البحث

عبارات مقترحة:

الحليم

كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...

الأول

(الأوَّل) كلمةٌ تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...

الآخر

(الآخِر) كلمة تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...

ولئن أذقنا رحمة منا

العربية

المؤلف عبد الملك بن محمد القاسم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. تفرد الله بالرزق والعطاء .
  2. الابتلاء بالخير وبالشر .
  3. واجبنا نحو النعم .
  4. قصة الأبرص والأقرع والأعمى .
  5. أسباب دوام النعم وأسباب زوالها .

اقتباس

الشكر هو الاعتراف بإنعام المُنعم على وجه الخضوع له والذل والمحبة، فمن لم يعرف النعمة لم يشكرها، ومن عرفها ولم يعرف المُنعم بها لم يشكر أيضًا، ومن عرف النعمة والمُنعم لكن جحدها فقد كفرها، ومن عرفها وعرف المُنعم بها وأقر بها، ولكن لم يخضع له ولم يحبه ولم يرض به وعنه لم يشكرها أيضًا، ومن عرفها ...

الخطبة الأولى

الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، تفرد بالخلق والتدبير، وتعالى عن الشبيه والنظير، فاستحق وحده أن يُعبد، أحمده -تعالى- وأشكره، خلقنا ورزقنا، وكفانا وآوانا، وهدانا للإِسلام، واختصنا ببعثة سيد الأنام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل الإِسلام طريق الجنة الأوحد، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، من أطاعه فقد اهتدى ورشد، ومن عصاه فلن يضر إلا نفسه، ولن يضر الله شيئًا.

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، فإن من اتقاه كفاه ووقاه، وقربه وأدناه.

أيها المسلمون: تفرد الله وحده بالعطاء والرزق، وتفضل على عباده بالنعم العظيمة: (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ)[النحل: 53].

وليس إعطاء الدنيا لأحد تدل على محبة الله له وكرامته عليه، ومنعها يدل على هوانه عند الله، بل إنه -سبحانه- يُعطي الدنيا لمن يُحب ومن لا يُحب، فهو يرزق جميع خلقه مسلمهم وكافرهم، وبرهم وفاجرهم، بل يرزق الدواب والحيوانات والطيور.

فمن أنعم الله عليه بالنعم وفتح عليه باب الرزق والخيرات، فذلك لامتحانه  أيشكر أم يكفر؟ أيطيع أم يعصي؟ قال تعالى: (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) [الأنبياء: 35].

فالواجب على العباد أن يشكروا الله على نعمه، وأن ينسبوها إلى المُسبب وهو الله - سبحانه-.

فإضافة النعم إلى الأسباب من كفر النعم، الذي هو من المحرمات المنقصة لتوحيد العبد.

قال تعالى: (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي)[فصلت: 50].

يخبر -سبحانه- في هذه الآية الكريمة عن شأن الإِنسان وحاله - إلا من أنار الله قلبه بنور الإِيمان - أنه إذا أتاه -سبحانه- عافية وغنى من بعد مرض أو فقر أصابه جحد نعمة ربه عليه، ونسي المُنعم المسبب المتفضل -سبحانه- واستند إلى الأسباب، فتارة يزعم أنما حصلت له هذه النعمة بكده وكسبه وحوله وقوته، وأخرى يزعم أنه مستحق لها.

وتفاسير السلف للآيتين الكريمتين: (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا)[فصلت: 50]، وقوله: (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي)[القصص: 78].

ترجع إلى نسيان المُسبب والاستناد إلى الأسباب، وذلك من كفر النعم.

قال قتادة: على علم منِّي بوجوه المكاسب، فيكون العلم عائدًا على الإنسان؛ أي أنني عالم بوجوه المكاسب، ولا فضل لأحد عليَّ فيما أوتيته، وإنما الفضل لي، وعليه يكون هذا كفرًا بنعمة الله وإعجابًا بالنفس.

ومن الأمثلة على كفر النعم: قول الطالب إذا نجح في الامتحان: "نجحت بجدي واجتهادي"، أو كقول بعض التجار: "جمعت ثروة مالي بسبب معرفتي بوجوه البيع والشراء"، أو قول بعض الموظفين: "نلت الترقية بجدي وتعبي"، أو قول بعض المزارعين إذا طاب ثمره ودنا حصاده: "إن ذلك بكدي وعملي".

والواجب أن يضيف النعم إلى الله، فيقول: "هذا من الله ثم كذا وكذا"، فهو سبحانه الذي تفضل على عباده بتيسير الأسباب لهم، ولو شاء - سبحانه - لمنع السبب الذي فعله العبد من التأثير فلم يصر شيئًا، فهو المُنعم أولاً وآخرًا.

فهو - سبحانه - الذي أنعم على الطالب بالجد والاجتهاد، وهو - سبحانه - الذي أنعم على التاجر بمعرفة وجوه البيع والشراء، وهو - سبحانه - الذي أسبغ على الموظف إتقان عمله والنجاح فيه، وهو - جل وعلا - الذي أنبت الزرع وأقامه، وهدى الإنسان إلى معرفة طرق الزراعة؛ وأفضلها، وأوقاتها وأنواعها.

ومن الناس أيضًا من يقول إذا حصلت له نعمة: "أنا مستحق لها".

والواجب: أن يعلم العبد أنه فقير غير مستحق لشيء على الله، وإنما هو فضل الله يؤتيه من يشاء، وربه -تبارك وتعالى- هو المستحق أن يُشكر وأن تنسب النعم إليه.

وكذلك قول بعض الناس إذا حصلت له نعمة: "ربي يُحبني".

والواجب: أن يعلم العبد أن النعمة قد تكون ابتلاء: وهذا القول أيضًا تزكية للنفس؛ وتَقَوُل على الله بغير علم، وقد يكون القائل فاسقًا أو منافقًا؛ وقد ذكر الله ميزان المحبة في قوله تعالى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ)[آل عمران: 31].

ومع هذه النعم والخيرات التي يسرها الله -عز وجل- وأعطانا إياها، يجب على العبد تجاه النعم أن يشكر ربه المنُعم على نعمه العظيمة، وآلائه الجسيمة، وخيراته العميمة، وذلك بثلاثة أمور:

أولاً: بالقلب؛ وشكر القلب الإِقرار بأن جميع النعم من الله؛ يُعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، لا راد لقضائه ولا مانع لفضله، ويكون هذا الإِقرار مستقرًا في قلبه موقنًا به.

الثاني من شكر النعم: ذكرها باللسان وذلك بالثناء على الله بها حمدًا، وشكرًا، وذكرًا.

وثالث أنواع الشكر: الشكر بالجوارح؛ وذلك بالاستعانة بها على طاعة الله - سبحانه - وعدم استغلالها في المعاصي، فنعمة المال من نعم الله التي يجب صرفها في الحلال، نفقة وأخذًا وعطاءً، وبيعًا وشراءً.

ومن صرف مال الله الذي أعطاه في الحرام، فقد كفر النعمة وعصى المُعطي، وكذلك نعمة الصحة في الأبدان بالاستعانة بها على طاعة الله ومرضاته والتقرب إليه وكذلك سائر النعم تُستعمل فيما يُرضي الله -عز وجل-.

وفي الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن ثلاثة من بني إسرائيل: أبرص وأقرع وأعمى، فأراد الله أن يبتليهم، فبعث إليهم ملكًا، فأتى الأبرص فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: لون حسن، وجلد حسن، ويذهب عني الذي قد قذرني الناس به، قال: فمسحه فذهب عنه قذره، فأُعطي لونًا حسنًا، وجلدًا حسنًا؛ قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الإِبل، - أو البقر شك إسحاق - فأعطي ناقة عشراء، فقال: بارك الله لك فيها؛ قال فأتى الأقرع فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: شعر حسن، وجلد حسن، ويذهب عني الذي قد قذرني الناس به، فمسحه فذهب عنه وأعطي شعرًا حسنًا، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: البقر أو الإبل، فأعطي بقرة حاملاً، وقال: بارك الله لك فيها، قال: فأتى الأعمى فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: أن يرد الله إلى بصري، فأبصر به الناس، فمسحه فرد الله إليه بصره، قال: أي المال أحب إليك؟ قال: الغنم، فأعطي شاة والدًا فأنتج هذا وولد هذا، فكان لهذا واد من الإبل، ولهذا وادٍ من البقر، ولهذا واد من الغنم، قال: ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته فقال: رجل مسكين وابن سبيل؛ قد انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن، والجلد الحسن، والمال، بعيرًا أتبلغ به في سفري، فقال: الحقوق كثيرة، فقال: كأني أعرفك، ألم تكن أبرصًا يقذرك الناس، فقيرًا فأعطاك الله - عز وجل - المال، فقال: إنما ورثت هذا المال كابرًا عن كابر، فقال: إن كنت كاذبًا فصيرك الله إلى ما كنت، قال: ثم إنه أتى الأقرع في صورته، فقال له مثل ما قال لهذا، ورد عليه مثل ما رد عليه هذا، فقال: إن كنت كاذبًا فصيرك الله إلى ما كنت، قال: ثم إنه أتى الأعمى في صورته وهيئته، فقال: رجل مسكين، وابن سبيل، قد انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي رد عليك بصرك وأعطاك المال؛ شاة أتبلغ بها في سفري، فقال: قد كنت أعمى فرد الله إليَّ بصري، فخذ ما شئت، ودع ما شئت، فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله - عز وجل - قال: أمسك عليك مالك، فإنما ابتُليتم؛ فقد رضي الله عنك وسخط على صاحبيك" [رواه البخاري ومسلم].

عباد الله: القصص الواردة في القرآن الكريم والسنة الصحيحة ليس المقصود منها مجرد الخبر، بل يقصد منها العبرة والعظة، مع ما تكسب النفس من الراحة والسرور، قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ)[يوسف: 111].

ومن هذه القصص ما ورد في هذا الحديث عن ثلاثة فقراء من بني إسرائيل: أبرص، وأقرع، وأعمى، أراد الله - سبحانه أن يختبرهم إذ أتم عليهم نعمته أيشكرون أم يكفرون؟ وإن كان الله عالمًا بما سيكون منهم، قال تعالى: (وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)[الأحزاب: 40]، فأرسل إليهم ملكًا، فأزال ما بهم من العاهات بإذن الله، وأعطاهم ما يشتهون من النعم، ودعا لهم بالبركة فيها.

فكان للأبرص واد من الإِبل، وللأقرع واد من البقر، وللأعمى وادٍ من الغنم، فتمت النعم على هؤلاء من جهة الصحة ومن جهة الغنى.

ثم أرسل الله -جل وعلا- إلى هؤلاء الثلاثة ملكًا يختبرهم ويمتحنهم، متصورًا بصورهم التي كانوا عليها، فسأل كل واحد منهم على حدة شيئًا من المال، مذكرًا لهم بنعم الله عليهم.

فجحد كل من الأبرص والأقرع نعم الله عليهما بنسبتها إلى غيره، ولم يؤديا حق الله فيهما؛ من زكاة، وإطعام جائع، وما شابه ذلك؛ فاستحقا السخط من الله - سبحانه وتعالى-.

واعتراف الأعمى بنعمة الله عليه ونسبها إلى الله، وأدى حق الله فيها، فنال الرضا من الله - سبحانه وتعالى-.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ)[الرعد: 26].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا كثيرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ نبينا محمد عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه.

أما بعد:

فاتقوا الله -عباد الله- واعرفوا لربكم حقه ونعمه، واشكروها على الوجه الذي يرضيه ولا يسخطه.

أيها المسلمون: إن نعم الله على عباده كثيرة لا تُحصى: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا)[إبراهيم: 34].

فالواجب الاعتراف بأنها منه وحده وشكره عليها؛ فبالشكر تدوم النعم: (لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) [إبراهيم: 7].

والحذر من كفران النعم بنسبتها إلى غير المُنعم -تبارك وتعالى-، فبالكفران تزول النعم.

فالأعمى اعترف بنعمة الله عليه، ونسبها إلى من أنعم عليه بها، وأدى حق الله فيها، فاستحق الرضا من الله بقيامه بشكر النعمة، لما أتى بأركانها والإِقرار بها، ونسبتها إلى المُنعم، وبذلها فيما يحب، وكفر صاحباه نعمة الله عليهما، فاستحقا السخط بذلك.

قال ابن القيم - رحمه الله-: الشكر هو الاعتراف بإنعام المُنعم على وجه الخضوع له والذل والمحبة، فمن لم يعرف النعمة لم يشكرها، ومن عرفها ولم يعرف المُنعم بها لم يشكر أيضًا، ومن عرف النعمة والمُنعم لكن جحدها فقد كفرها، ومن عرفها وعرف المُنعم بها وأقر بها، ولكن لم يخضع له ولم يحبه ولم يرض به وعنه لم يشكرها أيضًا، ومن عرفها وعرف المُنعم بها، وأقر بها وخضع للمُنعم بها وأحبه ورضي به وعنه، واستعملها في رضاه وطاعته، فهذا هو الشاكر لها، فلا بد للشكر من علم القلب وعمل يتبع العلم، وهو الميل إلى المُنعم ومحبته والخضوع له.

وفي هذا الحديث: بيان حال من كفر النعم ومن شكرها، فاشكروا ربكم على نعمه العظيمة، وأدوا حقها تنالوا خيري الدنيا والآخرة.

نسأل الله العلي العظيم أن نـكون ممن شكر نعمه العظيمة وقام بحق المُنعم حق قيام.

هذا، وصلوا وسلموا...