البحث

عبارات مقترحة:

الخبير

كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...

القابض

كلمة (القابض) في اللغة اسم فاعل من القَبْض، وهو أخذ الشيء، وهو ضد...

الواحد

كلمة (الواحد) في اللغة لها معنيان، أحدهما: أول العدد، والثاني:...

العدل لا المساواة

العربية

المؤلف د ماجد بن عبدالرحمن آل فريان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. حرب المصطلحات .
  2. ادعاء مساواة المرأة للرجل .
  3. استخدام مصطلح المساواة في غير موضعه .
  4. إثبات أنه لا مجال للمساواة بين الرجل والمرأة .
  5. الإسلام دين العدل .
  6. التكامل بين الجنسين في المسؤوليات والحقوق .
  7. الواقع المأساوي للمرأة الغربية .
  8. مساوئ فكرة المساواة بين الجنسين .
  9. مبررات دعاة المساواة والإجابة عليها .

اقتباس

لقد اعتمد المروجون لسلخ المرأة من دينها مبدأ الحرب بالكلمات، والمخادعة بالاصطلاحات، وكانت أشدَّ الكلمات تضليلاً وزيفًا هي الألفاظ البراقة التي تخفي وراءها أشدَّ النوايا خبثًا ومرارة، وذلك أمثال ألفاظ (المساواة) و(الحرية) و(الإنسانية) و(العدالة) وغيرها من الألفاظ البراقة، ونحن نخص بالذكر اليوم تلك الدعوةَ المحمومةَ (للمساواة) بين الرجل والمرأة ..

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستعفره.

أما بعد:

فيا عباد الله: اتقوا الله حق التقوى.

معاشر المسلمين: لقد اعتمد المروجون لسلخ المرأة من دينها مبدأ الحرب بالكلمات، والمخادعة بالاصطلاحات، وكانت أشدَّ الكلمات تضليلاً وزيفًا هي الألفاظ البراقة التي تخفي وراءها أشدَّ النوايا خبثًا ومرارة، وذلك أمثال ألفاظ (المساواة) و(الحرية) و(الإنسانية) و(العدالة) وغيرها من الألفاظ البراقة.

ونحن نخص بالذكر اليوم تلك الدعوةَ المحمومةَ "للمساواة" بين الرجل والمرأة، والتي كانت هي الوتر المثير والحساس الذي استخدمه دعاة التغريب منذ مبعثهم في أحشاء أمتنا، وذلك بالادعاء: أن المرأة مساوية مماثلة للرجل في الحقوق والواجبات، وهذه الدعوى للحقيقة لا يجاهر بها إلا المتطرفون منهم؛ لأنها تناقض جميع المبادئ الشرعية التي فرضها الشرع على المرأة، فهي وسيلة للانسلاخ من كافة الأحكام الشرعية؛ فالقوامة تتنافى مع المساواة؛ إذ تعني فضل الرجل، والحجاب يتنافى مع المساواة؛ إذ يعني التمييز، واشتغال المرأة بوظائف البيت ينافي المساواة، إذ يعني التفرقة بينها وبين الرجل، وإعطاء المرأة نصف حظ الرجل من الميراث ينافي المساواة، ومنع المرأة من تولي الولاية والقضاء ينافي المساواة. وبالعموم: حرمان المرأة من نيل حقوق تماثل حقوق الرجل: نفي للمساواة، وتثبيت للظلم.

هكذا يقولون، وكالعادة يقع الوهم في هذا التبرير، كما وقع في غيره، فالسامع لهم ينصرف ذهنه إلى الأمور التي ساوى الله تعالى فيها بينهما، في كثير من الأوامر، وكثير من النواهي، دون الأحكام التي اختصت بها المرأة، والأحكام التي اختص بها الرجل؛ إذ لا مساواة بينهما فيها، وبسبب هذا الوهم يندفع بعض من يحسنون الظن فيطلق نفس الشعار، وينادي به، وبحرارة وصدق، ولا يدري ما وراء الأكمة، ولا يشعر أنه يقدم خدمة جليلة لدعاة الفكر التغريبي، حيث يجيدون استغلال كل صوت يكون معهم، لإقناع الناس، ولتطبيق الفكرة في الواقع، بما لهم من مناصب ومراكز وتأثير.

معاشر المسلمين: وبإخضاع تعبير "المساواة" للفحص العلمي والبحث العميق، ذلك التعبير الذي طالما دوَّخ المبهورات به، والسائرات من غير وعي خلف طبوله الزائفة، يتبين بجلاء أنه إنما استُخدم عنوة في غير ما وضع له، وأُقحم دون مسؤولية في غير مجاله، وبيان ذلك: أنه قد اتفق العقلاء بلا خلاف على أن مطلب "المساواة" لا يصح إلا بين متساويين، وأن محاولة تطبيق ذلك على المختلفين هو عين الظلم وهو وضع للأمور في عكس نصابها.

هذا هو الأصل الأصيل الذي لا ينازع فيه أصحاب العقول، بل هو المطبق في حياة الناس دون نكير أو معارض. ولما كانت الفروق النفسية، والحيوية، والوظيفية، والجسدية، بين الرجال والنساء من الظهور بالقدر الذي لا يخفى على مبصر، فإن تجاهلها عند مناقشة أي قضية تتعلق بالمرأة، أو بالرجل، أو بالدراسة والمقارنة بين الرجل والمرأة يصير نوعًا مؤسفًا من المباهتة والمكابرة، وأشدُّ منه شرودًا وانحرافًا إصرار البعض على الدعوة إلى هذه المساواة المستحيلة -لا أقول من حيث حدوثها، بل من مجرد تصور وجودها- مع علمهم اليقيني أن أي إطلاق للفظ "المساواة" في الحقوق والواجبات، إنما يستلزم -وبصورة حتمية- المماثلة التامة والمطابقة الكاملة في الخصائص والمواهب والمؤهلات، مع أن الدراسات الطبية المتعددة أثبتت أن كيان المرأة النفسي والجسدي قد خلقه الله على هيئة تخالف تكوين الرجل، فلا مجال للمساواة بينهما. كيف يمكن مثلاً المساواة بين زهرة الياسمين وثمرة التفاح؟! أو بين رشفة الماء وجرعة الدواء؟!

إن هذا المثال البسيط الذي يبين لك في جلاء كيف تتعقد الأمور عند التناول العملي ومحاولة المماثلة بين أبسط المسميات غير المتماثلة، وكيف تتم أشد حالات التغرير والخداع عند إقحام هذا اللفظ البهيج الخلاب (المساواة) في تناول قضية في غاية التفرع والتباين والاختلاف كقضية عقد المقارنة بين الرجل والمرأة. وهم يقولون: إن المساواة إنما تجب نظرًا لإنسانية الرجل والمرأة على السواء، وإنَّ تساويهم في الإنسانية يوجب تطابق المعاملة! وهذه الحجة داحضة متهافتة؛ لأن إيجاب المساواة بسبب التساوي في الإنسانية فقط هو نوع من القصور الجسيم في الحكم على الأمور؛ لأن من جنس الإنسان: الأطفال الرضع، والصبيان، والشباب، والعجائز، كذلك الرجال والنساء، أفيجوز أن يساوى هؤلاء جميعًا بسبب اجتماع وصف الإنسانية فيهم، دون تفريق بين خصائص كل منهم، هل يمكن أن تحدث مساواة تامة بين هؤلاء دون حدوث الفوضى والاضطراب؟! والجواب المعلوم أنه لا يمكن المساواة، فكذلك الرجل والمرأة لا يمكن أن نساوي بينهما، وهما مفترقان في الخلقة والخصائص والمميزات.

ولا شك أن دين الإسلام هو دين العدل، ومقتضى العدل التسويةُ بين المتماثلين، والتفريقُ بين المختلفين، ويخطئ من يطلق على الإسلام أنه دين المساواة؛ لأن المساواة المطلقة تقتضي أحيانًا الجمع بين المختلفين وهذه حقيقة الظلم، ومن أراد بالمساواة العدل فقد أصاب في المعنى وأخطأ في اللفظ، ولم يأتِ حرفٌ واحد في القرآن يأمر بالمساواة بإطلاق، إنما جاء الأمر بالعدل؛ قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ...) [النحل: 90].

فأحكام الشريعة قائمة على أساس العدل، فتسوِّي حين تكون المساواة هي العدل، وتفرِّق حين يكون التفريق هو العدل؛ قال تعالى: (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا) [الأنعام: 115]، أي صدقًا في الإخبار وعدلاً في الأحكام.

وقد جاء في الشرع ما يقتضي نفي المساواة بين الذكر والأنثى، وأن لكل منهما ما يميزه، قال -سبحانه وتعالى-: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى) [آل عمران: 36]، وقال عن الأنثى: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) [الزخرف: 18].

فإذا كان الجنسان يتمايزان في الصفات العضوية والحيوية والنفسية، وقبلُ نصَّ خالقُ الذكر والأنثى بأن الذكر ليس كالأنثى، فإن من الطبعي أن يتمايزا في الوظائف الاجتماعية.

والتكامل بين الجنسين في المسؤوليات والحقوق هو ثمرة العدل الذي قامت عليه العلاقات في الإسلام، وبناءً على ذلك فلقد حدَّد الشرع مجالَ عمل الرجل في هذه الحياة ونوعيته، كما حدد مجالَ عمل المرأة الأساسي ونوعيته، وقد جاء ملائمًا لما تقتضيه العقول السليمة والفطر المستقيمة، وبما يحدث التكامل والاتزان والأمن الاجتماعي، دون أن يتحمل أحدهما أكبر من حمله، الذي يحتمله طبعًا وعرفًا، ولذا كان من الظلم والجور تحميل المرأة أعباء الرجل، دون حاجة شخصية أو اجتماعية، حيث يمثل ذلك اعتداءً على حق العدل في الحقوق والواجبات، كما يمثل اعتداءً على كرامة المرأة وأنوثتها.

إذا عرفت -أخا الإسلام- أن منهج الإسلام هو العدل وليس المساواة، فاعلم أن دعوى المساواة هي من أخطر الدعاوى أثرًا على المجتمع، وما انحطت الحضارة الغربية إلا بسبب هذه الدعوى المنحلة.

إن ما آلت إليه المرأة الغربية ليس سببه الاختلاط بمفرده، ولا ترك الحجاب بمفرده، ولا التساهل في الخروج بمفرده، وإنما هذه أمور ساهمت في الهدم، وتكامل الصورة البائسة، لكنها لمَّا تُوجت بمفهوم فكري يقرر المساواة، وقعت المصائب، واكتملت المعاناة.

لقد شهد القرن الميلادي الماضي أكبر عملية استغلالٍ شهدها التاريخ بحق النساء، وخاصة في الغرب، وجاء هذا الاستغلال بعد جهود مضنية بذلها ذئاب البشر من غير كللٍ أو مللٍ علي شكل دعاوى براقة، وتحت اسم حقوق المرأة والمساواة، وركزت جعجعة الصيحات الأولى للمساواة بين الرجل والمرأة على دور المرأة في منزلها وصوَّرته علي أنه نمط روتيني قاتل من الشقاء الذي تمارسه كزوجه وأم، وادعت تلك الدعواتُ المغرضة أن دور المرأة في منزلها يورثها سقمًا يسببه الروتينُ المنزلي، ونقصُ الشعور بالأهمية والذات. والعلاج الذي أراده دعاة المساواة للتخلص من هذا السقم المفترى، هو القيام بتحطيم كل شيء له علاقة بالأنوثة والأمومة، وتحطيم البنية التقليدية للمجتمع والأسرة.

وباختصار: التخلي عن كل شيء يشكّل مصدر قوة وتميُّز للمرأة، وأن تنزل إلى ساحات العمل لتناطح الرجال في كل الميادين، وخيلوا للمرأة أنها أكبرُ من الحمل والأمومة، وأنها أسمى من أن تدخر نفسها لإرضاع طفلها والعناية به، فدورها الحقيقي هو في أماكن العمل والإنتاج، مع الرجال بعيدًا عن "قرف" الأطفال والتعامل مع ألبستهم وحفاضاتهم. كذا أغروها، وبتطبيق مفهوم المساواة المتطرف نجحوا في تحويل المرأة إلى سلعة يستخدم جسدها ومفاتنها في ترويج البضائع والدعايات، وأصبح أرباب العمل يختارون الجميلات كواجهة في المحلات، والمطاعم؛ لاصطياد الزبائن وزيادة الربح التجاري، وبذلك استفحل الضرر على النساء أولاً ثم على المجتمع الغربي كاملاً.

معاشر المسلمين: إن أسفل الحضيض وقمة الانحطاط الأخلاقي لأي مجتمع من المجتمعات يعتمد على ما ستقوم به ذلك المجتمع نحو ما يسمي "مساواة الرجل بالمرأة". فقد أثبتت فكرة المساواة أنها جردت المرأة من كل شيء يجعلها ذاتَ قيمة في مجتمعها كزوجة أو أم يقع على عاتقها تربية النشء الجديد الذي سيتولى دفة المجتمع فيما بعد، إن المساواة في المجتمعات الغربية آلت بهم إلى إهانة المرأة وظلمها، فالمرأة الغربية تبدو حرة وهي مقيدة، وتُرى معززة وهي مهينة، هم يعظمونها في التوافه لكنهم يحقرونها في جسيمات الأمور، يمسكون بيدها عند النزول، يضاحكها الرجال من كل حدب وصوب، ولكنهم يسيئون لها إساءات لا تحتمل بسبب المساواة؛ فإذا بلغت البنت هناك سن الرشد قبض أبوها يده عنها، وسد باب داره في وجهها، وقال لها: اذهبي فتكسبي وكلي، فلا شيء لك عندي بعد اليوم، كما يفعل بالابن الذي يتحمل المشاق، فتذهب المسكينة تخوض غمرة الحياة وحدها، لا يبالون أعاشت بجِدِّها أم بجسدها، ولا يسألون هل أكلت خبزها بيديها أم بثدييها.

لقد ابتذلت المرأة هناك وذلت حتى صارت تبذل ما نراه نحن أعز شيء عليها -وهو العرض- في سبيل ما نراه أهون شيء علينا -وهو الخبز-.

لقد أصبحت نساء الغرب بائعات للهوى دون مقابل، وأصبحت المراهقات في المدارس يذللن أنفسهن ويذهبن حبوًا لإقامة العلاقات الغرامية مع الصبيان، حتى داخل الفصول الدراسية، طلبًا للمال، ووصل الانحطاط والذل بالنساء إلى أن يوافقن على إقامة علاقات غرامية مع الرجال مقابل دعوة لتناول الطعام في المطعم أو حضور عرض سينمائي ونحو ذلك.

وبسبب كون المرأة متاحةً عندهم لهذه الدرجة كسدت عندهم سوق الزواج، ففقد النساء المعيل والمنفق عليهن، حتى اقتحمن كل عمل ليعشن، وتعرضن لأنواع الابتزاز الذي يكون من صاحب العمل ابتداء من النكت البذيئة، ومرورًا بالتحرش على جسدها، وانتهاءً بالفاحشة، حتى صارت الترقية بالنسبة للنساء هناك على أساس الخدمات الجنسية التي تقدمها الموظفات لرؤسائهن.

هذه هي المرأة الغربية في ديار القوم على حين أن المرأةَ الشرقيةَ المسلمةَ تبقى دائمًا في بيتها، يكد الرجل ويشقى ليطعمها ويكسوها، وإذا بلغت المرأة عندنا سن الزواج طلبها الرجل وتوسل إليها بالعطية الكبيرة بالمهر يدفعه هو إليها، فيكون حقًّا لها وحدها لا لأبيها ولا لأخيها وليس لأحد التصرف في شيء منه إلا بإذنها.

والمرأة الغربية تركض هي وراء الرجل، فتسقط خمسين سقطة قبل أن تصل إليه، وربما سقطت سقطة كان فيها ذهابها وهلاكها، ثم إن وجدته لم يتزوجها إلا بالمبلغ الكبير من المال حتى تدفع هي له المهر، ثم يكون له الإشراف على مالها، يشاركها في التصرف فيه، والمرأة عندنا لها وحدها حق التصرف في مالها.

لقد استترت المرأة المسلمة فعزت، وتمنعت فطُلبت، وعرضت الغربية فهانت؛ لأن كل معروض مهين.

حكى الأستاذ بهجت البيطار كما نقل عنه الشيخ علي الطنطاوي أنه كان يتكلم عن المرأة المسلمة في إحدى محاضراته في أمريكا، ويذكر أن لها الاستقلال في شؤون المال، لا ولاية عليها في مالها لا لزوجها ولا لأبيها، وأنها إن كانت معسرة كلف بنفقتها أبوها أو أخوها، فإن لم يكن لها أب أو أخ فأي واحد من أقربائها الذين يرثونها، ولو كان ابنَ عم عمها، وأن هذه النفقة تستمر إلى أن تتزوج، أو يكون لها مال، وأنها إن تزوجت كلف زوجها بنفقتها ولو كانت تملك مليونًا وكان هو عاملاً لا يملك شيئًا... إلى غير ذلك مما نعرفه نحن ويجهلونه هم عنا، قال: فقامت سيدة أمريكية من الأديبات المشهورات فقالت: "إذا كانت المرأة عندكم كما تقول، فخذوني أعيش عندكم ستة أشهر ثم اقتلوني". وعجب من مقالها وسأل عن حالها فشرحت له حالها وحال البنات هناك، فإذا المرأة الأمريكية في النفقة كما وصفت لكم حتى تضطر إلى بيع عرضها من أجل لقمة خبزها.

ولم يكن المتضرر من ذلك المرأة فقط، بل إن الأسرة المتكاملة المتكاتفة المحافظة قد انتهت عند الغربيين اليوم، وكثر اللقطاء، وضاعت الأنساب، ولا يمكن أن توجد البنت البكر إلا نادرًا، والتي تتجاوز السادسة عشرة وهي محافظة على عفتها وبكارتها تتهم بأنها معقدة أو مريضة نفسيًّا، تقول الدكتورة لورا شليسنجر: "عندما تتصل النساء ببرنامجي الإذاعي ليخبرنني عن مشاكلهن العائلية، وعدد أولادهن، فإن أول ما يتبادر إلى ذهني أن أسألهن: هل الأولاد ينتمون إلى أب واحد أم إلى آباء متفرقين؟! ومع من يعيش كل واحد من هؤلاء الأولاد؟! وهل أنت متزوجة أم أنك تقيمين علاقات عابرة مع هؤلاء الرجال؟! إلخ. ثم تقول: فلم يعد هنالك معنى للأسرة أو الالتزام، وأصبحت المرأة لا تتورع عن إقامة علاقات مع عدد من الرجال في نفس الوقت، حتى إنه أصبح يتعذر معرفة والد الطفل".

وبعد:

إخوة الإسلام: إن المرأة الغربية بسبب المساواة آلت بها الأمور إلى هذه الحال المؤسفة، وبقيت المرأة المسلمة عزيزةً كفل لها الشرع ما يغنيها عن الابتذال عند الرجال، بل يُبذل لها الغالي والثمين، ولا تُنال إلا بمشقة، ولا توصل إلا بنصب، فهل من ينادي بالمساواة قد ضاق ذرعًا بعزة المرأة المسلمة وصعوبة نيلها؟! هل يريدها متاحة له كما تتاح الغربية في بلادها وأراد أن يسلك السبيل الموصلة إلى ذلك وهي المساواة؟! أم هل ضاق ذرعًا بتماسك الأسرة المسلمة، وحفظها لأنسابها، ووصلها لأرحامها، فجاء لها عن طريق المساواة؟! إن المتأمل في حال كثير منهم يجد الشرع أبعد ما يفكرون فيه، ويجد حياتهم على الأهواء واللذات: (وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) [الأنعام: 55].

أقول ما تسمعون.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا.

أما بعد:

فيا عباد الله: إننا بالحديث عن المساواة نكون قد أجبنا على كثير من الشبه التي يتمسك بها دعاة التغريب، وفي مجموعة من الخطب في ستة أسابيع تكلمنا بطريقة منهجية عن القضية بكمالها في ثلاث خطوات ألخصها لزيادة البيان، ولربط الأول بالآخر، بدأت بالخطوة الأولى: وفيها ذكرت أهداف دعاة التغريب ومنها "نزعُ الحجاب من المرأة، نشر الاختلاط، إقحامُ المرأة في النشاطات العامة المختلطة والتي لا تناسبها، رفعُ قوامة الرجل عن المرأة، ومنحُ المرأة حريةً توازي وتساوي حرية الرجل، دون أي فرق".

ثم في الخطوة الثانية بينت المبررات التي يتخذونها لتحقيق تلك الأهداف، وذكرت منها المبرر الشرعي الذي يعتمد على استخراج الآراء الداعمة للعملية التغريبية وخاصة في قضية الحجاب والاختلاط، وأجبت عنه في خطبتين: إحداهن عن الحجاب، والأخرى عن الاختلاط.

ومن مبرراتهم التبرير الاجتماعي، وذلك بنشر دعوى مفادها: أن المرأة مظلومةٌ، مسلوبةُ الحقوق، وأفردته بخطبة بينت فيها أن ظلم المرأة عند التغريبيين يتمثل في: "قوامة الرجل عليها، وفي فرض الحجاب، ومنعها من الاختلاط بالأجانب، ومنعها من السفر دون محرم"، وأجبت بما أجاب به أهل العلم من أن هذه أمور شرعية جاءت النصوص بها، وليست محلاً للاجتهاد، وأشرت إلى الأضرار الناجمة من التفريط فيها.

ومن مبرراتهم: التبرير الاقتصادي، وذلك بدعوى: أن مشاركة المرأة ضرورةٌ للتنمية والتقدم الاقتصادي، وأجبت عن ذلك في الخطبة الماضية بما يبين أن مستوى الإنتاجية يزداد ببقاء المرأة في بيتها لما تسببه من الاستقرار النفسي للعاملين.

ومن مبرراتهم: التبرير النوعي والمساواة، وذلك بالادعاء أن المرأة مساويةٌ مماثلة للرجل في الحقوق والواجبات، وهي وسيلة يستخدمونها لتحرير المرأة من كافة الأحكام الشرعية، وقد أجبت عن ذلك في الخطبة الأولى.

ومن مبرراتهم أيضًا: التبرير التربوي، وذلك بالدعوة إلى الاختلاط بين البنين والبنات في التعليم، بدءًا بالصفوف الدنيا للمرحلة الابتدائية، وتولي النساء خاصة تدريس هذه المرحلة، بدعوى: أن المرأة أقدرُ على معرفة احتياجات الولد في هذا العمر، وأقدرُ على التربية والتوجيه، أما في المراحل اللاحقة ففائدة التدريس المختلط: أن الاتصال بين الفتيان والفتيات في حدود التعليم، يعود بالأثر الحسن على الجميع، حيث تسكن النفس المضطربة القلقة، المتعطشة إلى الجنس الآخر، ويخف السعار الجنسي، وتتهذب الأخلاق، ويحصل التعارف والتفاهم، وقد أجبت عن ذلك في الخطبة التي خصصتها عن الاختلاط وذكرت فيها ما نقله المفكرون من أن الغرب ما زاده الاختلاط إلا سعارًا، ولم تهدأ نفس رجاله، ولم يختفِ سعار شبابه.

وبعد:

إخوة الإسلام: قد يقول البعض: لماذا كل هذا من أجل هذا الموضوع، ونحن رجال ولا نحتاج إلى قضية المرأة؟! والحقيقة أن هذا الموضوع من أهم ما يطرح في هذا الوقت، وقد أسلفت في مطلع السلسة أن الأمة اليوم تعاني من الهجمات التغريبية، وأنه يجب على أهل الإيمان مجاهدةُ المنافقين والاحتسابُ عليهم بقوة الحجة والبرهان، ومناصحةُ السمّاعين لهم.

ثم إن الحملة التغريبية تهدف إلى إفساد المرأة، وهو فساد للمجتمع بأكمله، فلن تتضرر المرأة لوحدها، وإنما سيتضرر الطرف المقابل الذي يفتن بها أيضًا، وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه ما ترك فتنة هي أضر على الرجال من النساء كما روى ذلك البخاري ومسلم، فإذا كانت هذه الفتنة من أعظم الفتن التي خاف النبي -صلى الله عليه وسلم- على أمته منها، أفلا تستحق المساهمة في دفعها أن نفرد لها هذه الخطب!! وإذا كانت الهجمة التغريبية تُرى آثارها في كل مكان فلا بد من الحصانة الكافية لدى كل فرد لحمايته من التأثر بالغُثاء الإعلامي، بل إني أحثّ كل فرد منكم على التوسع في القراءة في موضوع المرأة وحقوقها في الإسلام، فإن المتربصين بها كثير، وهذا دينكم، وعرضكم، وهذه بلدكم وكلها تستحق المدافعة والمنافحة.

اللهم ما كان من صواب فمنك وحدك لا شريك لك، وما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان، والله ورسوله منه براء.

اللهم احفظ نساء المسلمين من شر كل ذي شر، اللهم ادفع عن بلادنا المحن والفتن، ما ظهر منها وما بطن، اللهم صل على محمد.