الجبار
الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...
العربية
المؤلف | خالد بن سعد الخشلان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
بادروا -رحمكم الله- إلى التوبة ما دام في العمر فسحة وأنتم تقدرون على العمل، قبل حلول المنية والأجل، ما دمتم في دار المهلة والإمكان، قبل أن تلفّوا في الأكفان، وحينئذ يظهر الفرقان، ويفوت الزمان، وها هو الرحمن -عز وجل- ينادينا جميعا باسم الإيمان: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا) [التحريم:8]، ويقول -سبحانه-: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31].
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فيا عباد الله اتقوا لله -عز وجل- والزموا مراقبته، فوالله! ما فاز مَن فاز من الأولين والآخرين إلا بتقواهم لله رب العالمين، ومراقبتهم لخالقهم؛ وما هلك من هلك وخسر من خسر إلا بإعراضه عن ربه ونسيانه له.
أيها الإخوة المؤمنون: رحم الله امرأً حاسب نفسه ونظر في يومه، وتفكر في أمسه واستعد لغده؛ فإن السفر طويل، وإن الزاد قليل، وإن محط الركاب الجنة أو النار؛ فلله در أقوام سمعوا نداء الرحمن فأجابوا، واستعدوا للمسير، وما توانوا! ويا خسارة من ذهبت أيامه وذهبت شهوره وأعوامه وهو في البطالة غارق، زاده للآخرة كاسد!.
أيها الإخوة المسلمون: تفكروا بعقولكم، وتدبروا بقلوبكم، وانظروا إلى هذه الأيام والليالي، ما أسرع سيرها! وما أعجل مرورها! بالأمس القريب استقبلنا عاما هجريا جديدا، وها هو نصف عامنا قد انصرم! ستة أشهر مضت كلمحة البرق أو أشد، مائة وثمانون يوماً بليلها ونهارها، بساعاتها ودقائقها مضت من أعمارنا. فليت شعري! بأي طاعات عمرت تلك الأيام؟ وبأي زاد ملئت تلك الليالي؟.
إن الإجابة على هذا الاستفهام تدمي قلب المؤمن، وتقلق نفسه، وتكدر صفوه؛ كم من طاعات فرط في أدائها! وكم من قُرب ضُيِّعَتْ! وكم من ساعات خلت من ذكر الله -عز وجل-! كم من معاصٍ ارتُكِبَت! كم من ذنوب اقترفت! كم من آثام حُصِّلَت!.
لقد اقشعرت الأرض، وأظلمت السماء، وظهر الفساد في البر والبحر من ظلم الفجرة، وذهبت البركات، وقلت الخيرات، وهزلت الوحوش، وتكدرت الحياة من فسق الظلمة، وبكى ضوء النهار وظلمة الليل من الأعمال الخبيثة، والأفعال الفظيعة، وشكا الكرام الكاتبون والمعقبات إلى ربهم من كثرة الفواحش، وغلبة المنكرات والقبائح.
وهذا، والله! مُنْذِرٌ بسيل عذاب قد انعقد غمامه، ومؤذن بليل بلاء قد ادلهم ظلامه، فاعدلوا -رحمكم الله- عن هذا السبيل بتوبة نَصُوحٍ، ما دامت التوبة ممكنةً وبابها مفتوح، وكأنكم بالباب وقد أغلق! (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [الشعراء: 227].
أيها الإخوة المسلمون: بادروا -رحمكم الله- إلى التوبة ما دام في العمر فسحة وأنتم تقدرون على العمل، قبل حلول المنية والأجل، ما دمتم في دار المهلة والإمكان، قبل أن تلفّوا في الأكفان، وحينئذ يظهر الفرقان، ويفوت الزمان، وها هو الرحمن -عز وجل- ينادينا جميعا باسم الإيمان: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا) [التحريم:8]، ويقول -سبحانه-: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31].
ما أعظم الله! وما أبلغ رأفته بخلقه! يتقربون إليه بالمعاصي ليلا ونهارا ويتحبب إليهم -سبحانه- بالتوبة، وهو القادر على أن يأخذهم بغتة على ذنوبهم، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه؛ (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس:82].
فسبحانه من إله! ما أعظم جوده! وما أعم كرمه! وما أشمل عفوه! شمل عفوه العصاة والمذنبين من أمثالنا، فسبحانك إلهنا! ما عرفانك حق معرفتك، وما عبدناك حق عبادتك، نستغفرك الله ونتوب إليك من ذنوب رانت على قلوبنا، وآثام استولت على نفوسنا، وأنت يا ربنا أهل التقوى وأهل المغفرة.
إخوة الإسلام: من عظيم كرم الله ولطفه -سبحانه- بعباده أن دعاهم إلى التوبة وحببها إليهم، بل إنه -سبحانه- وهو القوي العظيم العزيز الجبار المنعم المتفضل يفرح بتوبة عبده الضعيف الحقير المذنب المسيء! (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [البقرة:222].
يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "لَلَّهُ أشدُّ فَرَحَاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح".
أيها الإخوة المسلمون: التوبةُ واجبةٌ بنص الكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة، التوبة من الذنوب والمعاصي صغيرها وكبيرها واجبة على الفور؛ لأن الموت متوقع في كل حالة، لا يؤمن هجومه في أي لحظة من لحظات الليل والنهار.
الموت لا يعرف صغيرا ولا كبيرا، ولا رجلاً ولا امرأة، ولا غنيا ولا فقيرا، ولا رئيسا ولا مرؤوسا، ولا مريضا ولا سليما؛ متى تحين الساعة، ساعة الموت والاحتضار، يحل الموت بالمرء على أي حالة كان.
المعاصي هي السموم القاتلة، والتوبة هي الشفاء من داء المعاصي، المزيلة لعقابها، فلا بد من الإسراع في التوبة خوفا من حيلولة الموت دونها فيحصل الهلاك والعذاب حينئذ.
التوبة عباد الله وظيفة العمر، وهي خاتمة العمر كما قال ابن رجب رحمه الله، خرّج الإمام أحمد والترمذي في صحيحه من حديث عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله -عز وجل- يقبل توبة العبد ما لم يغرغر"، وهذا الحديث دليل على قبول توبة العبد ما دامت روحه في جسده، ما لم تبلغ الحلقوم والتراقي، مهما كثرت ذنوبه وعظمت، ومهما تعددت سيئاته وكثرت؛ يقول الله -عز وجل- (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً) [النساء:17].
وما يعنى بالتوبة من قريب في هذه الآية: التوبة قبل الموت، فالعمر كله قريب، ومن تاب قبل الموت فقد تاب من قريب، ومن مات ولم يتب فقد بعد كل البعد، الحي قريب والميت بعيد من الدنيا على قربه منها، فإن جسمه بعد موته يبلى، وروحه تنعم أو تعذب، ولقاؤه لا يرجى في الدنيا، مقيم إلى أن يبعث الله خلقه.
مقيمٌ إلى أنْ يبعثَ اللهُ خَلْقَهُ | لقاؤك لا يُرْجَى وأنت قريبُ |
تزيد بِلىً في كُلِّ يومٍ وليلةٍ | وتُنْسَى كما تبلى وأنت حبيب |
روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله -تعالى-: (يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ)، قال: "قبل المرض والموت"، وهذه إشارة منه إلى أفضل أوقات التوبة، وهو أن يبادر الإنسان بالتوبة في صحته قبل نزول المرض به، حتى يتمكن من العمل الصالح.
التوبة -أيها الإخوان- في صحة ورجاء حياة تشبه الصدقة بالمال في الصحة ورجاء البقاء، والتوبة في المرض عند حضور أمارات الموت تشبه الصدقة بالمال عند الموت، وكأن من يؤخر التوبة إلى حين مرضه قد استنفذ صحته وقوته في شهوات نفسه وهواها ولذة دنياه، فإذا أيس من الدنيا والحياة فيها تاب حينئذ وترك ما كان عليه من الذنوب والمعاصي!.
فأين توبة هذا بتوبة من يتوب من قريب وهو صحيح قوي قادر على عمل المعاصي؛ لكنه يتركها خوفا من ربه ذي الجلال والإكرام، ورجاء لثواب الرحيم الغفار، وإيثارا لطاعته على معصيته؟! (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) [النساء:18].
اعلموا -أيها الإخوة المسلمون- أن التوبة النصوح التي يقبلها الله -عز وجل- هي ما اشتملت على أربعة شروط: الإقلاع عن الذنب إقلاعا كليا لا تردد فيه، والندم على ما فات من الإعراض عن الله والتقصير في حقه، والعزم الأكيد الصادق على ألّا يعود إلى الذنب مرة أخرى، ورد الحقوق إلى أهلها.
التائب الصادق من اشتد ندمه، وزاد مقته لنفسه على قُبْحِ زلته. يا نادماً على الذنوب، أين أثر ندمك؟ أين بكاؤك على زلة قدمك ؟ أين حذرك من أليم العقاب؟ أين قلقك من خوف العتاب؟ أتعتقد أن التوبة قولٌ باللسان؟ إنما التوبة نار تحرق الإنسان.
لَئِنْ جَلَّ ذَنْبِي وارتَكَبْتُ المآثِمَا | وأصبَحْتُ في بحرِ الخطيئةِ عائمــا |
أُجَرِّرُ ذَيْلِي في متابعةِ الْهَوَى | لأقْضِيَ أوطار البطالةِ هائــــــــما |
فها أنا ذا يا ربّ أقررتُ بالَّـــذِي | جنيتُ على نفسي وأصبحتُ نادمـا |
أَجَلُّ ذنوبي عند عفوك سيِّدِي | حقيرٌ وإنْ كانت ذنوبي عظائـــــما |
اللهم وفقنا للتوبة النصوح، وفقنا لتدارك ما بقي من أعمارنا، وفقنا لتدارك ما بقي من ساعات أيامنا، وفقنا لعمل صالح ترضي به عنا، إنك على كل شيء قدير.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذ عنهم شذ في النار.
أيها الإخوة المسلمون: اتقوا الله -عز وجل-، وتوبوا إلى ربكم قبل أن تموتوا، بادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا، فكل ساعة تمر على ابن آدم فإنها يمكن أن تكون ساعة موته، بل كل نفَس يمر على ابن آدم من أنفاسه يمكن أن يكون النفس الأخير.
قال لقمان لابنه: "يا بنيّ، لا تؤخر التوبة؛ فإن الموت يأتي بغتة". وقال بعض الحكماء: "لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل، ويؤخر التوبة لطول الأجل".
قال بعض السلف: "أصبحوا تائبين وأمسوا تائبين"، يشير إلى أن المؤمن لا يصبح ولا يمسي إلا على توبة، فإنه لا يدري متى يفجؤه الموت، قد يموت ولا يمسي، وقد يمسي ولا يصبح، من أصبح وأمسى على غير توبة فهو على خطر عظيم.
وها هو رسولنا وحبيبنا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أيها الناس، توبوا إلى الله؛ فإني أتوب إليه في كل يوم مائة مرة".
أيها الإخوة المسلمون، أيها الإخوة المؤمنون: تأخير التوبة في حال الشباب قبيح، وفي حال الشيب أقبح وأقبح، فإذا نزل المرض بالعبد فتأخير التوبة حينئذ أقبح من كل قبيح، فإن المرض نذير الموت، ولهذا ينبغي لمن عاد مريضا أن يذكره التوبة والاستغفار، فما أحسن ختام الأعمال بالتوبة والاستغفار! فإن كان العمل سيئا كانت التوبة والاستغفار كفارة له، وإن كان العمل حسنا كان الاستغفار كالطابع عليه.
كان السلف يرون أن من مات عقب عمل صالح كصيام رمضان أو عقب حج أو عمرة يرجى له أن يدخل الجنة، وكانوا مع اجتهادهم في الصحة في الأعمال الصالحة يجددون التوبة والاستغفار عند الموت، ويختمون أعمالهم بالاستغفار وكلمة التوحيد.
قال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- عند موته لمن حضره من أهله: "أجلِسوني"؛ فأجلسوه، فقال: "أنا الذي أمرتني فقصرت، ونهيتني فعصيت، ولكن؛ لا إله إلا الله!"، ثم رفع رأسه فأحدّ النظر فقالوا: إنك تنظر نظرا شديدا يا أمير المؤمنين؟! فقال: "أتاني حضرة ما هم بإنس ولا جن"، ثم قبضت روحه رحمه الله، وسمعوا تاليا يتلو عند احتضاره وخروج روحه: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [القصص:83].
أيها الإخوة في الله: التوبةَ التوبةَ! قبل أن يصل إلى أحدنا الموت فيحصل المفرط على الندم والخيبة، والإنابةَ الإنابةَ! قبل غلق باب الإجابة، والإفاقةَ الإفاقةَ! فقد قرب وقت الفاقة، من نزل به الشيب فهو بمنزلة الحامل التي تمت شهور حملها فما تنتظر إلا الولادة، كذلك صاحب الشيب لا ينتظر إلا الموت، فقبيح منه الإصرار على الذنب، وتوبة الشاب أحسن وأفضل.
وعظ بعضهم بهذه الموعظة ثم قال: وإني لا أقول هذه المقالة وما أعلم أحداً له من الذنوب أكثر مما عندي، فاستغفروا الله وتوبوا إليه.
فاجتهدوا رحمكم الله في تجديد التوبة لربكم عسى أن تحظوا بالقبول فتكفر السيئات، وتمحو الخطيئات، وتقال العثرات، وترفع الدرجات عند الرب الكريم في جنة النعيم، مع النبيين والصديقين والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.
اجتهدوا في ختم أعماركم بعمل صالح يقربكم منه سبحانه وتعالى.
نسأل الله -عز وجل- أن يغفر لنا تقصيرنا وتفريطنا، ونسأله -سبحانه وتعالى- أن يبارك فيما باقي من عامنا من شهور، كما نسأله -سبحانه- وتعالى أن يوفقنا لبلوغ شهر رمضان وصيامه وقيامه.
هذا؛ وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبد الله، فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
وقال عليه الصلاة والسلام: "مَن صلّى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً".
اللهم صل وسلم وبارك...