المصور
كلمة (المصور) في اللغة اسم فاعل من الفعل صوَّر ومضارعه يُصَوِّر،...
العربية
المؤلف | صالح بن مبارك بن أحمد دعكيك |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
إن حلفًا معقودًا بين الأشرار والخبثاء من الأنس والجن يسعون في أذية الإنسان وإيلامه، والتمكن من تسخيره وتحجيره، وجعله كالآلة لا حراك له إلا إذا حُرِّك، وقد قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً)، ومادام هذا الحلف قائمًا فإن...
الخطبة الأولى:
الحمد لله...
أرأيتم لو أن رجلاً كان له عدوّ حاقد، وخصم حاسد، لا يقدر عليه، ويودُّ السلامة منه ومن شرِّه، والخلوص من أذيته والهروب من كيده، لكن لم يتخذ طرق السلامة منه، ولم يسلك سُبل الاحتياط من شرٍّه، فإذا به ظاهر مكشوف يمشي في الأسواق ويخرج إلى البساتين والحدائق وحيدًا من غير ناصر ولا مدافع، فهو متعرض للخطر في أيِّ لحظة من لحظات يومه وليلته، وهو حتمًا واقع في قبضة خصمه، سينزل به الضر بقدر الحقد الذي عليه، وهذا الرجل بهذه السير ة أحمق مغفل لأنه لم يحترز من عدوِّه، ولم يتخذ طرق الاحتياط والحذر، ولم يسلك مسالك التحصن والصون.
إنَّ مثل هذا الرجل كمثل حال الإنسان، يعيش في هذه الدنيا في عالم مليء بالحاقدين والأشرار، يحيطون به من كل مكان، إننا نعيش في عالم فيه الجن والشياطين، والسحرة والمشعوذون والأشرار، وأهل الصروف والعطوف الحاقدون، والخصماء المؤذون، وكل أولئك لا يتورعون من سلوك أي طريق يؤذي هذا الإنسان ويفتك به ويلحق به البلاء والشر، ويصيبه بالعين والسحر والصرف والعطف، وبكل تلك الشرور التي تصيبه بالبلاء والأذى والأمراض في نفسه وأهله وأولاده.
نعم -أيها الإخوة المسلمون- إنَّ هذه الشرور والبلايا لم يسلم منها خير الخلق وأفضل البرية نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، ففي سنن النسائي بسند صحيح عن زيد بن آدم قال: "سَحَرَ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- رجلٌ من اليهود، فاشتكى لذلك أيامًا، فأتاه جبريل فقال: إنَّ رجلاً من اليهود سحرك، عقد لك عقدًا في بئر كذا وكذا -وهو بئر ذروان في بني زريق-، فأرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاستخرجها فحللها، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كأنما نشط من عقال، فما ذكر لذلك اليهودي ولا رآه في وجهه قط حتى مات". وأصل الحديث في الصحيحين. فإذا أصاب ذلك الشر سيد البشر وإمام المرسلين –صلى الله عليه وسلم- فمن دونه أكثر عرضة للإصابة بهذه البلايا والمحن.
إن حلفًا معقودًا بين الأشرار والخبثاء من الأنس والجن يسعون في أذية الإنسان وإيلامه، والتمكن من تسخيره وتحجيره، وجعله كالآلة لا حراك له إلا إذا حُرِّك، وقد قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً)، وقال -جل شأنه-: (وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا). ومادام هذا الحلف قائمًا فإن الغواية والشرور قادمة منهما لا محالة.
فكيف نتقي هذه الشرور والبلايا؟! وكيف نتحصن من الأشرار والكائدين؟!
إنَّ السلامة من كل ذلك تكون -بإذن الله- بأمور؛ أهمها أربعة:
أولاً: الاستقامة والصلاح: فإن المؤمن الصالح ولي الله؛ قال تعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)، وقد قال إبليس في قوله تعالى: (إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)، وقال تعالى: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ)، والله -جل جلاله- ولي الذين آمنوا.
ثانيًا: القرآن العظيم: وهو كلام رب العالمين -سبحانه وتعالى-: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء)، وهل سيقاوم الأدواء والأمراض إلا كلام رب العالمين الذي لو نزل على الجبال لصدعها، أو على الأرض لقطعها، وليس هناك أعظم أثرًا على القلوب والأبدان والجمادات من القرآن.
والقرآن أعظم حصنٍ وحرز وأكبر دواء وعلاج، وقد ثبت في الصحيح أن البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يقربه شيطان.
ثالثًا: الأوراد والأذكار والتحصينات النبوية التي تقي الإنسان وتكون له حصنًا وحرزًا من الشياطين والسحرة والهوام. وفي صحيح البخاري (3371) عن ابن عباس قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُعَوِّذ الحسن والحسين ويقول: إن أباكما إبراهيم كان يُعَوِّذ بها إسماعيل وإسحاق. أعوذ بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة".
وفي سنن أبي داود عن عثمان قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من عبدٍ يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضرُّ مع اسمه شيءٌ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ثلاث مرات، لم يضره شيء". وفي رواية: "لم تصبه فجأة بلاء".
وثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله: ما لقيت من عقرب لدغني البارحة، قال: "أما لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شرِّ ما خلق، لم يضرك".
واستمع -أخي الحبيب- إلى هذا الذكر والورد النبوي العظيم، قال عبد الله بن عمر: لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: "اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أُغتال من تحتي". رواه أبو داود والنسائي والحاكم وصححه الذهبي.
ومن أمثلة الأدعية المباركة قوله -صلى الله عليه وسلم- إذا أصبح وإذا أمسى: "رب أسألك خير ما في هذا اليوم وخير ما بعده، وأعوذ بك من شرِّ هذا اليوم وشرِّ ما بعده، رب أعوذ بك من الكسل والهرم وسوء الكبر، وأعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر".
أيها الإخوة: إنَّ المحافظة على أذكار وأوراد الصباح والمساء حصنٌ وحرز وفضيلة، وقبول وطاعة لله –عز وجل-، فلا يؤثر أن يكون حصنًا من شياطين الأنس والجن، بل أيضًا هو قربة وطاعة واتباع للسنة النبوية.
أقول ما تسمعون...
الخطبة الثانية:
رابعًا: الدعاء: وهو رابع الأوامر المهمة، وهو الحصن الحصين، وهو من أعظم أنواع العبادات الدال على الخضوع والمسكنة والتذلل لله -عز وجل-، والتعلق بالله، وتشخيص ضعف الإنسان ومد اليد لمن له ملكوت السموات والأرض، قال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)، وقوله: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ). وفي الحديث: "لا يرد القدر إلا الدعاء"، وعند الترمذي بسند صحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله إحدى ثلاث: إما يعجل له دعوته، وإما يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها"، قالوا: وإذًا نكثر!! قال: "الله أكثر".
أيها الإخوة: إنَّ من الأمور العملية في هذا الموضوع أن نبدأ من هذا اليوم بالمحافظة على أوراد الصباح والمساء، وأن نلقنها أهلنا وأطفالنا.
وصلُّوا وسلموا...