البحث

عبارات مقترحة:

الخلاق

كلمةُ (خَلَّاقٍ) في اللغة هي صيغةُ مبالغة من (الخَلْقِ)، وهو...

الحي

كلمة (الحَيِّ) في اللغة صفةٌ مشبَّهة للموصوف بالحياة، وهي ضد...

المبين

كلمة (المُبِين) في اللغة اسمُ فاعل من الفعل (أبان)، ومعناه:...

وصايا وتوجيهات في الأزمات

العربية

المؤلف عقيل بن محمد المقطري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - فقه النوازل
عناصر الخطبة
  1. خطورة الانحراف عن الشريعة .
  2. مفهوم التحضر وضوابطه الشرعية .
  3. عناد الكافرين واستكبارهم .
  4. مساوئ حمل الأسلحة في بلاد المسلمين .
  5. مكانة العلماء .
  6. تحريم أذى المسلمين .
  7. الحث على التفاؤل والأمل .

اقتباس

لا شك أن جميع الشعوب على وجه هذه الأرض تتطلع للتحضر والتقدم والرفاهية في العيش، إن هذا مطلب أساس ومطلب مشترك للبشرية كلها، وللمسلمين خصوصيتهم؛ فهم يريدون أن ينعموا في ظل شريعة الله –تعالى- في ظل العدل الإلهي الذي من أجله بعث الله -تعالى- الرسل وأنزل الكتب، والذي من أجله سن الحدود والشرائع، وخلق الجن والإنس والجنة والنار، فهذه خصوصية للمسلمين، فلا يمكن أن ينعموا ولا يمكن أن يترفهوا في هذه الحياة، ولا يمكن أن يطمأنوا على أنفسهم ولا على أموالهم ..

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب: 70-71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد –صلى الله عليه وآله وسلم– وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها الإخوة الفضلاء: لا شك أن جميع الشعوب على وجه هذه الأرض تتطلع للتحضر والتقدم والرفاهية في العيش، إن هذا مطلب أساس ومطلب مشترك للبشرية كلها، وللمسلمين خصوصيتهم؛ فهم يريدون أن ينعموا في ظل شريعة الله –تعالى- في ظل العدل الإلهي الذي من أجله بعث الله -تعالى- الرسل وأنزل الكتب، والذي من أجله سن الحدود والشرائع، وخلق الجن والإنس والجنة والنار، فهذه خصوصية للمسلمين، فلا يمكن أن ينعموا ولا يمكن أن يترفهوا في هذه الحياة، ولا يمكن أن يطمأنوا على أنفسهم ولا على أموالهم ولا على أعراضهم إلا في ظل تحكيم كتاب الله –تعالى- وسنة رسوله-صلى الله عليه وآله وسلم- لن يستطيعوا أن يحوزوا على سيادتهم التي كانوا يتغنون بها، ولن يستطيعوا أن يستعيدوا أراضيهم ومقدساتهم وخيراتهم ما لم يحكموا بكتاب الله وسنة رسوله-صلى الله عليه وآله وسلم- إنها سنة الله –تعالى- التي مضت ولن تجد لسنة الله تبديلاً.

إن الله -تعالى- قد جعل هذه السنن، والناس يرونها اليوم بأم أعينهم، استطاع الأعداء أن يفتتوا هذا الوطن الكبير واستطاعوا كذلك أن يسلبوا خيراته، وأن يدنسوا مقدساته، وأن يجعلوه عالمًا جائعًا مضطربًا نتيجة بُعد المسلمين عن تحكيم كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم-، ولكن سيعود هذا المجد بإذن الله-تعالى- إذا هيأ الله-تعالى- من يسوسها ويقودها بكتاب الله- تعالى- وسنة رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وستعود كل الأجزاء المغتصبة التي اغتُصبت من قِبل الأعداء ستعود لحظيرة هذا الوطن الإسلامي الكبير بإذن الله-تعالى- إن آجلاً أو عاجلاً.

التحضر شيءٌ يتغنى به الناس ولكنه قد يكون أحيانًا تنظيرًا، وقد يكون دجلاً وكذبًا، وقد يكون واقعًا ففي الدول المتقدمة وإن كانت كافرة بالله-تعالى- لأنها سارت وفق قوانين وضوابط وضعتها لأنفسها واحترمت تلك القوانين وسيادتها وقدسيتها، لكنها وصلت إلى درجة معينة من الرفاهية، وإنهم ليدرسون دراسة وافية تامة للشريعة الإسلامية، ووجدوا فيها المخرج الحقيقي لكل أزمة من الأزمات، سواء كانت أزمة أمنية أو سياسية أو أزمة اقتصادية أو أزمة أخلاقية، وجدوا ذلك في شريعة الله -تعالى- إلا أنهم متكبرون لا يريدون أن يعترفوا بأن الإسلام هو الشريعة التي تحفظ للناس حياتهم وأمنهم واستقرارهم، وهذا هو دأب الكافرين وطريقتهم يوم أسري بالنبي –صلى الله عليه وآله وسلم- فرح الكفار فرحًا ما بعده فرح لماذا؟ لأنه أتى بسابقة لا يقبلها العقل ولا يستسيغها المنطق. فقالوا: أُسري بك من مكة إلى بيت المقدس؟ قال: نعم، بت فينا وأصبحت فينا؟ قال: نعم، ففرحوا بهذا فرحًا شديدًا، وأول من استدعي أبو بكر -رضي الله- عنه- لأنه كان أول المصدقين والمتبعين وله جاه وقبول، فقالوا له: أسمعت ما قال صاحبك؟ قال: وما قال؟ فقيل له: قال إنه بات فينا وأُسري به إلى بيت المقدس التي نمشي إليها ثلاثة أشهر بالجمال وغيرها من الوسائل البدائية ونعود، وصاحبك بات فينا وأصبح فينا، فقال بقلب المؤمن الواثق بصدق النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: إن قال هذا فقد صدق؛ لأنه ما جرب عليه -صلى الله عليه وآله وسلم- الكذب إطلاقًا. لكنهم وهذا هو الشاهد أثناء مخاطبتهم للنبي –صلى الله عليه وآله وسلم- قالوا له: إن كنت صادقًا فصف لنا بيت المقدس، هذا هو الشاهد هنا نبينا –صلى الله عليه وآله وسلم- حينما دخل بيت المقدس وصلى بالأنبياء والرسل، ثم عاد لم يكن ذاهبًا للسياحة والنظر في الآثار والأخشاب والأبواب والنوافذ والفُرُش وما شاكل ذلك، فاغتم اغتمامًا شديدًا؛ لأنه لم يركّز على هذا، فلما اغتم -صلى الله عليه وآله وسلم- كشف الله -تعالى- له المسجد في الحال، ثم صار يصف بابه كذا ونوافذه كذا وأخشابه كذا وعُمده عددها كذا، فعرفوا في أنفسهم أنه صدق، ولكنهم مع هذا أصروا على العناد وعلى التكذيب.

قال: وأزيد لكم على هذا، أنني مررت على قوافلكم بالمكان الفلاني، وقد ضاع عليهم بعير فلان ابن فلان، قالوا: أرِّخوا هذا واكتبوا هذا، فلما وصلت القافلة سألوهم: قالوا نعم كنا في اليوم الفلاني هناك وندَّ علينا بعير فلان ابن فلان. ومع هذا لم يؤمنوا، هكذا كفار اليوم لا يريدون أن يعترفوا أن هذا الدين هو الدين الحق، وبأن هذا النبي الكريم هو النبي الخاتم؛ ذلك لأن هؤلاء عباد شهوات وعباد مصالح ليسوا عبيدًا لله -تعالى- لا من قريب ولا من بعيد، وإن كانوا في الأصل هم عباد الله -عز وجل- لكن إيغالاً في الإنكار والتصدي لدين الله -عز وجل-.

هكذا -أيها الإخوة-.. هذا الدين جاء يدعو للحضارة لكن نرى في بلاد الإسلام خاصة ما يطلقون عليه بالعالم الثالث، ومنه بلدنا نرى بعض المظاهر التي ليست بحضارية لا من قريب ولا من بعيد، وإن كنا ندعي أننا بلد متحضر لكن الاعتراف بالحق فضيلة من ذلك على سبيل المثال انتشار حمل السلاح في الشوارع في هذه الأيام هذا مظهر غير حضاري مظهر ممقوت، إن البلاد المتحضرة لتمجّه حتى على العسكريين أن يحملوا إلا أخف الأسلحة المسدسات فقط أو الهراوات في ما لو حدث أمر يراد من خلال الشرطة أن تفك مشكلة من المشكلات، أمّا حمل الأسلحة الخفيفة كالآليات فهذا أمر مستنكر ومظهر مقزز في الحقيقة، أمّا الأسلحة المتوسطة والثقيلة أن تنشر في المدن، فهذا في غاية من السماجة؛ لأن البلاد ليست في طائلة حرب، ولم يغزها عدوٍ لا من قريب ولا من بعيد، فهذا أمر ليس من التحضر في شيء إطلاقًا، وإنما هو ترويع وتخويف للآمنين إن حمل الأسلحة خاصة من المدنيين أمر ينبئ عن الانفلات الأمني في داخل البلد، مما يؤدي إلى القتل وإلى النهب وإلى السلب بدون مبرر.

في الأيام القليلة الماضية رجل بلطجي معروف عنه القتل والسكر وشرب المخدر وقطع الطريق، يُعرف عنه في المدينة أنه كان يعتدي على المطاعم يأكل فيها، ثم لا يدفع المال والسلاح بيده إن طالبه بالمال ويمر على بعض المحلات ثم ينهب ما فيها بقوة السلاح ثم لا يُحاسب، ثم يمر على صاحب عربة فيأخذ منه ألفين ثلاثة آلاف، ويأخذ ما عنده وبقهر السلاح لكن الله -تعالى- كان له بالمرصاد؛ لأنه خوَّف وأقلق الأمن فبينما هو يريد أن يفجر قنبلة صوتية نزعها من مخبأه فانفجرت به وقتلته وقتلت شخصًا آخر جنبه فسمع الناس صراخًا وتكبيرًا لله -تعالى- أن انتقم من هذا الإنسان، ولعلكم تسمعون إطلاق النار والرصاص في كثير من الحارات من دون أي مبرر إلا من أجل ترويع الناس.

لقد نما إلى مسامعنا، وهذا أمر واقع حقًّا ليس فيه مرية، أنه وُزعت أسلحة بواسطة عقال الحارات إلى مدنيين بحجج غير مقبولة، وإذا بهؤلاء يتجولون في الأسواق بهذه الأسلحة، ويطلقون الأعيرة النارية خاصة بالليل من أجل ترويع الناس، ثم إنزال الضرر فيهم الراجع من السماء من هذه الرصاص والمدينة هذه مدينة غير مستوية، فمهما رمى الإنسان في الهواء فلا شك أنها ستذهب إمّا إلى سقف وإمّا إلى باب وإمّا إلى نافذة، وقد سمعنا في الأسابيع الماضية عن قتلى وجرحى كُثر؛ نتيجة ضرب النار في الهواء كل هذا بسبب هذه العشوائية.. إن هذا من باب إنزال الضرر بالناس، ثم هو تخويف وترويع للآمنين من حمل السلاح فليس منا وليس منا من روّع مسلمًا أو كما قال النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- وفي هذا إهدار للمال الخاص إن كان هذا خاصًّا بك، وإهدار للمال العام إن كان وُزع من المال العام، فكفى إهدارًا للمال العام وكفى إضرارًا بهذا البلد وعلينا أن نقف وقفة جادة وقفة إمعان وتمعن في هذه القضية لأن فيها إنزال الضرر وترويع للخائفين والآمنين. عن أبي هريرة قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: "من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى وإن كان أخاه لأبيه وأمه".

وقال -صلى الله عليه وآله وسلم- حينما رأى قومًا يتداولون سيفًا بدون غمد، فقال لهم: "أما كنت نهيتكم عن هذا، من كان يريد أن يري أخاه سيفه، فليره في غمده"، أو كما قال –صلى الله عليه وآله وسلم-، ويقول أيضًا عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزغ في يده فيقع في حفرة من النار" ، ورأى رجلاً يحمل نصلاً –سهامًا- فقال له: "أمسك بنصالها لا تخدش مسلمًا". أو كما قال -صلى الله عليه وآله وسلم-. إن إطلاق النار بالليل والناس نيام فيه إفزاع للآمنين، وفيه تخويف للأطفال والنساء، وهذا أمر مستنكر ومستقبح، خاصة إذا كان ذلك من دون مبرر وأكثر إطلاق النار في هذه الليالي في الحارات من غير مبرر.

إننا كمسلمين نعلم ما جعل الله للعلماء من مكانة في كتابه الكريم، فعن أبي الدرداء- رضي الله عنه- سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا سلك الله به طريقًا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر".

والله -تعالى- قد استشهد بهم في أعظم موضع (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [آل عمران: 18]، فذكر أولي العلم بجوار شهادته وبجوار شهادة الملائكة على أعظم مشهود وهو توحيده –سبحانه-، وقال-تعالى- (.. يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [المجادلة: 11]، وقال -سبحانه- (… قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) [الزمر: 9]، وقال-تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) [النساء: 59]، والمفسرون مجمعون على أن أولي الأمر في هذه الآية هم العلماء والأمراء، فالعلماء يجب أن تكون لهم مكانة عظيمة في النفوس.

وإنه مما يؤسف له في هذه البلد أن مكانة العلماء مهدرة، وأنه ليس لهم احترام إلا القليل النادر ليس لهم احترام إلا ربما من عوام الناس، وربما غُرّر بكثير من العوام فلم يحترموا أهل العلم لا من قريب ولا من بعيد بخلاف كثير من البلدان العربية والإسلامية، فالعلماء لهم مكانة عظيمة في النفوس؛ إذ إنهم هم المستفتون في الحلال والحرام وهم الذين يوقّعون عن الله -عز وجل- في النوازل، وهم الذين يُرجع إليهم في المهمات وفي الأمور العظام، فالعلماء في هذا البلد يتعرضون لهجمة شرسة قاسية من أناس ربما يحنقون من شريعة الله -تعالى- ولا يريدون لشريعة الله -تعالى- أن تحكم، وأن تسود في هذا البلد أو في غيره فهم يقدحون في أهل العلم في وسائل الإعلام المتنوعة المقروءة والمسموعة والمرئية، وهذا في الحقيقة إن دل على شيء، فإنما يدل على حقد في هذه النفوس التي لا تحترم العلماء.

أمر آخر: وهو أذية المسلمين إنني أكرر هذه القضية؛ لأن الأذى بأهل هذا البلد قد اشتد، وقد وصل إلى حد لا يقبل من قريب ولا من بعيد. يقول –تعالى-: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) [الأحزاب: 58]، إن هذه الأذية قد تكون حسية وقد تكون معنوية. أما المعنوية فإنها تكون في الشائعات التي تُقلق الناس وتخوف الناس وتفزعهم، ومن ذلك الكذب الذي نسمعه، والذي يروج له بوسائل الإعلام، والذي يعرفه العاقل من مبدئه من حال التحدث به أنه كذب لتناقضه الشديد وتضاربه الذي لا يمكن أن يجمع بين هذه الأقوال بحال من الأحوال، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مرض في قلوب هؤلاء الذين يكذبون ويرهبون أبناء هذه الأمة، قال-تعالى-: (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) [البقرة: 10]، ولكن الكذب عمره قصير وحبله واهن وصدق الله (سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنْ الْكَذَّابُ الأَشِرُ) [القمر: 26]، ومن الأذى الحسي احتكار السلع والبضائع الضرورية والتي إذا انعدمت أضرت بالناس سواء كان مطعومًا أو مشروبًا أو دواء أو مشتقات النفط وغيرها التي ينجر عليها ضرر كبير بهذه الأمة. حدثنا معاذ بن المثنى ثنا مسدد ثنا بشر بن المفضل وإسماعيل بن إبراهيم قالا ثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم حدثني إسماعيل بن عبيد بن رفاعة بن رافع الزرقي عن أبيه عن جده قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فوجد الناس يتبايعون، فنادى: "يا معشر التجار"! فاستجابوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورفعوا أبصارهم إليه فقال: "إن التجار يبعثون فُجارًا إلا من اتقى وبرّ وصدق".

وإنني أود أن أسمع عن سخاء التجار في هذه المدينة؛ كي ترفع المعاناة عن أبناء هذه المحافظة وغيرها وذلك بواسطة المؤسسات الخيرية التي يثقون بها، وهذا من باب التنافس في فعل الخير وليس رياء وسمعة. يقول الله-تعالى-: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [البقرة: 271] إن أبناء أبين النازحين إلى محافظتي عدن ولحج نزلت بهم اللأواء والشدة في هذه الأيام فيجب إغاثتهم، فبعضهم خرج من المنازل لا يحمل شيئًا خوفًا من ضربات الدبابات والطائرات خوفًا وهلعًا من الرصاص والقتل، وهم بحاجة ماسة إلى أن يتبرع لهم وقد كنت طلبت من إخواني في الأسبوع الماضي تبرعًا لهم عبر مؤسسة خيرية، وقد أوصلت الاستلام لكن للأسف الشديد لم نحصل على أكثر من أربعة عشر ألف ريال فقط، إنني أهيب بأهل الفضل والخير والإحسان أن يتعاونوا مع إخوانهم، فالمسلم أخو المسلم لا يسلمه، ولا يظلمه ولا يخذله، التقوى هاهنا وأشار إلى قلبه -صلى الله عليه وآله وسلم-. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

الخطبة الثانية:

الحمد وكفى، وصلاة وسلامًا على من اصطفى …

وبعد: إن من الأذى الحسي -أيها الإخوة الفضلاء- قطع الكهرباء عن الناس، مع أن المحطات شغّالة بطاقتها الكاملة، والأزمة مفتعلة إلى درجة كبيرة، وإلا فأين محاسبة الذين ظهروا في وسائل الإعلام من إنهم تسببوا في ضرب بعض الأبراج في محافظة مأرب، وأين السلطات الأمنية والأجهزة الأمنية إن كانت في البلد أجهزة أمنية تتابع هؤلاء الناس، فيجب القبض على هؤلاء، ومحاسبتهم محاسبة عادلة، ويجب أن تُرفع معاناة الناس في هذه القضية، فأنتم في المسجد خلال دقائق مرتين أو ثلاثًا ربما تلحظون انطفاء الكهرباء وإعادته، ووسائل الإعلام قد أظهرت مجموعة من الذين تسببوا في هذه القضية ولكن أين محاسبة هؤلاء؟ فبعض المناطق في هذه المدينة ربما لا تأتي الكهرباء إليها إلا خلال ثلاث إلى خمس ساعات، وفي خلال هذه الثلاث إلى الخمس الساعات تنطفئ عدة مرات؛ إيغالاً في المحاسبة والعقوبة، من أجل إحراق ما تبقى من الأجهزة حتى يزداد الناس معاناة، وأنا أقول من هنا: رحمة بالناس إذا كان هناك قلوب رحيمة إذا كانت هناك إنسانية، أمسكوا عن هذا أقول وبكل وضوح: لا تحرقوا أعصابكم ولا تحرقوا أنفسكم ولا تزهقوا وترهقوا المال العام، أطفئوا هذه الكهرباء بالمرة؛ لأن الناس لا يحتاجون إليها؛ لأنها دمرت حياتهم فالشعب قد تعود على أن يستضئ بالشمعة وبالفانوس ويطبخ طعامه بغير ذلك، والثلاجات والأجهزة الأخرى ستغلق إلى أن يشاء الله -تعالى-، لا داعي لإهدار المال العام بإحراق النفط وما شاكل ذلك في هذه الأجهزة في هذه المحطات فأغلقوها، ولا حاجة لنا بها إن لم يكن هنالك ضبط وقدرة على إيصالها إلى الناس.

بل –يا أيها الإخوة- أقل الأحوال اعدلوا في الظلم، فهنالك بعض الحارات لا تنطفئ فيها الكهرباء إلا ساعة أو ساعتين من باب ذر الرماد على العيون، وبعض الحارات لا تأتيها الكهرباء إلا ربما ساعة أو ساعتين في اليوم، فعلى أقل تقدير علينا أن نعدل حتى في الظلم، اعدلوا في الظلم، فاظلموا الناس بعدل هذا إن صح وجاز مثل هذا التعبير، أما أن يبقى بعض الحارات يستضيئون وبعض الحارات يُعذَّبون، فهذا في الحقيقة ظلم ناقص، نحن نريد ظلمًا كاملاً؛ بحيث يشمل الظلم بتوزيعه على الناس كلهم لا يوجد هنالك عذر أبدًا في أن تعذب بعض الحارات ويروح عن بعض الحارات، ولا أريد أن أسمي حارات بعينها فالحليم تكفيه الإشارة، ولك أن تتجول في ساعات الليل أو في ساعات النهار لترى بعض الحارات تنعم بهذه النعمة وبعض الحارات لا تراها إلا بصيصًا، وكل يوم يحرق عليها جهازًا من هذه الأجهزة.

إنني أذكر بقول النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- حينما ذكرت له امرأة، وذُكر له من كثرة صلاتها وصيامها إلا أنها تؤذي جيرانها كم عدد جيرانها هؤلاء؟ خمسة، ستة، عشرة، اليوم يؤذى الملايين، قال: "هي في النار"، لا تنفعها صلاتها، لا ينفعها صومها، لا ينفعها ادعاؤها بأنها مسلمة، فكيف بإيذاء الملايين، وإنزال الضرر بهم، لا شك أن هذا أمر يُغضب الله -عز وجل-، لكن مع هذا أيها الإخوة علينا بالصبر فلا تيأسوا من روح الله (… إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ) [يوسف: 87]، وقال عفان حدثنا سليم بن حيان حدثنا سعيد بن ميناء قال سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى ولا طيرة، ولا هامة ولا صفر، وفر من المجذوم كما تفر من الأسد"، لا تتطيروا ولا تتشاءموا عليكم أن تتفاءلوا بالخير بإذن الله -تعالى- فالخير آتٍ إن شاء الله-تعالى- كان –صلى الله عليه وآله وسلم- لا يتشاءم ولا يتطير، بل كان دائمًا يتفاءل، ونهى-صلى الله عليه وآله وسلم- أم السائب عن سب الحمى، فعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم السائب أو أم المسيب، فقال: "ما لك تزفزفين"؟ قالت: الحمى، لا بارك الله فيها، فقال: "لا تسبي الحمى، فإنها تُذهب خطايا بني آدم كما يُذهب الكير خبث الحديد" وقد قيل: تفاءلوا بالخير تجدوه.

اللهم من أراد بهذا البلد سوءًا فأشغله في نفسه، واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا سميع الدعاء.

والحمد لله رب العالمين.