وقفات مع قول الله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}.
التفاصيل
أخي لمثل هذا اليوم فاعمل }إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى{ يوم الاحتضار يوم دخول القبر يوم الحشر أخي لمثل هذا اليوم فاعملأبو الحسن بن محمد الفقيهبسم الله الرحمن الرحيمإن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.. أما بعد: }إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى{في كتاب الله آية تتفطر لها الأكباد، وتخشع لها قلوب الصادقين من العباد.. ما تأمَّل فيها مؤمن صادق بعقيدة ويقين إلاَّ أسرت قلبه.. وأشغلت باله.. وكانت كل همه.. إنها آية نذير.. وصيحة تحذير.. تنذر بيوم لا كالأيام.. وبوقفة سيحشر فيها كل الأنام.آية لأجلها بعث الله الرسل، ولأجلها أنزل الكتب، وفيها يفترق الناس: فريق في الجنة وفريق في السعير.تلك الآية هي قول الله جل وعلا: }وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ{ [البقرة: 281].إنه يوم ترجع فيه النفس.. كل نفس إلى بارئها وخالقها!إنه يوم تحاسب النفس كل نفس على أعمالها وأفعالها! }فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ{ [الزلزلة: 7، 8].أخي: إنه يوم الدين.. يوم يفزع فيه الأنبياء، فكلامهم يومئذ: «اللهم سلم سلم»، ويرتجف فيه الأولياء فهم على خوف ووجل.. يوم عبوس قمطرير، تبلى فيه السرائر وتنشر فيه الصحائف، وتفتن فيه الخلائق.. }يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ{ [الحاقة: 18].يوم يقوم فيه الأشهاد.. تسود فيه وجوه.. وتبيض فيه وجوه.. }يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا{ [النحل: 111]، يوم يفر فيه المرء من أبيه ويتنكر من أمه وأخيه.. وصاحبته وبنيه.. }لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ{ [عبس: 37]، يوم الدين.. يوم الجزاء.. يوم الندامة.. يوم التبديل.. يوم التلاق.. يوم الآزفة.. يوم المآب.. يوم القضاء.. يوم الحكم.. يوم الوزن.. يوم عقيم.. يوم عسير.. يوم مشهود.. يوم الفصل.. يوم الفرار.. يوم لا ريب فيه.. ولا مرد له من الله. ولا تكلم نفس إلا بإذنه.. تخشع فيه الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسًا.. وكلٌ يومئذ يرجو سلامة نفسه ولا يهمه من حوله.. يقول: نفسي نفسي!!أخي: أين أنت من هذا اليوم.. أين تذكرك لحاله؟ أين همك لفزعه وهوله!عن أبي هريرة t قال رسول الله ﷺ: «يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعًا، ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم» [رواه البخاري].قال إبراهيم التيمي: «شيئان قطعا عنِّي لذة الدنيا: ذكر الموت، وذكر الموقف بين يدي الله».مثل لنفسك إن غفلت عن الردى يوم القيامة والسماء تمورُ إذ كُوِّرت شمسُ النهار وأُدنيتْ حتى على رأس العباد تسيرُ وإذا النجوم تساقطت وتناثرت وتبدلت بعد الضياء تدورُ وإذا البحار تفجرت من خوفها ورأيتها مثل الجحيم تفورُ وإذا الجبال تقلعت بأصولها فرأيتها مثل السحاب تسيرُ وإذا الصحائف نُشِّرتْ فتطايرت وتهتكت للمؤمنين ستورُ وإذا الجحيم تسعرت نيرانها فلها على أهل الذنوب زفيرُ أخي: إن لكل شيء حقيقة.. وحقيقة إيمانك بهذا اليوم وأحواله.. أن تحمل له في القلب همَّك.. وأن تعمل فيه فكرك.. وأن تلازم ذكره وتذكره.. فإنه يوم عسير، على الكافرين غير يسير.. قد خاب فيه من حمل ظلمًا.. وقد خسر فيه من كان غافلاً عنه: }لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ{ [ق: 22]، }فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ{ [الزمر: 15].أيا شابًا لرب العرش عاصي أتدري ما جزاء ذوي المعاصي سعير للعصاة لها زفير وغيظ يوم يؤخذ بالنواصي فإن تصبر على النيران فاعصه وإلا كن عن العصيان قاصي وفيما قد كسبت من الخطايا رهنت النفس فاجهد بالخلاص يوم الاحتضارأخي: تقوم قيامة المرء عند موته.. فتظهر حينها منزلته.. ويتبين وقتها معدنه.. فيوم منيته يكشف سره.. ويتبين نوعه.. وتتضح أعماله.. ويجري عليه من الأحوال والصفات والجزاء ما يناسب سالف عمله.إنَّها لحظة الاحتضار.. لحظة الفراق المشهودة.. لحظة يعاين فيها العبد أول معالم الغيب.. فيشهد وبصره حديد – ملائكة يأتونه.. وهيأتهم بحسب ما هو عليه من العمل!وفي الحديث، قال رسول الله ﷺ: «إذا حضر المؤمن أتته ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء فيقولون: اخرجي راضية مرضيًا عنك، إلى روح وريحان، ورب غير غضبان، فيخرج كأطيب ريح المسك؛ حتى إنه ليناوله بعضهم بعضًا، حتى يأتوا به باب السماء، فيقولون: ما أطيب هذه الريح التي جاءتكم من الأرض! فيأتون به أرواح المؤمنين، فلهم أشد فرحًا به من أحدكم بغائبه يقدم عليه. فيسألونه: ماذا فعل فلان؟ ماذا فعل فلان؟ فيقولون: دعوه فإنه كان في غم الدنيا. فإذا قال: أما أتاكم؟ قالوا: ذُهب به إلى أمه الهاوية.وإن الكافر إذا حضر أتته ملائكة العذاب بمسح، فيقولون: اخرجي ساخطة مسخوطة عليك إلى عذاب الله، فيخرج كأنتن ريح جيفة يأتوا بها باب الأرض، فيقولون: ما أنتن هذه الريح؟ حتى يأتوا بها أرواح الكفار».أخي: فلله در عاقل تأمل ختمته، وأعد لها عدته، فطيب نفسه بالطاعة، وعطر روحه بمرضاة ربه، فراح ينشدها في اتباع أمره، واجتناب نهيه، والمسارعة إلى خيره، يرجو النجاة يوم الاحتضار، والرفعة لحظة الفراق، فما تطيب الأرواح إلا بالعمل الصالح الطيب، الذي يجمع توحيد الله واجتناب الشرك به، }إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ{ [لقمان: 13]، ويجمع الأعمال الطيبة من الأخلاق الحسنة والعبادات الصحيحة الخالصة، فهذه الأرواح هي التي قال الله عز وجل فيها: }الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ{ [النحل: 32]، وهي التي يستقبلها خزنة الجنة بقولهم: }وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ{ [الزمر: 73].وفي الاحتضار أخي.. تظهر حقائق الأعمال.. وتبين حقارة الدنيا ودناءتها.. إذ لا يبدو للمحتضر من شيء ينفعه فيها سوى عمله.. وبحسبه يختم له.. وبحسب خاتمته يكن بعثه ففي الحديث قال رسول الله ﷺ: «من مات على شيء بُعث عليه» [رواه الحاكم، وانظر: صحيح الجامع رقم: 6419].إذًا.. فاحتضارك يعكس بعثك.. ويعكس حالك في قبرك.. وحالك يوم الحساب!قيل لمحتضر قل: لا إله إلا الله. فقال: ما ينفعني ما تقول، ولم أدع معصية إلا ركبتها... ثم قضى ولم يقلها.وقيل لآخر ذلك فقال: وما يغني عنِّي، وما أعرف أنِّي صليت لله صلاة، ولم يقلها.وقيل لآخر: قل لا إله إلا الله، فقال: كلما أردت أن أقولها، لساني يمسك عنها.فهؤلاء أدمنوا على المعاصي فخذلوا عن الشهادة، وختم لهم بالسوء، نسأل الله السلامة.كم ذا التشاغل والأمل كم ذا التواني والكسل حتى متى وإلى متى يحصى عليك فلا تمل يا من يعذب نفسه وعن الصلاح قد امتهل الموت أقرب نازل والقبر صندوق العمل أخي.. واعلم أن الإنسان ما دام يؤمل الحياة فإنه لا يقطع أمله من الدنيا، وقد لا تسمح نفسه بالإقلاع عن لذاتها وشهواتها من المعاصي وغيرها، ويرجيها الشيطان التوبة في آخر عمره، فإذا تيقن الموت، وأيس من الحياة، أفاق من سكرته بشهوات الدنيا، ندم حينئذ على تفريطه ندامة يكاد يقتل نفسه، وطلب الرجعة ليتوب ويعمل صالحًا، فلا يجاب إلى شيء من ذلك، فيجتمع عليه سكرة الموت مع حسرة الفوت.قد حذَّر الله تعالى عباده من ذلك في كتابه؛ ليستعدوا للموت قبل نزوله، بالتوبة والعمل الصالح، قال الله تعالى: }وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ{ [الزمر: 54-56].سمع بعض المحتضرين عند احتضاره يلطم على وجهه ويقول: يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله.وقال آخر: سخرت بي الدنيا حتى ذهبت أيامي.وقال آخر عند موته: لا تغرنكم الحياة الدنيا كما غرتني.وقال الله تعالى: }حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا{ [المؤمنون: 99، 100]، وقال تعالى: }وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ{ [المنافقون: 10، 11]، وقال الله تعالى: }وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ{ [سبأ: 54].وفسر طائفة من السلف منهم عمر بن عبد العزيز رحمه الله هذه الآية بأنهم طلبوا التوبة حين حيل بينهم وبينها. قال الحسن: اتق الله يا ابن آدم، لا يجتمع عليك خصلتان؛ سكرة الموت، وحسرة الفوت.وقال ابن السماك: احذر السكرة والحيرة أن يفجأك الموت وأنت على الغرة، فلا يصف قدرة ما تلقى ولا قدر ما ترى. [لطائف المعارف لابن رجب ص575].لو قيل للقوم: ما مناكم؟ طلبوا حياة يوم ليتوبوا فاعلمي ويحك يا نفس ألا تستيقظي بنفع قبل أن تزل قدمي مضى الزمان في توان وهوى فاستدركي ما قد بقي واغتنمي يوم دخول القبرفي ذلك اليوم.. ينقطع أخي وجود المرء من الدنيا.. يحمله أهله.. يبكونه.. يقبرونه.. يحثون عليه التراب.. ويمكثون أيامًا محزونين.. ثم ينسونه!أما هو.. فقد دخل في عالم البرزخ... وأقعد يوم دخوله قبره للسؤال.. }فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ{ [الزلزلة: 7، 8].وتعال أخي نعش مع هذه الموعظة النبوية التي تبين مآل الإنسان في قبره وتخبرنا بما يجري فيه من الغيب.يقول ﷺ: «إن الميت إذا وضع في قبره إنه يسمع خفق نعالهم حين يولون مدبرين، فإن كان مؤمنًا كانت الصلاة عند رأسه وكان الصيام عن يمينه، وكانت الزكاة عن شماله وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلاة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه، فيؤتى من قبل رأسه، فتقول الصلاة: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى عن يمينه فيقول الصيام: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى عن يساره فتقول الزكاة: ما قبلي مدخل. ثم يؤتى من قبل رجليه فيقول فعل الخيرات من الصدقة والصلاة والمعروف والإحسان إلى الناس: ما قبلي مدخل. فيقال له: اجلس، فيجلس قد مثلت له الشمس. وقد أذنت للغروب، فيقال له: أرأيت هذا الذي كان قبلكم، ما تقول فيه، وماذا تشهد عليه؟ فيقول: دعوني حتى أصلي. فيقولون: إنك ستفعل. أخبرنا عما نسألك عنه. أرأيت هذا الرجل الذي كان قبلكم. ماذا تقول فيه وماذا تشهد عليه؟ قال: فيقول: محمد. أشهد أنه رسول الله، وأنه جاء بالحق من عند الله، فيقال له: على ذلك حييت، وعلى ذلك مت، وعلى ذلك تبعث إن شاء الله، ثم يفتح له باب من أبواب الجنة فيقال له هذا مقعدك منها وما أعد الله لك فيها.فيزداد غبطة وسرورًا، ثم يُفسح له في قبره سبعون ذراعًا، وينور له فيه ويعاد الجسد لما بدئ منه فتعجل نسمته فيه النسم الطيب، وهي طير تعلم في شجر الجنة فذلك قوله: }يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ{.وإن الكافر إذا أتي من قبل رأسه لم يوجد شيء، ثم أتي عن يمينه فلا يوجد شيء، ثم أتى عن شماله فلا يوجد شيء، ثم أتي من قبل رجليه فلا يوجد شيء، فيقال له اجلس، فيجلس مرعوبًا خائفًا، فيقال: أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم ماذا تقول فيه، وماذا تشهد عليه فيقول: أي رجل؟ ولا يهتدي لاسمه. فيقال له: محمد، فيقول: لا أدري. سمعت الناس قالوا قولاً فقلت كما قالوا. فيقال له: على ذلك حييت، وعليه مت، وعليه تبعث إن شاء الله، ثم يُفتح له من أبواب النار فيقال له: هذا مقعدك من النار، وما أعد الله لك فيها فيزداد حسرة وثبورًا، ثم يفتح له باب من أبواب الجنة فيقال له: هذا مقعدك منها وما أعد الله لك فيها لو أطعته فيزداد حسرة وثبورًا ثم يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه فتلك المعيشة الضنكة التي قال الله: }فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى{ [طه: 124].أخي.. ألا فاستعد للسؤال.. وتأهب لتلك الأهوال.. فإن القبر أول منازل الآخرة.. وفيها تظهر حقائق الأعمال.كان عثمان بن عفان t إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته، فسئل عن ذلك قيل له: تذكر الجنة والنَّار فلا تبكي، وتبكي إذا وقفت على قبر! فقال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه صاحبه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه».فلمثل هذا اليوم يعمل اللبيب.. ففيه صاحب العمل الصالح يظفر.. وفيه صاحب السوء يخيب. يوم الحشرأخي.. لمثل هذا اليوم فاعمل.. فإنما فداء نفسك يومئذ عملها الصالح.. }وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا{.مالك يومها لن ينفعك.. فلا تبع به اليوم دينك!وجاهك يومها لن يرفعك.. }يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ{، وقال النبي ﷺ: «يُقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتديًا به؟ فيقول: نعم. فيقول الله: كذبت قد أردت منك أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئًا فأبيت إلا أن تشرك» [صحيح الجامع: 8123].أخي تذكر أنه.. }فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ{، وأن لك رجعة إلى الله }إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى{، وأنك فيها ستسأل.. }وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ{، فاحسب لرجعتك حسابًا، وهيئ للسؤال الجواب، واحذر أن تُطلب للرجوع على غرة، فتتمنى وقتها لو زيد في العمر وتقول: }رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ{.وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.