطف، وهو الرفق،...

المبين

كلمة (المُبِين) في اللغة اسمُ فاعل من الفعل (أبان)، ومعناه:...

الطيب

كلمة الطيب في اللغة صيغة مبالغة من الطيب الذي هو عكس الخبث، واسم...

الاستئذان .. أوضاع سوريا المتدهورة

العربية

المؤلف صالح بن عبد الله الهذلول
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. رفعة مكانة أدب الاستئذان .
  2. الأماكن التي يُستأذن لدخولها .
  3. أسباب نزول آيات الاستئذان .
  4. كيفية الاستئذان وبعض آدابه .
  5. الأوضاع المتدهورة في سوريا .

اقتباس

من الاستئناس؛ الذي هو أبلغ من الاستئذان، إذ فيه -بالإضافة إلى ما فيه من معنى طلب الإذن- معرفة أنس أهل البيت، واستعدادِهم لاستقبالك، ورضاهم عن دخولك عليهم، فحتى لو أذنوا لك بالدخول -حياءً، أو مجاملة- وأنت تعلم أنهم غير مستعدين لاستقبالك، أو أنهم مشغولون، فليس من الأدب ولا من المروءة أن تثقل عليهم بالدخول، بل يتعين عليك الانصراف وإرجاء الزيارة لوقت آخر ..

أما بعد: الاستئذان أدبٌ رفيع، يدل على حياءِ صاحِبِهِ، وشهامته، وتربيته، وعفته، ونزاهة نفسه، وتكريمها عن رؤية ما لا يجب أن يراه الناس عليه، أو سماعِ حديثٍ لا يحل له أن يسترقه دون معرفة المتحادثين، أو الدخول على قومٍ فجأة فيحرجهم.

وعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه-، قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الاستئذان ثلاث، فإن أذن لك، وإلّا فارجع" متفق عليه.

الاستئذان -أيها الأفاضل- هو طلب الإذن، ويكون لدخول بيت، أو مكتب، أو الانضمام إلى مجلس، أو الخروج منه، أو التصرف في متاع غيره، أو إبداء رأيٍ في مجتمعات الناس، أو سماعِ حديثهم.

ولقد أخرج ابن جرير عن عدي بن ثابت، قال: جاءت امرأة من الأنصار، فقالت: يا رسول الله، إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد، وإنه لا يزال يدخل عليّ رجُلٌ من أهلي وأنا على تلك الحال، فكيف أصنع؟ فنزلت: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النور:27].

ومعنى تستأنسوا: من الاستئناس، الذي هو أبلغ من الاستئذان، إذ فيه -بالإضافة إلى ما فيه من معنى طلب الإذن- معرفة أنس أهل البيت، واستعدادِهم لاستقبالك، ورضاهم عن دخولك عليهم، فحتى لو أذنوا لك بالدخول -حياءً، أو مجاملة- وأنت تعلم أنهم غير مستعدين لاستقبالك، أو أنهم مشغولون، فليس من الأدب ولا من المروءة أن تثقل عليهم بالدخول، بل يتعين عليك الانصراف وإرجاء الزيارة لوقت آخر.

أورد القرطبي وغيره من أئمة التفسير أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث غلاماً من الأنصار يقال له مدلج إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وقتَ الظهيرة ليدعوه، فوجده نائماً قد أغلق عليه الباب، فدق عليه الغلام البابَ، ودخل، فاستيقظ عمر، وجلس، فانكشف منه شيء، فقال عمر: وددت أن الله نهى أبناءنا ونساءنا وخدمنا عن الدخول في هذه الساعات إلا بإذن.

ثم انطلق إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فوجد هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [النور:58] قد نزلت. فخرَّ عمر ساجداً لله تعالى.

أيها المسلمون: ومع تقدم الحضارة المدنية، وصناعة وبناء البيوت المحكمةِ الغلق، فما زال هناك من يدخل بيته دون سلام، أو يغشى غرفة غيره، أو يقتحم مجلسه دون إعلامٍ أو استئذانٍ، ويتعين على الوالدين أن يعودوا أولادهم من نعومة أظفارهم على الاستئذان حتى على والديهم، كما أمر الله تعالى؛ لينشأوا على هذا الخلق الحميد.

لقد جاء الشرع الإسلامي المطهر بآداب الاستئذان، وأصول وفن المعاملات، واللباقة في البيوت والمجتمعات، وذلك قبل أن تعرفها الحضارات القديمة والمعاصرة.

ومن ذلكم أنَّه من السُّنَّةِ أن يبدأ بالسلام ثم يستأذن، لما رواه أبو داود في سننه عن ربعي بن خراش، قال: "حدَّثَنا رجل من بني عامر استأذن على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو في بيت، فقال: أألج؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لخادمه: "اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان، فقل له: قل السلام عليكم، أأدخل؟" فسمعه الرجل فقال: السلام عليكم، أأدخل؟ فأذن النبي -صلى الله عليه وسلم- فدخل".

ومن آداب الاستئذان: غض البصر عما يكون في البيت، وإذا وقع بصره على شيء عن غير عمد فلا يحدث به الآخرين.

ومن آداب الاستئذان أنه يتعين على الزائر إذا طرق الباب من غير موعد مسبق، وتعذّرَ صاحبُ البيت عن استقباله، أن يرجع غير حاملٍ في نفسه على صاحب البيت، وفي هذا خيرٌ له وشرف وكرامة، والله -عز وجل- يقول: (وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ) [النور:28]، وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: أُحب أن يقال لي ارجع، حتى يكون أزكى لي.

ومن آداب الاستئذان: أن يكون ثلاثاً، ولا يزاد عليه، إلا إذا تيقن أن صاحب المنزل لا يسمعه.

وعلى المستأذن إذا سأل صاحبُ البيت عن المستأذن أن يذكر اسمه الصريح، ولا يعمد إلى أي عبارة أخرى، فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-، قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم-، فدققت الباب فقال: "من ذا؟" فقلت: أنا، فقال: "أنا أنا"، كأنه يكرهها. متفق عليه.

وفي حديث الإسراء المشهور المتفق عليه، كان جبريل -عليه السلام- ومعه المصطفى -صلى الله عليه وسلم- يقول في باب كل سماء حين يستفتح، ويُسأل: مَن هذا؟ فيقول: جبريل.

كما أن من آداب الاستئذان أن يشيع بين الأهل في الدار الواحدة عندما يريد أحدهم دخول غرفة الآخر، أو الجلوس على مكتبه، فعن زيد بن أسامة بن عطاءٍ أن رجلاً سأل النبي -صلى الله عليه وسلم-: أأستأذن على أمي؟ قال: نعم، قال: إنها ليس لها خادم غيري، أفأستأذن عليها كلما دخلتُ عليها؟! قال: "أتحب أن تراها عريانة؟" قال: لا، قال: "فاستأذن عليها" رواه مالك في الموطأ.

وأخيراً -معشر الأفاضل- فإن البعض إذا طرق بيتَه أحد، وكان الوقت غير مناسب له، أو لأهل بيته جَامَلَ وتحمّل، وقَبِلَ دخوله، بل ربما بالغ في المجاملة فألح عليه إلا أن يدخل.

وقد حصل موقف من هذا النوع كانت نتيجته وخيمة بسبب أن صاحب المنزل كان قد وعد زوجته وأولاده الخروج لنزهة، وقُبيل خروجهم جاء ضيف، فألغى الرجل النزهة أو أجّلها، فوقع خصام شديد بين صاحب البيت وزوجته، وعلت الأصوات حتى سمعها الضيف، وكان الأولى بصاحب البيت أن يتعذر، وليس في ذلك غضاضة عليه، ولا عيب ولا لوم، وإلا؛ فلماذا شرع الاستئذان لو لم يكن له حاجة تدعو إليه؟.

أيها المؤمنون: كل أدب من آداب الاستئذان متعين على النساء كما هو على الرجال، بل يتأكد في حق النساء؛ لكونهن يطلعن على ما لا يطلع عليه الرجال من خواص البيوت، فعليهن أن يتقين الله تعالى فإنهن شقائق الرجال.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، ولي الصالحين، القائل في كتابه المبين: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) [التوبة:71]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

ثبت عنه في صحيح البخاري وغيره من حديث أنس وجابر وعبد الله بن عمر -رضي الله عنهم- أنه قال: "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً"، قيل: يا رسول الله، هذا ننصره مظلوماً، فكيف ننصره ظالماً؟ قال: "تمنعه من الظلم". صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد: حال الإخوة في سوريا -أيها الأفاضل- وما يجري فيها من أحداث تؤلم كل غيور على المسلمين وحرماتهم وأموالهم وأعراضهم، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- بخطبته في حجة الوداع: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم".

وللأسف! فإن الموقف العربي يغلِّب إعطاء المُهَل للحكام هناك، في الوقت الذي تسيل فيه دماء المسلمين هناك ليل نهار، وتداهم فيه البيوت، وتحاصر المدن، وتقصف بالأسلحة الخفيفة والثقيلة، وبمعونة عصابات ناقمة حاقدة على السنَّة وأهلها، مما يعني أن الحرب الدائرة هناك من طرفٍ واحد، لها أهدافها البعيدة، وأجندتها الحاقدة على أهل السنة.

نعم، الغرب محرج، ومرتبك إلى حد كبير، وفوجئ بالأحداث؛ لكنه يستغل الظروف، ويحسن ركوب موجات الغضب الشعبية، وينظر لمصالحه جيداً.

وإن تظاهر التعاطف مع الشعب إلا أنه تعاطفٌ أجوف؛ فقد أعادوا سفراءهم ثانية لدمشق! فهل ثمة اتفاق سري بينهم وبين الحكومة النصيرية الباطنة الظالمة؟ لماذا لا يُطرد السفراء السوريون من العواصم الغربية؟ ويعترف بالمجلس الوطني السوري إذا كان الغرب جاداً في النكير على الحكومة السورية كما فعلوا في الحالة الليبية؟.

هم يعلمون أن النظام هناك منهار، وغيرُ قادر على الاستمرار، وهذا لا يهمهم كثيراً، ولذا اتخذوا بعض الإجراءات في حقه، كتجميد بعض أرصدة أركانه لتستفيد منها البنوك الغربية، لكنهم لم يتعجلوا في التعامل مع الأوضاع هناك تعاملاً جاداً وحاسماً، ولعل مرد ذلك التخوف من البديل القادم!.

وهكذا يتسابق الشرق والغرب على الفريسة، وقومنا يعقدون الاجتماعات تلو الاجتماعات، وتركيا تهدد وتتوعد بالكلام فقط حتى الآن!.

وللأسف الشديد! أضحى المسلمون حال نزول كارثة فيهم يتطلعون إلى مواقف الدول الغربية، وكأن لسان حالهم يائس من أن يأتي حل حاسم من الدول الإسلامية! هذا مؤسف جداً!.

ولعل هذه المواقف المحبطة التي تشهد على نفسها بالضعف هي أقوى عاملٍ دفع شعوب تلك الدول العربية إلى اتخاذ القرار بنفسها فخرجت مظاهراتها ضد حكوماتها!.

أيها المسلم: عليك أن تخصّ إخوانك هناك بالدعاء، وتتوخى ساعات الإجابة؛ كالثلث الأخير من الليل، وفي السجود، وآخر ساعة من يوم الجمعة، وغيرها، (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا) [النساء:84].