المحسن
كلمة (المحسن) في اللغة اسم فاعل من الإحسان، وهو إما بمعنى إحسان...
العربية
المؤلف | هلال الهاجري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - أعلام الدعاة |
فتثقلُ مفاتيحُ الخزائنِ على الرجالِ الأقوياءِ، فلا يحملوها إلا بصعوبةٍ ومشقةٍ .. فإذا كانت هذه مفاتيحُ الكنوزِ، فكيف... ثم ذكرَ صنفاً عجيباً، يُحاسبُ على مالٍ لم يملكْه، وعلى عملٍ لم يعملْه، لم يعشْ حياةَ الثراءِ، ولكنه مثلَهم في الشقاءِ، وذلك لأنه كان إذا رأى من يخبطُ في مالِه خبطَ عشواءٍ، في مسالكِ الفسادِ والإغواءِ، تمنى أن يكونَ مثلَهم، كما...
الحمدُ للهِ العليِ الأعلى، أعطى كلَ شيءٍ خلقَه ثم هدى، ووفقَ العبادَ للهدى، فمنهم من ضلَّ ومنهم من اهتدى، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، أوذيَ فصبرْ، وظفرَ فشكرْ، أقامَ الحجةَ، وأوضحَ المحجةَ، صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليه وعلى آلهِ وأصحابِه، وارضَ اللهم عن التابعينَ لهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
أما بعد:
(فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ)[القصص: 79] وسأتركْ لخيالِكم العِنانَ لأجلِ أن يتصوَّرَ أيُّ زينةٍ خرجَ بها رجلٌ قد بلغَ من ثروتِه وكنوزِه: (مَا إِنَّ مَفَاتِحَه ُلَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ)[القصص: 79].
فتثقلُ مفاتيحُ الخزائنِ على الرجالِ الأقوياءِ، فلا يحملوها إلا بصعوبةٍ ومشقةٍ .. فإذا كانت هذه مفاتيحُ الكنوزِ، فكيف بالثرواتِ الموجودةِ فيها؟
يا أهلَ الإيمانِ: لقد اشتهرَ قارونُ بعد هذا الموقفِ، ودخلَ التاريخَ من أوسخِ أبوابِه، وأصبحَ ذكرُه خالداً إلى يومِ القيامةِ بخلودِ القرآنِ الذي ذُكرَ فيه، ولكنه خلودُ الذمِ والهوانِ، والجحودِ والكُفران، كما هو حالُ فرعونَ وهامانَ، قال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ) [غافر: 23-24].
بل أصبحَ إماماً وقائداً يومَ القيامةِ لمن ألهتْه أموالُه عن عبادةِ اللهِ تعالى، وخاصةً عن عمودِ الدينِ؛ كما قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ عن الصلاةِ: "مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلَا بُرْهَانٌ وَلَا نَجَاةٌ، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ".
فتعالوا بنا يا عبادَ اللهِ ننظرُ في سيرةِ قارونَ وما الذي جعلَه يصلُ إلى هذه المنزلةِ الحقيرةِ.
(إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى) [القصص: 76] فكان من المفترَضِ لقُربِه منه أن يكونَ أولُ المؤمنينَ بهذا النبيِ الكريمِ، وأولُ المستفيدينَ من يقينِه العظيمِ، أليسَ هو القائلُ: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) [القصص: 24].
فلا يأتِ بالخيرِ إلا اللطيفُ الخبيرُ.
وقالَ: (إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ) [إبراهيم: 8].
فمن كفرَ هو الشقيُ، ومن شكرَ هو السعيدُ، وكثيرٌ هم ممن لا يستفيدون ممن حولَهم من أهلِ العلمِ والصلاحِ، وأهلِ الخبرةِ والفلاحِ.
ولكن قارونَ بغى على قومِه كما ذكرَ اللهُ تعالى: (فَبَغَى عَلَيْهِمْ) [القصص: 76] أي اعتدى عليهم، وأعظمُ الاعتداءِ هو الاعتداءُ على الدينِ، فيُسَخِّرُ مالَه في إضلالِ الناسِ وصدِهم عن دينِهم، فيا ويلَ من أنفقَ مالَه في نشرِ الرذيلةِ، ومحاربةِ الفضيلةِ، عن طريقِ فضائياتٍ فاضحةٍ، أو خططٍ لتغريبِ المرأةِ واضحةٍ: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[النــور: 19].
لقاءاتِ الاختلاطِ والسُفورِ، والفتنةِ والشرورِ، في اعتداءٍ صارخٍ على دينِ المجتمعِ، وعاداتِهم الطاهرةِ: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ) [البقرة: 11- 12].
إن الحقيقةَ التي نساها قارونُ أو تناساها أن ما يتقلبَ فيه من هذه الثروةِ العظيمةِ هي نعمةٌ من عندِ اللهِ تعالى وحدَه؛ كما قال تعالى: (وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ) [القصص: 76].
وكما ذكّرَه بها الناصحونَ من أهلِ العلمِ بقولِهم: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [القصص: 77].
فردَّ عليهم وقد أعماه الغرورُ: (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي) [القصص: 78].
فهذا المالُ جمعتُه بما عندي من المعرفةِ والخبرةِ في وسائلِ تحصيلِ المالِ والكَسْبِ، وهل نحتاجُ أن نردَّ على شبهةٍ صاحبُها يعلمُ أنها كَذِبٌ؟.
خرجَ يوماً على قومِه في زينَتِه، فانقسمَ الناسُ في النظرِ إليه على قسمين: (قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [القصص: 79].
(وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ) [القصص: 80].
فماذا تقولونَ أنتم لو رأيتُم قارونَ في كاملِ زينتِه؟
أيها المؤمنون: لا تزالُ طائفةٌ من أهلِ العلمِ في كلِ زمانٍ ومكانٍ: "قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ"، ينصحونَ للناسِ، ويبيِّنوا لهم حقارةَ الدنيا، يُحذِّرونهم من الشهواتِ، ويكشفونَ لهم حقيقةَ الشُبُهاتِ، هم الغرباءُ الذين قالَ عنهم النَّبِيُّ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ: "طَوبَى لِلْغُرَبَاءِ"، فقالَ الصحابةُ رضيَ اللهُ عنهم: "وَمَنِ الْغُرَبَاءُ؟"، قالَ: "قَوْمٌ صَالِحُونَ قَلِيلٌ، فِي نَاسٍ سُوءٍ كَثِيْرٍ، مَنْ يَعْصِيهُم أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُم".
ثم جاءت النهايةُ المحتومةُ، لكلِ من طغى وتجبَّر، وأعرضَ واستكبرَ، ففي لحظةِ عينٍ، وبين عشيةٍ وضحاها: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ) [القصص: 81].
ابتلعتهُ الأرضُ بأمرِ ربِ العالمينَ، جزاءً وِفاقاً لذنوبِ الظالمينَ: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [العنكبوت: 40].
فذهبَ قارونُ كأنه لم يكنْ شيئاً مذكوراً.
فماذا قالَ أهلُ الدنيا الذين غرَّهم مالَ قارونَ وزينتَه؟
(وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) [القصص: 82].
فليسَ الغِنى دليلٌ على محبةِ اللهِ تعالى للعبدِ، وليسَ الفقرُ علامةً على إهانةِ اللهِ تعالى له؛ كما قالَ تعالى: (فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ) [الفجر: 15-16].
فردَّ اللهُ تعالى على ذلك بقولِه: (كَلَّا) [الفجر: 17].
وكما قالَ النبيُ صلى اللهُ عليه وسلمَ: "إِنَّ اللَّهَ قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَخْلاقَكُمْ كَمَا قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لا يُحِبُّ وَلا يُعْطِي الدِّينَ إِلا لِمَنْ أَحَبَّ فَمَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ الدِّينَ فَقَدْ أَحَبَّهُ".
أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم وللمؤمنينَ من كلِ ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ربِ العالمين، والعاقبةُ للمتقين، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ وسلمَ وباركَ عليه وعلى آلِه وأصحابِه أجمعين.
أما بعد:
قد أخبرَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ عن أصنافِ الناسِ مع المالِ، فذكرَ منهم: "وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ مَالاً وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا، فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، لاَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَلاَ يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَلاَ يَعْلَمُ ِللهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ".
ثم ذكرَ صنفاً عجيباً، يُحاسبُ على مالٍ لم يملكْه، وعلى عملٍ لم يعملْه، لم يعشْ حياةَ الثراءِ، ولكنه مثلَهم في الشقاءِ، وذلك لأنه كان إذا رأى من يخبطُ في مالِه خبطَ عشواءٍ، في مسالكِ الفسادِ والإغواءِ، تمنى أن يكونَ مثلَهم، كما قالَ عليه الصلاةُ والسلامُ: "وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللهُ مَالاً وَلاَ عِلْمًا، فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلاَنٍ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ، فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ"، فما أعظمَ أمرُ النيةِ.
عبادَ اللهِ: ختمَ اللهُ تعالى قصةَ قارونَ ببيانِ صفات ِأهلِ الآخرةِ، فقالَ تعالى: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [القصص: 83].
تأكيداً لكلامِ أهلِ العلمِ الذين قالوا: (وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا) [القصص: 80].
فلقد ذهبَ أهلُ المالِ، وأهلُ المناصبِ، وأهلُ الملكِ، وسيذهبُ مَن بعدَهم، وسيبقى تقوى اللهِ تعالى هو الزادُ الحقيقيُ الذي يتزوَّدُ به الناسُ للدار الآخرةِ.
هاهو عمرُ بن عبدِ العزيزِ الذي مَلَكَ مشارقَ الأرضِ ومغاربَها، يمرضُ مرضَ الموتِ، فجاءَه ابنُ عمِه مسلمةُ بنُ عبدِ الملكِ، فقالَ له: يا أميرَ المؤمنين، ألا توصي لأولادِك فإنهم كثيرون، وقد أفقَرتَهم، ولم تتركْ لهم شيئًا؟
فقالَ عمرُ: وهل أملكُ شيئًا أوصي لهم به، أم تأمرَني أن أعطيَهم من مالِ المسلمينَ؟
واللهِ لا أُعطيهم حقَ أحدٍ، وهم بين رجلينِ: إما أن يكونوا صالحينَ فاللهُ يتولاهم، وإما غيرَ صالحينَ فلا أدعُ لهم ما يستعينونَ به على معصيةِ اللهِ، وجمعَ أولادَه، وأخذَ ينظرُ إليهم، ويتحسسُ بيدِه ثيابَهم الممزقةَ، حتى مُلئتْ عيناهُ بالدموعِ، ثم قالَ: يا بَنِي، إن أباكم خُيِّرَ بين أمرين بين أن تستغنوا ويدخلُ أبوكم النارَ، وبين أن تفتقروا، ويدخلُ أبوكم الجنة، فاختار الجنة.
يا بَنِي، حفظكم الله ورزقكم، وقد تركتُ أمرَكم إلى اللهِ وهو يتولى الصالحينَ، ثم قالَ لأهلِه: اخرجوا عني، فخرجوا، وجلسَ على البابِ مَسْلَمةُ بنُ عبدِ الملكِ وأختُه فاطمة، فسمعاه يقولُ: مرحبًا بهذِه الوجوه التي ليست بوجوه إنسٍ ولا جانٍ، ثم قرأَ: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [القصص: 83].
اللهم لا تجعلِ الدنيا أكبرَ همِنا، ولا مبلغَ علمِنا، ولا إلى النارِ مصيرَنا، واجعلِ الجنةَ هي دارُنا وقرارُنا.
اللهم إنا نعوذُ بك من زوالِ نعمتِك، وتحوِّلِ عافيتِك، ومن فُجاءةِ نقمتِك، ومن جميع ِسخطِك، يا ربَ العالمينَ.