البحث

عبارات مقترحة:

الحكيم

اسمُ (الحكيم) اسمٌ جليل من أسماء الله الحسنى، وكلمةُ (الحكيم) في...

الغني

كلمة (غَنِيّ) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (غَنِيَ...

المليك

كلمة (المَليك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعيل) بمعنى (فاعل)...

الشخصية المسلمة

العربية

المؤلف عقيل بن محمد المقطري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. الكتاب والسنة والحفاظ على الشخصية .
  2. توازن الشخصية المسلمة في الإسلام .
  3. مقارنة بين الإسلام والإعلام في حقيقة الشخصية .
  4. مصادر الشخصية الإسلامية .
  5. أهمية التعاون بالبر والتقوى والتناهي عن المنكر .

اقتباس

فإن أفضل ما يكتسبه المرء في هذه الحياة -أعني المسلم- هي تلك الشخصية المتكاملة المتميزة، الشخصية المتوازنة، الشخصية المثالية التي يقتدى ويحتذى بها. هذه الشخصية التي أتي الإسلام من أجل أن يشكل معالمها، ومن أجل أن يثبت دعائمها، فالله ما بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم إلا في وقت ..

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

فإن أفضل ما يكتسبه المرء في هذه الحياة -أعني المسلم- هي تلك الشخصية المتكاملة المتميزة، الشخصية المتوازنة، الشخصية المثالية التي يقتدى ويحتذى بها.

هذه الشخصية التي أتي الإسلام من أجل أن يشكل معالمها، ومن أجل أن يثبت دعائمها، فالله ما بعث محمدًا -صلى الله عليه وسلم- إلا في وقت انتكست فيه الفطرة وتغيرت فيه السلوكيات والأخلاق، وصارت المجتمعات تعيش في وضع لا يحمد، في وضع يبرز فيه القوي وتضيع فيه الحقوق وتنتهك فيه الأعراض، القوي يأكل الضعيف، فأتى الإسلام من أجل أن يوجد شخصية متوازنة وشخصية متكاملة.

هذه الشخصية التي من أبرز معالمها أنها تعبد الله تعالى وحده لا شريك له، وقديمًا كان ثمة مثلث هذا الذي يشكل هذه الشخصية، هذا المثلث ينطلق من البيت إلى المدرسة إلى المسجد، وكان الحي الواحد من أحياء المسلمين يستطيع الفرد الواحد من أفراد هذا الحي أن يوجه أي فرد فيه وأن يشكل شخصيته.

وكان المنبع الوحيد لتشكيل الشخصيات -ذكورًا وإناثًا- هو الإسلام، لم يكن ثمة قنوات أخرى قد دخلت إلى المجتمعات المسلمة وأوجدت قواعد وأصولاً من أجل تشكيل شخصيات جديدة، فكان الناس كلهم ينهلون من هذا المنهل العذب الصافي ألا وهو كتاب الله تعالى وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

وكان ثمة تعاون بين الناس، فهذا يوجه ابن هذا، وهذه توجه ابنة تلك التوجيه الصحيح؛ لأن المجتمع كان يعيش بترابط كالجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.

كانت هذه هي وضعية المجتمعات المسلمة، التعاون والتكامل فيما بينهم، وحدة الفكر، وحدة المعتقد، وحدة السلوك، فكان الناس يتجهون إلى هذه الوجهة جميعًا، ولذلك انحسر الفساد فيما بينهم وقل وجوده وبروزه، وكان الحياء يعمر الرجال والنساء، وكانت العفة تعمر الرجال والنساء، وكان السلوك القويم هو الظاهر وهو المسيطر على الناس أجمعين، فالفساد إن وُجِد فهو منحسر متخفٍّ ومتستر على نفسه، وإذا ظهر قُمع حتى لا ينتشر الداء في المجتمع المسلم، أما اليوم وفي ثورة المعلومات كما يقال، وفي بروز التقنية والتكنولوجيا الحديثة التي وصلت إلى كل بيت، ظهرت قنوات أخرى تشكِّل الشخصية الإنسانية من حيث هي، فلقد تولى الإعلام تشكيل الشخصيات وتشكيل الأبناء والبنات، فظهر مجتمع أقرب إلى المسخ، لا هو ينطلق من منطلق إسلامي محض، ولا هو ينطلق من منطلق غربي محض، فخرج لنا جيل أقرب إلى المسخ، هذا الجيل الذي صارت هذه القنوات في الحقيقة هي التي تؤثر فيه وهي التي تشكل معالم شخصيته، بل حتى الكبار أعاد الإعلام تشكيل شخصيتهم من حيث هي، وأعاد تقييم بعض السلوكيات والأخلاقيات التي كان يسير عليها في الماضي، كل هذا نتيجة لهذا التأثير الإعلامي القوي، في وقت ضعفت فيه القنوات الإعلامية الإسلامية التي تعزز من تشكيل الشخصية الإسلامية القوية المثالية المتوازنة.

إن الشخصية في الإسلام شخصية متوازنة في حياتها، لا تغرق من جانب دون آخر، ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن عمرو العاص -رضي الله عنهما- قال له: "فإن لجسدك عليك حقًّا، وإن لعينك عليك حقًّا، وإن لزوجك عليك حقًّا، وإن لزورك عليك حقًّا، وإن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام، فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها، فإن ذلك صيام الدهر كله".

هذا هو التوازن الذي انطلق منه الإسلام في تكوين الشخصية ذكرًا كان أم أنثى، إن الشخصية المتوازنة يندر ويعز وجودها في هذا الزمان في أوساط المسلمين.

إنك لن تجد هذه الشخصية المتوازنة إلا في النادر، فتجد أكثر أفراد المجتمع قد أغرقوا في جانب على حساب جانب آخر، فعلى سبيل المثال لو أردنا أن نعقد مقارنة بين ما أراده الإسلام في تشكيل الشخصية الإسلامية وبين ما يثبت له ويعقد له ويؤصِّل له الإعلام اليوم، ستجد البون الشاسع في تكوين الشخصيتين، فعلى سبيل المثال: إن الإسلام أراد من الفرد -ذكرًا كان أم أنثى- أن يكون عبدًا لله -تبارك وتعالى-؛ قال سبحانه: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56].

أي ما خلق الله -عز وجل- الجن والإنس إلا لأجل غاية واحدة وهي عبادته وحده لا شريك له، هذه العبادة التي تنطلق من منطلق كتاب الله -عز وجل- وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، تعبد الله تعالى وحده لا شريك له، تعتقد المعتقد الصحيح الذي كان عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان عليه الصحابة الكرام -رضوان الله تعالى عليهم- وكان عليه أئمة الدين، أولئك الأعلام الذين شهدت لهم الأمة بالتقى والزهد والورع، ولذلك قدمتهم في هذا الباب والمجال، فجعلتهم أئمة يحتذى ويقتدى بهم، أراد الإسلام من الفرد أن يكون صاحب خلق قويم، أن يكون صادقًا، صادق الوعد، أن يكون حبيبًا، أن يكون كريمًا، أن يكون عفيفًا، أن يكون عادلاً في جميع مجالات حياته، أن يكون متعاونًا مع أفراد المجتمع، مشاركًا لهم في أفراحهم وفي أتراحهم، أن يخدم دينه، أن يخدم عقيدته، أن يخدم وطنه، أن يخدم أبناء أمته، أراد الإسلام من هذا الفرد أن يعبد الله -عز وجل- على علم، أراد الإسلام من الفرد أن يبتعد عن مواطن الشبهات ومواطن الفتن حتى لا يفتن في دينه وحتى لا يظلم عليه قلبه.

أراد الإسلام من هذا الفرد أن يكون متعلمًا لأمور دينه، قادرًا على النقاش والجدال، أراد الإسلام من هذا الفرد أن يكون مترقيًا في سلم التعليم في أي جانب يريده، يهواه، يتقنه، حتى يبلغ أرقي الدرجات، والإسلام يحتاج إلى كل تخصص في هذه الحياة، وليس العلم النافع هو كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فقط، أعني أنه لا يجوز أن يحصر ويقصر العلم النافع في العلوم الشرعية، فهذا جانب وهو أرقاها وأرفعها، لكن يدخل في العلوم النافعة كل علم متعدٍّ للناس، فالطب علم متعدٍّ للناس، والصيدلية كذلك، وعلم الجيولوجيا والكيمياء والفيزياء علوم متعدية للناس، وهكذا قل في كل علم من العلوم التي تتعدى للناس، فهي من العلوم النافعة التي ينتفع بها الإنسان في حياته وبعد مماته، ولهذا قعّد شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- قاعدة فقال: "كل علم يتعدى نفعه إلى الناس فهو من العلوم النافعة".

وصدق -رحمة الله عليه-، ولذلك فإن هذه الأمة وإن كانت قد تباطأت مدة من الزمان عن التصدر لهذه العلوم فإن لها الفضل في تقعيد القواعد وتأصيل الأصول لهذه العلوم، وما تطور الغرب إلا لأنه جاء وأخذ هذه القواعد من المسلمين، فتعلمها في الأندلس، وتعلمها في المغرب العربي الإسلامي، وتعلمها في كثير من البلاد الإسلامية في وقت ركد المسلمون عن المواكبة وعن التطوير لهذه العلوم، فأخذها الغرب وانطلق بها، ولذلك صار الغرب اليوم يمنع المسلمين من أن يتقدموا في كثير من المجالات، منها علم الذرة على سبيل المثال، فهي حكر على اليهود وعلى النصارى، ولا يجوز لأبناء المسلمين أن يتقدموا من هذا المجال، لدرجة أنهم منعوهم من الاستفادة من الطاقة النووية من جميع مجالاتها، ولا بأس أن يُبقي العالم الإسلام مستجديًا للغرب، يأخذ عنه هذه الخدمات وهذه المنافع.

أما أن يصنعها بيده فهذا ما لا يريده الغرب بحال من الأحوال من أبناء هذه الأمة، هذا هو مراد الإسلام من الشخصية الإسلامية.

أما الإعلام فإنه يربي الناس على تشتت الشخصية، فهو يريد أن يتشتت قلب المسلم وأن لا يكون عبدًا لله تعالى في جميع المجالات؛ لأن هذه الشخصية حينما تصبغ بالإسلام معناها أن العين سوف تحتكم إلى شريعة الله -عز وجل-، فلا تنظر إلا إلى ما أحل الله -عز وجل-، وأن الأذن ستحتكم بشريعة الله -عز وجل-، فلا تسمع إلا ما يرضي الله -عز وجل-، وأن اليد ستحتكم إلى شريعة الله فلن تكتب إلا ما يرضي الله -عز وجل-.

إن الإعلام يريد من الشخصية في بلاد الإسلام -على وجه الخصوص- يريد منها أن تكون شخصية متميعة، شخصية متذبذبة، شخصية تعبد الشهوة وتعبد الهوى، فيا لله كم من شاب يدخل إلى المسجد وقلبه معلق بشاشة التلفاز، يريد أن يذهب من أجل أن ينظر إلى تلك اللعبة، ويريد أن ينظر إلى ذلك المسلسل، ويريد أن ينظر إلى تلك الحلقة وما شاكل ذلك.

فكم يا لله من أناس يدخلون في عبادتهم وفي طاعتهم وقلوبهم ليست متعلقة بالله تعالى.

فقلوب كثير من الناس شتتها وألهاها الإعلام، انظروا إلى الألعاب الأوليمبية -على سبيل المثال-، حين تفتتح المساجد تشكو بثها وحزنها إلى الله -عز وجل- من افتقارها للناس؛ لأنهم عاكفون أمام شاشات التلفاز، وتوضع لهم في الشوارع وفي الميادين العامة، والشاشات الكبيرة التي يربطون بجوارها ربما من قبيل صلاة المغرب إلى منتصف الليل، ولو أطال الخطيب خطبته دقائق لخرج كثير من الناس متذمرًا لأن الخطيب أطال، والناس في طاعة الله -عز وجل-.

انظروا أيضًا إلى الإعلام كيف يسلب السلوكيات والأخلاقيات من الناس، ما يبثه الغرب إلى بلاد المسلمين يجعل الفرد يعيش من غرفة في دار، فهو ينتقل من بلد إلى أخرى في العالم عبر هذه القنوات التي يقلبها، فيبتدئ باليمن ثم ينتقل إلى سوريا ثم إلى لبنان ثم إلى فرنسا ثم إلى الصين ثم إلى أمريكا ثم إلى إفريقيا... إلخ.

بضغطة زر ينتقل من بلد إلى بلد، ينظر إلى تلك المناظر التي تخدش حياءه، والتي تظلم عليه قلبه، والتي تشتت عليه أمره.

الإعلام يريد هذه الشخصية سلبية، وبعد هذا ينادون ويحلمون أن تكون لهم العزة، لن تكون للمسلمين عزة ما لم تكن الشخصية مشكَّلة بالتشكيل الإسلامي النظيف الوسطي المعتدل، فلن يكون للمسلم عزة أبدًا مادامت هذه الشخصية تعبد ذاتها وتعبد هواها وتعبد شهواتها: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً) [النساء: 27].

صدق الله حين قال: (أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً)، فستبقى في هذه الشخصية مسحة تدين، مسحة إسلام، ولكن الميل العظيم إلى هذا الشهوات، إلى هذه الأهواء، حتى إن كثيرًا من الناس صار يتشكك في فهم القرآن وفي فهم السنة وفي العمل بمقتضيات القرآن والسنة، لدرجة أن بعض الثوابت صارت مهتزة عند كثير من الناس، والسبب في هذا الإعلام، بل للأسف من يتمسحون بالإسلام ممن يشكك في الثوابت والأصول الإسلامية صار معول هدم في هذا الجانب، فلم تسلك السلوك الصحيح في تشكيل الشخصية الإسلامية وفي بلورتها وفي إخراجها إلى خير الوجود.

تعالوا وانظروا معي مقارنة أخرى.

ماذا يريد الإسلام من المرأة؟! يريد الإسلام من المرأة أن تكون حيية، أن تكون ممتلئة بالحياء، هذا الحياء الذي يخدمها ويخدم عرضها ويخدم أسرتها، هذا الحياء الذي هو نوع عبادة نتعبد الله بها جميعًا ذكورًا وإناثًا، نتعبد به لله -عز وجل- لدرجة أن الإسلام حفاظًا على هذه المرأة قال لها: (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) [الأحزاب: 32].

فإذا أرادت هذا المرأة أن تخاطب الرجال فلتخاطبهم خطابًا معروفًا، ليس في كلامها تكسر، وليس في كلامها استمالة القلوب. فإن أعظم فتنة فُتِن بها بنو إسرائيل كانت في النساء كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء". ولهذا فإن خبثاء بني إسرائيل يقولون: كأس وغانية تفعل بالأمة الإسلامية ما لم يفعله الرشاش والمدفع. وصدقوا أن أعظم فساد يدخل على هذه الأمة يدخل عليها من جراء المرأة.

يريد الإسلام من هذه المرأة أن تكون عبدة لله تعالى، أن تكون ممتثلة لأمر الله -عز وجل- أن تكون عضوًا فعالاً في المجتمع، تعين على بنائه، وتعين على صلاحه، يريد الإسلام من المرأة أن تكون عالمة في أي مجال تريده، وفي أية مجال تتجه إليه.

وترى من نفسها أنه يمكن أن تتقنه، سواء كان ذلك في مجال العلوم الشرعية أم في المجالات الأخرى، في الطب وفي الصيدلة وفي الكيمياء وفي الفيزياء، لا أحد يمنعها، ولن يستطيع أحد أن يمنعها من أن تبلغ أعلى الدرجات في هذه المجالات، شريطة أن تكون ملتزمة بالحشمة وملتزمة بالحياء، ولما أحجمت الأمة الإسلامية عن تعليم المرأة في هذه المجالات الدنيوية، فإن هذا الأمر جعل الأطباء الأجانب الذين أتوا إلى بلاد الإسلام جعلهم يكشفون عورات نساء المسلمين بغرض أو بغير غرض، بقصد أو بغير قصد، كل هذا إيغالاً في إذلال الأمة المسلمة، ولما وجدت التخصصات فيما يخص أمراض النساء والولادة، ووجدت المرأة الطبيبة المتخصصة بالباطنية، وفي جميع المجالات فلا تحتاج المرأة إلى أن تذهب إلى الرجل إلا في أحلك الظروف وأضيقها، وإن جدت هذه الضرورة فالضرورة حينئذ تبيح المحظورات.

أراد الإسلام من المرأة أن تكون عضوًا فعالاً، أن تكون أمًّا ناجحة في تربية أبنائها، أن تكون معينة للزوج في تربية الأبناء، أن تكون حافظة لشرفه وحافظة لعرضه وحافظة لولده، أن تكون عاملة بنجاح في إطار أسرته وفي إطار مجتمعها، فتكون عضوًا ناجحًا وعضوًا نافعًا.

أما الإعلام فيريد من المرأة أن تتمرد على الشريعة، وأن تتمرد على الأخلاق، وأن تتمرد على السلوكيات الفاضلة التي درجت عليها مجتمعاتنا الإسلامية، الإعلام يريد المرأة أن تختلط بالرجل اختلاطًا فيه غاية الإذلال وفيه غاية الامتهان والاحتقار، فكم من امرأة تعرضت للامتهان وهي تعمل في مكتب ما أو وهي تسير في الشارع، وكم ظهرت وبرزت ظواهر الاختطافات للنساء في هذا البلد وفي غيره نتيجة هذا التشويه الإعلامي الذي شوه أبناءنا وشوه بناتنا، فتجد المرأة في غاية الجمال وتخرج وهي كما قال -صلى الله عليه وسلم- من الكاسيات العاريات، تتعرى بمشيتها وتتعرى بجمالها وتتعرى بما وضعته من المساحيق في وجهها وتتعرى بما وضعته على ثيابها من الطيب والبخور، فتجعل الشباب يجرون وراءها.

لهذا وجدت هذه الظواهر المنحلة المنحطة، ووجدت هذه السلوكيات والظواهر التي تقلق أمن المجتمع وسلوكياته وأخلاقياته، في وقت لا تكاد تجد أجهزة أمن تراقب وتتابع هذه الظواهر وتكتشفها، بل ربما اكتشف أن كثيرًا من أعضاء هذه الأجهزة الأمنية متورطين في كثير من البلاد في طول العالم كله شرقيه وغربيه، مسلمه وكافره، متورطين في مثل هذه العمليات الإجرامية.

إخوتي الكرام: إن الإسلام أراد من هذه المرأة أن تكون عضوًا فاعلاً، وأراد الإعلام من هذا المرأة أن تكون عضوًا فاسدًا، تتمرد على السلوكيات وعلى الأخلاقيات، لدرجة أن هذا الإعلام نزع صمام الأمان من الأسرة، نزع القوامة من رب الأسرة ومن أولياء الأمور، هنالك كثير من الناس من لا يستطيع أن يوجه أبناءه أو بناته، لا يستطيع أن يضبطهم بضابط، وصار الإعلام هو الذي يوجههم وهو الذي يسيِّرهم من وراء الكواليس من آلاف الكيلومترات، يسير لهم ويخطط لهم ويضع لهم الخطط والبرامج، كيف يختطفون وكيف ينهبون وكيف يسرقون وكيف يتمردون وكيف يستعملون المخدرات وكيف يقعون في الرذائل، فهو يخطط لهم من رواء البحار، والتنفيذ يكون في بلاد الإسلام والمسلمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ومن والاه.

وبعد:

أيها الإخوة الفضلاء: لا شك أن الإسلام أتى لتشكيل شخصية متميزة في معتقدها على سائر الأمم، تعتقد أن الله وحده لا شريك له، لا صاحبة له ولا ولد، أما اليهود والنصارى فقد ادعوا لله -عز وجل- الزوجة والولد -قبحهم الله-، وأراد الإسلام من هذه الشخصية أن تكون ممتثلة لكتاب الله تعالى وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فهما المصدران والمنبعان الوحيدان للسلوكيات والعبادات والأخلاق في الإسلام، وأما اليهود والنصارى ومن نحى نحوهم فإنهم يعبدون آلهة أخرى هي أهواؤهم، ويعبدون شهواتهم، فانظروا إليهم كيف حرفوا كلام الله -عز وجل-، وكيف استحلوا ما حرم الله -عز وجل- بأدنى الحيل.

أما المسلم فإنه ما سُمِّي مسلمًا إلا أنه مستسلم لأوامر الله -عز وجل-، وأوامر رسوله -صلى الله عليه وسلم-، أراد الإسلام أن يوجد شخصية متميزة في عباداتها، فنهاها أن تصلي قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، وذلك لأن عبدة الشمس وعبدة الشيطان يسجدون لها في هذه الأوقات، فنهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن العبادة لو كانت لله -عز وجل- في مثل هذه الأوقات، فنهى عن الصلاة قبل طلوع الشمس حتى يذهب اصفرارها، وفي حالة غروب الشمس حتى تغرب.

ونهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن التمظهر بمظاهر اليهود والنصارى، وأراد الإسلام من هذه الشخصية أن يكون مظهرها مظهرًا مستقلاً عن هذه الأمم، فالشخصية الإسلامية شخصية متميزة، وشخصية -إن صح التعبير- ذات سيادة واستقلال، تعتز بشخصيتها الإسلامية، تعتز بسلوكها، تعتز بمعتقدها، تعتز بمعاملاتها، فهي لا تتعامل بالربا ولا تتعامل بالغش ولا تتعامل بالخداع.

أراد الإسلام من هذه الشخصية أن تكون شخصية متعاونة؛ قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة: 2].

أراد الإسلام من هذه الشخصية أن تكون كل شخصية من أبناء هذه الأمة هي التي تحمل زمام المبادرة، فتدافع عن هذه الأمة وتسد أية ثغرة يرى من خلالها أو منها أنها مكمن الخطر تمامًا، كما قال -صلى الله عليه وسلم- في مثاله حينما ضرب مثلاً لهذه الأمة: "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذِ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا".

فكل فرد في هذه الأمة هو صمام أمان، وأي خرم أو انحراف من فرد من أفراد هذه الأمة إن تأثيرها لن يكون عليها فقط، بل إن التأثير سيجري على الأمة كلها، فالتعاون على البر والتقوى والتناهي عن الإثم والعدوان من أعظم وأبرز الفرائض التي افترضها الله -عز وجل- على هذه الأمة من أجل أن تتشكل بهذه الشخصية الإسلامية الفذة التي جاء النبي -عليه الصلاة والسلام- من أجل تشكيلها.

إن أعظم أمر أتى إليه -صلى الله عليه وسلم- من أجل تثبيت دعائمه، دعائم الأخلاق، بمختلف أشكالها وألوانها، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".

أخلاق الناس مع الله -عز وجل-، وأخلاق الناس مع رسل الله -عز وجل-، أخلاق الناس مع أعدائهم، أخلاق الناس مع بعضهم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".

والأخلاق يجب أن نفهمها بهذا المفهوم الشامل العام لا أن نحصرها في دائرة ضيقة.

والحمد لله رب العالمين.