البحث

عبارات مقترحة:

الجواد

كلمة (الجواد) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعال) وهو الكريم...

المهيمن

كلمة (المهيمن) في اللغة اسم فاعل، واختلف في الفعل الذي اشتقَّ...

السيد

كلمة (السيد) في اللغة صيغة مبالغة من السيادة أو السُّؤْدَد،...

من هم أولياء الله

العربية

المؤلف عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات
عناصر الخطبة
  1. من هم أولياء الله؟! .
  2. الولاية على درجتين .
  3. الولاية ليست ادعاءً .

اقتباس

سؤالٌ يجدُر بكل مؤمنٍ أن يعرف جوابه، ثم يجدُر به كذلك أن يأخذ بنفسه للقيام بأسبابه؛ ألا وهو -عباد الله-: من هم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون؟! وجواب ذلكم -عباد الله- جاء في الآية المتقدمة حيث قال -جل شأنه-: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ)، فمن كان مؤمنًا تقيًّا كان لله وليًّا، فالولاية إيمانٌ وتقوى، والإيمان -عباد الله- إذا جُمع مع التقوى في نص واحد يُراد بالإيمان فعل الطاعات...

الخطبة الأولى: 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وأمينه على وحيه، ومبلغُ الناس شرعه، ما ترك خيرًا إلا دلّ الأمة عليه، ولا شرًّا إلا حذّرها منه، بلّغ البلاغ المبين، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

أيها المؤمنون، عباد الله: اتقوا الله تعالى وراقبوه -جل شأنه- مراقبة من يعلم أن ربّه يسمعه ويراه.

أيها المؤمنون، عباد الله: يقول الله -تبارك وتعالى-: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) [يونس:62-63]، هاهنا -أيها المؤمنون- سؤالٌ يجدُر بكل مؤمنٍ أن يعرف جوابه، ثم يجدُر به كذلك أن يأخذ بنفسه للقيام بأسبابه؛ ألا وهو -عباد الله-: من هم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون؟! وجواب ذلكم -عباد الله- جاء في الآية المتقدمة حيث قال -جل شأنه-: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ)، فمن كان مؤمنًا تقيًّا كان لله وليًّا، فالولاية إيمانٌ وتقوى، والإيمان -عباد الله- إذا جُمع مع التقوى في نص واحد يُراد بالإيمان فعل الطاعات، ويراد بالتقوى ترك المنهيات، فأولياء الله حقًّا وصدقًا هم من يفعلون المأمور ويبتعدون عن المنهي والمحظور.

أيها المؤمنون: وأوامر الله -جل وعلا- فرائضُ ومستحبات، ونواهيه سبحانه محرماتٌ ومكروهات، وأولياء الله -عزّ وجل- هم من حققوا الولاية فعلاً للمأمور وتركًا للمحظور، فمن كان -عباد الله- تحقيقه للمأمور قاصرًا على فعل الفرائض والواجبات، وتركه للمنهي قاصرًا على البعد عن المحرمات؛ فإن درجته في الولاية درجة المقتصدين، أما -عباد الله- من علا شأنه وارتفعت منزلته إلى العناية بالمستحبات بعد الواجبات والبعد عن المكروهات بعد البعد عن المحرمات، فإن درجته في الولاية درجةُ السابقين في الخيرات، وهي أعلى الدرجات وأرفع الرُّتب.

ولهذا -عباد الله- ينبغي أن يُعلم أن الولاية على درجتين: درجةُ المقتصدين ودرجةُ المقربين، وكلٌّ من أهل هاتين الدرجتين يدخل الجنة يوم القيامة بلا حساب ولا عذاب، وقد جاء تِبيان هاتين الدرجتين العاليتين في حديث خرّجه الإمام البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- يُعرف عند أهل العلم بحديث الولي؛ لأنه جاء مُبيِّنًا بيانًا شافيًا ومُوضحًا توضيحًا كافيًا للأولياء؛ ومن هم؟! وما هي درجتهم؟! وما هو أجرهم وثوابهم؟! وهو حديث قدسي عظيم يقول فيه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ".

فذكر -جل شأنه- في هذا الحديث القدسي أهل الولاية وأنهم على درجتين:

الدرجةُ الأولى: في قوله سبحانه: "مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ". والله -عز وجل- افترض على العباد فعل الواجبات وترك المحرمات، فمن أعانه الله ووفقه ففعل ما وجب عليه وترك ما حرمه الله عليه فهو من أولياء الله -جل وعلا-، وهو من عباد الله المقتصدين، والمقتصد: هو من فعل الواجب وترك المحرم.

والدرجة الثانية -وهي أعلى وأرفع-: درجة السابقين؛ بيَّنها -جلّ شأنه- بقوله: "وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ -أي بعد الفرائض- حَتَّى أُحِبَّهُ"؛ بمعنى أن السابق بالخيرات وعبد الله المقرَّب بعد رعايته للفرائض وحفظه لها وعنايته بها؛ ينافسُ في فعل الرغائب والمستحبات حتى يفوز برفيع الدرجات وعالي الرُّتب، قال: "حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ". أي إن دعوته مستجابة، ولا يردها ربُّ العالمين.

أيها المؤمنون: ومن قصّر عن هاتين الرتبتين ولم يبلغ بقصوره حدّ الكفر بالله -جل وعلا- فهو مسلِمٌ ظالمٌ لنفسه، وهو معرَّضٌ يوم القيامة لعقوبةِ الله -جل وعلا-، إلا أن العقوبةَ لمثل هذا إذا حصلت تكون للتمحيص والتطهير، ثم يكونُ مآله بعد ذلكم دخولُ الجنات، أما المقتصدون والسابقون بالخيرات فإن دخولهم إلى الجنة دخولاً أوَّليًا بدون حسابٍ ولا عذاب، وقد جمع الله -جل شأنه- هذه الأصناف الثلاثة في قوله سبحانه: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ) [فاطر:32-33].

وقوله -جل شأنه-: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا)، يتناول بعمومه الظالم لنفسه والمقتصد والسابق للخيرات إلا أن المقتصد والسابق بالخيرات كما تقدم دخولهما إلى الجنة بلا حساب ولا عذاب، وأما الظالمُ لنفسه بالمعاصي والموبقات التي هي دون الكفر بالله -جل وعلا- فمآله إلى الجنة، لكنه قبل ذلك قد يمرُّ بمرحلة تمحيصٍ وتطهيرٍ وتنقية، فيكون دخولُه للنار دخولَ تمحيصٍ وليس دخولَ تخليدٍ وتأبيد.

أيَّها المؤمنون: إن هذه الحقائق الإيمانية تبصر المؤمن بها ومعرفتُه بها يجعلُ من نفسه نفسًا متحركةً تواقة، ترجو عاليَ الرتب ورفيع الدرجات، والمرجو من ربنا -جل شأنه سبحانه وتعالى- الذي بيده أزمَّةُ الأمور والتوفيق بيده لا شريك له، أن يأخذ بنواصينا جميعًا إلى الخير، وأن يصلح لنا شأننا كله، وأن يهدينا إليه صراطًا مستقيمًا، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.

أقول هذا القول؛ وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحبُ ربُّنا ويرضى، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

عباد الله: يقول الله تعالى: (فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) [النجم:32].

عباد الله: ليست الولاية أمرًا يدعيه مدعٍ لنفسه مُتأكِّلاً بذلك أموال الناس بالباطل، أو متعاليًا بذلك على عباد الله، أو طالبًا بذلك شهرةً مزعومة أو صيتًا فانيًا؛ إن الولاية -عباد الله- أمرٌ بين المؤمن وبين الله -جل وعلا-، يجاهد المؤمن نفسه على تحقيقه راجيًا بذلك فضل الله -جل وعلا- ونواله؛ ولهذا فإن ولي الله حقًّا وصدقًا لا يدّعي ذلك لنفسه، بل لا يزالُ يرى نفسه مقصرًا مذنبًا مفرطًا، قال الله -جل وعلا- في وصف عباده المؤمنين الكمَّل: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) [المؤمنون:60]، أي يقدِّمون ما يقدمون من طاعات وقلوبهم خائفة أن لا تُتقبل منهم أعمالهم. قال عبد الله بن أبي مليكة -رحمه الله-: "أدركت أكثر من ثلاثين صحابيًّا كلهم يخاف النفاق على نفسه".

ويقول أبو الدرداء -رضي الله عنه-: "لأن استيقن أن الله تقبل مني صلاة واحدة أحب إليّ من الدنيا وما فيها". ويقول الحسن البصري -رحمه الله-: "إن المؤمن جمع بين إحسانٍ ومخافة، والمنافقُ جمع بين إساءةٍ وأمن".

اللهم أصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ووفقنا إلهنا للتحقق بالإيمان حقًّا وصدقًا لا دعوى وزعمًا، اللهم اهدنا إليك صراطًا مستقيمًا ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.

وصَلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على إمام الأولياء وسيد الأتقياء محمّد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56]، وقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد.

وارضَ اللَّهم عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين؛ أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي، وارضَ اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم أعنَّا ولا تُعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسّر الهدى لنا، وانصرنا على من بغى علينا. اللهم اجعلنا لك ذاكرين، لك شاكرين، إليك أواهين منيبين، لك مخبتين، لك مطيعين. اللهم تقبَّل توبتنا، واغسل حوبتنا، وثبت حجتنا، واهدِ قلوبنا، وسدِّد ألسنتنا، واسلل سخيمة صدورنا. اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، ونسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك، ونسألك قلبًا سليمًا ولسانًا صادقًا، ونسألك من خير ما تعلم ونعوذ بك من شر ما تعلم، ونستغفرك مما تعلم، إنك أنت علام الغيوب.

اللهم اقسِم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم متِّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلّط علينا من لا يرحمنا، اللهم آتِ نفوسنا تقواها، زكّها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.

اللهم وأصلح ذات بيننا، وألف بين قلوبنا، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور.

اللهم وفّقنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك، وأعنّا على طاعتك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم آمنّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفّق جميع ولاة أمرِ المسلمين للعمل بكتابك وتحكيم شرعك واتباع سنة نبيك محمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، اللهم ووَلِّ على المسلمين خيارهم يا ربّنا، اللهم ولِّ عليهم خيارهم، واصرف عنهم شرارهم يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.