السلام
كلمة (السلام) في اللغة مصدر من الفعل (سَلِمَ يَسْلَمُ) وهي...
العربية
المؤلف | الشيخ د عبدالرحمن السديس |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المهلكات |
وهنا في مثل هذه المواقف المحتدمة يجب أن يكبح جماح الغضب، وتمتص غلواؤه؛ لتحقيق غاية الأرب، ويتدرع بالحلم؛ لنيل عالي الرتب، ولربما أخرجت سَوْرَة الغضب البعض عن طوره؛ فركب مركب الحمق والتشنج، وامتطى صهوة الإثارة للبحث عن الشهرة وخطف الأضواء؛ فأغرب في الآراء، وشذَّ في الطَّرح وتقفر شذوذات المسائل، وركب الصعب والذلول؛ لإثبات رأيه وإنفاذ قراره؛ لفتنة الناس في دينهم والجناية عليهم في أعراضهم
الحمد لله حقاً حقاَ، بَرَأ النفوس فأحسنها خلقاَ، أحمده -سبحانه-لم يزل للثناء والشكر مستحقاَ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعبداً ورِقَّا، أسعد بالخلق الكريم ورق، ومن نأى عنه فللسوء ما توقَّى.
وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، أزكى البرية خصالاً، وأنقى وأحماها حلماً وكظماً ورفقاً، صلى الله عليه وعلى آله المباركين محتداً وعلقاً، وصحبه الألى حازوا الشيم السنية سبقا، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما أعقب ودق برقاَ، وسلم تسليمًا كثيراَ.
أما بعد:
فيا عباد الله: إن خير ما تفتح به الوصايا، وتختتم وتنفع به الذكرى، وتستتم الوصية بتقوى الله -عز وجل: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ) [النساء:131]
أيها المسلمون: إذا كانت الحياة قد سارت علقاً فسيحاً في شتى المجالات، وضروب المعاملات -لا سيما الاجتماعية منها والسلوكية-؛ فقد استحكمت أزماتها، واشتدت نقائضها، وترادفت مخرجاتها وبوائقها، استفحل فيها البرم والضجر وأَم، واستشرى داء الغضب والانفعال وعم؛ فتعقدت قيمها، ووهت وشائجها وشيمها.
وما ذلكم -يارعاكم الله- إلا لضعف اليقين، والتجافي عن شرائع الدين؛ مما أستر عن الأهواء الذاتية، والأدواء الخلقية والنفسية التي افترست رائع الخصال وجعلتها في واقع الأمة كسراب وآل.
كما أبرز هذا الواقع الحياتي الملتهب خلة زرية وعرة سبعية لكنها -وايم الحق- ظاهرة عالمية، خلة هي زناد للدمار، ومصدر للبوار آثارها جد أليمة وعواقبها -رباه- كم هي وخيمة، وكيف وهي خلقٌ أحمق، ومسلكٌ أخرق، يجر إلى التشاني والتطاول والتباغض والتصاول، وتمزيق الأواصر وتغييب التناصر، إنها -وياللعجب- خصلة الغضب قسيم اللهب المورد بصاحبه موارد العطب.
إخوة العقيدة: لا يخفى على شريف علمكم أن للفطرة الإنسانية معالم ثابتة من الغضب والحمية يعز محوها ولا يسوغ جهلها، كما أن مخالطة الناس تُعرض المرء لا محالة لخطر سورتهم وخطل ثورتهم؛ فيصاب بطلٍّ من المواجع النفسية، والإثارة الخلقية القاضية بفلِّ لجاجة النفس وكسرها، وحملها على ديدن الراحة وقسرها.
وكُنْ حَسَنَ السَّجَايا ذَا حَيَاء
إخوة الإيمان: ولعظيم خطر الغضب ورفضه، وثقل معناه ولفظه؛ حذر منه الحبيب -صلى الله عليه وسلم- في توجيهه ووعظه، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: "أن رجلا قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أوصني، قال: لا تغضبْ، فردّد مرارا قال: لا تغضب" أخرجه البخاري، وفي رواية عند الإمام أحمد: "قال الرجل: "ففكرت حين قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما قال فإذا الغضب يجمع الشر كله".
معاشر الأحبة: ومن يستقرئ التأريخ والواقع المعاصر؛ يذق العلقم والصاب نتيجة الغضب العجاب؛ فبسبب الغضب الأرعن؛ زمجرت في العالم الجنايات والخصومات، ودوت المكائد والشكايات، وهدرت النكايات والخيانات، فما الذي أشعل فتيل المشكلات الاجتماعية، والخلافات الزوجية إلا الغضب؟
فكم تصرمت بسببه الأواصر، وتقطعت لأجله وشائج كواسر، وكم حلت بسببه الحبال، ودكت علاقات كالجبال، ومن أعظم تلك الهوالك الحوالك التي جرها الغضب القتل والإجرام والطلاق والانتقام والتكفير والتفجير والتدمير، فكم أراق الغضب من دماء، ورمَّل من نساء، وحطّم من بيوت المجد العلياء.
ولا تسأل عما يسببه من علل وأدواءٍ مزمنة تبعث الكلل والملل، يقول الإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "أوّلُ الغضبِ جنون، وآخره ندم، وربما كان العطب في الغضب".
ويقول الإمام الغزالي -رحمه الله-: "إنَّ الغضب شعلة نار مستكنة طي الفؤاد استكنان الجمر تحت الرماد، يستخرجها الكبر الدفين في قلب كل جبار عنيد".
لا يحملُ الحقدَ مَنْ تعلُو به الرُّتبُ
إخوة الإيمان: ومن عجب أن هاتيك الشيمة الضارية، والصفة النزقة الشارية لم تغادر كهولاً ولا شباناً كباراً ولا ولداناً، بل كل محتسٍ من مرير كأسها، ولربما كان غضبهم في أدنى الأمور، وأوهى الأسباب، وأتفه الخصوم.
فمن الناس -هداهم الله- من هو مستنفز للحمق والتغيظ إن استعصى عليه أمر؛ استأسد وتغير وتنمر وتحير وطاش وقاره واستعر أواره، ومنهم من إن تأبى مراده -ولو كان يسيراً-؛ غضب وحرد وانفعل وارتعد، وراعه ذلك روعاً عجيباً، وامتلأ صدره زفرة ووجيلاً، وربما أطلق من القول ناهشه وقايسه، وأظهر من الوجه مقطبه وعابسه؛ كأنما ثلم دينه، أو ديس عرينه.
ومن الناس من إذا استبطأ طعامه وشرابه؛ استشاط ورعن ووكز وطعن، وهدد بالطلاق وتوعد بالفراق، وضل عن الحلم والسكينة، وسُلِب الأناة والطمأنينة.
وليس لتلك الفعال النشاز من علةٍ؛ إلا الغضب الأعمى، وفل الحجى، وعدم التسليم لقدر الديان -سبحانه-، مع تسلط الهوى واستحكام العجب، وهشاشة الخلق والأدب؛ فأواه أواه من عاقل لم يقدر للغضب شر عقباه:
إذا مَا طاشَ حلمُكَ عن عدو
أمة الإسلام: ومن مبهجات السنن، وملهجات خير السنن في بيان حقيقة القوة ومعاقد الفتوة قول المجتبى -صلى الله عليه وسلم-: "ليس الشديدُ بالصُّرَعَة إنما الشديدُ الذي يملكُ نفسَهُ عندَ الغضَب" رواه الشيخان.
وتلك هي المواقف اللداد، والكُرَب الشداد التي لا يستقل بمبهضاتها إلا ذوي التصبر الفارع، وخلق الإغضاء البارع؛ ولله در القائل:
ليستِ الأحْلامُ في حالِ الرِّضَا
قيل لعبد الله بن المبارك -رحمه الله-: "اجمع لنا الخلق في كلمة، قال: "ترك الغضب"؛ فلله دره من كَلِم ما أجمعه، ومن لفظ ما أبدعه! لأن مغبته لا أفظع منها وأمر، وثواب الحلم فيها لا أبهى منه ولا أسر، وعن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- قال: "قد أفلح من عُصِمَ من الهوى والغضب والطمع".
رأيْتُ العزَّ في أدبٍ وعقْلٍ | وفي الطَّيشِ المذلةُ والهوَانُ |
أمة الإسلام: الغضب جِبلَّةٌ في البشر ليس عنها محيص، وتقريره قول الباري -جل وعلا-: (وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) [الشورى:37] أولئك هم الكملة النبلاء الخيرة الأصفياء الذين لم تستفززهم همزات الألحاظ، ولم تؤججهم حامرات الألفاظ، بل للحنق كظموا، ولهياج النفس لجموا، وللجاجة كتموا وأفاضوا من مديد حلمهم وسلسال أناتهم على ذوي الهوج والجهل؛ فألجئوهم إلى أكرم الفضائل وأجل السجايا، وذلك -وايم الحق- هدي خير البرايا -عليه أزكى الصلاة والسلام والتحايا-.
معاشر المسلمين: وتلك الآفة المهلكة تارة تُذَم طبعاً، وتارة تُحمَد شرعاً؛ فإن زاد الغضب عن حد الجبلة والطبيعة وحاد عن مقاصد الشريعة - فأعنَت الخلق وأشجى الحلق؛ كان بركاناً للعلاقات، طامساً وليًّا في جبين التعاملات دانسا.
أما الغضب المحمود؛ فما أقام دعائم الحق والدين، وتلك صفة سيد المرسلين الذي إذا انتُهِكَتْ محارم الله لم يقم لغضبه قائمة -عليه الصلاة والسلام- صح عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: "ومَا نِيلَ منه قط فينتقمَ من صاحبِه إلا أن يُنتهَك شيءٌ من محارِمِ اللهِ فينْتقِم لله -تعالى-" رواه مسلم.
ومَا غضبُ الإنسانِ إلا حماقةٌ
أمة الصفح والحلم: وكم يجد المرء في دروب الحياة، وحلائب التعاملات وميادين العمل، وساحات المجتمعات من يميل إلى إثارة المشكلات، ويتعمد الاستفزازات وبث النزاعات، وقد يتعدى ذلك إلى وسائل الإعلام والفضائيات، وأروقة المحاكم ومراكز الشرط والتحقيقات، ناهيكم عما يدور في الأسر والبيوتات، والمواقع والمنتديات، ومجالات الحوارات والأطروحات، وقضايا الاجتهاد والمتغيرات، وعالم الشائعات والوشايات، وفي خضم الخلافات والنزعات والخصومات.
وهنا في مثل هذه المواقف المحتدمة يجب أن يكبح جماح الغضب، وتمتص غلواؤه؛ لتحقيق غاية الأرب، ويتدرع بالحلم؛ لنيل عالي الرتب، ولربما أخرجت سَوْرَة الغضب البعض عن طوره؛ فركب مركب الحمق والتشنج، وامتطى صهوة الإثارة للبحث عن الشهرة وخطف الأضواء؛ فأغرب في الآراء، وشذَّ في الطَّرح وتقفر شذوذات المسائل، وركب الصعب والذلول؛ لإثبات رأيه وإنفاذ قراره؛ لفتنة الناس في دينهم والجناية عليهم في أعراضهم، غير عابئ بمقاصد الشريعة ومصالح الأمة وتماسك المجتمع، ضارباً بأبجديات الحوار وأدبيات الخلاف عرض الحائط، مسوغاً لخصوم الشريعة وأعداء الملة الطعن في ثوابتها ووحدة كلمتها.
فيا لله! ثم يا لله العجب! كيف طوح بهؤلاء الهوى والغضب فأوردهم موارد العطب؟! يقول -صلى الله عليه وسلم- لأشجِّ عبد القيس: "إنَّ فيكَ لَخَصْلتين يحبُّهما الله: الحِلم والأنََاة" خرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.
وقد قيل: "إن تسعة أعشار العقل في التغافل والتغاضي"، وقد يرى العالم ويلقى الداعية ويبتلى المحتسب من خفافيش الظلام وأغيلمة الأقلام بالنيل منه باللمز والغمز والهمز والتهويش والتحريش؛ فيجد في الحلم سلواه، وفي حياض الإغضاء مأواه.
إذَا بُلِيتَ بشخصٍ لا خَلاقَ له
وأولى الناس التزاماً بهذا الأمر الرموز والقدوات من العلماء والدعاة والمحتسبين والقضاة، في الحديث الصحيح: "لا يقضِى القَاضي حينَ يقضي وهوَ غضْبان" أخرجه ابن حبان في صحيحه.
ويا لله! كم تمر على الغيور من أقوال، وكم يضايق من فعال؛ فيفيء إلى الوصية الجامعة، والذكرى النافعة: "لا تغضب. لا تغضب. لا تغضب"؛ فيرجع بالحلم والأمل، ويلتزم صدق القول وحسن العمل.
أحبتنا الأكارم: وما على ما رزِئتْ به الأمة من جراحات وتعرضت له من تحديات، وما عناقيد الغضب الصهيوني ضد مقدسات الأمة ومقدراتها ومسجدها الأقصى إلا نموذج كالح في سلسلة المكر الكُبَّار لهذه الأمة.
ومع ذلك؛ فإن أمتنا الإسلامية لكي تسترد حظها من الكمالات المرتجاة والأمجاد المتمناة لا بد لها -مع قوة الإعداد وعمق الإمداد- من أَطْر النفوس على الحلم والصبر والأناة والمرحمة، ونبذ النزق والبأو والملحمة، وأن يكون ذلك سمتها وهجيراها؛ متذرعة بالفأل والبشائر في وقت غلب فيه اليأس والإحباط؛ حتى يأذن الله بنصره وتأييده.
وهكذا المسلم الملهم دوماً في حركاته وسكناته وأقواله ومعاملاته؛ لا يزال بشواظ الغضب حتى ينتفي، وبضرامه حتى ينطفي بذَنُوب حِلمٍ يُريقه على جوانبه وسِجال عفو يصب على ذوائبه.
إذَا ما الذنْبُ وافَى باعتذارٍ | فقابِلْهُ بحلْـمٍ وابتِسَـامِ |
ولا تغضبْ وإنْ مُلِّئْتَ غيظَا | فإنَّ الحلمِ منْ شيَمِ الكِرَامِ |
وبعد: أيها المسلمون: فلكي تسلم الأمة من المشكلات والشرور، وتفيض بالخيور والبرور؛ لا بد أن تجعل من وصية المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "لا تغضب" في كل أمورها لها شعاراً، وفي كل تصرفاتها لها دثاراً؛ لتحقق خيري الدنيا والآخرة.
يامَنْ تُضايقُهُ الفِعَالُ مِنَ التي ومِنَ الَّذِي | ادْفعْ -فديتُك- بالتي حتَّى ترَى فإِذَا الَّذِي |
وأبلغ من ذلك وأعز قول المولى -جل وعز-: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [فصلت:34-36]
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافة المسلمين من كل خطيئةٍ وإثم؛ فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو التواب الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله بالعظمة والجلال، مسبغ الآلاء والأفضال تبارك إلهاً، حقق الآمال بحميد الخصال، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن نبينا وقدوتنا محمدًا عبد الله ورسوله الموصوف بأقوم الشيم وأبهى الخلال، صلى الله وسلَّمَ وبارَكَ عليه، وعلى آله وصحبه الحائزين من الأناة والإغضاء مجدًا لا يُنَال، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما دام إمراعٌ وإمحال.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله- واسعوا لتزكية النفوس بالغدو والآصال، وأوردوها مجال الحلم والرزانة والكمال؛ تفوزوا بجمال الجلال وبديع المآل.
أيها المؤمنون: وإذهاباً للغضب ورجفته، وإطفاء لنوازله وجمرته؛ فقد أرشدنا المصطفى -صلى الله عليه وسلم- إلى أنجع دواء لأعضل داء في قوله -عليه الصلاة والسلام-: "إذا اغضِبَ أحدُكمْ وهوَ قائمٌ فلْيجلِسْ، فإن ذهبَ عنهُ الغضبُ، وإلا فلْيضطجع" أخرجه الإمام أحمد وأبو داود بسند صحيح.
أو يطفئ الغضب بالوضوء؛ لما صح عن النبي المختار -صلى الله عليه وسلم- لأن الغضب جمرة من النار فيطفؤها الماء، ويكثر من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم لحديث سليمان بن صرد قال: "استَبَّ رجُلانِ عند رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فغضِبَ أحدُهما فاحمرَّ وجهُهُ وانتفختْ أودَاجُه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إني لَأعلَمُ كلمةً لوْ قالها لذهبَ عنه ما يجِدْ، قالوا: وما هيَ يارسولَ الله؟ قال: أعوذُ بالله مِنَ الشيطان الرجيم، فقالها الرجل فذَهبَ عنهُ ما يجِد" أخرجه البخاري.
أيها الأحبة الأكارم: واستعصاماً من آفة الغضب، وسمواً لمعالي الرتب، كان من دعائه -صلى الله عليه وسلم-: "اللهمّ إني أسألُكَ كلمةَ الحقِّ في الغضبِ والرِّضا".
قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: "وهذا عزيز جدا، وهو أن الإنسان لا يقول سوى الحق سواء غضب أم رضي؛ فإن أكثر الناس إذا غضب لا يتوقف فيما يقول".
أخي المسلم المبارك: وملاك النجاة من آثار الغضب الصادعة: التدرع بالحلم وكظم الغيظ، واستحضار أجر الصفح وفضل العفو، يقول سبحانه: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران:134].
وفي قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من كَظَمَ غيظًا وهو يستطيعُ أن ينفِذَه دعاهُ الله يومَ القيامةِ على رؤوسِ الخلائِقِ حتَّى يُخيِّرُه مِنْ أيِّ الحورِ العِينِ شاء" أخرجه البخاري.
الله أكبر. الله أكبر! ياله من عطاء ما له من كفاء، هؤلاء الحلماء هم الكرماء العظماء الذين يجابهون وطأة الإسفاف والتهور بالصفح والتسامي والتبرر، والغلواء والجموح بنفسٍ متألقةٍ سموح، وتلك هي الصفات النافحة بأعبق الأريج الحافلة بالسماحة والتجاوز والرواء البهيج.
وإذَا غضِبْتَ فكُنْ وقُورًا كاظِمًا | لِلغيظِ تُبصِرُ ما تقولُ وتسمعُ |
فكَفــى بهِ شرفًا تَصبُّرُ ساعةٍ | يرْضَى بِهَا عنْكَ الإلهُ وتُرفعُ |
وفي ديوان الحكم: "ما ذبَّ عن الأعراض كالصفح والإعراض".
ألا فاتقوا الله -عباد الله-، وتحلوا بالأخلاق القويمة، وتخلوا عن هذه الخصلة الذميمة، تسعدوا في الدنيا وتفلحوا في الأخرى.
ثم صلوا وسلموا -رحمكم الله- على الحبيب المصطفى والرسول المجتبى إمام الحنفاء خير من تجاوز من الخلق وعفا كما أمركم الباري -جل وعلا- غفار الذنوب لكل من هفا، فقال تعالى قولاً كريماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56]
صلَّى عليهِ إلهُ العرْشِ ما طَلَعتْ
اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على سيد الأولين والآخرين ورحمة الله للعالمين نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين -أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي- وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واحم حوزة الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم آمنا في أوطاننا. اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ووفق أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا، اللهم وفقه لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفقه ونائبيه وإخوانه وأعوانه إلى ما فيه صلاح البلاد والعباد.
اللهم وفق جميع ولاة المسلمين لتحكيم شرعك واتباع سنة نبيك -صلى الله عليه وسلم- اللهم اجعلهم رحمة على عبادك المؤمنين.
اللهم آت نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات وألف بين قلوبهم، واهدهم سبل السلام، وأصلح ذات بينهم، وجنبهم الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم اشف مرضانا، اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا. اللهم تولَّ أمرنا، واختم بالصالحات أعمالنا وبالسعادة آجالنا، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأقوال والأعمال لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.
اللهم أنقذ المسجد الأقصى. اللهم أنقذ المسجد الأقصى، اللهم أنقذ المسجد الأقصى من الصهاينة المعتدين، اللهم اجعله شامخا عزيزاً إلى يوم الدين.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً فأرسل السماء علينا مدرارا، اللهم اسقنا وأغثنا غيثاً هنيئاً مريئاً مريعاً سحاً غدقاً طبقاً نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم سقيا رحمة. اللهم سقيا رحمة. اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، ولا بلاء ولا هدم ولا غرق.
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).(رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).