الحسيب
(الحَسِيب) اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على أن اللهَ يكفي...
لفظُ (الله) لفظٌ مشتق من مادة (أَلَهَ)، وهي تحمل معنى العبادة والتنسُّك، واسمُ (الله): هو اسمُ الله الأعظم، ويدل على ألوهيةِ الله تعالى، واستحقاقِه وَحْده للعبادة، وهو اسمٌ ثابت لله تعالى في القرآن والسُّنة، والعقلُ دالٌّ عليه.
والقولُ بأنه اسم مشتقٌّ، وأنه اسمُ الله الأعظم: هو أرجَحُ أقوال أهل العلم.
ذهب الأكثرون إلى أنه مشتقٌّ من مادة (أَلَهَ)؛ بمعنى: عبَدَ، و(المألوه): المعبود؛ قال الجوهريُّ: «أَلَهَ - بالفتح - إلاهةً؛ أي: عبَدَ عبادةً؛ ومنه قرأ ابنُ عباس رضي الله عنهما: (وَيَذَرَكَ وَإلَاهَتَكَ) [الأعراف: 127]». "الصحاح" للجوهري (51).
فأصلُ كلمة (الله): الإله؛ قال في "اللسان": «و(اللهُ): أصله: إلاه، على فِعال؛ بمعنى مفعول؛ لأنه مؤتَمٌّ به، فلما أُدخلت عليه الألف واللام، حُذفت الهمزة تخفيفًا؛ لكثرته في الكلام». "لسان العرب" لابن منظور (1 /115).
وذلك نظيرُ كلمة (أُناس)، دخلت عليها الألف واللام، فحُذفت منها الهمزة، فصارت (الناس).
ونظيرُ (إله) في استعمالها بمعنى (مألوه): (كتابٌ) بمعنى مكتوب، و(فِراش) بمعنى مفروش.
وقيل: إن معنى المادة (أَلِهَ): تحيَّر، وهو مألوه؛ لأن العقولَ تَألَهُ في عظمته.
وتأتي أيضًا بمعنى فَزِعَ، فيقال: أَلِهَ الرجُلُ إلى الرجل: إذا فَزِعَ إليه من أمرٍ نزل به، فأَلَهَهُ؛ أي: أجارَه وآمَنَه. انظر: "شأن الدعاء" للخطابي (ص31).
ولذا قال سبحانه: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُۥ سَمِيّٗا﴾ [مريم: 65].
وقد اختص اسمُ (الله) بخصائصَ عظيمة، لا يشاركه فيها غيرُه من أسماء الله الحسنى؛ فهو الاسم الذي يقع في كلمةِ التوحيد التي يُنتقل بها من الكفرِ إلى الإيمان، وهو أصل أسماء الله الحسنى، والمقدَّم عليها؛ فكلها يقع وصفًا له، وهو مستلزِمٌ لجميع معاني الأسماء الحسنى، دالٌّ عليها بالإجمال، والأسماء الحسنى تفصيلٌ وتبيين لصفات الإلهية التي منها اشتُقَّ اسمُ الله. انظر: "مدارج السالكين" (1 /56).
ولذلك رجَّح كثيرٌ من العلماء: أنه هو اسمُ الله الأعظم؛ ويؤيِّد ذلك: ما ورد في الأحاديث من تَكْرار هذا الاسم على أنه الاسمُ الذي إذا دُعِيَ به اللهُ أجاب، وإذا سُئِل به أعطى.
* العبادة.
* التحيُّر.
* الفَزَع.
وهذا يتفق مع ما ذُكِر في الاصطلاح؛ فذاتُ الله سبحانه معبودةٌ بحقٍّ، وهي الذات المقدَّسة التي تحتار في كمالها وجلالها وعظمتها العقولُ، وهي الذات التي يَفزَع ويلتجئُ إليها الخَلْقُ إذا نزلت بهم نازلةٌ.
يدل اسمُ (الله) على ثبوتِ صفة (الألوهيَّة) لله عز وجل؛ فهو المألوهُ المعبود: حبًّا، وتعظيمًا، وخضوعًا.
وسبَق أنَّ من خصائص هذا الاسمِ: أنه يأتي متقدِّمًا على ما سِواه من الأسماء، موصوفًا بها؛ فدَلَّ على أنه الأصلُ، وأما قوله تعالى: ﴿إِلَىٰ صِرَٰطِ اْلْعَزِيزِ اْلْحَمِيدِ 1 اْللَّهِ اْلَّذِي لَهُۥ مَا فِي اْلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي اْلْأَرْضِۗ﴾ [إبراهيم: 1-2]، فقد قُرِئ بالرفعِ على أنه مبتدأٌ، وأما الخفضُ فهو على التقديم والتأخير، وتقديره: صراطُ اللهِ العزيزِ الحميدِ. انظر: "شرح الأسماء" للرازي (ص91).
ورَد اسمُ (الله) سبحانه وتعالى في مواطنَ كثيرة جدًّا؛ منها:
* عن أنسٍ رضي الله عنه: «أنَّه كان مع رسولِ اللهِ ﷺ جالسًا، ورجُلٌ يُصلِّي، ثم دعَا: اللهمَّ إنِّي أسألُك بأنَّ لك الحمدَ، لا إلهَ إلا أنت، المَنَّانُ، بديعُ السمواتِ والأرضِ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، يا حَيُّ يا قيُّومُ! فقال النبيُّ ﷺ: «لقد دعَا اللهَ باسمِه الأعظَمِ الذي إذا دُعِيَ به أجابَ، وإذا سُئِلَ به أعطى»». أبو داود (1495).
* عن أبي أُمامةَ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: «اسمُ اللهِ الأعظَمُ في سُوَرٍ مِن القرآنِ ثلاثٍ: في البقرةِ، وآلِ عِمْرانَ، وطه». ابن ماجه (3856).
وبهذينِ الحديثَينِ يُستدلُّ على أن الاسمَ الأعظم هو: (الله).
وعلةُ العقل في ذلك: أن صفاتِ الكمال التي اتصَف بها ربُّ العِزَّة سبحانه وتعالى في علمِه وقُدْرته، ورحمته وحِكْمته: تستلزِمُ أن يكونَ هو المحبوبَ غايةَ الحُبِّ، والمخضوعَ له غايةَ الخضوع، والعبادةُ تَتضمَّن غايةَ الحُبِّ بغايةِ الذُّلِّ. انظر: "دقائق التفسير الجامع لتفسير ابن تيمية" (2 /364).
إدراكُ معنى اسم (الله) يورِثُ في سلوكِ العبد صَرْفَ جميعِ مظاهر العبودية للهِ عز وجل، وإخلاصَها له؛ كالتوكُّل، والخوف، والرجاء، والسجود، والذَّبح، وغيرها.
وإذا تدبَّر المؤمن اسمَ (الله)، عرَف أنَّ له جميعَ معاني الألوهيَّة؛ فإذا تقرَّر عنده: أنَّ (الله) وَحْده المألوهُ، خضَع له وخشَع، وألزَم قلبه هيبتَه وتعظيمه، وعلَّق بربِّه خوفَه ورجاءَه، وأناب إليه في كلِّ أموره، وقطَع الالتفاتَ إلى غيرِه من المخلوقين.
وإذا فَهِمَ العبدُ معنى اسم (الله) وما يستلزِمه، أدرَك أنه سبحانه صاحبُ الفضل، والمستحِقُّ للعبادة والمَحبة، فإذا وقَع هذا في قلبِ العبد، وقَعتْ فيه حلاوةُ الإيمان؛ كما قال ﷺ: «ثلاثٌ مَن كُنَّ فيه، وجَدَ حلاوةَ الإيمانِ: أن يكونَ اللهُ ورسولُه أحَبَّ إليه ممَّا سِواهما...». البخاري (16). انظر للاستزادة: "ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها" لعبد العزيز الجليّل (12 /69-72).
* فوجودُ الكون: علامةٌ على وجود الله.
* وانتظامُه واتساقُه من أدقِّ تفاصيله إلى أعظمِ أجرامه: علامةٌ دالة على وجود الله.
* وتدبيرُه وتقسيم الأرزاق والأقدار بين الخَلق فيه: علامةٌ دالة على وجود الله.
ومَرجِعُ ذلك وغيرِه - مما يطُولُ ذكرُه - أن يقال: «ما مِن أثرٍ إلا وله مؤثِّر»؛ كما اشتهر في قول الأعرابيِّ الذي سُئل: كيف عرَفْتَ ربك؟ فقال بفِطرته السليمة: «البَعْرةُ تدلُّ على البعير، والأثرُ يدل على المسير؛ فسماءٌ ذاتُ أبراج، وأرضٌ ذات فِجاج، وجبالٌ وبحار وأنهار؛ أفلا تدلُّ على السميع البصير؟!».
ينظر: "ترجيح أساليب القرآن" لابن الوزير (ص83).
«(الله): اسمٌ لربِّ العالمين، خالقِ السموات والأرض، الذي يُحْيي ويُمِيت، وهو ربُّ كلِّ شيء ومَليكُه، فهم لا يختلفون في أن هذا الاسمَ يرادُ به هذا المُسمَّى، وهو أظهَرُ عندهم وأعرَفُ وأشرَفُ مِن كلِّ اسم وُضِع لكل مُسمًّى».
ابن قَيِّم الجَوْزِيَّة "الصواعق المرسلة" (2 /750).
«اللهُ ذو الألوهيَّة والعبوديَّة على خَلْقِه أجمعين».
ابن عبَّاس "تفسير الطبري" (1 /121).
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".