الشكور
كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...
العربية
المؤلف | حسان أحمد العماري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
إن الاعتراف بالخطأ والرجوع عنه إلى الحق دليل على نُبلٍ في النفس، ونُضج في العقل، وسماحة في الخُلق، وقوة في الإرادة ولا يمنع الشخص السوي من الاعتراف بالذنب والرجوع عن الخطأ إلا لمرض في قلبه، ولعله... وهكذا مضت قافلة البشر، وهكذا تعلم الأنبياء والصالحون؛ فموسى - عليه السلام - لمَّا وكز الرجل وقتله، لم يتغنَّ ببطولته، ولم يُبرّر عملَه، بل...
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، لا فوز إلا في طاعته، ولا عز إلا في التذلل لعظمته،
ولا غناء إلا في الافتقار إلى رحمته.
أحمده - سبحانه - وأشكره، إذا أطُيع شكر، وإذا عُصي تاب وغفر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يحب التوابين، ويحب المتطهرين، ويغفر للمخطئين المستغفرين، ويُقيل عثرات العاثرين، ويمحو بحلمه إساءة المذنبين، ويقبل اعتذار المعتذرين.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، وحجته على الخلائق أجمعين، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
عباد الله: ليس على وجه الأرض بشر معصوم من الخطأ؛ فقد اقتضت سنة الله عند خلقه لهذا الإنسان أن يكون الخطأ جزء من حياته، وسلوك من سلوكياته، وسمة بارزة في شخصيته، قد يقع فيه في أي وقت من حياته؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ".
ولقد كان من التوجيهات القرآنية الرفيعة؛ أنه في حال وقوع الفرد المسلم في الخطأ، سواء كان في معاملة العبد مع ربه، أو في السلوك، أو المعاملات، أو حتى في التصرفات والأخلاق، فإن عليه أن يواجه أخطاءه، وأن يعترف بها ولا يبررها، ولا يلتمس لنفسه الأعذار، ولا يهرب من المسؤولية.
ولعل هذا من أبرز الدروس التربوية الراقية؛ التي تعلَّمها الجيل الأول الفريد؛ بعد معركة أحد وهزيمة المسلمين فيها، قال - تعالى -: (أَوَ لَمَّا أصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[آل عمران: 561].
فالخطأ ابتداءً ليس عيباً، بل هو سِمَة بشرية.
وكذلك الوقوع في الذنب؛ لأن العصمة للحبيب - صلى الله عليه وسلم - فقط.
ولكن العيب هو التمادي في الخطأ، وعدم الرجوع عن الذنب؛ والخيرية لمن تاب وأناب: "كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ".
هذا أبونا آدم -عليه السلام- اعترف بذنبه لمَّا أخطأ، وسارع إلى ذلك، ولم يُحاول تبرير ما وقع فيه من إثمٍ بمخالفة أمر الله، والأكل من الشجرة المحرَّمة عليه هو وزوجه، لم يُراوغ، ولم يتكبر، لكنه جاء معترفًا بخطئه، ومُقرًا به: (قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ)[الأعراف: 23].
وهكذا مضت قافلة البشر، وهكذا تعلم الأنبياء والصالحون؛ فموسى - عليه السلام - لمَّا وكز الرجل وقتله، لم يتغنَّ ببطولته، ولم يُبرّر عملَه، بل اعترف بظلمه لنفسه، وقال في ضراعة: (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[القصص: 16].
وملكة سبأ لم يمنعها ملكها ومالها وقوة جيشها ومكانتها أن تعترف بخطئها في عبادة غير الله، فلما قدمت على سليمان - عليه السلام - ورأت قدرة الله وقوته وحكمته وعلمه وتهيئته الأسباب لنبيه سليمان - عليه السلام - أعلنت اعترافها، قال - تعالى -: (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[النمل: 44].
والله - سبحانه وتعالى - قد وصف المؤمنين بهذا السلوك العظيم، فمتى ما وقع المرء في خطأ، فما أجمل أن يسارع إلى الاعتراف والرجوع إلى الحق، قال - تعالى -: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران: 135].
والاعتراف بالخطأ في حق الله سواء كان في الاعتقاد، أو العبادات والأحكام، فإن العبد يكفيه أن يعترف بخطئه لربه، ويندم على ما فرط، ويسارع إلى الأعمال الصالحة ليعوض ما فاته من خير، ولا يلزمه أن يشهر بنفسه على الخلائق، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله - عز وجل - عنها، فمن ألم فليستتر بستر الله - عز وجل –"[رواه الحاكم (4/383) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (663)].
وهو - سبحانه - الذي ينادي عباده كما في الحديث القدسي: "يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي"[رواه الترمذي].
أيها المؤمنون -عباد الله-: وعلمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقه الاعتراف بالخطأ، ودلنا على سيد الاستغفار، حتى لا يطغى الإنسان، ويعلم علم اليقين أنه مقصر في حق الله، مهما كان تقياً ورعاً، قال - عليه الصلاة والسلام -: "سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت قال: من قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة"[رواه البخاري].
ولذلك تربى الصحابة على هذا الخلق، وتزينوا به، فكانوا شامة بين الناس، به نالوا مغفرة الله ورضوانه، وبه أقاموا الحق، وأسسوا العدل، وبه حفظت الحقوق، وزادت الألفة والمحبة بينهم، وعُرف الحق من الباطل، والصحيح من الخطأ، والظالم من المظلوم، قال عمر - رضي الله عنه - في كتابه لأبي موسى الأشعري: "ولا يمنعك قضاء قضيت به اليوم فراجعت فيه نفسك، وهديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحق، فإن الحق قديم، ولا يبطل الحق شيء، وإن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل".
وانظروا إلى أهمية الاعتراف بالخطأ، وثمرته وآثاره في حياة الفرد والمجتمع، وكيف يقود هذا الخلق الأفراد والمجتمعات إلى حياة الجدية والصدق والاستقامة، فقد دعا رسول - صلى الله عليه وسلم - المسلمين للخروج إلى تبوك في السنة التاسعة من الهجرة، وتخلف بعض الصحابة عن الخروج، بعضهم بعذر، وآخرون لم يكن لهم عذر، سوى التسويف، ثم الكسل يوماً بعد يوم، حتى عاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، وكان من هؤلاء كعب بن مالك - رضي الله عنه -، فلما قدم - صلى الله عليه وسلم - جلسَ للناسِ، وجاءه المخلفون يعتذرون إليه، ويحلفون له، فقبلَ منهم علانَيتهم، ووكل سرائرَهم إلى الله، وهؤلاء جاؤوا يبررون أخطاءهم، ويصرون على ذلك، قال - تعالى -: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ) [التوبة: 49].
بل منهم من جاء يبرر خطئه بعدم خروجه مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنصرة الإسلام، ووقف زحف الروم على المدينة بسبب حرارة الجو، وما أقبحه من عذر، فالذي يدرك أنه ذاهب إلى ساحات الجهاد حيث الدماء والأشلاء لنصرة الدين، هل يؤثر في نفسيته حلة الجو وحرارة الشمس، قال -تعالى-: (وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ)[التوبة: 81].
وكم تضيع اليوم من حقوق، وتهمل من واجبات بسبب الإصرار على الخطأ، وعدم الاعتراف به، واتباع سياسة التبرير لكل خطأ.
قال كعب بن مالك: فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سلمت عليه، تبسمَ تبسم المُغضب، ثم قال: تعال، فجئت أمشي حتى جلستُ بين يديه، فقال: ما خلفَك يا كعب، ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟ فقلتُ يا رسولَ الله: والله لو جلستُ عند غيرِك من أهلِ الدنيا لرأيتُ أني سأخرجُ من سخطِه بعذر، ووالله لئن حدثتُك اليومَ حديثِ كذبٍ ترضى به عني، ليوشكَن اللهَ أن يسخطَك علي، ولأن حدثتُك حديث صدقٍ تجد علي فيه إني لأرجُ فيه عفو الله، واللهِ يا رسولَ الله ما كان لي من عذر، والله ما كنتُ قط أقوى ولا أيسرَ مني حين تخلفتُ عنك، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "أما هذا فقد صدق، قم حتى يقضيَ الله فيك".
صدقٌ، ووضوح، وصراحة، لا التواء ولا مراوغة، ولا تبرير.
علم كعبُ أن نجاتَه في الدنيا والآخرةِ إنما هي في الصدق، والاعتراف بالخطأ.
وهجر المسلمون كعب ومن صدق معه ممن تخلفوا خمسين ليلة حتى تاب الله عليهم، قال - تعالى -: (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [التوبة: 118].
إن الاعتراف بالخطأ والرجوع عنه إلى الحق دليل على نُبلٍ في النفس، ونُضج في العقل، وسماحة في الخُلق، وقوة في الإرادة ولا يمنع الشخص السوي من الاعتراف بالذنب والرجوع عن الخطأ إلا لمرض في قلبه، ولعله أخطر الأمراض؛ كما روى الإمام مسلم - رحمه الله تعالى - في صحيحه عن عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حسنة، قال: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس".
والمعنى رد الحق واحتقار الناس والاستخفاف بهم.
اللهم استعملنا في طاعتك ووفقنا للعمل بكتابك وسنة نبيك.
قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية:
عباد الله: كم نحن بحاجة إلى الاعتراف بأخطائنا حتى تستقيم الحياة، وتتضح القيم والمفاهيم، وتعالج الاختلالات، ويدرك كل واحد منا مسؤولياته وواجباته، كم نحن بحاجة إلى الاعتراف بأخطائنا لنصبح مؤهلين لقيادة البشرية، وتعليم الإنسانية دروس الحياة الكريمة، والتي تقوم على الحق والعدل.
ما أجمل أن يقف الوالد أمام أبنائه يعترف بخطئه، وإذا لم يفعل سيتربى الأبناء على الخطأ، ويمارسوه في واقع الحياة، ولا ينبغي أن يبرر خطأه مهما كان.
وما أجمل أن يقف المدير وبكل شجاعة أمام موظفيه يعترف بخطأ ارتكبه حتى لا يتكرر ويصبح سنة في التعامل وإدارة الأعمال.
وما أجمل أن يقف الضابط أمام جنوده يعترف بكل وضوح دون تبرير لخطأ وقع فيه، فيزداد احترام وحب الجنود له، ولا تأخذه العزة بالإثم فيسقط من عين جنوده، يقول نابليون القائد الفرنسي وهو يواجه العالم بخطأه وهو في منفاه بجزيرة سانت هيلانه: "لا أحد سواي مسؤول عن هزيمتي، لقد كنت أنا أعظم عدو لنفسي!".
وما أروع أن يقف ذلك السياسي يعترف بخطئه أمام الجماهير، أو في الصحيفة، أو في أي وسيلة من وسائل الإعلام، ولا يكابر، أو يصر على خطأ وقع فيه، حتى لا يقود الأمة إلى أخطاء تتوارثها الأجيال، فيكون عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.
لقد وقف عمر بن الخطاب يومأ يخطب في الناس، وأراد أن يحدد مهور الزواج في عصره، فقامت امرأة، وقالت: يا عمر إن الله - عز وجل – يقول: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) [النساء: 20].
فمن أين جئت بهذا يا عمر؟ فقال - رضي الله عنه -: "صدقت المرأة وأخطأ عمر"
بكل شجاعة وتواضع، بل قال: "كل الناس أفقه من عمر".
وما أجمل أن يقف العالم معترفاً بخطئه في مسألة فقهية، أو علمية، تبين له الحق فيها بعد ذلك، حتى لا يقود الأمة إلى الهلاك والضياع، فيكون داعية على أبواب جهنم؛ لقد وقف الإمام الشافعي - رحمه الله - يقول لطلابه: "ما وجدتم في كلامي يخالف كتاب الله وسنة رسوله فارموا به عرض الحائط، وأرجع عنه فالحق أحب إلي مما سواه".
وما أجمل أن يعترف الزوجان بأخطائهما تجاه بعضهما البعض، فكم هدمت من بيوت، وشردت من أسر، بسبب الإصرار على الخطأ، وعدم الاعتراف به، فساءت حياتهما، ولحقت التعاسة بأبنائهما، وكان يكفي لإشاعة المحبة والسعادة بينهما أن يقول أحدهما للآخر: أنا أخطأت، وأعتذر وأرجع.
عباد الله: كم من النزاعات والصراعات بين الأصحاب والأصدقاء؟ وكم حدث التهاجر بين الجيران؟ بسبب عدم إقرار مرتكب الخطأ بخطئه، وإصراره عليه.
لقد قال أبو ذر - رضي الله عنه - لبلال يوماً: يا ابن السوداء، عيره بأمه، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية".
فتاب وندم، واعترف بخطئه وجرمه، فلم يسوغ لنفسه، أو يبرر لها أنه كان في وقت غضب، أو غير ذلك، بل لما رأى بلالا قادما وضع خده على التراب، وقال: يا بلال والله لا أرفع خدي حتى تضع قدمك على خدي الآخر، اعترافا منه بخطئه، فقال بلال والدموع تملاء عينيه: قم يا أخي والله لا أضع قدمي على وجه سجد لله، وأخذ يحتضنه ويقبله.
إنه إن لم نعترف بأخطائنا اليوم سنعترف بها حتماً في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، ولا ينفع فيه الندم والاعتذار، والاعتراف بالأخطاء عندما نقف بين يدي الله يوم القيامة، وعندما يعاين الناس العذاب، قال - تعالى - عن هؤلاء واعترافهم، وتبريرهم لأخطائهم: (قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ )[المؤمنون: 106-111].
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
ثم اعلموا أن الله -تبارك وتعالى- قال قولاً كريماً تنبيهاً لكم وتعليماً، وتشريفاً لقدر نبيه وتعظيماً: (إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وخلفائه الراشدين، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، أبي بكر وعمر وعثمان وعلى، وارض اللهم عن بقية الصحابة والقرابة وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وفضلك يا أرحم الراحمين.
والحمد لله رب العالمين.