السبوح
كلمة (سُبُّوح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فُعُّول) من التسبيح،...
العربية
المؤلف | مهران ماهر عثمان نوري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
وأما سبب تسميته شهيدًا فقال النضر بن شميل: لأنه حي؛ فإن أرواحهم شهدت وحضرت دار الإسلام وأرواح غيرهم إنما تشهدها يوم القيامة". وقال ابن الأنباري: "إن الله تعالى وملائكته -عليهم الصلاة والسلام- يشهدون له بالجنة. وقيل: لأنه شهد عند خروج روحه ما أعده الله تعالى له من الثواب والكرامة. وقيل: لأن ملائكة الرحمة يشهدونه فيأخذون روحه. وقيل: لأنه شهد له بالإيمان وخاتمة الخير بظاهر حاله. وقيل: لأن عليه شاهدًا بكونه شهيدًا، وهو الدم ..
أما بعد: فإن من أعلى المقامات التي تورث الجنات، ورضاء رب العباد، مقام الشهداء عند الله تعالى، أولئك الذي بذلوا أنفسهم رخيصة في سبيل إعلاء كلمة لا إله إلا الله، أولئك الذين ارتوت الأرض بدمائهم، لا لشيء إلا لتكون كلمة الله هي العليا.
عجيب أمرك -أيها الإنسان-، قد يوصلك إيمانك بالله إلى أن ترقى أعلى الدرجات ويُراق دمك في سبيل الله من أجل دينك وعقيدتك ودعوة الناس إلى الله.
إننا نريد اليوم أن نلج روضات الشهداء، وأن نستأنس بالحديث عنهم، ونتشرف بكلامنا عن مآثرهم التي جاء بها كتاب ربنا ونطقت بها سنة نبينا -صلى الله عليه وسلم-.
ولكن قبل ذلك، لماذا سُمي الشهيد شهيدًا؟!
يقول الإمام النووي -رحمه الله-: "وأما سبب تسميته شهيدًا فقال النضر بن شميل: لأنه حي؛ فإن أرواحهم شهدت وحضرت دار الإسلام وأرواح غيرهم إنما تشهدها يوم القيامة". وقال ابن الأنباري: "إن الله تعالى وملائكته -عليهم الصلاة والسلام- يشهدون له بالجنة. وقيل: لأنه شهد عند خروج روحه ما أعده الله تعالى له من الثواب والكرامة. وقيل: لأن ملائكة الرحمة يشهدونه فيأخذون روحه. وقيل: لأنه شهد له بالإيمان وخاتمة الخير بظاهر حاله. وقيل: لأن عليه شاهدًا بكونه شهيدًا، وهو الدم. وقيل: لأنه ممن يشهد على الأمم يوم القيامة بإبلاغ الرسل الرسالة إليهم، وعلى هذا القول يشاركهم غيرهم في هذا الوصف".
أيها المؤمنون: لقد استفاضت النصوص المبينة لفضل الشهادة في سبيل الله.
فالشهداء أحياء عند الله تعالى، يقول سبحانه: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ). ويقول: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ).
قال جابر بنُ عَبْدِ اللَّهِ: "لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ لِي: "يَا جَابِرُ: مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا؟!"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: اسْتُشْهِدَ أَبِي، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَتَرَكَ عِيَالاً وَدَيْنًا. قَالَ: "أَفَلا أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ؟!"، قَالَ: قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا فَقَالَ: يَا عَبْدِي: تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ. قَالَ: يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيَةً. قَالَ الرَّبُّ -عَزَّ وَجَلَّ- إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لا يُرْجَعُونَ، قال: يا رب: فأبلغ من ورائي"، وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا) الآيَةَ.
وعَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ سَأَلْنَا عَبْدَ اللَّهِ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)، قَالَ: " أَمَا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ، لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، تَسْرَحُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ، فَاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ اطِّلاعَةً، فَقَالَ: هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا؟! قَالُوا: أَيَّ شَيْءٍ نَشْتَهِي وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا، فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا قَالُوا: يَا رَبِّ: نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا حَتَّى نُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى، فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا".
إن الشهادة اصطفاء من الله، مقام لا يكون لأي مؤمن، وإنما يخص الله به نخبة من عباده المؤمنين: (وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء).
لما أراد الله أن يشحذ همم العباد لطاعته وطاعة نبيه ذكّرهم بأن عاقبة ذلك أن يكونوا مع الشهداء، فقال: (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيمًا).
الشهداء أصحاب الأجر الوفير، والنور التام المنير (وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ).
كل ميت يعلم أنَّ مآله إلى الجنة لا يمكن -إذا خيِّر بين البقاء في قبره والرجوع إلى أهله- أن يختار الرجوع إلى الدنيا؛ لما أعده الله له من واسع فضله وكبير نعمته، إلا الشهيد، إنه يتمنى أن يرجع لترتوي الأرض بدمائه مرة بعد مرة، إنه يتمنى أن تُمزق أحشاؤه في سبيل دينه، فعن أنس بن مالك –رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَمُوتُ، لَهُ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ، يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَأَنَّ لَهُ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا إِلا الشَّهِيدَ؛ لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّهُ يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرَى".
كفى الشهداء فضلاً أن نبينا -صلى الله عليه وسلم- تمنى أن يكون شهيدًا، وأن يُقتل في سبيل الله مرات ومرات، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ وَدِدْتُ أَنِّي أُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ".
الشهيد يخبرك نبيك -صلى الله عليه وسلم- بما له من كرامة عند الله بقوله: "لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ: يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنْ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنْ الْحُورِ الْعِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ".
لقد سأل رجلٌ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَا بَالُ الْمُؤْمِنِينَ يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ إِلا الشَّهِيدَ؟! قَالَ: "كَفَى بِبَارِقَةِ السُّيُوفِ عَلَى رَأْسِهِ فِتْنَةً". كفى بصوت الطلقات والدبابات على رأسه فتنة، كفى بصوت الراجمات والصواريخ وقذائف الهاوند والآر بي جي فتنةً، كفى بالكيماويات السامة فتنةً.
إنَّ من أفضل المناقبِ التي ينالها الشهداء ما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا يَجِدُ الشَّهِيدُ مِنْ مَسِّ الْقَتْلِ إِلا كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ مِنْ مَسِّ الْقَرْصَةِ". وأيم الله لو قُتل تحت حديد الدبابات فلن يجد من مس القتل إلا ما ذُكر لنا في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى).
فإذا قُتل الشهيد أظلته الملائكة بأجنحتها، قال جابر –رضي الله عنه-: "لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ جِيءَ بِأَبِي مُسَجًّى وَقَدْ مُثِلَ بِهِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْفَعَ الثَّوْبَ فَنَهَانِي قَوْمِي، ثُمَّ أَرَدْتُ أَنْ أَرْفَعَ الثَّوْبَ فَنَهَانِي قَوْمِي، فَرَفَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَوْ أَمَرَ بِهِ فَرُفِعَ، فَسَمِعَ صَوْتَ بَاكِيَةٍ أَوْ صَائِحَةٍ فَقَالَ: "مَنْ هَذِهِ؟!"، فَقَالُوا: بِنْتُ عَمْرٍو أَوْ أُخْتُ عَمْرٍو. فَقَالَ: "وَلِمَ تَبْكِي؟! فَمَا زَالَتْ الْمَلائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رُفِعَ".
يرى النبي -صلى الله عليه وسلم- دار الشهداء فيقول: "رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي، فَصَعِدَا بِي الشَّجَرَةَ، فَأَدْخَلانِي دَارًا هِيَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا، قَالا: أَمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ".
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، ونفعنا بما فيه من آياتٍ وذكر حكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم وللمؤمنين إنه غفور رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلّم على خاتم النبيين، محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها المؤمنون: لقد تولد بهذه التوجيهات حب عارم، فكانت هذه الأمور التي خلدها التاريخ.
ففي غزوة بدرٍ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ". فقال عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ؟! قَالَ: "نَعَمْ". قَالَ: بَخٍ بَخٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ؟!"، قَالَ: لا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِلا رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا. قَالَ: "فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا". فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ، ثُمَّ قَالَ: لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ، فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ التَّمْرِ ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ".
ومن هذه المواقف ما أخبر به أنس بن مالك بقوله: "قَالَ أَنَسٌ عَمِّيَ الَّذِي سُمِّيتُ بِهِ لَمْ يَشْهَدْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَدْرًا فَشَقَّ عَلَيْهِ، قَالَ: أَوَّلُ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- غُيِّبْتُ عَنْهُ، وَإِنْ أَرَانِيَ اللَّهُ مَشْهَدًا فِيمَا بَعْدُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَيَرَانِي اللَّهُ مَا أَصْنَعُ. قَالَ: فَهَابَ أَنْ يَقُولَ غَيْرَهَا. فَشَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ أُحُدٍ، فَاسْتَقْبَلَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ لَهُ أَنَسٌ: يَا أَبَا عَمْرٍو أَيْنَ؟! فَقَالَ: وَاهًا لِرِيحِ الْجَنَّةِ أَجِدُهُ دُونَ أُحُدٍ. قَالَ: فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ. فَوُجِدَ فِي جَسَدِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ مِنْ بَيْنِ ضَرْبَةٍ وَطَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ. فَقَالَتْ أُخْتُهُ عَمَّتِيَ الرُّبَيِّعُ بِنْتُ النَّضْرِ: فَمَا عَرَفْتُ أَخِي إِلا بِبَنَانِهِ. وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: (من المُؤمنين رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)، قَالَ: فَكَانُوا يُرَوْنَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِ وَفِي أَصْحَابِه"ِ.
ومنها: ما أخبر به عَنْ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ: أَنَّ رَجُلا مِنْ الْأَعْرَابِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ ثُمَّ قَالَ: أُهَاجِرُ مَعَكَ. فَأَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بَعْضَ أَصْحَابِهِ. فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةٌ غَنِمَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- سَبْيًا، فَقَسَمَ وَقَسَمَ لَهُ، فَأَعْطَى أَصْحَابَهُ مَا قَسَمَ لَهُ، وَكَانَ يَرْعَى ظَهْرَهُمْ. فَلَمَّا جَاءَ دَفَعُوهُ إِلَيْهِ. فَقَالَ: مَا هَذَا؟! قَالُوا: قِسْمٌ قَسَمَهُ لَكَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-. فَأَخَذَهُ فَجَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: مَا هَذَا؟! قَالَ: "قَسَمْتُهُ لَكَ". قَالَ: مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ، وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى إِلَى هَاهُنَا -وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ- بِسَهْمٍ فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ. فَقَالَ: "إِنْ تَصْدُقْ اللَّهَ يَصْدُقْكَ". فَلَبِثُوا قَلِيلًا ثُمَّ نَهَضُوا فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ، فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُحْمَلُ قَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَهُوَ هُوَ؟!"، قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: "صَدَقَ اللَّهَ فَصَدَقَهُ". ثُمَّ كَفَّنَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِي جُبَّةِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ قَدَّمَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ، فَكَانَ فِيمَا ظَهَرَ مِنْ صَلاتِهِ: "اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ، خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ، فَقُتِلَ شَهِيدًا، أَنَا شَهِيدٌ عَلَى ذَلِكَ".
نسأل الله بأسمائه وصفاته أن لا يحرمنا فضله...