البحث

عبارات مقترحة:

الشهيد

كلمة (شهيد) في اللغة صفة على وزن فعيل، وهى بمعنى (فاعل) أي: شاهد،...

القوي

كلمة (قوي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من القرب، وهو خلاف...

الإنفاق في سبيل الخير: فوائده، آدابه، مجالاته

العربية

المؤلف عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. حث الإسلام على الإنفاق في سبل الخير .
  2. فضائل وفوائد الإنفاق .
  3. من آداب التصدُّق .
  4. من مجالات التصدق .
  5. الحاجة للتعاون واستغلال أموال المسلمين للنهوض بالأمة. .

اقتباس

حثَّ الإسلام على الإنفاق في الخير ووجوه البر، ورتب على ذلك الثواب العظيم، قال الله -جل وعلا-: (قُلْ لِعِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ) [إبراهيم:31].

الخطبة الأولى:

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه؛ ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا، ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له.

وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً إلى يومِ الدين.

أمَّا بعد: فيا أيُّها النَّاس، اتَّقوا اللهَ -تعالى- حَقَّ التقوى.

عباد الله: حثَّ الإسلام على الإنفاق في الخير ووجوه البر، ورتب على ذلك الثواب العظيم، قال الله -جل وعلا-: (قُلْ لِعِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ) [إبراهيم:31].

وقال: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً) [المزمل:20].

وقال: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) [التغابن:16].

وفي الصحيح عنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ، فَهْوَ يَقْضِى بِهَا وَيُعَلِّمُهَا، ورَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَسلّطَه عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ".

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ؟"، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا مِنَّا مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ ومَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِ وَارِثِهِ، قَالَ: "مَالُكَ مَا قَدَّمْتَ، وَمَالُ وَارِثِكَ مَا أَخَّرْتَ".

وقال أيضًا -صلى الله عليه وسلم-: "اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ". وسُئل -صلى الله عليه وسلم-: "أَيّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟"، قَالَ: "أن تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ".

أيها المسلم: وللإنفاق في سُبل الخير فضائل عديدة؛ فمن فضائله مضاعفة الأجور، قال -جل وعلا-: (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ) [الحديد:18].

وقال -تعالى-: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً) [التوبة:245]، وقال: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة:261].

ومن فوائد الإنفاق في سبيل الخير أن المتصدق يُدعى يوم القيامة من باب الصدقة، جاء في الحديث: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُنْفِقُ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلا دُعي في الْجَنَّةِ يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا خَيْرٌ،  فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاَةِ دُعِي مِنْ بَابِ الصَّلاَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِي مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِي مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِي مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ".

قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصدِّيق -رضي الله عنه-: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عَلَى مَنْ دُعِي مِنْ هذه الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى منها أَحَدٌ؟"، قَالَ: "نَعَمْ؛ وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ".

ومن فوائدها انشراح الصدر، وطيب النفس، يقول الله -جل وعلا-: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) [الليل:5-7].

ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "مَثَلُ البخيلِ والمتصدِّقِ، كمَثلِ رجليْنِ عليْهِما جُبَّتانِ من حديدٍ، من ثُديِّهِما إلى تَراقِيهِما؛ فأمّا المُنفِق فلا يُنفِقُ شيئًا إلَّا سبغَتْ على جِلدِهِ، حتى تُخْفِي بنانَهُ، وتَعفُو أثرَهُ؛ وأمَا البخيلُ فلا يُريدُ أنْ يُنفِقَ شيئًا إلَا لزِقَتْ كلُّ حلَقةٍ مَكانَها، فهوَ يُوَسِّعُها فلا تتَّسِعُ".

ومن فوائد الإنفاق في الخيرِ النجاةُ من النَّار، يقول -صلى الله عليه وسلم- مخاطباً النساء: "يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ؛ فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ"،  قيل: لماذا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "تَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ" الحديث.

ومن فوائد الصدقة أن المتصدق يعيش يوم القيامة تحت ظل صدقته إلى أن يقضى بين الناس، كما في الحديث: "كُلُّ امْرِئٍ تحت ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ".

ومن فوائدها أن هذا العمل أحب الأعمال إلى الله، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "أحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على أخيك المسلم؛ تكشف كربا، أو تقضي دينا، أو تطرد عنه جوعا".

ومن فوائدها أن الصدقة تمحو الخطيئة وآثارها.

ومن فوائدها أن الله -جل وعلا- يتلقاها بيمينه، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "ما من مسلم ينفق نفقة في سبيل الله ولو تمرة إلا تلقاها الله بيمينه فينميها له كما ينمي أحدكم فلُوَّه حتى تكون مثل الجبل العظيم".

ومن فوائدها أن الله يخلف على المنفق خيرًا مما أنفق، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "ما من يوم يصبح الناس فيه إلا وملكان يناديان، يقول أحدهما: اللهم أعط كل منفق خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط كل ممسك تلفا".

ومن فوائدها أن هذه الصدقة لا تنقص الأمانة معنويا؛ بل هي تعود عليه بالخير، كما في الحديث: "ومَا نَقَصَ مَالٌ مِنْ صَدَقَةٍ".

ومن فوائدها أن أعمالها تجري على صاحبها في لحده، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَث: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أو وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ".

وهي برهان على قوة الإيمان، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "الصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ".

وهي طُهرةٌ للمال، وقف النبي على التجار فقال: "يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ، يَحْضُرُ الْبَيْعَ الْحَلفُ وَاللَّغْوُ فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ".

أيها المسلم: ولهذه الصدقة آداب ينبغي أن يتحلى بها المتصدق، لعل الله أن يقبل صدقته وإحسانه.

فأول ذلك أن يكون الباعث على الصدقة والإحسان ابتغاء وجه الله، وأن يريد بصدقته وجه الله، لا رياءً ولا سمعة، لا ثناء الناس ومديحهم؛ لكن يريد التقرب إلى الله الذي: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر:19]، يقول الله -جل وعلا- في مدح المؤمنين: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً) [الإنسان:9].

ومنها أن يختار لصدقته مالا طيبًا خاليًا من المحرمات، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا".

ومن ذلك -أيضا- أن يكون منشرح الصدر بالنفقة لا مانّاً بها، ولا متعاليا بها: (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى) [البقرة:263-264].

ومنها أن يعلم أنه بهذه النفقة يقرض الله -تعالى وتقدس- ويرجو بها خيرا كثيرا منه، فليُطَمْئِنْ بذلك نفسه، وليحمد الله على الثواب العظيم.

ومنها -أيضا- أن ينفق في صحته وسلامته، سُئل النبي -صلى الله عليه وسلم-: أَيّ الصَّدَقَةِ أفضل؟ فَقَالَ: "أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ شَحِيحٌ صَحِيحٌ تَأْمُلُ الْغِنَى وتَخْشَى الْفَقْرَ، وَلاَ تُمْهِلْ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الروح الْحُلْقُومَ قُلْتَ لِفُلاَنٍ كَذَا وَلِفُلاَنٍ كَذَا".     

أيُّها المسلمون: إن الإنفاق في سبيل الخير له طرق متعددة ومجالات واسعة، لا تقف عند نوع معين؛ بل في هذا الزمان تنوعت وجوه الخير، وتعددت الأسباب لذلك، فالمسلمون يقصدون بصدقاتهم وإحسانهم وجه الله، ونفع إخوانهم المسلمين، وإعانتهم على مهماتهم ومشاكل أمورهم.

أيُّها المسلم: إن الإسلام عندما حرم الربا وتوعد عليه الوعيد الشديد، أراد من الأمة أن يكون المالُ سبباً لعز الأمة وغنى بعضها ببعض، واكتفاء بعضها ببعض، وأن تكون هذه الأموال سببا للنهوض بالأمة والرقي بها إلى المستوى اللائق بها.

حارب الربا؛ لأن حقيقته بقاء الأموال عند فئة من الناس وحرمان الآخرين، هذا المرابي لا يعمل صالحا، إنما يريد من ماله أن يربح على أكتاف الفقراء والمحتاجين؛ ولهذا يرصدها في البنوك العالمية تقوى بها دول غير إسلامية عل المسلمين، تقوي اقتصادهم وتخلصهم من البطالة، ويصبح هذا المال عونا لهم حتى ضد المسلمين، فلهذا وقف الإسلام من الربا الموقف العظيم، وجعل المرابي محارباً لله ورسوله.

أيُّها المسلم: عالمنا الإسلامي بأمس الحاجة إلى وحدة الأهداف، وإلى التعاون على البر والتقوى؛ لأجل أن يعيش المجتمع المسلم حياة سعيدة آمنة مطمئنة: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) [المؤمنون:52].

فعالمنا الإسلامي يشكو من أمور مختلفة، فمن عالمنا الإسلامي من يشكو من قلة الموارد، فهو بحاجة إلى دعم موارده للوقوف في حل مشاكله الاقتصادية، ونهوض المجتمع عن البطالة.

ومن عالمنا الإسلامي من توجد في أراضيه أنواع الخيرات والفواكه الطبيعية، وهو بحاجة إلى مال ليشتغل في تلك الخيرات وينهض بمجتمعه.

ومنها من به أيدٍ عاملةٌ وعقولٌ مفكّرة، لكن بحاجة إلى مال لتشغيل تلك الأيادي العاملة، ومساعدة العقول والأفكار بالمال المسلم للنهوض بالأمة.

ومن عالمنا الإسلامي من يشكو الأمراض المختلفة والأوبئة المتعددة ونقص المياه الطيبة، فهو بحاجة إلى دعم مشاريع خيرية.

ومن عالمنا الإسلامي من تجد فيه الجهل والأمية، فهو بحاجة إلى توعية وإنقاذ من هذا الجهل وهذه الأمية التي حطمت كيانهم وأصبحوا لا يفقهون شيئا.

ومن عالمنا الإسلامي من يشكو الفاقة والفقر، ويتسلط عليه المنصرون ودعاة التنصير والتضليل والتشيع الباطل ليغيروا اتجاهه وعقيدته الإسلامية، إلى غير ذلك من الأضرار.

فمجالات الإنفاق في الخير مجالات واسعة، فمن ذلك بناء المساجد، فبناء المساجد في عالمنا الإسلامي من الأمور المهمة، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ".

بناء المرافق الإسلامية التعليمية النافعة، كفالة الأيتام، الأوقاف النافعة، بناء المصحات والمستشفيات لإنقاذ الأمة مما أصابها من نكبات، كالمشردين عن بلادهم، المبعدين عن بلادهم الذين يعانون الجوع والعري في خارج بلادهم، فإنقاذهم وتخليصهم من مشاكلهم من الأمور المهمة، حفر الآبار، إقامة المراكز البحثية العلمية لإنقاذ الأمة من جهلها وأميتها لتكون أمةً قادرة على الوقوف على أقدامها بتوفيق من الله.

إن الأمة المسلمة لا ينقصها رجال ولا ثروات طبيعية؛ ولكن ينقصها قلة الإخلاص، وعدم التعاون والتساعد فيما بينها، فأعداؤها يفرقون شملها، ويتسلطون عليها، ويدبرون المؤامرات ضد بعضها البعض؛ لكي يعيشوا هم مطمئنين والعالم الإسلامي مشغول في خلافاته، واضطراباته، وفقره وفاقته، وجهله.

كل هذهِ أُمورٌ تخالف الشرع، فلا بد من نشر الدعوة إلى الله، والمرافق الطبية، والبحوث العلمية، ونشر الإعلام الإسلامي، ونشر الكتب والمقالات النافعة، وتخليص الأمة من أن يؤثر عليها التنصير والتشيع الباطل بنشر الخرافات والجهل والضلال.

إن عالمنا الإسلامي لا بد أن يقف على قدميه، لا بد أن يفكر في مصيره ومآله... وبُعد بعضنا عن بعض من الأسباب التي جعلت الأمة في ذلة وهوان، فلا بد للأمة أن تنهض بمجتمعها ليكون مجتمعا متلاحما قويا.

إن الأمة لا تنقصها عقول ولا أفكار ولا أيدٍ عاملة، ولا نقص خيرات في بلادها، فالخيرات كلها في بلاد الإسلام؛ لكن ينقصها الإخلاص، وقلة التعاون فيما بين أفرادها.

فعلى الأمة المسلمة أن تعود إلى رشدها، وأن تفكر في أمرها، وأن تعلم أن هذه الأموال الموجودة عند كثير من أثريائها، لابد أن تسخر فيما يصلح الأمة في حاضرها ومستقبلها، ليكون مالاً نافعا، مالا مؤثرا، أمَّا هذه الأموال التي تذهب لأجل الفوائد الربوية السنوية أو نحو ذلك فهي ضرر للأمة، لا خير فيها ولا مصلحة منها.

إن المال الإسلامي إذا استعمل واستغل فيما ينفع الأمة عاد بالخير على الأفراد وعلى أصحاب الأموال، عاد بخير وفضل أعظم من الفوائد الربوية التي لا خير فيها، ولننعم بنعمة الله -جل وعلا-، ونبعد عن غضبه على المرابين.

أسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه، وأن يخدم الجميع لما فيه خير الإسلام في الحاضر والمستقبل؛ إنه على كل شيء قدير.

أقولُ قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنَّه هو الغفورٌ الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.  

أما بعدُ: فيا أيُّها النَّاس، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى.

عباد الله: يقول -صلى الله عليه وسلم-: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كمَثَلُ الْجَسَدِ الواحد، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بالْحُمَّى والسَّهَرِ".

هكذا المجتمع المسلم، مجتمع متعاون ومتحابّ، يرحم بعضه بعضا ويعطف بعضه على بعض، ويحسن بعضه إلى بعض، ويهتم بعضه ببعض، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا".

فمتى وجد هذا التعاون المسلم، وهذا التفاهم والإخلاص والصدق فيما بين الجميع، نهضت الأمة إلى المستوى اللائق بها.

إن أمة الإسلام هي الأمة التي هيأها الله لقيادة البشرية: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران:110]، فهم خير الناس للناس، الأمة المحمدية هي أمة القيادة، وأمة الخير، وأمة الهدى؛ لكن بشرط أن تتمسك بدينها وتجتمع على كلمة الله، ويكون التعاون بينها جميعا تعاوناً على الخير والتقوى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة:2]، (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) [التوبة:71].

هكذا المؤمنون، إن ما أصاب الأمة من نقض أو ضعف في كل أحوالها إنما سببه البعد عن دين الله، البعد عن تعاليم الشريعة، الزهد في تعاليم الشريعة التي جاءت بما يقوي الروابط الأخوية بين الأمة المسلمة.

المسلمون لا بد أن يأخذوا موقفا أمام هذه التحديات العالمية في الاقتصاد والأفكار والآراء، لا بد للأمة الإسلامية أن تثبت وجودها، وأنها الأمة المستطيعة بتوفيق الله أن تقف على أقدامها ثابتةً يعاون بعضها بعضا، يشد بعضها بعضا، ويقوي بعضها بعضا، لتقف أمام هذه التحديات في اقتصادها وفي أمنها.

إن الأمة الإسلامية يجب أن تعي مواقعها، وأن لا ترضى بأن تهمش من مصادر القرارات، وأن تدبر الأمور ضدها، وهي أمة قادرة مستطيعة -بتوفيق الله- على أن يكون لها موقف مؤثر في الحياة وفي المجتمع كله.

أسأل الله أن يأخذ بيد الجميع لما فيه الخير والصلاح؛ إنه على كل شيء قدير.

واعلموا -رحمكم الله- أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ.

وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.

وصَلُّوا -رحمكم الله- على عبد الله ورسوله محمد كما أمركم بذلك ربكم، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد...