البحث

عبارات مقترحة:

الغني

كلمة (غَنِيّ) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (غَنِيَ...

الخبير

كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...

الصدقة الفاضلة

العربية

المؤلف سليمان بن حمد العودة
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. عواملُ تَقْوى .
  2. مضاعفات الأجر .
  3. آداب الصدقة .
  4. أحكام الصدقة .
  5. أجر الصدقة .
  6. مبطلات الصدقة .
  7. السلفُ والتصدُّق .
  8. لَمَّة الشيطان .

اقتباس

يا أخا الإسلام: أنفق ينفق الله عليك، وأعط الله يعطك الله، وهل يغيب عنك أن الله يعوضك عمَّا أنفقت؟ وملَكَان يصيحان مع بداية كل يوم، يقول أحدهما: "اللهم أعط كُلَّ منفقٍ خلَفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط كل ممسك تلفاً"!.

الحمد لله رب العالمين يُدخل من يشاء في رحمته، ويُظِل المتقين تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظلُّه، ويتفيأُ المتصدقون بظل صدقتهم يوم القيامة حتى يُقضى بين الناس. 

وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه، وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحابته أجمعين وعن التابعين وأتباعهم إلى يوم الدين.

أما بعد: إخوة الإسلام، فاتقوا الله، واخشوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون.

ألا وإن من عوامل تقوى الله مداومة ذكر الله، وتلاوة كتاب الله، وإطعام الطعام، وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام.

أيها المسلمون: وإذا كانت النفقة والجود والإحسان، والبر، وصلة الأرحام، تطيب في كل حال وزمان، فهي تَزْكُو وتتضاعف حسناتها في شهر رمضان، شهر الجود والإحسان.

وما دمتم في شهر القرآن فتأملوا خاشعين، وقفوا متفكرين في آيات النفقة في القرآن، والحق -تبارك وتعالى- يقول: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة:261].

قال سعيد بن جبير: (في سبيل الله) يعني في طاعة الله. وقال مكحول: يعني من الإنفاق في الجهاد. وقال ابن عباس: الجهاد والحج يضعف الدرهم فيهما إلى سبعمائة ضعف.

وسواء أكان هذا أو ذاك فهذا المثل التشبيهي محصلته سبعمائة ضعف، ولكن -والله أعلم- ذكر بهذه الصيغة ليكون أبلغ في النفوس، إذ فيه إشارة إلى أن الأعمال الصالحة ينميها الله -عز وجل- لأصحابها ما ينمي الزرع لمن بذره في الأرض الطيبة.

وجاء في صحيح السنة النبوية ما يؤكد مضاعفة الصدقة، بل ومضاعفة كل عمل صالح، يقول -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الذي رواه الإمام أحمد ومسلم في صحيحه: "كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله، يقول الله إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشهوته من أجلي…".

وهل تظن بربك -يا ابن آدم- إلا كل خير حين يختص بالصيام له؟ وهل يراودك شك أنه سيجزيك به أضعافاً مضاعفة، وهو الكريم الجواد؟ بل ويضاعف لك أجر الصدقات أضعافاً مضاعفة، كما قال تعالى في الآية الأخرى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً) [البقرة:245].

وتعالَ بنا لنقف معاً عند هذا الحديث الذي رواه أبو عثمان النهدي وتحمَّل في سبيله السفر حين يقول: لم يكن أحد أكثر مجالسة لأبي هريرة مني، فقدم قلبي حاجاً وقدمت بعده، فإذا أهل البصرة يأثرون عنه أنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الله يضاعف الحسنة ألف ألف حسنة".

فقلت: ويحكم الله ما كان أحد أكثر مجالسة لأبي هريرة مني، فما سمعت هذا الحديث، قال: فتحملت أريد أن ألحقه فوجدته قد انطلق حاجاً، فانطلقت إلى الحج إلى أن ألقاه بهذا الحديث، فلقيته لهذا، فقلت: يا أبا هريرة، ما حديث سمعت أهل البصرة يأثرون عنك؟ قال: وما هو؟ قلت: زعموا أنك تقول: إن الله يضاعف الحسنة ألف ألف حسنة!.

قال: يا أبا عثمان: وما تعجب من هذا! والله يقول: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَة)، ويقول تعالى: (فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) [التوبة:38]، والذي نفسي بيده! لقد سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الله يضاعف الحسنة ألفي ألفي حسنة".

وإذا كان هذا ما نقله أبو هريرة -رضي الله عنه- في مضاعفة أجر الصدقة، فاسمع إلى ما رواه ابن عمر -رضي الله عنه- في هذا الصدد أيضاً، وقد روى ابن أبي حاتم إلى ابن عمر قال: لما نزلت هذه الآية: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِل)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رب زد أمتي"، فنزلت (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً)، قال: "رب زد أمتي"، فنزل: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر:10].

إخوة الإيمان: وإذا كان هذا في مضاعفة أجر الصدقة يوم القيامة، فللصدقة والإنفاق الخيِّر بشكل عام آثاراً أخرى، تشمل الدنيا والآخرة، فثواب أصحابهم محفوظ عند الله، وهم آمنون من مخاوف يوم القيامة حين يفزع الناس، وهم غير آسفين على ما خلَّفُوا من الأموال والأولاد وزهرات الدنيا، لأنهم قد صاروا إلى ما هو خير من ذلك كله، يقول تعالى: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة:262].

وهل علمت أخا الإسلام أن الصدقة تظلل صاحبها في وقت هو أحوج ما يكون فيه إلى الظل؟ يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "كُلُّ امرئٍ في ظل صدقته يوم القيامة حتى يُقضى بين الناس".

وهل علمت أن الصدقة طريق إلى الجنة وسبب من أسباب دخولها؟ يقول الله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ) [آل عمران:133-134].

يا أخا الإسلام، أنفق ينفق الله عليك، وأعط الله يعطك الله، وهل يغيب عنك أن الله يعوضك عمَّا أنفقت؟ وملَكَان يصيحان مع بداية كل يوم، يقول أحدهما: "اللهم أعط كل منفق خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط كل ممسك تلفاً"!.

أعط يا أخا الإسلام، وأنت صحيحٌ شحيحٌ تخشى الفقر وتأمل الغنى، فهنا تنفع النفقة، وهنا تقبل الصدقة، وهنا يكون الامتحان وتصعب المنافسة؛ أما إذا بلغت الروح الحلقوم وشعرتَ أنك ستخرج من الدنيا فهيهات وقد انتقل أو قارب المال أن ينتقل إلى غيرك! يقول -عليه الصلاة والسلام- موضحاً ذلك كله: "أفضل الصدقة أن تصدَّقَ وأنت شحيح، تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولا تهمل حتى إذا بلغت الحلقوم قلتَ: لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان كذا".

يا أخا الإيمان، ومهما كان فقرك وقِلَّتك فحاول المساهمة في الصدقات مع المتصدقين، وابدأ بالأقربين وإن كان المتصدَّق به قليلاً، فذلك جهد المُقِل الذي قال عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أفضل الصدقة جهد المُقِل، وابدأ بمن تعول".

أيها المسلمون، ولا يفوتنّ عليكم البدء في صدقاتكم لذوي الأرحام والأقربين، فإن الصدقة على المسكين البعيد صدقة، وهي على القريب المحتاج صدقة وصلة.

ومهما وقع بينكم وبين أرحامكم من خلاف فلا يمنعكم ذلك من صلتهم، والتصدق عليهم، وإليكم توجيه المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في ذلك إذ يقول: "أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح". والكاشح: العدو الذي يضمر عداوته ويطوي عليها، وكشحه باطنه، أو الذي يطوي عنك كشحه ولا يألفك.

يا أخا الإيمان، وإذا قدرك الله على شيء من النفقة فلا يخالطها شيء من المن بالعطية أو الأذى لمن تعطي فذلك مبطل للصدقة، كما يبطلها الرياء والسمعة، من أجل أن يقول الناس هو جواد أو كريم، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [البقرة:264].

وهل ترضى أن يعرض الله عنك يوم القيامة؟ والمصطفى -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ثلاث لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: المنان بما أعطى، والمسبل إزاره، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب".

وإيّاكَ إيّاكَ أن تأكل الحرام! أو تتصدق بالحرام! فإن الله طيب لا يقبل لا طيباً، وجاهد نفسك عن إنفاق الخبيث والرديء، وافْقَه قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) [البقرة:267].

وقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد يسنده إلى ابن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ولا يكسب عبد مالاً من حرام فينفق منه فيبارك له فيه، ولا يتصدق فيقبل منه، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار، إن الله لا يمحو السيئ بالسيئ، ولكن يمحو السيئ بالحسن، إن الخبيث لا يمحو الخبيث".

أيها المسلمون، ولكم بمن سلف من صالحي الأمة مثل وعبرة، وقد استجابوا لله والرسول -صلى الله عليه وسلم-، فهذان الخَيّران: أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما-، يتنافسان في الصدقة، فيجيء عمر بنصف ماله، ويأتي أبو بكر بماله كله ويكاد أن يخفيه من نفسه، ويقول له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وما خلفت وراءك لأهلك يا أبا بكر؟" فيقول: عدة الله وعدة رسوله.

ثم يبكي عمر ويقول: بأبي أنت يا أبا بكر! والله! ما استبقنا إلى باب خير قط إلا كنت سابقاً، ويقال فيهما نزلت: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ...) [البقرة:271].

وهذا أبو الدحداح الأنصاري -رضي الله عنه- حين نزل قوله تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَة...) [البقرة:245]، قال: يا رسول الله، وإن الله لَيريد منا القرض؟ قال: "نعم يا أبا الدحداح"، قال: أرِني يدك رسول الله، فناوله يده، قال: فإني أقرضت ربي حائطي.

ولقد كان حائطه من سبعمائة نخلة، وأم الدحداح فيه وعيالها، فجاء إليهم ونادى: يا أم الدحداح، قالت: لبيك، قال: اخرجي، فقد أقرضته ربي -عزَّ وجل-.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين أحمده تعالى وهو الغني الحميد، وأشهد ألا إله إلا هو يجزي المتصدقين ويحب المحسنين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، قدوة المتصدقين ونموذج أعلى للمحسنين، صلى الله عليه وسلم وعلى الأنبياء المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين إلى يوم الدين.

أيها المسلمون: ولسنا -معاشرَ البشر- ملائكة برآء من نزغ الشيطان، وأينا الذي لا يفكر ولا يتردد حين إخراج الصدقة؟ فنفسه المطمئنة بوعد الله في الثواب تدعوه لمزيد من الإنفاق، وتطمئنه أن الله سيخلفه، وأنّ ما أنفق له وما أبقى فهو لغيره.

ونفسه الأمارة بالسوء وهواه يخوفانه عواقب الفقر، وقلة ذات اليد، ويذكرانه أن هذا المال لم يأتِك إلا بعد كدح وكد وعرق جبين، أفتخرجه بهذا السهولة للفقراء والمحتاجين أو لذوي الأرحام والمساكين؟.

هذه المعادلة صعبة، وتلك الوعود المتباينة أول من يعلمها في نفسك علام الغيوب، ولذلك أخبر عنها في كتابه العزيز وبيَّن المخرج فقال: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة:268].

وفي تفسير الآية ورد قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن للشيطان للمةً بابن آدم، وللملَك لمة فأما لمة الشيطان فإيعادٌ بالشرِّ، وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير، وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله، فلْيَحْمَد الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ من الشيطان"، ثم قرأ: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً).

فاعلم -أخي المسلم- هذه اللمة، وافْقَه المخرج منها، فذلك عون لك بإذن الله على الإنفاق والإحسان، وطريق إلى الجنان بإذن الله.

إخوة الإسلام، ويتردد بعض المحسنين حين النفقة بين الإسرار بالصدقة أو الإعلان، والله تعالى امتدح الأمرين معاً فقال: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [البقرة:271].

فمتى يكون الإسرار بالصدقة أفضل، ومتى يكون إعلانها أفضل؟ قال العلماء: في الآية دليل على أن إسرار الصدقة أفضل من إظهارها؛ لأنه أبعد عن الرياء، إلا أن يترتب على الإظهار مصلحة راجحة من اقتداء الناس به فيكون أفضل من هذه الحيثية.

والأصل أن الإسرار أفضل لهذه الآية لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: "ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه".

وروى الترمذي والنسائي من حديث أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاثة يحبهم الله، وثلاثة يبغضهم الله، فأما الذين يحبهم الله: فرجل أتى قوماً فسألهم بالله ولم يسألهم لقرابة بينه وبينهم، فمنعوه، فتخلف رجل بأعقابهم، فأعطاه سراً لا يعلم بعطيته إلا الله، والذي أعطاه".

وصح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "صدقة السر تطفئ غضب الرب". وفي لفظ صحيح آخر: "والصدقة خفياً تطفئ غضب الرب"، قال ابن كثير: والآية عامة في أن إخفاء الصدقة أفضل سواء كانت مفروضة أو مندوبة، لكن روى ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية قال: جعل الله صدقة السر في التطوع تفضل علانيتها، فقال بسبعين ضعفاً، وجعل صدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها فقال: بخمسة وعشرين ضعفاً.

أيها المسلمون، هذه بعض أحكام وآداب، وأجر النفقات والصدقات، فتزودوا لأنفسكم، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون.

وأذكركم ونفسي أخيراً بمغانم وآثار جليلة للنفقة صورها النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديثه الصحيح فقال: "صنائع المعروف تقي مصارع السوء، والصدقة خفياً تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم زيادة في العمر، وكل معروف صدقة، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة".
 

إخوة الإيمان، وليس يخفى عليكم أن هناك حاجات، وهناك محتاجون، وهناك من لا يسألون الناس إلحافاً، والله أعلم بما يقتاتون؛ فهلا مددتم يد العون لهؤلاء وأولئك أجمعين،؟.

وإذا تجاوزتهم الداخل فهناك جراح المسلمين في الخارج تنزف دماً، ويعز المطعم والمشرب ويقل الملبس والكساء؛ وهل يليق بنا أن نعيش آمنين مطمئنين وفي رغد العيش مترفين، وإخوانا في العقيدة والدين يعيشون المسغبة، ويتجرعون كؤوس المآسي من أمم الكفر مجتمعين؟.