البحث

عبارات مقترحة:

المتكبر

كلمة (المتكبر) في اللغة اسم فاعل من الفعل (تكبَّرَ يتكبَّرُ) وهو...

الحفي

كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...

الخالق

كلمة (خالق) في اللغة هي اسمُ فاعلٍ من (الخَلْقِ)، وهو يَرجِع إلى...

قصة الهجرة إلى المدينة النبوية

العربية

المؤلف مسفر بن سعيد بن محمد الزهراني
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات السيرة النبوية
عناصر الخطبة
  1. إيذاء الكفار للمؤمنين في مكة .
  2. ترقب اليهود خروج نبي الزمان .
  3. بيعة العقبة الأولى والثانية .
  4. هجرة النبي وأبي بكر إلى المدينة .
  5. مكيدة قريش لاغتيال النبي عليه الصلاة والسلام .
  6. أهل المدينة يستقبلون النبي وصاحبه .

اقتباس

بعدما أرسل الله عز وجل نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق إلى الناس جميعًا، وكانت بعثته في مكة وعمره صلى الله عليه وسلم أربعون عامًا، مكث يدعو أهل مكة إلى عبادة الله عز وجل وحده لا شريك له، وأن يؤمنوا بأنه رسول الله جاءهم بشيرًا ونذيرًا، فكذبوه وحاصروه، ولقي منهم أشد الإيذاء هو ومن آمن معه، وبعد كل هذه الفترة الطويلة ..

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى.

عباد الله: بعدما أرسل الله -عز وجل- نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق إلى الناس جميعًا، وكانت بعثته في مكة وعمره -صلى الله عليه وسلم- أربعون عامًا، مكث يدعو أهل مكة إلى عبادة الله -عز وجل- وحده لا شريك له، وأن يؤمنوا بأنه رسول الله جاءهم بشيرًا ونذيرًا، فكذبوه وحاصروه، ولقي منهم أشد الإيذاء هو ومن آمن معه، وبعد كل هذه الفترة الطويلة أذن الله -عز وجل- له بالهجرة إلى المدينة المنورة بعد أن بايعه أهلها في بيعتي العقبة الأولى والثانية.

في المدينة أو يثرب -اسمها قبل أن يهاجر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم- كانت اليهود تنتظر خروج النبي الذي هو موجود في كتبهم، وأنه زمانه، وكان أيضًا بها قبيلتان هما الأوس والخزرج بينهما قتال وحروب من ناحية، ولهما عداوة مع اليهود من ناحية أخرى، وكانت اليهود تؤلب بين القبيلتين وهما قبيلتان من الأزد من اليمن من قحطان تنحدران من أصل واحد، ومن أشهر ما وقع بينهما من قتال (يوم بُعاث)، حيث قتل فيه الكثير منهم وخاصة من رؤسائهم وزعماء العشائر، ثم حدثت بينهما هدنة، حالفت الخزرج فيها اليهود وأخذت الأوس تلتمس الحلف عند العرب.

خرج رهط من الأوس إلى مكة إلى موسم الحج، وفي هذه الأثناء كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يدعو إلى الله -عز وجل- وخاصة بعد أن يئس من قريش، فلما سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا الرهط من الأوس أتاهم وجلس إليهم وقال لهم: "هل لكم في خير مما جئتم إليه؟!"، فقالوا له: وما ذاك؟! قال: "أنا رسول الله، بعثني الله إلى العباد أدعوهم أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئًا، وأنزل علي الكتاب"، وتلا عليهم القرآن، ثم ذكر الإسلام، فلما سمعوا منه -صلى الله عليه وسلم-، قال أحدهم: هذا خير مما جئنا إليه من طلب الحلف مع بعض قبائل العرب ضد الخزرج، ولكن لم يوافقه البقية إلى أن جاء الموسم الذي بعده، وفد نفر من الخزرج، ولقيهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجلس إليهم وحدثهم بمثل ما سبق أن تكلم به مع الأوس من العام الذي قبله، فقال بعضهم لبعض: يا قوم: تعلمون والله إنه للنبي الذي توعدكم به اليهود، فلا يسبقوكم إليه، ثم أجابوه فيما دعا إليه، وصدقوه فيما بلغ وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام، ووعدوه أن يدعو قومهم إلى الإسلام إذا عادوا إلى المدينة، فلما رجعوا ودعوا قومهم إلى الإسلام لقي في نفوسهم الكريمة قبولاً، وفشا بينهم الإسلام، ولم تبقَ دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، استبشر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بإسلامهم، وكان -صلى الله عليه وسلم- قد عرض دعوته على القبائل حول مكة، فوجد منهم مثلما وجد من قريش من الإعراض.

ومضى عام، وترقب الرسول -صلى الله عليه وسلم- موسم الحج، وإذا اثنا عشر يقدمون مسلمين اثنين من الأوس والخزرج، وأعلنوا للرسول -صلى الله عليه وسلم- وبايعوه وعاهدوه أن لا يشركوا بالله شيئًا، ثم عاهدهم على كتمان أمرهم عن قريش، ووعدهم اللقاء في العام المقبل.

وأرسل معهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- مصعب بن عمير يفقههم في الدين، ويقرئهم القرآن الكريم، ويعلمهم قواعد الإسلام، وعادوا إلى المدينة ونور الله يضيء بين جوانحهم، وسمات الإسلام تعلو وجوههم، ومضت الأيام ودعوة الرسول -صلى الله عليه وسلم- الصادق في نفوسهم مكانًا خصبًا، وذهبت من نفوسهم الأحقاد، وصفت منهم القلوب، حتى كان العام المقبل، فوفد من المدينة سبعون رجلاً وامرأتان من مسلمي الأوس والخزرج، وعلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقدومهم، فواعدهم العقبة -أسفل منى- من أوسط أيام التشريق، والتقوا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- متخفين من قريش، وكان معه -صلى الله عليه وسلم- عمه العباس بن عبد المطلب، وكان على دين قومه، إلا أنه أحبّ أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له.

وبعد اللقاء معهم بايعوه على أن يمنعوه مما يمنعون منه أبناءهم ونساءهم وأنفسهم وأموالهم وأعراضهم، وشاع في مكة أمر البيعة، وعلمت قريش بظهور الإسلام في المدينة فازداد غيظهم، ثم ضاعفوا الأذى بالمسلمين من التنكيل والاستهزاء والسخرية، وعندما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما لقي المسلمون من فتنة أذن لهم بالهجرة إلى المدينة، وقال لهم: "إن الله جعل لكم إخوانًا ودارًا تأمنون بها"، فهاجروا إلى المدينة ابتغاء مرضاة الله تاركين ديارهم وأموالهم وأولادهم، واستقبلهم الأنصار بالمدينة، ولقوا فيها أهلاً بأهل، وجيرانًا بجيران، وكان بعض أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد هاجروا قبل ذلك إلى الحبشة فرارًا بدينهم، ولِما لقوا من قريش من أذى وتنكيل.

وبعد أن هاجر كثير من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة أذن له الله -عز وجل- بالخروج إليها، ولما رأى أشراف قريش هجرة المسلمين إلى المدينة اجتمعوا في دار الندوة ليتداولوا الرأي في شأن محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي ظهر أمره في المدينة وجاوز مكة، وربما امتد إلى غيرها من البلدان، وبعد ذلك رأوا لا مخرج لهم إلا بقتل محمد -صلى الله عليه وسلم-، وذلك بأن يأخذوا من كل قبيلة فتى شابًا جليدًا، ثم يعطى كل منهم سيفًا صارمًا، ثم يعمد هؤلاء إليه فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه ويستريحوا منه، فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه بين القبائل، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعًا، ثم يرضوا من قريش بالفعل -أي بالمال- فيعطونهم المال، فاستراحوا لهذا الرأي وتفرقوا على ذلك.

كان أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- أحب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعندما هاجر المسلمون إلى المدينة استأذنه بالهجرة، ولكنه -صلى الله عليه وسلم- كان يقول له: لا تعجل، لعل الله يجعل لكم صاحبًا، فيطمئن أبو بكر ويود لو يكون الرسول -صلى الله عليه وسلم- صاحبه في هجرته، ولهذا اشترى راحلتين أعدهما ليوم الرحيل.

وأوحى الله -عز وجل- بما أعدت قريش في ندوتها من مكر وكيد إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولكن الله -عز وجل- عاصمه وحافظه من مكرهم، وعندما عزم على الهجرة إلى المدينة وأذن الله له في ذلك توجه إلى أبي بكر، فأخبره فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله، الصحبة، وواعده العتمة -ثلث الليل الأول-، وخرج أبو بكر -رضي الله عنه- وراح يهيئ الراحلتين.

وعاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى داره ويعلم أن القوم سيحيطون به وفي أيديهم سلاحهم، فلما جاؤوا لم يعبأ بجمعهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يبالِ بكيدهم؛ لأن الله تعالى وعده العصمة والنجاة.

وفي منتصف الليل خرج من بيتهم بعد أن أمر عليًّا -رضي الله عنه- أن ينام في فراشه، وأن يتغطى ببرده، وألقى الله عليهم النوم فناموا، وخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم ينتبهوا، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، وذهب الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى دار أبي بكر، وخرجا حتى بلغا غار ثور جنوب مكة، وهناك كمنا فيه ثلاثة أيام.

أما القوم الذين ظلوا يترقبون خروج الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليقتلوه، فقد كشف لهم الصباح أنهم باتوا يحرسون علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- لا محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-، وعندئذ ذعروا وهرعوا إلى أشرافهم، وهؤلاء أدركتهم الحيرة، وعلاهم الوجوم، وذهب أبو جهل الطاغية إلى منزل أبي بكر، وسأل ابنته أسماء عنه فقالت: لا أدري، فلطمها على وجهها، ثم خرج مع قومه يقتفون الأثر حتى وصلوا إلى غار ثور، ولكن الله ردهم على أعقابهم، وخذلهم في كيدهم؛ إذ بان لهم أنه غار مهجور، وأنه مكان لم تطأه قدم منذ أزمان، ثم عادوا إلى مكة وجعلوا لمن يدل على محمد مائة ناقة، وعرض سراقة بن مالك الكناني لهذا الأثر، وأعد نفسه لتلك الغاية، على أن يوفوا له بالشرط ويأخذ النوق إذا دلهم عليه، ومكث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه في الغار ثلاثة أيام، يمر عليهم عامر بن فهيرة مولى أبي بكر بالأغنام في أعقاب اليوم، يحلبان ويشربان، ويأتي لهما عبد الله بن أبي بكر بالأخبار حتى سكن الطلب وعقل الناس.

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة خاتم رسله، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. ونكمل في الخطبة الثانية -إن شاء الله-.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم.

أما بعد:

عباد الله: إكمالاً لما ورد في الخطبة الأولى؛ فإنه عندما هدأ القوم قليلاً بعد ثلاثة أيام من خروج النبي -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- خرج الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه متجهين إلى المدينة، حيث جاءهما عبد الله بن أريقط بالراحلتين، وأبو بكر لا يفتأ يذكر الطلب فيلتفت خلفه، ثم أدركهما سراقة، وما أن اقترب منهما حتى عثر به فرسه وساخت قوائمه في الأرض ثم ثار حوله الدخان والإعصار، فأدرك سراقه أن محمدًا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ممنوع منه، ولهذا استغاث واستنصر برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ووعده أن لا يخبر قريشًا بشيء مما رأى، فدعا له الرسول -صلى الله عليه وسلم- ووعده تاج كسرى وسواريه، وعاد سراقة ولم يقل شيئًا لقومه.

ثم واصل الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه رحلتهما إلى المدينة، وكان أهل المدينة ينتظرونهما بفارغ الصبر، ويخرجون إلى خارج البلد كل يوم منذ أن علموا بخروجه من مكة، ولا يعودون إلى منازلهم حتى تغلبهم الشمس على الظلال، وفي يوم بعد أن تعبوا جاءهم خبر وصول الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه، فخرجوا إليه مهرولين مستقبلين، فأحلوه في قلوبهم، وأحاطوه بنفوسهم، ونزل على بني عمرو بن عوف وأقام فيهم أيامًا، وأسّس المسجد بقباء أول مسجد أسسه -صلى الله عليه وسلم- في الإسلام في المدينة، ثم خرج بناقته وتركها تسير وهو يقول لأصحابه من المهاجرين والأنصار: "خلوا سبيلها؛ فإنها مأمورة"، ومازالت تسير حتى أتت دار مالك بن النجار، بركت في موقع مسجده -صلى الله عليه وسلم- حاليًا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ها هنا المنزل إن شاء الله"، فجاور أبا أيوب الأنصاري -رضي الله عنه-، وآخى بينهم وجمعهم على المحبة الواضحة والصراط المستقيم، ثم بدأ يستأنف الدعوة إلى الله بعزم جديد.

وصلوا -عباد الله- وسلموا على نبيكم محمد -صلى الله عليه وسلم-.