البحث

عبارات مقترحة:

الحليم

كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...

العفو

كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...

الحكم

كلمة (الحَكَم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعَل) كـ (بَطَل) وهي من...

العنوسة وأثرها على المجتمع

العربية

المؤلف خالد بن عبدالله الشايع
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. كثرة الفتن في هذه الأزمان .
  2. إحصائيات العنوسة وحقائقها .
  3. العنوسة ناقوس خطر يهدد الأسر المسلمة .
  4. أسباب العنوسة لدى الشباب والفتيات .
  5. الحل والعلاج لظاهرة العنوسة .
  6. عرض الصالحين بناتهم على الأكفاء .

اقتباس

نحن في هذا العصر مع تفاقم الفتن وكثرت الحروب، يظهر لنا خطر فتنة عظيمة ينبغي للناس أن يحذروا من الوقوع فيها، أو إذكائها، فهذه الفتنة، إنما صنعها الناس بأيدهم، وهي فتنة تعم العالم بأسره، هذه الفتنة هي ظاهرة العنوسة بين النساء والرجال، وإن وصم المرء أو بأنه عانس لفظة ثقيلة على النفس، مرفوضة لدى الكثيرين باعتبارها امتهانًا للمرء، ومصادرة على مستقبلها، وتقبلها نفوس البعض على مضض؛ لأنهم لا يجدون مفرًا منها وقد خبت جذوة الأمل في قلوبهم ..

إن الحمد لله ...

أما بعد:

فيا أيها المؤمنون: كلما تطور العالم كلما ازداد عددهم، وكثرت متطلباتهم، وكلما تطوروًا، كلما زادت الفتن، ونحن في هذا العصر مع تفاقم الفتن وكثرت الحروب، يظهر لنا خطر فتنة عظيمة ينبغي للناس أن يحذروا من الوقوع فيها، أو إذكائها، فهذه الفتنة، إنما صنعها الناس بأيدهم، وهي فتنة تعم العالم بأسره، هذه الفتنة هي ظاهرة العنوسة بين النساء والرجال، وإن وصم المرء أو بأنه عانس لفظة ثقيلة على النفس، مرفوضة لدى الكثيرين باعتبارها امتهانًا للمرء، ومصادرة على مستقبله، وتقبلها نفوس البعض على مضض؛ لأنهم لا يجدون مفرًا منها وقد خبت جذوة الأمل في قلوبهم.

وبعيدًا عن رفض اللفظ أو قبوله أو تعديله، فإن الإحصائيات تطالعنا بأرقامٍ خطيرةٍ بل مفزعةٍ، تجعل من "العنوسة"، أو "تأخر الزواج" ظاهرةً مخيفةً تستوجب الدراسة، والبحث، والتصدي لها، ففي مصر أظهرت دراسة الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أن عدد من وصلوا إلى سن الخامسة والثلاثين دون زواج وصل إلى تسعة ملايين شخص، منهم ما يزيد على ثلاثة ملايين امرأة، وستة ملايين رجل.

كما أوضحت إحصائية وزارة التخطيط السعودية أن عدد النساء اللاتي بلغن الثلاثين دون زواج وصل إلى مليون و90 ألف. ووفقًا للإحصائيات الرسمية الجزائرية فإن نسبة النساء العازبات وصلت إلى 51% من إجمالي عدد النساء، من بينهم أربعة ملايين فتاة لم يتزوجن رغم تجاوزهن الرابعة والثلاثين عاماً.

وأوضحت الدراسة أن 50% من الشباب السوري عازبون، و60% من الفتيات السوريات عازبات، وبذلك تكون النسبة الكلية في الأردن نحو 55% ممن بلغوا سن الزواج. و20% في كلٍّ من السودان والصومال، وفي العراق 85 % ممن بلغن سن الزواج وتجاوز عمرهن الخامسة والثلاثين بسبب العيش في ظل الاحتلال. وأظهرت الدراسة أن نسبة العازبات في البحرين أكثر من 20%، وفي الكويت 30%، وأن 35% من الفتيات في كل من الكويت وقطر والبحرين والإمارات، وبلغت10% في كل من سلطنة عمان والمملكة المغربية، وكانت في أدنى مستوياتها في فلسطين حيث لم تتجاوز فتاة واحدة من بين كل مائة فتاة.

بعد تلك الأرقام المخيفة باتت العنوسة ناقوس خطر يهدد الأسر المسلمة، وإذا التُمست أسباب هذه الظاهرة نجد أن جملة منها لا تعدو أن تكون رواسب مرحلة تاريخية مرّت بها كثير من المجتمعات الإسلامية، أعقبها غزوٌ فكري كانت له آثار خطيرة على الأوضاع الاجتماعية في الأمة، مما أفرز عوامل نفسية وثقافية واقتصادية، منها ما يرجع إلى الشباب والفتيات، ومنها ما يرجع إلى الأولياء، ومنها ما يعود إلى المجتمع بأسره.

فأما الشباب والفتيات فبعضهم يتعلق بآمال وأحلام، وخيالات وأوهام، وطموحات ومثاليات، هي في الحقيقة من الشيطان، فبعضهم يتعلق بحجة إكمال الدراسة، زاعمين أن الزواج يحول بينهم وبين ما يرومون من مواصلة التحصيل، فمتى كان الزواج عائقاً عن التحصيل العلمي؟! بل لقد ثبت بالتجربة والواقع أن الزواج الموفق يعين على تفرغ الذهن، وصفاء النفس، وراحة الفكر، وأنس الضمير والخاطر. فالله عز وجل يقول: (وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [النور:32]،
ويقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "لو لم يبق من أجلي إلا عشرة أيام، أعلم أني أموت في آخرها، ولي طول على النكاح لتزوجت مخافة الفتنة"[5]. ورحم الله الإمام مالك حيث قال: "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها فما لم يكن يومئذ دينا لا يكون".[6]

وإن الحل والعلاج لظاهرة العنوسة في المجتمع الإسلامي يكمن في العودة إلى دين الله تعالى بتقوية البناء العقدي في الأمة، والتربية الإيمانية للأجيال من الفتيان والفتيات، وتكثيف القيم الأخلاقية في المجتمع، لاسيما في البيت والأسرة، ومعالجة الأزمات والعواصف والزوابع التي تهدد كيان المجتمع، وتيسير سبل الزواج، وتخفيف المهور، وتزويج الأكفاء، وترسيخ المعايير الشرعية لاختيار الزوجين، ومجانبة الأعراف والعادات والتقاليد الدخيلة التي لا تتناسب مع قيم ديننا الحنيف.

اللهم أرخص المهور، وزوّج الشباب، واعصمنا وإياهم من الفتن.

الخطبة الثانية

الحمد لله ....

أما بعد فيا أيها الناس : إن تأخر الكثيرين عن الزواج مشكلة لها دور كبير في انحراف الكثيرين، فمن هذا المنطلق وجب لزامًا التحرك لصد هذا الخطر المخيف حقًّا، وذلك لما يجر من الويلات على الأمم، ولا بد من معرفة أسبابه، وآثاره وبالتالي التصدي له بوضع الحلول الجذرية وهو مسؤولية الجميع بدء بالدولة وانتهاء بالفرد نفسه
فمن أهم أسباب العنوسة غلاء المهور، فمع تكاليف الحياة وغلاء الأسعار، وصعوبة الحصول على مسكن، يأتي بعض الآباء ويغالي في المهر حتى كأنه يبيع سلعة ويتكسب فيها، مما يؤدي إلى عزوف الشباب عن الزواج ببنته، وبالتالي تكبر الفتاة ويقل الراغبون فيها، وتمر عليها السنون وهم لا يشعرون.

ولو عقل هؤلاء ما غالوا في المهور بل غالوا بالأكفاء بحثا وتقديراً. فهذا عمر رضي الله عنه يبحث لابنته الكفء فلقد كانت حفصة بنت عمر من المهاجرات وكانت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت خنيس بن حذافة السهمي فلما تأيمت ذكرها عمر لأبي بكر وعرضها عليه فلم يرجع إليه أبو بكر كلمة فغضب من ذلك عمر، ثم عرضها على عثمان حين ماتت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عثمان: "ما أريد أن أتزوج اليوم" فانطلق عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكا إليه عثمان وأخبره بعرضه حفصة عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يتزوج حفصة من هو خير من عثمان، ويتزوج عثمان من هي خير من حفصة» ثم خطبها إلى عمر فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقي أبو بكر عمر بن الخطاب، فقال له: "لا تجد علي في نفسك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ذكر حفصة، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو تركها لتزوجتها".

فهذا هو نهج السلف الصالح في انتقاء الأزواج و حري بنا إن أردنا الفلاح أن ننتهج نهجهم و إلا سينطبق عليها قول الله تعالى: (إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ)، وعضل النساء ورَدُّ الأكفاء فيه جناية على النفس، وعلى الفتاة، وعلى الخاطب، وعلى المجتمع برمّته، والمعيار كفاءة الدين، وكرم العنصر، وطيب الأرومة، وزكاء المعدن، وسلامة المحضن، وحسن المنبت، وصدق التوجه. أخرج أبو داود في سننه من حديث أبي العجفاء السلمي قال خطبنا عمر رحمه الله فقال: "ألا لا تغالوا بصدق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية".

وإن المغالاة في المهور تدعو الشباب إلى البحث عن البديل، فنظر الشباب للزواج بالأجنبيات أصبح سببًا آخر خطير وراء انتشار العنوسة، وبخاصة في دول الخليج العربي، أضف إلى ذلك بعض العوامل التي ساعدت على استمرار تفاقم هذه الظاهرة، تحددت في الانتشار الكبير لبدائل غير مشروعة، مثل الزواج العرفي والمسيار، وزياد إقبال الشباب على الإنترنت، وهي طرق بديلة وخاطئة لجأ إليها كثير من الشباب للتخفيف من الشعور بالأزمة والرغبة في الارتباط بالجنس الآخر.

عباد الله : تشير الدراسات إلى وجود 15 مليون عانس عربية، كما تشير هذه الدراسات إلى أن أكثرهن من المثقفات وصاحبات الشهادات العالية، مما قد يدلنا أن الغرور يلعب دورًا كبيرًا في نشوء هذه الظاهرة.
تقول إحداهن، وهي طبيبة عمرها 35، إن غرورها بمستواها العلمي والمادي أدى بها إلى رفض من تقدم إليها لاعتباره دون المستوى المطلوب، وهي الآن وحيدة لا يطرق بابها سوى أرمل أو مطلق، وبعض الشباب يجد صعوبة في الحصول على زوجة بسبب الفروقات الاجتماعية التي تقف عائقا أمام بعض محدودي الدخل، ونفس الحالة قد تواجه الفتيات أيضًا.

ومن الأسباب التي تقف وراء ظاهرة العنوسة: عضل النساء. أي منع المرأة من الزواج بكفئها، فإذا تقدم لها خاطب كفء منعت منه إما من قبل وليها أو لتدخل قصار النظر من النساء والسفهاء بحجج فاسدة كالقول بأن الخاطب كبير السن أو فقير أو متدين متشدد. وبهذا تهدر المصالح، وتضيع المسئولية، وإن من أسباب العنوسة عدم قبول الكفء إذا تقدم بحجة أنه ليس له جاه أو مال، أو أنه من طبقة متدنية اجتماعيًّا، أو أن وظيفته لا تليق بهم أو أنه مطلق أو له زوجة أخرى ولربما يكون السبب بعض عادات الجاهلية كالحجر على البنت لابن عمها، وغيرها من الأعذار الواهية حتى تدخل البنت في سن العنوسة .

أيها الأولياء: إن إكرام البنت هو المسارعة بتزويجها إذا جاء الكفء، وليكن ميزاننا قول النبي صلى الله عليه وسلم «إذا جاءكم من ترضون دينه وخُلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة وفساد عريض».

اللهم استر على نساء المسلمين، ويسر لهن الأزواج الأكفاء ...اللهم اهد شباب المسلمين وردهم ...اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد ...