الرقيب
كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...
العربية
المؤلف | أحمد بن ناصر الطيار |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
التعامل باللين يكون هو الأصل والأساس، والشدةُ تكون عند الحاجة إليها. فمن عامل أبناءه باللين والشفقة وحدها، فقد أفسدهم بالغرور والترف. ومن غلَّب جانب الشدةِ والحزم، فقد جعل بينه وبينهم فجوةً وحاجزاً، وأصبحتْ طِباعُهُم غليظةً جافة. فلْنكن مُتوسطين في التعامل، ولْنحرص على كسبِ محبة أولادِنا، وأنْ يستجيبوا لنا عن حبٍّ واحترامٍ وقناعة، لا عن خوفٍ ورهبة. فالْمـُكْرَهُ والْمُجبَر: قد ينضبط أمامك خوفاً منك، لكنه إذا...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب: 70].
أما بعد:
فإِنَّ أصْدقَ الْحَدِيثِ كلامُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بدعةٍ ضلالة، وَكُلَّ ضلالةٍ في النار.
عباد الله: لقد كان الحديث في أيَّامٍ مضتْ، عن أهمِّ القواعدِ الأساسيَّةِ في تربية الأبناء، ونستكمل بعض القواعد والوسائلِ في التربية.
فمن ذلك: أنْ نُعامل أبناءنا بالرِّفقِ واللين، مع الشدَّةِ والحزم، وهما قرينان مُتلازمان، لا ضدَّان مُتنافران.
فالتعامل باللين يكون هو الأصل والأساس، والشدةُ تكون عند الحاجة إليها.
فمن عامل أبناءه باللين والشفقة وحدها، فقد أفسدهم بالغرور والترف.
ومن غلَّب جانب الشدةِ والحزم، فقد جعل بينه وبينهم فجوةً وحاجزاً، وأصبحتْ طِباعُهُم غليظةً جافة.
فلْنكن مُتوسطين في التعامل، ولْنحرص على كسبِ محبة أولادِنا، وأنْ يستجيبوا لنا عن حبٍّ واحترامٍ وقناعة، لا عن خوفٍ ورهبة.
فالْمـُكْرَهُ والْمُجبَر: قد ينضبط أمامك خوفاً منك، لكنه إذا خلا بنفسه فعل المحذور؛ ولذلك ربط الله -تعالى- بين الاستجابة، وبين الرحمة واللينِ بقوله: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ)[آل عمران: 159].
فأخبر تعالى -وهو أصدق القائلين-: أن الرحمة التي يُغْدقها رسوله -صلى الله عليه وسلم- على أصحابه، ويغمرهم بها، واللينَ الذي يُعاملهم به: هما السبب الأكبر في استجابة أصحابه له، وانقيادِهم وخُضوعِهِم له.
فهل بعد هذا نريد من أبنائنا أنْ يستجيبوا لنا، وينقادوا لنا عن قناعةٍ ورضا، ونحن لم نغمرهم بالحب والرحمة، ولم نُعاملْهم بمنتهى الرفقِ واللين؟.
فتأملوا -معاشر الآباء والأمهات-: كيف أن الله -عز وجل-، قد أيَّد رسولَه بالمعجزات والآيات، ومع ذلك، لو كان في كلامه غِلظة، وفي قلبه قسوةٌ وشدَّة: لتركه أصحابُه وأحبابُه، وانفضُّوا من حوله، والواحد منهم يَفديه بنفسه وماله، وهو أحب إليهم من أنفسهم وأولادهم.
فأنتم مع أبنائكم من باب أولى، فإذا ساءت أخلاقكم معهم، وقست مُعامَلَتُكُم، فإنَّ أولادَكم سينفرون منكم لا مَحالة.
وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- بحقٍّ نبيَّ الرحمة والحبِّ والعطف، فمع كثرة مَشاغله، وانْهماكِه بالتعليم والغزو والدعوة: فإنَّك لا تكاد تجد أنه مرّ على صبيٍّ أو قابله، أو أُتي به إليه إلا وتبدر منه بادرةٌ، تدل على رحمته وعطفه بهم، من مسحٍ للرأس ودعاءٍ وتقبيلٍ، ليشعرهم بالحب والرحمة.
فعن أنسٍ -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يزور الأنصار، ويسلم على صبيانهم، ويمسح رؤوسهم.
ومرَّ على جَعْفَرٍ -رضي الله عنه- وهو صِبْيٌّ يلْعَبُ، فمَسَحَ عَلَى رَأْسه ثَلاثًا.
ومع هذا كلِّه، فينبغي الحزم معهم، تجاه الأخطاء الفادحة، والسلوكيَّات الْمَشينة.
ومن الحزم: أن لا يتراجع الوالدان، عن قرارٍ عقابيٍّ اتخذاه، تجاه اقتراف ابنهما لسلوكٍ خاطئ، إلا في أضيق الحالات.
ولْنُعاقبه إذا لزم الأمر، ولكن لابدّ أنْ نعاقبه بعد أنْ يُقرّ بخطئه، حتى لا يشعر بالظلم.
ولا ينبغي الْمزاجيَّةُ والتذبذبُ في العقاب، فبعضُ الآباء يُعاقب ولده في حال الغضب، ولا يُعاقبه في حال الرضا، مع أنَّ الابن قد ارتكب نفس الخطأ في كلا الحالتين.
والعقاب ليس محصوراً بالضرب، بل هو آخر علاجٍ نلْجأ إليه، واسْتعمال الضرب بكثرة، هي حيلةُ العاجز والضعيف، وهي تضر في الغالب أكثر مما تنفع.
وقد قيل: الضرب للتأديب؛ كالملح للطعام.
أي: أنَّ القليل منه يكفي، والكثير منه يفسد.
ومن أراد العقاب بالضرب سواءً بالعصا أو باليد: فلابدّ أنْ يتنبه ويُراعي؛ ما يلي:
أولاً: أنْ لا يكون الضربُ أمام أحدٍ أيًّا كان، صيانةً لكرامته أمام نفسه، وأمام غيره من أصحابه وغيرهم.
ثانياً: أنْ لا يكون الضربُ مبرِّحاً ومُهيناً، وتَجَنَّبِ الوجه؛ لأنه يحرم ضربه، لنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه.
ثالثاً: أنْ لا يكون على حين غفلةٍ منه، ودون انتباهٍ وشعورٍ وعلم، مما يُصيبه بصدمةٍ نفسيَّةٍ، أو هلعٍ شديد.
والعقاب بالحرمان: أثْبَتَ نفعه وفائدته، فلْيكن هو الأساس في العقاب.
ولذلك تقول عائشة -رضي الله عنها-: "مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلاَ امْرَأَةً وَلاَ خَادِمًا، إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"[رواه مسلم].
فلم يستعمل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الضرب أبداً، لكنه اسْتعمل عقاباً آخر هو الهجر، فقد هجر نساءه شهراً، وهجر الثلاثةَ الذين خُلِّفوا.
ومهما اقترف الابن من ذنبٍ، فلابدّ أن يكون العقاب في حدود الرحمة والرفق.
وإذا بكى جرَّاء العقاب البدنيّ أو النفسيّ: فلا ينبغي منعه من ذلك، بل هو "صمام أمانٍ، يُفرِّغ جزءًا من شحنات الغضب أو الألم، ويغسل القلب كما يغسل العين، فيرتاح الطفل بعد تفريغه تلك الشحنات، وهذا هو الجانب الإيجابيّ لبكاء الطفل".
وأخيراً: فكما أنك عاقبت ابنك على الخطأ، فكافئه على الصواب، فلا بدّ من التوازن والعدل.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)[الأنفال: 28].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحق الْمُبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الْمُصطفى الأمين، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها المسلمون: ومن القواعد والوسائل أيضاً: وضعُ قوانين وأنظمةٍ خاصةٍ في البيوت، يضطر الأبناء إلى اتِّباعها، والتقيُّدِ بها.
فلا بد أن تكون هناك قوانين في بيوتنا للحدّ من ارتكاب المخالفة، وأنْجَح القوانين هي التي يشترك في وضْعها الوالدان والأبناء، وتكون محل اتفاقٍ بينهم، والكلام الهادئ، والحوارُ البنَّاء: من أهمِّ الأساليب في وضْع الاتِّفاقات.
وتكون معقولةً وثابتةً، لا تخضع للأهواء والمزاج الشخصي، كأن نرضى بمخالفة ما اتَّفقنا عليه عندما نكون فرحين، ونُصِرُّ عليه عندما نكون غاضبين.
وكلُّ بيئةٍ لا تخضع لقوانين وأنظمةٍ: فإنها ستكون فاشلةً وعشوائية، فقد يُضرب الطفل يوماً، وقد يُمنع من شيءٍ يريده، وأحياناً يُصرَخ في وجهه لأنه عمل شيئاً يَظُنُّه مسموحاً له، وكلُّ هذا وهو لا يعرف السبب المقنع في ضربه، أو منعِه أو الصراخَ في وجهه!.
ومن القواعد والوسائل أيضاً: أنْ ندَعَ الأبناءَ يعتمدون على أنفسهم، وأنْ لا نُبادرَ إلى مُساعدةِ أحدهم، إلا عند انغلاقِ الأبواب في وجهه.
وما أكثرُ الآباء والأمهات، الذين لا يُعطون أبناءهم فرصةً؛ ليعتمدوا على أنفسهم، ويكتشفوا مواهبهم، ويُعملوا عقولهم، بل تجدهم يُبادرون إلى إيجاد الحلولِ السريعةِ لهم، فما إنْ يطلبُ الابنُ مساعدةً، إلا وتراهم يُسارعون إلى ذلك.
والذي ينبغي عليهم: أن يتركوهم يعتمدون على أنفسهم في دروسهم وأعمالهم، مع شيءٍ من التوجيه والنصح.
نسأل الله -تعالى-، أنْ يبارك في أهلِنا وأولادِنا، وأنْ يُقرَّ أعيُنَنَا بصلاحهم وِهدايَتِهم، إنه سميعٌ قريبٌ مجيب.
كيف تربي أبناءك – قواعد في التربية (1)
كيف تربي أبناءك – قواعد في التربية (2)