البحث

عبارات مقترحة:

الجميل

كلمة (الجميل) في اللغة صفة على وزن (فعيل) من الجمال وهو الحُسن،...

الوكيل

كلمة (الوكيل) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (مفعول) أي:...

المصور

كلمة (المصور) في اللغة اسم فاعل من الفعل صوَّر ومضارعه يُصَوِّر،...

الرشوة

العربية

المؤلف عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. المكاسب المحرمة خبيثة .
  2. تحريم الرشوة .
  3. أدب نبوي لأصحاب الأعمال والوظائف .
  4. عواقب ومساوئ تفشي الرشوة .
  5. أسباب انتشار الرشوة .
  6. حرمة المال العام .
  7. ضلال مذهب الخوارج .
  8. تحريم إيذاء المسلمين ودمائهم وأموالهم .

اقتباس

إن من شر المكاسب وأخبث الأموال ما يأخذه الراشي من رشوة، تلك الرشوة مكسبٌ خبيثٌ مالٌ محرمٌ، عواقبه سيئةٌ في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا محق البركة وعدم التوفيق للخير، وفي الآخرة الطرد والإبعاد عن رحمة الله، ولهذا جاءت الشريعة بتحريم ذلك، والنهي عنه، وترتيب الوعيد الشديد عليه، وحقيقة الرشوة دفع مال لإبطال حق أو إحقاق باطل فتلك الرشوة الملعون آخذها ودافعها ..

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه صلَّى اللهُ عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.

أمَّا بعد:

فيا أيُّها الناسَ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى.

عباد الله: خلق الله الخلق وقدّر آجالهم، وقسّم أرزاقهم، وجعل للكسب الحلال أسبابًا، وفتح للخلق أبوابًا، وكلّ ميسّر لما خُلق له، والمؤمن يكتسب طيب المال، ويبحث عن أسباب الحلال، يقول الله جلَّ وعلا: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) [الملك: 15] وقال جلَّ جلاله: (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) [المزمل: 20].

ونبينا صلى الله عليه وسلم حذرنا من المكاسب الخبيثة فقال: «إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا) [المؤمنون: 51]، وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) [البقرة: 72] ثُمَّ ذَكَرَ النبي صلى الله عليه وسلم "الرَّجُلَ المسّاَفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ يَا رَبِّ، قال: ومأكله حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِىَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ»!

أيها المسلم: إن من شر المكاسب وأخبث الأموال ما يأخذه الراشي من رشوة، تلك الرشوة مكسبٌ خبيثٌ مالٌ محرمٌ، عواقبه سيئةٌ في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا محق البركة وعدم التوفيق للخير، وفي الآخرة الطرد والإبعاد عن رحمة الله، ولهذا جاءت الشريعة بتحريم ذلك، والنهي عنه وترتيب الوعيد الشديد عليه، وحقيقة الرشوة دفع مال لإبطال حق أو إحقاق باطل فتلك الرشوة الملعون آخذها ودافعها.

أيها المسلم: ونبينا صلى الله عليه وسلم حذّرنا من هدايا العمال، وهو ما يأخذه صاحب العمل في أي عمل كان فوق ما خُصص له من مخصص لا يكفيه راتبه المحدد، بل يتطلع إلا ما بأيدي الناس، فأعماله تطيب وتقوى عندما يشاهد من يملأ جيبه، ويعطيه وتضعف همته، ويقل إنتاجه عندما يواجه شخص لا يعطيه شيئًا؛ وإنما يطالب بحقه فلا يؤدي عملاً، وإن أداه، أداه ببطء وضعف؛ لأن نفسه الدنيئة لا تجود إلا لمن يعطيه ويرشيه، أما من لا يعطه فلا دين ولا أمانة ولا خوف من الله.

ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم حذّر من ذلك، فجاء في الصحيح أنه بعث ابن اللتبية رجال من أصحابه للصدقة فجاءهم، فقال: "هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي"، فقال - صلى الله عليه وسلم-: «أَلاَ قَعَدْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ، وَأُمِّكَ لنَنظَرْ أتأتيك هديتك»، ثم خطب الناس فَقَالَ: «مَا بَالُ استعمل الرجل بما ولاني الله، فيأتي فَيَقُولُ هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِىَ لِي، أَلاَ جَلَسَ فِي بَيْتِه يَنْظُرَ أَيُهْدَى إِلَيْهِ»، ثم قال: «وَالَّذِي نَفْسِ بِيَدِهِ لا يؤخذ أَحَدٌ شَيئًا إِلاَّ جَاءَ بِهِ يحمله عَلَى رَقَبَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تعير».

ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ وقَالَ: «اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ»، وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: «مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ، فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ، فهو غُلُول يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، فَقَامَ رَجُلٌ من أصحابه، قال الراوي: «وكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اقْبَلْ منِّي عَمَلَكَ»، قَالَ: «وَلمَا»؟ قَالَ: سَمِعْتُكَ تَقُولُ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: «وَأَنَا أَقُولُهُ الآنَ وَمَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَؤد قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، فإن أُعطي أَخَذَ، وإن نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى».

هكذا أدب النبي صلى الله عليه وسلم رجال الأعمال، أهل الوظائف والمناصب أدبهم بهذا ليحذرهم من استغلال مناصبهم، وما تحت أيديهم ليحذرهم من الرشوة، ويخبرهم أنها بلاء، وأنها خزي في الدنيا والآخرة، وكتاب الله جلَّ وعلا وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واضحة في تحريم الرشوة؛ لما كان ضرر على الفرد في نفسه، وضرر على الأفراد والمجتمع وبلاءٌ عظيم جاءت النصوص بالنهي عنها، والتشنيع على أخذها، وبيان العقوبة التي تؤول هذه المرتشي والرائش يقول الله جلَّ وعلا: (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 188]، وقال جلَّ وعلا مخبرًا أن الرشوة من أخلاق اليهود وأعمالهم السيئة: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) [المائدة: 42] فانظر لاقتران السحت بالكذب، فإن المرتشي حينما يأخذ الرشوة هو يأخذها خائنٌ كاذبٌ في أعماله، إذا لو كان صادق الإيمان لأداء عمله دون أن ينظر إلا ما يعطى.

وقال جلَّ وعلا: (وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَوْلا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمْ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [المائدة: 62- 63]، وعنه صلى الله عليه وسلم قال: «لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي» وفي لفظ: «والرائش»، وهو الوسط بين الراشي والمرتشي والسمسار الذي ينقل وقرب بين الفريقين، فلعنه صلى الله عليه وسلم؛ لكونه شريكًا في الإثم والعدوان والله يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة: 2]، وفي الحديث: «ما ظهر الربا في قوم إلا أخذوا بالسنة ولا فشا فيهم الرشا إلا أخذوا بالرعب» وهو الضعف في أنفسهم والمرض في أنفسهم والضعف أمام عدوهم.

بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل ثم أرسل إليهم بعد حين فجاءه فقال: «أعلمت لماذا دعوتك» قال: لا، قال: «لا تأخذن بشيء بدون إذني فإن ذلك غلول، امض إلى عملك».

أيها المسلم: هذه الرشوة بلاء عظيم، ومرض فتاك في المجتمع، متى انتشر في المجتمع ضعف الأداء وقل الإنتاج، فيها مرض وبلاء، وعلاجها واجب على المسلمين في أنفسهم وأن يتعاونوا فيما بينهم ويتناصحوا فيما بينهم، وأن يؤدي كل فرد مسئوليته دون أن ينظر إلى المكسب الخبيث، فإنه إن كان في الدنيا طيبًا، لكن عواقبه لعنة الله وسخطه وغضبه عليك.

أيها المسلم: إن من تأمل الرشوة حق التأمل رأى أن لها آثار سيئة لا من حيث الدين فقط، بل من حيث المجتمع، ومن حيث الاقتصاد، ومن ناحية الأمنية، ومن حيث صلاح الإدارة إلى غير ذلك، فلها مفاسدها وأضرارها.

فأما الجانب الديني فإن هذه الرشوة حرام لأنها أخذ مال بغير حق ظلمًا وعدوانًا، مال أخذ وإن طابت به مال صاحبه، لكنه ما دفعه إلا رجاء لتحقيق أمره وحقه الذي يستحقه فالدافع ملعون والآخذ ملعون، والمتوسط بينهما شريك في الإثم والعدوان، هي مكسب خبيث مكسب حرام فهو مكسب خبيث محرم، لأنه يؤدي إلى ضعف الأمانة وعدم أداء الواجب.

إن هذه الرشوة أيضًا تبعدك عن الله جلَّ وعلا، تنقطع صلتك بربك؛ حيث إن دعاءك لا يستجاب، لماذا؟ لأن أكل الحرام سبب حجب إجابة دعائك تدعو فلا يستجاب لدعائك، وهذا من أعظم البلايا والأضرار، وإن نظرة إليها في المجتمع نجدها تقلب موازين المجتمع فتتعالى المناصب عن من لا يستحقها، ويبعد عنها ذو النفوس العفيفة الزكية ذو الكفاءة والخبرة لكن أبعدوا عنها؛ لأن أهل الرشوة لا يريدون من كان عفيف النفس قوي الإيمان صادقًا يبعدونه عن واقعهم، ويحولون بينه وبين إخلاصه وصدقه وعفة نفسه، إنها تُضعف أداء الواجب.

إن المبتلى بها يضعف إنتاجه وأداؤه، إنه قدوة سيئة في نفسه ولمن اختلط به فيجره إلى العدوان، ويعينهم على أكل الحرام، إنها تضعف بنية اقتصادية الأمة أعمال لا تؤدى إلا برشوة، أولاً: تتعطل التنمية أو تضعف ويضعف الإنتاج ويقل الإشراف ويدب الضعف إلى مشاريع الأمة في طرقها وجسورها ومستشفياتها، ومعالمها ومدارسها، وجميع بنيتها تصاب بالشلل والضعف، وإن أُقيمت ظاهرًا فلا بد أن ينكشف عورها ونقصها بعد حين، لأن هؤلاء المرتشين لا يبالون ولا يخجلون لا يخافون من ربهم لا يرجون حسابًا ولا يخافون عقابًا يتهاونون مصالح الأمة ومشاريعها لأجل مصالح خاصة لهم، ثم لا يبالون أصلح هذا المشروع أم ضعف، أدى واجبه أم ضعف، لا يبالون بغير ذلك بقدر ما شاء على حسب ما ينالونه وما يكتسبونه وما يأخذونه من التهاون على أمور الأمة.

إن النواحي الأمنية تصاب أيضًا بالخلل عندما يتغاضى المرتشي عن من يسعون لفساد الأمة ممن يصدرون المخدرات والمسكرات أو يتغاضون عن المستلزمين والمجرمين أو عن مصدري الأسلحة والبلاء على الأمة كما نسمع في الصحف أحيانًا تلك المباغتات لأرباب الإجرام الذين يحولون أن يصدروا للأمة المخدرات وأنواعها والأسلحة وأنواعها لكن يفاجئون بإخلاص المخلصين وصدق المتعاملين مع هؤلاء، وتلك نعمة من نعم الله على الأمة.

المهم أن الرشوة قد تؤدي بصاحبها إلا أن يتغاضى عن كل فساد وعن كل إجرام لا دين لا حياء لا خوف من الله لا مبالاة كأن الأمر لا يعنيه، وهذا من أعظم الأخطار وأشدها، إنها أيضًا لا تصلح الإداري؛ حيث إنه يهمش ذوي القدرة والخبرة وذوي النفوس العزيزة وذوي المهارات الطيبة يهمشون أو يبعدون ويضعف شأنهم؛ لأنهم لا يرضون أن يوقعوا على أمرٍ يعلمون خلله ويعلمون ضرره، ويعلمون أن ما دفع من مبالغ أمور مبالغ فيها وزائدة عن حاجاتها، فلهذا يبعد أولئك ويتقدم الخائن من لا دين له ومن لا أمانة عنده، كيف إذا امتد الأمر إلى غذاء الأمة وعلاجها حينما يتغاضى عن أطعمة فاسدة أو عن الأدوية التي لم تأخذ حق الموصفات الصادقة، فهذا ضرر على الأمة في حاضرها ومستقبلها، فليتقِ المسلم ربه، وليحفظ دينه، وليراعِ مصالح أمته؛ فذلك المؤمن حقًّا.

أيها المسلم: إن هذه الرشوة يحمل عليها أمور، أولاً: - والعياذ بالله - ضعف الإيمان، فضعف الإيمان في قلب بعض الناس يؤدي إلى أن يضحي بكل مصالح الأمة في سبيل مادة يأخذها فهذا ضعف الإيمان، إذ لو كان الإيمان صادقًا لأحب لإخوانه ما يحب لنفسه وكره لهم ما يكره لنفسه، وعاملهم بمثل ما يحب أن يعاملوه به، أما أن يتغاضى عن هذا البلاء العظيم فتلك مصيبة عظيمة.

ومن أسبابها أيضًا: الأنانية والطمع والجشع وعدم القناعة بما قسم الله له، ومن أسبابها فقد الرقابة القوية الصارمة على أولئك المفسدين؛ فإن هؤلاء المرتشين يجب التشنيع عليهم وإبراز أحوالهم والكشف عن حقائقهم؛ ليكونوا عبرةً لغيرهم حتى تهتم الأمة بأمنها وطمأنينتها ومصالحها العامة، أما هؤلاء فيجب أن يُوقفوا عند حدهم وأن ينزل عقوبة تردعهم ليعلموا أن الأمة يقظة منتبهة لا ترضى أن يكون من بين أبنائها شاذين في أمورهم لا يبالون مصالح أمتهم وحاضرها ومستقبلها.

وبإمكان الأمة أن تكافح هذا البلاء بتعظيم حرمات الله في قلب العباد، فإن تعظيم حرمات الله يمنع المسلم من الحرام: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) [الحج: 30]، يجب أن يؤصل في النفوس مراقبة الله في أمره ونهيه في الأقوال والأفعال، فإن ذلك أمر عظيم، ومنها تشجيع البراءة من الرشوة، وإن المخلصين والصادقين في أعمالهم الذين ظهروا إخلاصهم واستبان خيرهم ونفروا من هذا الخلق الذميم؛ فإن تشجيعهم وإكرامهم أمر مطلوب حتى يعلم المسلم حقًّا أن هذا الباطل مبغض لداء النفوس جميعًا، عقوبة صارمة، ومكافحة للرشوة، بكل طريق وتقوية الأجهزة التي تحارب هذا الداء بكل ممكن لتسلم الأمة من هذا الداء العضال والبلاء الفتاك في المجتمع.

إن المسلم حقًّا يطلب الرزق من أبوابه ويسعى فيها من أبوابه، ورزق طيب وإن قل خير من حرام وإن كثر: (قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ) [المائدة: 100]، فلنتقِ الله في أنفسنا، ولنتقِ الله في مكاسبنا، ولنراقب الله في أقوالنا وأعمالنا، ولنعلم أن هذه المادة إذا أُخذت بغير حق فإنها سحتٌ وبلاءٌ ومحقٌ في الدنيا والآخرة.

أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونسأله التوفيق والسداد لما يحبه ويرضى، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ وسيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه صلَّى اللهُ عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.

أمَّا بعد: أيُّها الناسَ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى، عباد الله، تُصاب الأمة أحيانًا بمصائب عندما تمتد بعض أيدي أبنائها إلى المال العام وإلى المال الخاص بغير حق، عندما تمتد هذه الأيدي إلى أموال عامة أو إلى أموال خاصة تحت أي ذريعة كانت كالرشوة مثلاً، فإن الرشوة بلاءٌ عظيم يستباح فيها محارم الله وتؤخذ به الأموال ظلمًا وعدوانا، تعطل الحقوق حتى ترفع مظلمة المظلوم إلا بذلك، فلنتقِ الله في أنفسنا ولنبرأ إلى الله من هذا الخلق السيئ ولتناصح فيما بيننا ونحذر من علمنا أنه تساهل في هذا الأمر لننقذه من عذاب الله، ونخلصه من عذاب الله.

أيها المسلم: أترضى لنفسك أن تكون تحت لعنة الله الرسول يقول: «لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي»، ما حقيقة اللعن؟ حقيقة اللعن الإبعاد والطرد عن رحمة الله دل على أن الرشوة كبيرة من كبائر الذنوب؛ لأن من صفات الكبيرة أن يتوعد بلعنةً في الدنيا بلعنة أو عذب أو حد في الدنيا أو عذاب في الآخرة ونبينا يقول: «لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي»، فكيف ترضى لنفسك أن تحل بك لعنة الله وغضبه فاتقِ الله في نفسك.

أيها المسلم: تأكد من هذا المال التي تكسبه فإن المال الحرام لا خير فيه، يمنعك من الخير كله تحل بك المصائب وتحيط بك الكربات وتنزل بك الأمراض والأوجاع فتلجأ إلى الله لكشف ضرك ورفع بلائك، ولكن أموالك أموال محرمة ومكاسب خبيثة فدعاؤك لا يستجاب، وبلاؤك لا يزال أنت شقي بهذا تعذب يوم القيامة وتصلى نارًا تلظى لما كسب يداك من هذا المكسب الخبيث.

فاتق الله في نفسك، واهتم بمصالح الأمة، وقيم نفسك لو كنت مكان هذا الذي يراجعك، وهذا الذي يطلب منك إنجاز العمل، فاتق الله وأنجز عملك على الوجه المطلوب.

إن عقد الوظيفة لك يلزمك الصدق والأداء بالعمل في الوقت والأداء، فاتق الله في نفسك، وإياك أن تأخذ ما لا تستحق فـ «قد أفلح من أسلم، ورُزق كفافًا، وقنّعه الله بما آتاه»، فلنتق الله في مكاسبنا، لنتق الله فيما نجني من الأموال، إن هذه الأموال الذي يجمعه من يجمعها لا تنفعه إذا كانت مالاً حرامًا هي عقوبة له في الدنيا ويعذب بها الآخرة: (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) [التوبة: 55] يعذبهم بجمعها والتفاني فيها وأخذها من كل طريق (وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ).

فاحذروا عباد الله هذه المكاسب الخبيثة، احذر هذه الرشوة أيها المسلم، أدِّ عملك وأنجز وظيفتك وطبق المواصفات في مشاريع الأمة، ولا تضحّ بمصالح الأمة أجل ما تأخذه مصالح مادية فإنك بهذا تكون من المفسدين وتكون من المسيئين، فلنتق الله في أنفسنا ولنتعاون على البر والتقوى فيما بيننا، طهّر الله مكاسبنا من كل خبيث؛ إنه على كل شيء قدير.

أيها المسلم: إن بعض خلق الله يعيش في هذه الدنيا في شقاء وتعس وبلاء ومصيبة، بعض عباد الله خدعهم الشيطان واستحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله وصدهم عن الطريق المستقيم، وجعل حياتهم حياة بلاء، وحياة شقاء، وحياة تعس (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طه: 124] هؤلاء الذين غرر بهم الأعداء، واستحوذ عليهم الشيطان، واستولى عليهم الأعداء فربوهم على أيديهم تربيةً خاطئة تربيةً ضالة أبعدوهم عن دينهم أبعدوهم عن إسلامهم كرهوا إليهم بلاد الإسلام فصاروا جنودًا لأعداء الإسلام ينفذون أغراضهم مخططاتهم صاروا جسورًا يعبرون أعداء الإسلام عليهم ألا يخشى هؤلاء على أنفسهم، ألا يستحيون على أنفسهم، ألا يرقبون الله في أمره ونهيه، ليتقوا الله في أنفسهم وليعلموا أن سعيهم ضال، يقول: (هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [الكهف: 104].

هؤلاء - والعياذ بالله – استحوذ الشطيان عليهم فملأ قلوبهم حقدًا وبلاء على الإسلام وأهله، استباحوا دماء المسلمين واسترخصوا دماء المسلمين وساوموا على دماء المسلمين وأخذوا المسلم بغير حق وساوموا على حياتهم لماذا؟ هو مسلم، ما الجناية؟ إنه مسلم، ما المراد؟ إذلال الأمة والتلاعب بها وفرض ما يردون على الأمة وقيادتها.

أيظنون أن الأمة تستسلم لهم في مرادهم وتخضع لكلامهم، كلا إنهم أعداء ومنحرفون ضالون مظلون لا بد من الأخذ على أيدي هذه الفئة الضالة التي طالما أرعبت الأمة وهدد أمنها واستقرارها وطالما سمعنا عنها شرقًا وغربا هذه أمة فاسدة، أمة مجرمة، أمة استحوذ الشيطان عليها، أمة استولى أعداء الله فربوهم تربيةً سيئة وعلى أخلاق منحرفة على سفك الدماء ونهب الأموال وإرعاب الآمنين، هؤلاء يتنقلون من مكان إلى مكان لا قرار لهم لأنهم مكرهون ممقتون أمام المجتمعات لكنهم - والعياذ بالله- ينفذون مخططات أعداء الإسلام هذه الفئة الضالة المنحرفة مهما سموا أنفسهم فهم شر وبلاء ولا خير فيهم، ولا يظن بهم خيرًا، أعمالهم كلها أعمال ضالة أعمال منحرفة أعمال مجرمة أعمال سيئة ليس عندهم مرواه ولا قدر، أكرموا وأعطوا ولكن قلوب مريضة قلوب مليئة حقدًا وبغضًا للإسلام وأهله، ضيعوا شبابهم وأفسدوا حياتهم وصاروا - والعياذ بالله- منفيون في أرجاء الأرض يتنقلون من مكان إلى مكان؛ لأنه لا قرار لهم ولا يحبوهم أحد ولا يؤون إلى أحد، هم أمة مجرمة فاسدة.

فما نسمع عنهم من اختطاف لبعض فئة المجتمع والإساءة إليهم وتهديدهم بالقتل وأنهم مهيئون لقتلهم يساومون عليهم وعلى نفوسهم ويطلبون المستحيل كل هذه من خطوات الشيطان، فلنتق الله في أنفسنا، وليراجعوا دينهم وليتوبوا إلى الله من غيهم وفسادهم فإن استمروا على ما هم عليه فليعلموا أنهم على خطأ وعلى ضلال إنهم أخذوا على مذهب الخوارج بل زادوا عليهم أعظم وأعظم، فالخوارج مهما ظلموا قد يكون عندهم شيء من دين لكن هؤلاء لا دين عندهم، هؤلاء ألعوبة بأيدي أعدائهم يسخرونهم متى ما يشاءون ويوجهون كيف ما يشاءون ويتصرفون فيهم كيف ما يشاءون وهؤلاء مطيعون للأعداء مسخت فطرتهم وغيرت أخلاقهم.

نسأل الله السلامة والعافية من كل مكروه، إن الأمة حينما يبتلى ببعض أبناءها الذين فقدوا التوازن العقلي والذين انغمسوا في الإجرام لمصيبة عظيمة فلنحذر شبابنا وأبناءنا من الاغترار والانخداع بما يقال في هذه المواقع المشبوهة التي تنشر بلاء وتصور المجرمين بأنهم مصلحون ويأبى الله أن يبارك، فهم مفسدون لا مصلحون وضالون ولا مهتدون ومفسدون لا مصلحون شر وبلاء.

نسأل الله السلامة والعافية، هذا البلد المبارك يكيد الأعداء بكل مكيدة لكن وللآسف الشديد أن يكون بعض أبناء المسلمين في هذا السلك الخبيث، هذا البلد الآمن المطمئن الذي ضرب أنواع المثل في آمنهم واستقراره وارتباط قياداته بمواطنيه فأصبح بلدًا آمنًا مطمئنًا رخاءً سخاءً بفضل الله يغيظ ذلك أعداء الإسلام حتى سخّروا هذه الفئة من بعض أبناء المسلمين الذي ضعف الإيمان في نفوسهم وقل الخير في نفوسهم، فتصرفوا هذه التصرفات الخاطئة استحلوا الدماء والأموال وظلموا العباد، نسأل الله السلامة والعافية من كل مكروه.

واعلموا رحمكم اللهُ أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.

وصَلُّوا رحمكم الله على عبد الله ورسوله محمد كما أمركم بذلكم ربكم قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهدين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التَّابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك وإحسانك يا أرحمَ الراحمين.

اللَّهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمَّر أعداء الدين، ونصر عبادك الموحدين، وجعل اللَّهمَّ هذا البلاد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، اللَّهمَّ أمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا، اللَّهمَّ ووفقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبدالله بنَ عبدِ العزيزِ لكلِّ خير، اللَّهمّ أمده بالصحة والعافية، اللَّهمّ كن له عونا في كل ما همه، وجعله بركة على نفسه وعلى مجتمع المسلمين، اللَّهمَّ وفق ولي عهده نايف بن عبد العزيز لكل خير، سدده في أقواله وأعماله، وأعنه على مسئوليته إنك على كل شيء قدير، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).

عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.