البحث

عبارات مقترحة:

الباطن

هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...

الغفور

كلمة (غفور) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) نحو: شَكور، رؤوف،...

القدوس

كلمة (قُدُّوس) في اللغة صيغة مبالغة من القداسة، ومعناها في...

مخالفات النساء في المجالس

العربية

المؤلف أبو الحسن بن محمد الفقيه
القسم كتب وأبحاث
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة - فقه المرأة المسلمة
للمجالس آدابًا ينبغي مراعاتها، وحرمات ينبغي توقيرها، وأخلاقًا يجب احترامها، ومناهي يجب اجتنابها، وهذا الكُتيب يُبين جُملة من مخالفات النساء في المجالس، وكيف يمكن تجاوزها والتغلب عليها.

التفاصيل

مخالفات النساء في المجالس مقدمة مخالفات الحضور إلى المجالس مخالفات المجالس  مخالفات النساء في المجالسأبو الحسن بن محمد الفقيهبسم الله الرحمن الرحيم مقدمةالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد: فإن للمجالس آدابًا ينبغي مراعاتها .. وحرمات ينبغي توقيرها .. وأخلاقًا يجب احترامها .. ومناهي يجب اجتنابها.. ولقد جاء الإسلام بضوابط رفيعة تحدد معالم المجالس الخيرة.. وترسم أحوالها .. وتدل المتجالسين على جملة الآداب الشرعية .. والأخلاق السامية .. التي تجعل من المجلس مجلس خير وفضيلة .. لا مجلس ضر ورذيلة. فمن ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما جلس قوم مجلسًا، لم يذكروا الله تعالى فيه، ولم يصلوا على نبيهم صلى الله عليه وسلم فيه إلا كان عليهم ترة إن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم» ([1]). فهذا الحديث أصل في أن المجالس ينبغي أن تعقد لذكر الله سبحانه، فإذا عقدت لغير ذلك فينبغي اقتران الذكر بما عقدت عليه حتى لا تكون على أصحابها حسرة يوم القيامة. هذا إذا كانت المجالس لا محظور فيها.. فكيف لو تخللها من المحظورات الشرعية ما يوجب العذاب والعقاب!!ومن هنا تكمن ضرورة العلم بالمخالفات العامة التي قد تقع فيها الأخوات في المجالس، إما بسبب غفلة أو جهل. وهذا الكتاب هو الجزء الثاني من سلسلة مخالفات النساء ،وسنتطرق فيه – إن شاء الله – لجملة من مخالفات النساء في المجالس ، وكيف يمكن تجاوزها والتغلب عليها. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. كتبه: أبو الحسن بن محمد الفقيه  مخالفات الحضور إلى المجالسوحضور المرأة إلى المجالس والاجتماعات، مرتبط في الغالب بخروجها من بيتها، وإذا كان قد تقرر في الشرع أن المرأة لا يجوز لها مبارحة بيتها إلا في حالة الحاجة والضرورة، فإنه من المخالفات الشرعية أن تخرج المرأة من بيتها متوجهة لمجلس – أي مجلس – حتى ولو من غير حاجة أو هدف. فما هي المخالفات التي قد تقع فيها المسلمة وهي في طريقها إلى المجلس؟ 1- الخروج لغير المجالس الحاجية: عند النظر والتأمل نجد أن هناك ثلاثة أنواع من المجالس: 1- مجالس ربانية: وهي مجالس التعليم، والتلاوة، والذكر، والمذاكرة النافعة، والوعظ والإرشاد، وقد تكون هذه المجالس واجبة، وقد تكون مستحبة. 2- مجالس دنيوية: وهي التي تعقد لأجل مصالح الكسب والعيش، وقد تكون واجبة أحيانًا وقد تكون جائزة، بحسب ضرورة الناس والحياة إليها، وقد تكون محرمة، وقد تكون مكروهة بحسب حالها وأهدافها وأساليبها. 3- مجالس اللغو: وهي التي يتخللها اللغو الذي لا تنتهك به حرمات الغائبين، ولا تضيع به حقوق الحاضرين، وهي مجالس مكروهة مذمومة. وتكون حسرة على أصحابها إذا لم يذكروا فيها الله سبحانه.4- مجالس شيطانية: وهي المجالس التي تعقد على الفسق والفجور، والمنكر والرذيلة كالغيبة والنميمة، وسماع الأغاني، ومتابعة فجور الأفلام، والمسلسلات، والكيد، والمكر، وتتبع عورات المسلمين، والتشفي والتشمت بالمبتلين، والاستهزاء بالصالحين وغيرها من معاني المخالفات الشرعية المحرمة في الكتاب والسنة. وعلى ضوء هذا التقسيم يتغير حكم خروج المرأة من بيتها لحضور المجالس. فقد يكون خروجها إليها واجبًا، وقد يكون مستحبًا وقد يكون محرمًا. أختي المسلمة... فانتبهي لهذه المسألة .. وتدبري خروجك إلى المجالس ما هدفه؟ وما غايته؟ وما الضرورة الداعية إليه؟ فإن الله جل وعلا قد جعل قرارك في البيت هو الأصل فقال سبحانه: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ [الأحزاب: 33]. قيل لسودة بنت زمعة: ألا تخرجين كما تخرج أخواتك؟ قالت: والله لقد حججت واعتمرت ثم أمرني الله أن أقر في بيتي، فوالله لا أخرج، فما خرجت حتى أخرجوا جنازتها. وقيل إن معنى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾ كن أهل وقار وهدوء وسكينة. يقال: وقر فلان في منزله يقر وقورًا، إذا هدأ فيه واطمأن به، وفيه الدلالة على أن النساء مأمورات بلزوم البيوت عن الخروج ([2]). ففي هذه الآية دلالة واضحة على وجوب لزوم المرأة بيتها، والانكفاف عن الخروج منه إلا لحاجة وضرورة، وهذا ما جنح إليها عامة المفسرين ([3]). وخروج المرأة إلى المجالس منوط بحاجتها إليها في الأصل، وهذه الحاجة إنما تقدر بنظر الشرع والعرف والعقل. فالمجالس العلمية – مثلاً – من أنفس ما ينبغي للمرأة المسلمة الحرص عليه، إذا كان لا يحصل لها العلم الواجب في حقها تعلمه إلا من طريقها، كالعلم بأصول المعتقد وما يصح به الإيمان، والعلم بأحكام الصلاة وما يتعلق بها من مسائل الطهارة وأحكام الحيض وغيرها من القضايا الشرعية الواجب تعلمها في حق المكلف. وإذا كان العلماء قد أجازوا للمرأة المسلمة الخروج لسؤال العلماء، إن قصر علم زوجها، وأوجبوا عليها ذلك، وألحقوا الإثم بزوجها إن منعها من الخروج للسؤال عن ما يجب عليها تعلمه؛ خروجها للمجالس النسائية العلمية كالمحاضرات والدروس الجماعية واجب إذا كان لا يتحقق علمها بالواجبات إلا به. أختي المسلمة.. وهكذا فإن خروجك من بيتك لمجلس ما يجب أن يكون لغاية شريفة وهدف نبيل ، ولا يتأتى ذلك إلا إذا كان المجلس نفسه نبيلاً شريفًا. فالمجالس المعقودة للتعليم وصلة الرحم والحب في الله، والتواصي بالحق، والدعوة إلي الله وعيادة المريض، والتعاون والتشاور، والتزاور في الله تعالى كلها مجالس خير وفضيلة تترامى فيها الحسنات وتتنزل فيها الرحمات وتعود بالخير على أهلها، وأما المجالس المشتملة على المناكر، المعقودة على المناهي والزواجر، كالحفلات الغنائية والاجتماعات السلبية، التي يتخللها الانحلال، ويسود فيها الضلال ولا يحمد غبها في المال، فلا يجوز للمرأة المسلمة الإقبال عليها والحضور لديها، ولا الخروج إليها.. قال تعالى: ﴿وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنعام]. وحدة الإنسان خير من جلوس السوء عنده وجليس الصدق خير  من جلوس المرء وحده وتذكري أختي المسلمة أن خروجك إلى المجالس له ثلاثة أحكام تتنوع بحسب نوع المجلس والغاية منه:1- خروج واجب: وهو ما كان لطلب علم واجب لا يتحقق تحصيله إلا في تلك المجالس، وتكونين آثمة إذا تخلفت في الحضور. 2- خروج مستحب: وهو ما كان لأجل صلة الرحم، أو تفقه في الدين استزادة من العلم وتفاصيله، أو زيارة في الله، أو زيارة لمريض، ونحوه مما دل الكتاب والسنة على استحبابه، ولا يكون هذا الخروج إلى المجالس مستحبًا إلا برضا الزوج أو الوالدين. 3- خروج محرم: وهو الخروج إلى مجالس لا حاجة للأخت المسلمة بها، لأنها مأمورة شرعًا بالقرار في البيت وعدم مبارحته إلا لضرورة، ولا شك أن مجالس السوء والمحرمات أشد تحريمًا لأنها مما نص الله جل وعلا على اجتناب الحضور إليه ، وأمر بتركه ومغادرته فضلاً على أن لا حاجة للمسلمة منها. فتأملي – أخية في هذا التقاسيم وتدبريها جيدًا فإنها تؤصل مبدأ الحضور إلى المجالس وغايته ومشروعيته، وتدلك على المخالفات الكثيرة في هذا الشأن، ومنها: 2- عدم الاستئذان في الخروج إلى المجالس: ومهما يكن حكم الخروج إلى المجالس فلا يجوز للأخت المسلمة الانصراف إليها إلا برضا الزوج وموافقته، إذا كانت متزوجة، أو رضا الوالدين إذا كانت عزبة، فإذا كان الخروج واجبًا نحو الخروج لسؤال العلماء عن مسائل الدين التي لا تصح العبادات إلا بها، فليس لها طاعة للزوج، إذا منعها من ذلك ما دام عاجزا عن تعليمها ما يصح به دينها أو ما يصح به إيمانها، فإذا أطاعته فقد اشتركا في الإثم. قال الغزالي رحمه الله:  «فإن كان الرجل قائمًا بتعليمها فليس لها الخروج لسؤال العلماء، وإن قصر علم الرجل، ولكن ناب عنها في السؤال، فأخبرها بجواب المفتي فليس لها الخروج، فإن لم يكن ذلك فلها الخروج للسؤال، بل عليها ذلك، ويعصى الرجل بمنعها، ومهما تعلمت ما هو من الفرائض عليها فليس لها أن تخرج إلى مجلس الذكر، ولا إلى تعلم فضل إلا برضاه، ومهما أهملت المرأة حكمًا من أحكام الحيض، والاستحاضة ولم يعلمها الرجل خرج الرجل معها، وشاركها في الإثم» ([4]). فهنا مسألتان: 1- مسألة الخروج. 2- مسألة الاستئذان. 1- فأما مسألة الخروج: فقد تقدم أنه لا يجوز إلا لحاجة منشودة في المجلس المراد حضوره. 2- وأما مسألة الاستئذان: فيجب استئذان الزوج قبل الخروج، فإن أذن وكان الخروج واجبًا أو مستحبًا جاز، فإن لم يأذن وكان الخروج واجبًا مقدمًا على طاعته لم يجز طاعته نحو ما تقدم تفصيله، فإن لم يأذن بالخروج، وكان خروج المرأة المسلمة لحاجة مستحبة كعيادة المريض أو زيارة الوالدين أو تعلم فضل العلم كحفظ القرآن والقراءات ومجالس الوعظ، فيجب وقتئذٍ على الأخت المسلمة تقديم طاعة زوجها، والانكفاف عن مغادرة بيتها([5]). يقول ابن قدامه رحمه الله: وللزوج منعها من الخروج من منزله إلى مالها منه بد..! سواءً أرادت زيارة والديها أو عيادتهما أو حضور جنازة أحدهما، قال أحمد في امرأة لها زوج وأم مريضة (طاعة زوجها أوجب عليه من أمها إلا أن يأذن لها) .. ([6])أختي المسلمة .. فاحذري أن يلتبس عليك الأمر في هذه المسألة، فإن كثيرًا من الأخوات يلتبس عليهن الحال، فيقدمن خروجهن لمجالس الذكر والمحاضرات والدروس العامة على طاعة أزواجهن، بذريعة أن زيارة الوالدين أو صلة الرحم، أو نحوها من الفضائل التي لا شك في استحبابها، وهذه المخالفات لها سببان: السبب الأول: الجهل. السبب الثاني: الهوى. فأما الجهل فإنه يوقع بعض الأخوات في اعتقاد أن خروجهن إلى عيادة المريض مثلاً أو زيارة أخت في الله، أو تعلم التجويد أو طلب فضل العلم، هو أفضل وأكثر ثوابًا عند الله من طاعة الزوج، أو اعتقاد أن الزوج ليس له الحق في منع الزوجة من الخروج لهذا الفضائل لأنها من قبيل طاعة الله، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.. وفي الحقيقة فإن الأمر ليس كذلك فالزوج له حق الطاعة على زوجته في كل أمر لم ينه الله عنه ورسوله ، ولو كان مستحبًا. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها ادخلي الجنة من أي الأبواب شئت»([7]). وعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، والذي نفسي بيده، لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها كله، حتى لو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه»([8]). وتذكري أختي المسلمة: أنه ليس على المرأة بعد حق الله ورسوله أوجب من حق الزوج([9]) فعلى الأخت المسلمة الراغبة في الثواب أن تفقه كيف تحصل على الثواب، وفقه ذلك مرده إلي الكتاب والسنة، وقد قضى الله في كتابه وسنة رسوله بطاعة الزوج في غير معصية الله مطلقًا ([10]). وأما الهوى، فهو أعظم ما يصيب المرأة من الأدواء، ولئن كان الجهل ترفعه الحجة، فتنير للجاهل الطريق والمحجة، فإن الهوى لا يرفعه علم ولا يزيله فهم، لأنه حجاب فاصل بين الفقه والفطرة، وكثير من النساء حينما يقعن في الخروج من البيوت بغير إذن أزواجهن إنما يقعن في ذلك بسبب الهوى، لأنهن يدركن أن استئذان الزوج واجب في حقهن ، وقل من النساء من يجهلن ذلك، وليس هناك ما يبدد ظلمات الهوى إلا أنوار التقى... فعلى المرأة المسلمة أن تتقي الله جل وعلا في نفسها وأن تعصي هواها في سائر أمورها لا سيما في عشرة زوجها ، وفي تقديم طاعته على جميع أهوائها. أشد الجهاد جهاد الهوى وما أكرم المرء إلا التقى ولا يخفي أن الخروج للمجالس لغير حاجة قد يفوِّت على المرأة المسلمة مصالحها ، ويضيع عليها مسئولياتها فيوقعها في مخالفات شنيعة، وأخطاء فظيعة ومنها:- 3- إهمال رعاية البيت: الأسرة المسلمة هي نواة المجتمع صلاحه في صلاحها، وفساده في فسادها، وإنما تصلح الأسرة ويقوى ركنها إذا صلح أعضاؤها وأطرافها، وأدى كل واحد منهم مسؤوليته المنوطة به بإخلاص وإتقان، ولقد جعل الإسلام مسؤولية صلاح الأسرة منوطًا بأداء الزوجين الحقوق إلى بعضهما البعض وأداء ما عليهما من مسؤولية تربوية نحو الأبناء والذرية. فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع، ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» ([11]). ومن مسؤوليات الأخت المسلمة في بيتها خدمة زوجها وبيته، وتربية أبنائها والحرص على تعليمهم الآداب الشرعية والواجبات الدينية، ومتابعتهم حتى لا يقعوا في المحظور، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ [التحريم: 6].ومن هذا المنطلق نجد أن كثرة تردد بعض الأخوات على المجالس النسائية والتجمعات ، وإن كان فيه بعض من النفع إلا أنه قد يؤدي إلي الإخفاق والتقصير في تربية الأبناء ومتابعة أحوالهم، وقد يتركهم غياب الأم عن بيتها عرضة لكثير من الأخطار المحدقة... ويجدر بنا أن نسرد قصة شاهدة على هذه المسألة. تقول إحدى الفتيات: «أنا فتاة في الخامسة عشرة من عمري أدرس في المرحلة المتوسطة، وقد أصابني تخبط وضلال في هذه المرحلة، وكنت أرى نفسي أضل يومًا بعد يوم، إلى أن وقعت في ذنب كبير أحسست بأن نفسي قد احترقت بسببه، وكانت الخطوة الأولى مكالمة هاتفية من مجهول، كنت في تلك الليلة وحدي في غرفتي أذاكر دروسي وأختي كانت نائمة، وأخي كان في مدينة أخرى ووالدي غير موجود، أما والدتي فلم يكن همها إلا حضور المناسبات والحفلات والتجمعات النسائية، مما شغلها عن أمور بيتها، فجأة رن جرس الهاتف، ولم يكن أمامي إلا أن أرد عليه، فليس في البيت غيري وأختي نائمة فإذا بصوت ذئب من ذئاب البشر يخاطبني بأرق عبارة، ويخطف مني حيائي وعفتي بسحر كلامه وعذوبة ألفاظه... ومظهر إخلاصه..وتوالت الأيام .. وأنا أعاكس ذلك الذئب ، وصديقات السوء يزينَّ لي ما أصنع، حتى افتضح أمري على يد أخي لما باغتني وأنا عاكفة على المغازلة والمعاكسة، فكانت وقعة ذاك المشهد أشد على نفسي من وقعة خنجر في جسمي..»([12]). فتأملي .. أختي المسلمة في قول هذه الفتاة: «أما والدتي فلم يكن همها إلا حضور المناسبات والحفلات والتجمعات النسائية...» فكأنها بهذا التصريح تومئ إلي إلقاء المسؤولية على والدتها التي تفضل المجالس على متابعة بيتها.. والحرص على أبنائها .. وقد صدق الشاعر: ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلفاه ذليلاً إن اليتيم هو الذي تلقى له أمًا تخلت أو أبا مشغولاً فدور الأم في بيتها ليس مجرد الرضاع والطبخ والخدمة لأبنائها وإنما دورها أوسع وأشمل فهي ترضع الأبناء مع حليبها الأخلاق والآداب، وتطعمهم مع الطعام الواجبات والشمائل وتدلهم في خدمتهم على معالي الشيم، وتظل متابعة لأحوالهم حريصة على تقويمهم باذلة وسعها في تنشئتهم النشأة الصالحة. وأما إحكام غلق الأبواب عليهم في الغرف وتركهم يتضاغون فيها ويركضون لأجل مجلس لا يضر تركه ولا ينفع حضوره، فهو من المخالفات التي قد تعرض الأبناء لعقد نفسية، وأخلاق سلبية، يظهر غبها في الكبر...! ولذا أختي المسلمة عليك أن تفكري مليًا قبل الانطلاق إلي حضور اجتماع أو مجلس بأن يكون خروجك إليه هادفًا، وقد أذن لك زوجك، وليس يترتب على ذلك الحضور مفسدة تضر بيتك أو أبناءك. وعند الخروج لحضور المجالس احذري من الوقوع في مخالفات يقع فيها الكثيرون وهي: 4- إهمال الحجاب: وذلك سواءٌ كانت الأخت المسلمة متوجهة إلى مكان المجلس بالسيارة مع السائق أو سيرًا على أقدامها، والسائق يستوي هو وغيره من الأجانب في مطلق وجوب احتجاب المرأة الأجنبية عن نظره.ومن المخالفات التي يقع فيها النساء كشفهن وجوههن في السيارة أمام السائق، وكأنه أصبح من محارمها لمجرد كونه أجيرًا في البيت، ولا شك أنه لا يجوز للمرأة إبداء زينتها وكشف حجابها في غير محارمها، قال تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ [الأحزاب: 33] ويدخل في هذه المخالفات وضع الطيب والبخور ونحوها مما يمكن للسائق أو غيره شمه في الطريق، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة استعطرت ثم خرجت، فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية» ([13]). أختي المسلمة...ولا بد - إذا أردت تجاوز مخالفات الخروج - أن تحفظي حجابك بشروطه الشرعية المعروفة([14]) وأن تلتزمي ما أوجبه الله عليك من الحياء والستر والعفاف حرصًا على العرض وطمعًا فيما عند الله من الثواب والأجر. بيد العفاف أصون عز حجابي وبعصمتي أعلو على أترابي وبفكرة وقادة وقريحة نقادة قد كُمِّلَتْ آدابي وقد بين الله جل وعلا في سورة النور جملة من الآداب والواجبات التي على المرأة مراعاتها عند خروجها سواء إلي المجالس أو غيرها، قال تعالى: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 31]. 5- الخروج مع غير محرم: وذلك لأن الله جل وعلا حرم على المرأة المسلمة أمرين: الأول: هو الخلوة بالأجنبي.          الثاني: هو السفر من غير محرم لها. ومتى خرجت المسلمة من بيتها مع غير محرم لها، فقد سقطت في المحظور الأول وصدق عليها مسمى الخلوة وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: «لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم»([15]). أما سفر المرأة لحضور اجتماع أو مجلس أو حفلة أو غيرها فلا يجوز لها إلا بمحرم لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإني انتدبت في عزوة كذا وكذا؟ قال: انطلق فحج مع امرأتك» ([16]). قال الشيخ العثيمين: "وإذا كان السائق أمينًا وركب معه امرأتان فأكثر إلى السوق فإن هذا لا بأس به، وذلك لأن المحظور هو الخلوة أو السفر، فلا يحل أن يخلو السائق بامرأة واحدة ولو إلى السوق، ولا يحل للسائق أن يسافر ولو بنساء متعددات لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم، ولا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم» ([17]). لا يأمنن على النساء أخٌ أخًا ما في الرجال على النساء أمين إن الأمين وإن تعفف جهده لا بد أن بنظرة سيخون  مخالفات المجالسوكم هي كثيرة مخالفات النساء في المجالس ، ولا سيما المجالس التي لا تنعقد أساسًا على ذكر الله، فقلما يجتنب أصحابها محظوراتها الكثيرة كالغيبة والنميمة والجدال والسخرية وكشف العورات وتتبعها وربما الكذب والتفاخر والتباهي والكبر وإفشاء الأسرار وغيرها من المنهيات الشرعية. وإذا أمعنا النظر في أكثر مخالفات النساء في المجالس وجدنا مدارها على اللسان في غالب الأحيان، ولذلك كان أكثر ما يدخل الناس النار يوم القيامة اللسان كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال: «الفم والفرج» ([18]). ومما تعم به البلوى من مخالفات المجالس النسائية ما يلي: 1- الغيبة: فهي من أرذل الكلام، ومن أحط الخصال والشيم لأنها تهتك الأعراض وتنشب العداوات وتمزق الجماعات، وتسبب الأدواء والأمراض، وهي أنواع وأشكال وأنماط وأضراب، ولكنها مهما تنوعت فهي في النهاية غيبة ما دامت تشتمل على ذكر الغائبين بما يكرهون لغير حاجة شرعية. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره» قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: «لو كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته» ([19]). أختي المسلمة...فتأملي هذا الحديث فإنه قد فضح اللسان فلم يترك له مجالاً لذكر الناس بما يكرهون سواءٌ كان الذكر واقعًا أم غير واقع، فالعبرة بالذكر السيئ لا بسببه ولا بنتائجه ولا بصدق حدوثه، وتذكري أن حرمة المسلمين عظيمة عند الله فكما لا يجوز إيذاؤهم وهم حضور، فلا يجوز ذكرهم بالسوء وهم غائبون. فعن أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم النحر بمنى في حجة الوداع «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا» .. الحديث([20]). وكما أن الغيبة تكون باللسان، فتكون أيضًا بالإشارات والحركات والتلميحات، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي حسبك من صفية كذا وكذا «قال بعض الرواة: تعني قصيرة» فقال: «لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته» قالت: وحكيت له إنسانًا ([21]) فقال: «ما أحب أني حكيت إنسانًا وأن لي كذا وكذا» ([22]). ففي هذه المواقف النبوية بيان واضح لحرمة المسلم وأن غيبته سواءً باللسان أو بالإشارة أو بالحركة والتقليد ولا يتجوز وهي مما نهي الله جل وعلا عنه بقوله: ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾ [الحجرات: 12]. فلقد شبه الله جل وعلا عرض الإنسان بلحمه وبين أن أكل لحم المسلم ميتًا من أشنع ما يكره فعله الإنسان، فكيف يجرؤ على هتك عرضه والصورة متشابهة..! ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنه: "الغيبة إدام كلاب الناس" فاحذري أختي المسلمة من هذا الخلق الشنيع، فإنه من أسباب فساد الدين، وعقوبته شديدة يوم يجمع الله الأولين والآخرين، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال هؤلاء الذي يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم»([23]). لا تراني راتعًا في مجلس في لحوم الناس كالسبع الضرم وقلما تسلم المجالس عمومًا والمجالس النسائية خصوصًا من الغيبة والوقيعة في الأعراض، ولذلك ورد في حديث أنس المتقدم، أن القوم الذين رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يخمشون وجوههم وصدورهم ، ولعل هذا الحال يكثر في النساء عند النياحة والندب، ونحو ذلك فدل على أنهم أكثر تعرضًا ووقوعًا في الغيبة وهتك الأعراض. 2- سماع الغيبة: وهناك فرق بين الغيبة وسماع الغيبة. فالغيبة هي الفعل الذي يحصل به ذكر الآخرين بما يكرهون، أما سماعها فهو مجاراة المغتاب فيما يقول وعدم الإعراض عنه، وبذل النصح له، والإنكار عليه، وقد أمر الله جل وعلا بالإعراض عن المخالفين لأمر الله في المجالس، أو الانصراف منها إذا لم يستقم المخالف، قال تعالى ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنعام: 68]. وعن عتبان بن مالك رضي الله عنه قال: «في حديث طويل» قام النبي صلى الله عليه وسلم يصلى فقال: أين مالك بن الدخشم؟ فقال رجل: ذلك منافق لا يحب الله ورسوله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقل ذلك ألا تراه قد قال: لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله والدار الآخرة، وإن الله قد حرم على الناس من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله»([24]). واعلمي أختي المسلمة أن الجزاء من جنس العمل، فكلما ذكرت المسلمين بسوء سلط الله عليك من يذكرونك بما تكرهين، فإذا اجتنبت ذلك جنب الله عرضك من الضياع. فعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة» ([25]). وهل ترضى عاقلة أن تسترسل في سماع حديث هتاكات الأعراض، وقد علمت ما يجره هذا الخلق من بلية، كم يحدث من رزية .. وكم يوجب من عقوبة، ويثمر من نكال. واعلمي أختي المسلمة أن ذكر الناس بما يكرهون في المجالس لا يجوز إلا في ست حالات: الأولى: التظلم وذلك بأن تشتكي المسلمة إلى من له ولاية على من ظلمها، فتذكر ظلمه طلبًا لإنصافها. الثانية: الاستعانة على تغيير المنكر ورد العاصي إلى الصواب، وذلك بأن تذكر لمن له القدرة على إزالة المنكر عيوب العاصي حتى يرده إلى الله. الثالثة: الاستفتاء، بأن تقول المسلمة للمفتي ، أو الأخت العالمة المتفقهة ظلمني زوجي أو أبي أو أخي أو ضرتي أو أختي أو صديقتي، فما الطريق إلى دفع ظلمها أو رفع ضرها؟ الرابعة: تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم من متسلط أو غاش لهم. الخامسة: أن يكون المذكور مجاهرًا بفسقه ومعاصيه كشارب الخمر ونحوه، فيجوز ذكره تشنيعًا لفعله، دون ذكر غيره من العيوب. السادسة: التعريف بالشخص، كالأعرج والأعمى إذا كان معروفًا بهذا اللقب، فإن أمكن التعريف بغيره من الألقاب الحسنة فهو أحسن وأولى ([26]). 3- والنميمة: هي نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد. والمجالس التي يتخللها هذا الخلق، تكون حسرة على أصحابها في الدنيا ، ونكالاً عليهم في البرزخ وحرمانًا لهم من النعيم. فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: «إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير! بلى إنه كبير: أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله»([27]). وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة نمام»([28]) والمشتغل بالنميمة مريض النفس عليل الروح لا يقنع بنقل أخبار السوء مرة، بل يظل يمشي بالنميمة بين المتشاحنين حتى يفجر الفتنة ويؤجج نارها ، فهدفه الإفساد لا الإرشاد، والوشاية لا الهداية، وإن كان لا يأتي إلا بلباس المتقين ولسان المصلحين، وموعظة المخلصين .. وصدق الشاعر: ومن يطع الواشين لا يتركوا له صديقًا ولو كان الحبيب المقرباولذلك وصف الله جل وعلا النمام بالمشاء ، وهي صيغة مبالغة من فاعل مشى للدلالة على تنقله بالأخبار السيئة، وحرصه على المشي الشديد بين الناس بالأخبار التي توغر الصدور وتؤجج الأحقاد. قال تعالى: ﴿هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾ [القلم: 11]. فاحذري أختي المسلمة من هذا الخصلة الشنعاء، فإنها تمحق الحسنات، وتوجب العقوبات، وتصد عن سواء السبيل، فعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أنبئكم ما العضة؟ هي النميمة بين الناس»([29]). والعضة هي الكذب والبهتان، وقد بين الله جل وعلا أن من صفته الكذب لا يكون الإيمان صفته، فقال: ﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [النحل: 105]. ولئن كان عمل النمام شنيعًا فإن قبول نميمته ومجاراته فيها أشنع وأفظع ، قال الشافعي رحمه الله: قبول السعاية شر من السعاية، لأن السعاية دلالة ، والقبول إجازة، وليس من دل على شيء كمن قبل وأجاز ([30]). فالحذر الحذر من هذا المسلك السوء فإنه مطية العذاب يوم الحساب، قال الشاعر: إذا غدوت ذا لسان أطعن وداعيًا للهجر والضغائن مشتغلاً بالغيبة المحرمة "ملازما للزمرة المنممة تفرح بالزلات إن سمعتها لا ترتوي إلا إذا رويتها ذا جرأة في الطعن والتجريح بالقول تارةً وبالتلويح مواظبًا على الجفاء الجامد وناسيًا للذكر والتعبد فأنت مفلس ولا محاله قد قاله الرسول في مقاله وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «يأتي أناس يوم القيامة لهم أمثال جبال تهامة بيضاء من الحسنات، يجعلها الله هباءً منثورًا» قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: «يأتي أحدهم وقد سفك دم هذا، ونهش عرض هذا، وتكلم في هذا»([31]).4- تتبع العورات: وهو من المخالفات الخطيرة التي تحدث في المجالس فترتع فيها الألسنة كما ترتع الغنم الهائمة في المرابع، بيد أن أكلها صديد ، وغبها يوم القيامة شديد! وسر كثرة اشتغال الناس بهذه الخصلة الشنعاء أن معظمهم يتطلع إلى الكمال على حساب الآخرين، فتجد الأخت المسلمة لا تفتأ من ذكر عيوب الأخريات إظهارًا لمكانة نفسها واحتقارًا لغيرها.ولأن العيب لا يسلم منه أحد فإن المجال في هذا الباب واسع لمن هان عليه دينه وضعف يقينه، ولذلك وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم تحذيرًا بليغًا إلى أمته يزجرها عن الوقوع في هذا الداء الخطير والشر المستطير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر من أسلم بلسانه ولم يدخل الإيمان في قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيِّروهم ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من تتبع عورة أخيه المسلم يتتبع الله عورته، ومن تتبع عورته يفضحْه ولو في جوف بيته»([32]).وتذكري – أخية – أن اشتغالك بعيب الناس أعظم وأفظع من ذلك العيب، فقد يكون المذكور بالسوء بريئًا وقد يكون معذورًا وقد يكون أحدث من ذنبه وعيبه توبة رفعته من درجات العاصين إلى درجات الطائعين.المرء إن كان عاقلاً ورعًا أشغله عن عيوبه ورعه كما السقيم المريض يشغله عن وجع الناس كلهم وجعه قال الذهبي: حُبس محمد بن سيرين بدين ركبه، قال المدائني: كان سبب حبسه أنه أخذ زيتًا بأربعين ألف درهم، فوجد في زق منه فأرة، فظن أنها وقعت في المعصرة وصب الزيت كله([33]) ، وكان يقول: إني ابتليت بذنب أذنبته منذ ثلاثين سنة قال: فكانوا يظنون أنه عير رجلاً بفقر ...! ([34]).قال بكر بن عبد الله المزني: إذا أردت أن تنظر العيوب جمة فتأمل عيابًا فإنه إنما يعيب الناس بفضل ما فيه من العيب، وقيل: من سعادة المرء أن يشتغل بعيوب نفسه عن عيوب غيره، وقال عبد الله بن مسعود: (البلاء موكل بالقول، لو سخرتُ من كلب لخشيت أن أُحوّل كلبًا).فاحذري أختي المسلمة من ذكر عيوب أخواتك، فإنها لا محالة آيلة إليك إن أنت عيرت بها المبتلين في حضورهم أو غيبته، وكم هي وقائع الأيام في هذا المضمار، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - ولم يصح – قوله: «من عيّر أخاه بذنب لم يمت قبل أن يفعله»([35]).قال الإمام أحمد في تفسير هذا الحديث أي: بذنب قد تاب منه. وقال شيخ الإسلام الأنصاري: وكل معصية عيرت بها أخاك فمضى إليك، قال ابن القيم: يحتمل أنه يريد به، أنها صائرة إليك ولا بد أن تعلمها وهذا مأخوذ من الحديث الذي رواه الترمذي [أي الحديث السابق]([36]).قال الشاعر: لا تكشفن مساوي الناس ما ستروا فيهتك الله سترا عن مساويكا واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا ولا تعيبن أحدًا منهم بما فيكا وقد روى أن أعين بن ضيعة المجاشعي أطلع في هودج عائشة رضي الله عنها، فقال: والله ما أرى إلا الحميراء، فقالت، هتك الله سترك، وقطع يدك، وأبدى عورتك فقتل بالبصرة، وسلب وقطعت يده، ورمي عريانًا في خربة من خرابات الأزد. وإذا تأملنا في مجالس النساء وجدنا أغلبها لا يسلم من هذا الخلق الوضيع، فكم تنتهك فيها من أعراض وكم تكشف فيها من أسرار، وكم تذكر فيها من العيوب، وكم تهضم فيها من حقوق.وعلى الأخت المؤمنة أن تتقي الله في نفسها، وأن تمتنع في الخوض في مثل هذه المخالفات فإنها من أعظم أسباب قسوة القلب، وقد وصف الله جل وعلا المؤمنين بالإعراض عن اللغو، وإذا كان اللغو وهو الكلام القبيح الذي لا طائل من ورائه، لا يليق بالمؤمن؛ فكيف بما دونه من الكبائر، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ [المؤمنون: 3].5- السخرية والاحتقار: ولقد نهى الله جل وعلا عن ذلك فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الحجرات: 11].وسورة الحجرات قد اشتملت على مواعظ بليغة وآداب رفيعة تدل المؤمنين والمؤمنات على أسباب النجاة من آفات اللسان وتحفظهم من وسائل إيغار الصدور ونشوب الأحقاد، ومن بين تلك الآداب العالية ما نهى الله عنه جل وعلا من السخرية بالمؤمنين، وما يشتمل عليه هذا الخلق من خصال ذميمة كالاحتقار والتنابز بالألقاب والتنقص والهمز وغيرها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم»([37]).ومن النساء من تعمد إلى تقليد عيوب الأخريات كأن تقلدها في تلعثمها في الكلام، أو تلكئها في التعبير، كالتأتأة والشأشأة والتمتمة وغيرها من عيوب اللسان، وكل ذلك لكي تضحك الأخريات ويحصل الانبساط، ولا تدري المسكينة أن هذا من السخرية واللمز الذي نهى الله عنه بقوله: }وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾ [الهمزة: 1].وإذا تذكرت المؤمنة أن تكريم الإنسان إنما يكون بتقواه وخوفه من الله، فإنها لا محالة ستكف في المجالس عن احتقار الأخريات سواء كن فقيرات أو معدمات أو ذميمات أو معيبات، وإذا تذكرت أيضًا أن الله هو المطلع على أسرار عباده، والأعلم بالمتقين منهم كما قال سبحانه ﴿هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾ [النجم: 32] فإنها لا محالة ستكف عن تصنيف الناس والاستهزاء بهم، لأنه لا يعلم كريمهم ولا وضيعهم في حقيقة الأمر إلا الله، مع ما ورد في هذه الخصال من نهي وزجر وتنفير.فعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله عز وجل: من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان ...! إني قد غفرتُ له وأحبطتُ عملك»([38]).ولقد بين الله جل وعلا أن السخرية والاستهزاء والاحتقار من أخلاق الكفرة الملحدين، فقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [المطففين: 29-36].وقد عاقبهم الله جل وعلا بجنس عملهم فأمكن المؤمنين من أن يضحكوا منهم كما كانوا هم يضحكون منهم في الدنيا.فاحذري – أخيّة – من أن تسخري بغيرك، فيسلط الله عليك من يسخر منك والجزاء من جنس العمل.6- التباهي والافتخار:ومن شر ما يقع فيه النساء من مخالفات المجالس: الافتخار والتباهي، وقد يكون افتخار بعضهن على بعض باللباس وقد يكون بالنسب وقد يكون بالحسب وقد يكون بالجاه والمنصب والمكانة ...! وكل هذه ضروب جاهلية لا يجوز للفتاة المؤمنة أن تقع في براثنها قال تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: 13] وقال تعالى: ﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد ولا يفخر أحد على أحد»([39]).إن لم تكن بفعال نفسك ساميًا لم يغن عنك سمو من تسمو بهليس القديم على الجديد براجع إن لم تجده آخذًا بنصيبهفالله جل وعلا قد جعل خيرية المؤمنين منوطة بتقواهم له، وطاعتهم لأمره مهما كان نسبهم وحسبهم ، ومهما كانوا فقراء أو أغنياء.لقد رفع الإسلام سلمان فارس كما وضع الكفر الشريف أبا لهب فلتحذر المؤمنة من أن تعجب بنفسها مستندة على نسب أو حسب أو جاه أو منصب، فتجد نفسها متصدرة متبخترة متعالية متأففة ترى على جليساتها حق الاحترام ولا تراه على نفسها، ويظهر ذلك في كلامها وحركاتها وتقلباتها.أيها الطالب فخرًا بالنسب إنما الناس لأم ولأب هل تراهم خلقوا من فضة؟ أو حديد أو نحاس أو ذهب أو ترى فضلهم في خلقهم هل سوى لحم وعظم وعصب إنما الفضل بحلم راجح وبأخلاق كرام وأدب ذاك من فاخر في الناس به فاق من فاخر منهم وغلب 7- إفشاء الأسرار:وكشف الأسرار من أعظم زلات اللسان، لما ينطوي عليه الإفشاء من الإضرار بأعراض الناس وخاصة أحوالهم، وقلما تنجو المجالس من كشف سر الغير، لا سيما عند النزاع والخصام. وتذكري أختي المسلمة أن الأسرار التي أودعك إياها أقرانك أو قريباتك هي أمانة في عنقك لا يحل لك خيانتها، وخيانتها إنما تتم بالإشاعة والإذاعة والإفشاء مع ما يوجب خيانة أمانة السر من تدني المروءة والخلق.فإن النفوس مجبولة على حب واحترام من حفظ أسرارها ولا سيما بعد النزاع والشقاق ومتى علم الناس من شخص اتسامه بهذا الخلق الرفيع، اطمأنوا إليه، وأودعوه سرهم، وشكوا إليه أضرارهم فيزداد مع كتمانه وتعلقه رفعة وسموًا.ليس الكريم الذي إن زل صاحبه بث الذي كان من أسراره علما بل الكريم الذي تبقى مودته ويحفظ السر إن جافى وإن حرما واعلمي أختي المسلمة أن الستر على المسلم واجب في الأصل، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ﴾ [النور: 19]. وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يستر عبد عبدًا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة» [رواه مسلم] فإذا كان الله قد أوجب ستر ما ظهر من أحوال المسلمين من قبائح الأفعال، فكيف بكتمان أسرار استأمنوها وأودعوها سرًا وأمانة في الأعناق، فلا شك أن إشاعتها والمجاهرة بها أعظم وأشنع لأنها جمعت بين كشف العورات وخيانة الأمانات.قال بعض الناصحين: لا تصحب من الناس إلا من يكتم سرك، ويستر عيبك فيكون معك في النوائب، ويؤثرك بالرغائب، وينشر حسنتك ويطوي سيئتك، فإن لم تجده فلا تصحب إلا نفسك.وترى اللئيم إذا تقضى وصله يخفي الجميل ويظهر البهتانا وترى الكريم إذا تقضى وصله يخفي القبيح ويظهر الإحسانا 8- الكذب: وهو من أوضع الأخلاق وأحطها، وأشنع الخصال وأقبحها فقد قرن الله فعله بنفي الإيمان عن صاحبه فقال: ﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [النحل: 105] وجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم طريقًا للنار وهاديًا إليها فقال: «إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابًا»([40]).قال الماوردي في كتابه أدب الدنيا والدين: والكذب جماع كل شر، وأصل كل ذم لسوء عواقبه، وخبث نتائجه لأنه ينتج النميمة، والنميمة تنتج البغضاء، والبغضاء تؤول إلى العداوة، وليس مع العداوة أمن ولا راحة...ولذلك قيل: «من قل صدقه قل صديقه»([41]).وفي المجالس تتعدد مظاهر الكذب، فقد تكذب المرأة رغبة في إضحاك الأخريات، وقد تكذب افتخارًا وتباهيًا بما لا تملكه، وقد تكذب افتراءً على غيرها.وعن عائشة رضي الله عنها أن امرأة قالت: يا رسول الله أقول إن زوجي أعطاني ما لم يعطني؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور»([42]) ومن مطايا خلق (الكذب) التحدث بما يسمع، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع»([43]).قال مالك بن دينار: الصدق والكذب يعتركان في القلب، حتى يخرج أحدهما صاحبها.وعن خوات التيمي: جاءت أخت الربيع بن خيثم عائدة لابن له، فانكبت عليه، فقالت:كيف أنت يا بني؟ فجلس الربيع وقال: أرضعتيه؟ قالت: لا، قال: ما عليك لو قلت: يا ابن أخي فصدقت([44]).فإذا كان السلف يتهمون من يتساهل في إطلاق البنوة على غير أبنائه بالكذب فماذا نقول لمن يتعمد انتساب أبناء غيره إليه، وقد يكون آباؤهم أحياء يرزقون؟ فاحذري أختي المسلمة من الكذب في المجالس، فإن عقوبته في الدنيا معجلة حاضرة كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى له العقوبة في الدنيا، مع ما يدخره له في الآخرة من قطيعة الرحم، والخيانة والكذب، وإن أعجل الطاعة ثوابًا لصلة الرحم، حتى إن أهل البيت ليكونوا فجرة، فتنمو أموالهم ويكثر عددهم، إذا تواصلوا»([45]).9- قلة التثبت في نقل الأخبار:فقد نهى الله جل وعلا عنه فقال: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء: 36]، وقال سبحانه: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق: 18]. ولا شك أن كثيرا من الأخبار تبنى عليها أحكام الذم والمدح، ويترتب على ذلك المفاسد والمصالح، فإذا شاع في المسلمين خبر كاذب فإن ما يقتضيه من الذم يكون أيضا من الكذب والبهتان، وقد نهى الله جل وعلا عن ذلك فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ [الحجرات: 6]، وفي قراءة: (فتثبتوا).قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: (من الغلط الفاحش الخطر قبول قول الناس بعضهم ببعض، ثم يبني عليه السامع حبا وبغضا ومدحا وذما، فكم حصل بهذا الغلط من أمور صار عاقبتها الندامة، وكم أشاع عن الناس أمورا لا حقائق لها بالكلية، أو لها بعض الحقيقة، فنميت بالكذب والزور وخصوصا ممن عرفوا بعدم المبالاة بالنقل أو عرف منهم الهوى.فالواجب على العاقل التثبت والتحرز وعدم التسرع، وبهذا يعرف دين المرء ورزانته وعقله ) ([46]).فإياك يا أمة الله من إشاعة ما تسمعين من أخبار وأنباء فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : «كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع»([47]).10- التناجي: ومن المخالفات التي تقع فيها بعض الأخوات أن تتناجى اثنتان دون الثالثة بغير إذنها، ولغير حاجة ملحة، وصورة التناجي أن يتحدثا سرا بحيث لا تسمعهما الثالثة، ويدخل في معنى ذلك لو تكلمتا بلغة لا تفهمها الثالثة كالإنجليزية مثلا أو الفرنسية أو غيرهما من اللغات واللهجات.فعن ابن عمر رضي الله عنه قال: (إذا كانوا ثلاثة فلا يتناج اثنان دون الثالث)([48]). وعلة تحريم النجوى هي ما يلحق الثالث من الأذى، وما قد يجره ذلك من سوء الظن بالمتناجيين فإنه لا يقوى على دفع وساوس الشيطان في تلك الحالة إذ يصور له أن المتناجيين ما تحولا عن توضيح الحديث إلى إبهامه إلا لمكيدة أو عمل شنيع يدبرانه للثالث، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ﴾ [المجادلة: 10] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس، من أجل أن ذلك يحزنه»([49]).11- قلة حفظ اللسان عمومًا: وتذكري – أخية – أنك مأمورة بحفظ لسانك من مساوئ الكلام وإمساكه عن اللغط والشطط، فقد وكل الله بك ملكان يكتبان ما تلفظينه من قول ويسجلان عليك ما تقولين، فإذا قمت من المجلس وقد نسيت زلات لسانك فتذكري أن سجلك قد دونها ولم ينساها. قال تعالى: ﴿أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ﴾ [المجادلة: 6].لم ينسه الملكان حين نسيته بل سجلاه وأنت لاه تلعب وقال تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق: 18] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت»([50]). وهذا الحديث صريح في أنه ينبغي أن لا يتكلم المسلم إلا إذا كان الكلام خيرًا، وهو الذي ظهرت مصلحته، ومتى شك في ظهور المصلحة فلا يتكلم ([51]).ولقد وردت أحاديث كثيرة في الأمر بإمساك اللسان والتحذير من مغبة الكلام الذي لا يجرى منه خيره فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن العبد ليتكلم بالكلمة فما يتبين فيها، يزلّ بها إلى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب»([52]).وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفّر([53]) اللسان، تقول: اتق الله فينا، فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا»([54]).وقال النووي رحمه الله: اعلم أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلامًا ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنة الإمساك عنه، لأنه قد ينحو الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، وذلك كثير في العادة، والسلامة لا يعدلها شيء ([55]).أختي المسلمة ...فهذه جملة المخالفات الشهيرة في مجالس النساء جمعتها تبيانًا لخطرها على الأخت المسلمة في نفسها ومآلها، ونصيحة وتذكرة، قال تعالى: ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الذاريات: 55].وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.([1]) رواه الترمذي وأحمد وابن حبان في صحيحه. ([2]) انظري: أحكام القرآن لأبي بكر الجصاص 3/359 – 360. ([3]) انظري: أحكام القرآن لأبي بكر بن العربي (3/1535)، والجامع لأحكام القرآن لأبي عبد الله القرطبي (14/179) و«روح المعاني» للعلامة السيد محمود الألوسي (22/6)، وكتاب «رسالة في السفور والحجاب لابن باز» ص (13 – 14). ([4]) إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي (4/730). ([5]) انظري كتاب (مخالفات الزوجات في البيوت) فصل مخالفات الاستئذان للكاتب – طبعة دار ابن خزيمة. ([6]) المغني لابن قدامه المقدسي (7/20 – 21). ([7]) رواه ابن حبان وأحمد وصححه الألباني في آداب الزفاف ص 286. ([8]) رواه أحمد وابن ماجة، وحسنه الألباني في صحيح الجامع 5/69. ([9]) مجموع فتاوى شيح الإسلام ابن تيمية 32/ 275. ([10]) انظري كتاب من مخالفات الزوجات في البيوت، والكتاب القيم من أخطاء الزوجات لمحمد بن إبراهيم الحمد فصل التبرم من قوامة الرجل ص 63 طبعة دار ابن خزيمة. ([11]) متفق عليه. ([12]) انظر العائدون إلي الله الجزء (6) لمحمد المسند ص 760. ([13]) رواه أبو داود والنسائي. ([14]) انظري كتاب لا جديد في الحجاب للكاتب – إصدار دار ابن خزيمة. ([15]) متفق عليه. ([16]) رواه البخاري ومسلم. ([17]) نصائح للنساء للشيخ محمد بن صالح العثيمين ص45([18]) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح ورواه أيضًا أحمد وابن ماجة وابن حبان في صحيحه. ([19]) رواه مسلم. ([20]) رواه البخاري ومسلم. ([21]) أي حكت له حركة إنسان يكرهها. ([22]) رواه أحمد وأبو داود والترمذي ، وقال حديث حسن صحيح. ([23]) رواه أبو داود وأحمد عن أنس ، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم 5394. ([24]) رواه البخاري ومسلم بطوله. ([25]) رواه الترمذي وقال: حديث حسن. ([26]) انظر رياض الصالحين للإمام النووي رحمه الله ص 432 – 433. ([27]) رواه البخاري ومسلم، وهذا لفظ البخاري في رواية. ([28]) متفق عليه. ([29]) رواه مسلم. ([30]) صفة الصفوة لابن الجوزي 2/168.([31]) رواه ابن ماجة وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم (505).([32]) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (7861).([33]) وهذا من نصحه رحمه الله للأمة، وخوفًا من أن يبيح شيئًا يلحق الضرر بالمسلمين، ولم يكن ليصب الزيت كله لولا ورعه الشديد وخوفه من الوعيد.([34]) سير أعلام النبلاء للذهبي 4/614.([35]) رواه الترمذي وحسنه، وهو حديث معلول بالانقطاع.([36]) انظر مدارج السالكين لابن القيم 1/176.([37]) رواه مسلم.([38]) رواه مسلم.([39]) رواه مسلم.([40]) متفق عليه.([41]) أدب الدنيا والدين ص262.([42]) متفق عليه.([43]) رواه مسلم.([44]) إحياء علوم الدن للغزالي 3/150.([45]) رواه الطبراني في الكبير عن أبي بكرة، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم 5581.([46]) الرياض الناضرة (209).([47]) رواه مسلم.([48]) متفق عليه.([49]) متفق عليه.([50]) متفق عليه.([51]) رياض الصالحين ص427.([52]) رواه البخاري ومسلم.([53]) أي تذل وتخضع له.([54]) رواه الترمذي وصححه ابن خزيمة. ([55]) رياض الصالحين ص427.