الباسط
كلمة (الباسط) في اللغة اسم فاعل من البسط، وهو النشر والمدّ، وهو...
العربية
المؤلف | عبد الرحمن بن صالح الدهش |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
عباد الله: إنَّ ربط الإنسان شئونه بالله خوفاً ورجاء عنوان سعادته، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك". بهذه الكلمات يؤسس بنيان المراقبة في قلب العبد من أوَّل أيامه، وفي عموم شؤونه فيهون عليه كل شيء في جانب رضا الله، ودوام...
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه...
أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
واعلموا أنَّ أعمالكم تحصى عليكم، وأنَّ أعماركم مطية آمالكم، وأنَّ الذي تخلفونه وراء ظهوركم، هو جزء تقتطعونه منكم، تقتربون به من آجالكم وتبتعدون به من دنياكم.
فالله الله في إحسان العمل، فالموفق من كان في يومه خيراً من أمسه، ومن هو في غده خير من يومه.
ولا يتحقق لك هذا -يا عبد الله- إلا بتمام المراقبة لله -تعالى-.
إلا بتمام الخوف من الله عند المعصية.
وبتمام الرجاء وإحسان الظنِّ بالله عند الطاعة.
ولئن كانت مراقبة الله مطلباً يطالب به العبدُ في كل وقت، وفي كلِّ مكان: "اتق الله حيث ما كنت".
ولكن التذكير به يتأكد بمناسبة أو أخرى، ومن ذلك ما سيعيشه أبناؤنا وبناتنا في أيامهم القادمة.
أيام الاختبارات، أيام حصاد لموسم دراسي، قضاه الطلاب تردداً على مدارسهم، ومتابعة لأساتذتهم، يؤملون النجاح، ويخشون الرسوب.
ومهما هوَّن التربويون أيام الامتحانات إلا أنها لا تزال أياماَ تتغير لها الأجواء، وتجند لها الأذهان، فيصبح هماً وهاجساً للآباء والأمهات.
فيا أيها الأولياء والمربون: ألفت نظركم أن تحرصوا على غرس روح المراقبة في نفوس أولادكم، ومن تحت أيديكم، ولا بدَّ أن يعوا أن توفيق الله فوق كل شيء، وأنَّ ما يفعله الطالب حين يستذكر دروسه لا يعدو أن يكون سبباً لنجاحه، وأنَّ عليه أن يرتبط بالله فهو المقدم وهو المؤخر، ولا راد لما قضى.
ثم على الطالب وغيره أن يأخذ العبرة من هذا الامتحان البشري المحدود في وقته ومكانه إلى الامتحان الحقيقي الذي من أجله خلق الإنسان: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)[الملك: 2].
هذا الامتحان الحقيقي وقته عمر الإنسان، ومكانه كل مكان: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ)[فاطر: 37].
(وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ) [القمر: 53].
(مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [المجادلة: 7].
عباد الله: إنَّ ربط الإنسان شئونه بالله خوفاً ورجاء عنوان سعادته، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك".
بهذه الكلمات يؤسس بنيان المراقبة في قلب العبد من أوَّل أيامه، وفي عموم شؤونه فيهون عليه كل شيء في جانب رضا الله، ودوام خشيته.
ثم أنتم أيها المدرسون الذين لم تألوا جهداً في تدريس طلابكم لا تنسوا مراقبة الله في أموركم كلها، وفي أمور الامتحانات خاصة، وضعاً للأسئلة، وملاحظة للطلبة، وتصحيحاً للأجوبة، عاملوا طلابكم كما تحبون أن يعامل غيرُكم أبناءكم، فكما تدين تدان، والجزاء من جنس العمل.
أيها الآباء، أيها الأولياء: إنَّ ظروف الحياة ومشاغلها التي لا تنقضي بل إنها تتجدد، إنها أوجدت في كثير من الأسر فجوة وصدعاً في علاقة الآباء بأولادهم ذكورهم وإناثهم إلا من رحم الله.
فبينما كان الأولاد يتربون على مرأى ومسمع من آبائهم وأوليائهم، ويصنعون على أعينهم، تغيرت الحال، ودبَّ الفصام، فالأب مشغول في وظيفته أو تجارته، والأولاد مشغولون أو متشاغلون في دراستهم ثم في مجالسهم وأصحابهم.
فاكتفى الأب من أولاده بالتحية الجافة، والكلمة العابرة، وإن زادت العلاقة فهي جلسة خاطفةٌ تعدُّ دقائقها على أصابع اليد الواحدة.
وفي المقابل اكتفى الأولاد من آبائهم أن يجدوا مطاعمهم ومشاربهم موفرة لا يجدون نقصاً فيها ولا تأخراً.
وإنَّ هذا مؤشر خطر، وخلل له عواقبه.
فالأولاد بحاجة ماسة إلى رعاية آبائهم وأوليائهم وإن جاوزوا مرحلة الصبا، بل وإن تقدموا في دراستهم وآنس الأب منهم رشداً. فالأولاد ذكورهم وإناثهم بحاجة ماسة إلى توجيه المجرب الناصح الذي عافس الدنيا، ووقف على مواقع الدَّحض والمزلَّة منها.
أيها الآباء والأولياء: تقربوا إلى أولادكم ذكورهم وإناثهم اجلسوا معهم لاعبوا صغيرهم، وصاحبوا كبيرهم، أظهروا لهم احترامكم نادوهم بأحب الأسماء إليهم شاركوهم في مشاكلهم، شاوروهم في مشاكلكم، ولو مشاورة صورية، احذروا تجهيلهم أو تسفيههم، لا سيما بحضرة غيرهم من أقرانهم وأقاربهم.
واحذروا هجرهم بحجة مخالفة وقعت منهم أو عصيان صدر منه، فإن ما يفقده منك قد يجده عند رفاقه فيزيد هجرك الطين بلة.
وإن كان لا بدَّ من هجره فاهجره وراقبه، واحذر إخراجه من البيت مهما عظم ذنبه فإن فعلت فقد ساهمت في ضياعه وهيئت فرصة الفساد له.
واعلموا أنَّ إيجاد الفجوة بين الآباء والأولاد مطلب حرص على تحقيقه أعداء المسلمين، وسائر المفسدين الذين يغيظهم تماسك البيت المسلم، يغيظهم أن يجدوا الأب مع أولاده متعاونين على البر والتقوى بينهم من المودة والألفة الشيء الكبير.
وكيف لا يغيظهم هذا، وتماسك البيت المسلم أمان من انحراف أفراده، وحصن حصين فلا مطمع لمروج مخدر، أو بائع رذيلة، أو مساوم على خلق أو فضيلة.
وإنَّ ندَّ من البيت المتماسك فردٌ بمعصية لسبب أو آخر فرجوعه قريب، وغيه بعقبه رشد فهو يجد المعين من أهله وفي بيته.
ثم أنتم أيها الأبناء: اتقوا الله في آبائكم، واسمعوا وأطيعوا، واصبروا على الجفاء منهم؛ فمن تمام الابتلاء أن يبتلى الشخص بأب أو أم لا تعين أولاده على بره، فيشتكي بعض الأولاد من والديهم أنهم لا يزالون يستصغرونهم، ويسفهون آراءهم، ويخاصمنهم في القليل والكثير وهو يرى نفسه قد بلغ مبلغ الرجال، وربما توظف وتزوج وجاءه الأولاد ومعاملة والديه لم تتغير ولا يجد الاحترام الذي يناسب تغيره.
فأقول هنا مكمن الابتلاء، ومعدن الصبر، هنا تتوفر الأجور، ويبرز البر، ويتضح الصادق فيما عند الله، المستدرك فرصة وجود والديه.
وفي هذا يتنافس المتنافسون، ويتمايز الموفقون في قوله تعالى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) [الإسراء: 23].
وما أعطى أحد خيراً وأوسع من الصبر.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين...
الخطب الثانية:
الحمد لله رب العالمين...
فها هنا أمر يتعلق بانصراف الطلاب وخروجهم من مدارسهم أثناء أيام الاختبارات، فهم يخرجون مبكرين على خلاف عادتهم، فيبقى عند الطلاب متسعٌ من الوقت أكثرهم لا يحسن استغلاله، فهو وقت ضائع على غالب الطلاب فتجد بعضهم يتجمعون عند أبواب مدارسهم في أصوات مزعجة، أو في خصومات وشجار بينهم، أو مع من يمر بهم.
وتجد البعض الآخر يذهبون ويجيئون ماشين أو على دراجاتهم، أو سياراتهم معرضين أنفسهم وغيرهم للخطر، وقد يركب كبيرُهم صغيرهم، وسيئُهم غافلَهم، وقد يستدرجه إلى أمور عظام ويهون عليه ما يستقبح من الفحش والآثام، وأقل ما يورطه فيه أن يجرئه على شرب الدخان.
وبعضهم في فوضوية ظاهرة، وعشوائية متعمدة، أمام البقالات، وبائعي الإفطار.
وإني أقول واجب على الولي من أب أو غيره أن يحسب حساباً دقيقاً لحفظ ولده في فترة ما بعد الامتحانات وأول الحفظ أن تعرف متى سيخرج من امتحانه هذا اليوم، أيمتحن مادة أو مادتين، وليس بكثير أن تضع صورة جدول الاختبار في جيبك تشجيعاً لابنك ومراقبة.
ثم عليك بإرجاعه بعد امتحانه من غير تأخير له إن كان ممن يحتاج ذلك.
إن استطعت ذلك بنفسه أو بالوكيل الثقة من قريب أو صديق أو جار، ومع ذلك أنت متابع له باتصالك هل وصل إلى البيت ومتى؟ بأسلوب يفهم منه الحرص والمتابعة لا التجبر والمضايقة؟
ثم لا تنس -أيها الولي المبارك-: أن تنبهه لشيء من الطرق الملتوية التي تظهر عند بعض الطلاب في أيام الامتحانات فالسهر المفرط بحجة المذاكرة له آفاته وأضراره على الصحة والنفسية، وفي الغالب لا يؤدي الغرض المرجو، وتعاط المنشطات والحبوب التي تَجْمع الذاكرة كما يزعم، وقد يغرر بها بعضهم بعضاً وهي شر مستطير وبوابه إلى إدمانها والتردي إلى ما هو أسوء منها.
وإنما يوصي الأب ابنه بالاعتماد على الله، والمحافظة على الصلاة، وأن لا يسمح له بتفويتها عن الجماعة بحجة أنه متعب أو مشغول بالمذاكرة فضلاً عن تفويتها عن وقتها، ثم يرشده إلى الدعاء بالتوفيق وأخذ الأمور بطمأنينة واعتدال وما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه.
وقد اجتهد بعض المخطئين فصاروا يوزعون ورقة تتضمن أدعية عنونت بـ"دعاء المذاكرة والنجاح" وفيها دعاء قبل المذاكرة، وآخر عند دخول الامتحان، وثالث بعد المذاكرة، ورابع وخامس، وهكذا حتى تنتهي إلى آخرها الدعاء، يعد أن ينتهي من الإجابة، وهذه الورقة قديمة وقد صدرت فتوى من اللجنة الدائمة عام واحد وعشرين وأربعمائة، وألف ببدعية هذه الأدعية والتحذير منها، وقد خفيت على بعض الطلاب، وربما بعض المعلمين وخصوصاً المعلمات، والحق أحق أن يتبع.
ومن فضول التنبيه لوضوحه لا لهوانه التنبيه على حرمة الغش، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من غشَّ فليس منا".
فالغش من كبائر الذنوب، ويدخل في ذلك الغش في الامتحانات، ثم ينبني على ذلك بطلان وحرمة ما ترتب على هذه الدرجة التي لا يستحقها الغاش، فإن توظف فهي وظيفة بنيت على كذب ومرتبها سببه الكذب، فأكله حرام، فتضيق على الإنسان بذلك السبل، ويندم حين لا ينفع الندم.
اللهم وفق أولادنا.
أيها الإخوة: يتشاغل الإنسان في أموره الخاصة، وأمور معيشته، وتربية أبنائه عما يجري لإخوان لنا في بلاد الشام، ولكنه تشاغل سرعان ما تعود ذاكرته إلى الذهن، وحسرته إلى القلب فهو أكبر من أن ينشغل بغيره عنه.
فمن هذا الذي ينشغل عن مذابح إخوانه جهاراَ نهاراَ بالعشرات والمئات.
أي شغل يلهينا عن تحالف صليبي أمريكي، ورافضي إيراني، وإلحادي روسي؛ ضد شعب أغزل في حرب وقودها رجال ونساء وأطفال مظلومون.
أهون ما يواجهونه قصف بالصواريخ الثقيلة.
ما أعظم أثر الذنوب حينما تتحالف دول الظلم على الشعوب، ومن تمام العقوبة وشدة البأس أن يخرس الله ألسنة دول مجاورة، فلا تسمع لها كلمة تناسب الحدث أو تقارب.
أما إن خوفنا ليس مما يجري على إخواننا فقط، ولكن خوفنا أن يصيبنا بتقصيرنا مثل أصابهم.
والنذر من بين أيدينا ومن خلفنا ونحن على ما ترون من إضاعة أمر الله، والانكباب على الدنيا وإتراف أجسادنا، وتمرد السفهاء منا في أقولهم، وأفعالهم، وتطاولهم على ربهم
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدا، اللهم أيقظ قلوبنا من غفلتها، وردنا إلى دينك رداً جميلا.
اللهم في هذه الساعة المباركة نسألك نصراً عاجلاً لإخواننا في سوريا.
اللهم احفظهم من عدوان الظالمين، واكتب لهم فرجاً عاجلاً يا رب العالمين.
اللهم إنك قلت وقولك الحق: (أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [المجادلة: 19].
اللهم أرنا في حزب الشيطان خسارة تشفي صدورنا، وتطمئن بها قلوبنا.
وتكون عبرة لأعدائك، وقرة عين لأوليائك، ونصرا للمظلومين، وفتحاً قريباً للمستضعفين.
اللهم مجري السحاب، ومنزل الكتاب، وهازم الأحزاب.
اللهم عليك بالذين يصدون عن سبيلك، ويؤذون عبادك، اللهم فرق جمعهم، وأبطل سعيهم، ولا ترفع لهم راية، ولا تقم لهم دولة، يا من بيده مقاليد الأمور، وهو على شيء قدير.